ما هي آثار جائحة كورونا في العمل؟

أثَّرت جائحة "كوفيد-19" (Covid-19) تأثيراً سلبياً في كل جانب من جوانب الحياة في المجتمع، بدءاً بتربية الأطفال ورعايتهم إلى وسائل الترفيه والأمن الوظيفي، فقد مرَّ أكثر من عام منذ بدء أولى عمليات الإغلاق والحجر الصحي، ولكنَّ العمل في مثل هذه الظروف غير المسبوقة يمكن أن يخلق إجهاداً من شأنه أن يتضاعف تدريجياً ليصبح ذلك أمراً غير محتمل مع استمرار هذه الجائحة؛ حيث إنَّ بعض التأثيرات طويلة الأمد لكل هذا الضغط قد تبدأ بالظهور الآن فقط.



"سيسلي هورشام بريثويت" (Cicely Horsham-Brathwaite)، وهي اختصاصية نفسية وكوتش تنفيذية مرخصة؛ حيث قالت: "إنَّ الإجهاد أمرٌ يتضاعف مع مرور الوقت، وعندما لا تُحَل الأسباب الكامنة وراء هذا التوتر فإنَّه يتراكم ويتضاعف؛ فنحن نرى الآن أنَّ الناس يشعرون بالفعل بتأثير التوتر على مدار العام الماضي".

إليك كيف يمكن أن تظهر آثار التوتر الآن في حياتك المهنية:

1. غياب الدافع للقيام بعملك:

عندما تصل إلى نقطة الانهيار فإنَّ صحتك النفسية تتأثر، ويمكن أن ينعكس هذا الشعور بالإرهاق عموماً على عملك وطريقة تفكيرك؛ إذ تتساءل "بريثويت" عن موعد نهاية هذا الشعور؛ وذلك لأنَّ الإحساس في النهاية بأنَّ لديك الكثير من الأمور التي يتعيَّن عليك القيام بها في أثناء جائحة - لا يُعرَف متى تنتهي - يمكن أن يؤدي أيضاً إلى الشعور بالملل وانعدام الحماسة في أثناء العمل، على حد قولها.

كما قالت "ييسيل يون" (Yesel Yoon) عالمة النفس المتخصصة في التحولات المهنية وعدم اليقين الوظيفي: إنَّ انعدام الحافز لديك يمكن أن يؤدي إلى تشتيت انتباهك بسهولة، ويحرمك القدرة على التركيز ويجعلك تشعر بأنَّك غير منسجم في وظيفتك، ولكنَّ السؤال هنا هو: ما هو السبب الذي يمكن أن يؤدي إلى شعورك هذا بعدم الانسجام مع عملك؟ وتضيف "يون": في هذه المرحلة من الجائحة، قد نفتقر بشدة إلى المكاسب التي كانت تمنحنا إياها الزيادات أو المكافآت التي كانت تُقدَّم لنا أو فترات الراحة التي نحن بأمس الحاجة إليها، والتي كنا نحصل عليها خلال التنقل إلى العمل والتواصل مع الزملاء.

حيث تقول "يون": "إنَّنا مخلوقات اجتماعية ولسنا روبوتات، فنحن نريد أن تتطور الأمور وتتغير، كما نريد أن نتكيف مع هذه التغيرات؛ إذ إنَّ عدم وجود هذه الإمكانية في مكان العمل هو ما يؤدي إلى هذا الشعور بالضيق، وهي المشاعر التي تعبِّر عنها جملة "يا إلهي، لقد ضِقتُ ذرعاً".

شاهد بالفديو: 7 نصائح لأصحاب العمل للتعامل مع فيروس كورونا

2. الشعور بالاستياء عندما يتصرف الآخرون وكأنَّه عمل كالمعتاد:

إنَّ الشعور بالاستياء يمكن أن يتفاقم عندما يختلف ما تراه عمَّا يقوله مديروك اختلافاً كبيراً، وبالنسبة إلى الكثير من الأشخاص الذين لا يعملون في مناصب تنفيذية، فإنَّ الوضع الحالي غير مفيد.

وجدت إحدى الاستطلاعات التي أجرتها شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) والتي صدرت في شهر آذار أنَّ 61% من قائدي الأعمال يقولون إنَّهم يحققون النجاح حاليَّاً، في حين أنَّ 38% فقط من العمال الذين ليس لديهم سلطة اتِّخاذ القرار يقولون الشيء نفسه، في الواقع؛ ما يقرب من شخص واحد من كل خمسة أشخاص محترفين في الاستطلاع قالوا: إنَّ رب العمل لا يهتم بالتوازن بين الحياة المهنية والشخصية، كما قال معظمهم: إنَّهم مرهقون بالعمل ويعملون فوق طاقتهم.

"هورشام بريثويت" قالت: إنَّه إذا طُلِب من الناس القيام بمستوى العمل نفسه دون إدراك أنَّ هذا لا يزال وقتاً يُسبِّب لهم الإرهاق، فيمكنهم الشعور بالاستياء، وتابعت قائلة: "ما أسمعهُ من الناس هو أنَّ أرباب العمل قد عادوا إلى العمل كالمعتاد، على الرغم من أنَّ الأمور لا تسير كالمعتاد".

3. الشعور بالقلق حيال العودة إلى المكتب:

صرَّحَت "جيسيكا ميثوت" (Jessica Methot) الأستاذة المشاركة في كلية الإدارة والعلاقات العمالية في "جامعة روتجرز" (Rutgers University) لموقع "هاف بوست" (HuffPost): بأنَّ الانتقال إلى العمل عن بُعد كان أمراً مُربِكاً في بداية الأمر، ولكن بعد أن أَتقنَ الموظفون طرائق جديدة للعمل عن بُعد، فإنَّهم قد يترددون في العودة إلى العمل من المكتب.

توجد المزيد من الشركات التي تُخطِّط إمَّا للعودة إلى العمل في مكاتبها أو المبادرة إلى دعوة العُمَّال للعودة إلى مقرات عملهم، في حين أنَّ هذا الأمر قد يبعثُ الحماسة بالنسبة إلى بعض الموظفين، إلَّا أنَّه يمكن أن يثير الكثير من الشك والقلق بالنسبة إلى بعضهم الآخر بشأن كيف سيبدو نظام العمل في مكتب ما بعد الجائحة، وما إذا كانت رؤية المدير فيما يخص تهيئة مكان عمل تشاركي آمن تتوافق مع رؤيتك.

قالت "يون": إنَّ أولئك الذين لا يتوقون إلى العودة إلى العمل في المكتب، قد يشعرون بالقلق خصوصاً عندما يتلقون إشعارات تنص على إعادة بدء وضع خطط للعمل ووضع مراحل إنجازه، وتُكمِل "يون" قائلة: "لقد سمعتُ وشعرت بالتأكيد بالقلق الذي يُعبِّر عنه أُشخاص آخرون عندما يقولون: "يا إلهي، كيف ستبدو العودة إلى المكتب؟ كيف يمكننا حتى أن نتفاعل معاً مع بقية الزملاء؟".

إقرأ أيضاً: 4 إجراءات لمنع تشكل بيئة عمل سامة في فترة ما بعد الجائحة

4. التفكير بجدية في تغيير وظيفتك الحالية:

إنَّ غالبية الأمريكيين الذين شملهم استطلاع أجرته منصة "لينكد إن" (LinkedIn) في شهر آذار/ مارس قالوا: إنَّهم توقفوا عن تغيير وظائفهم، مشيرين إلى أنَّهم بحاجة إلى كسب رواتب ثابتة في أثناء الجائحة ويرغبون في انتظار سوق عمل يوفِّر لهم وظائف ملاءمة أكثر، ولكن بالنسبة إلى بعض الناس قد يكون هذا هو الوقت المناسب لتغيير مهنتهم الحالية؛ حيث تعلن الولايات المتحدة الأمريكية عن إعادة بدء وضع خطط العمل، كما أنَّ توفير اللقاح ضد فايروس كورونا لم يَعُد يُمثِّل عقبة كبيرة.

أشارت "يون" إلى أنَّ الأشخاص المتخصِّصين الذين اتَّخذوا قراراً بالتمسُّك بوظائفهم في بداية رحلتهم المهنية، قد يفكرون الآن في تغيير وظائفهم، تقول "يون": "ربما سأُعيد النظر في المزايا المرتبطة بالوظيفة الخاصة بي، وأبدأ العمل على هذا الأمر؛ إذ إنَّه من الواضح أنَّ هذه المزايا ثابتة وما زلتُ أشعر بعدم الرضى الوظيفي، كما أعتقدُ أنَّ وضع الخطط المتأخرة قد عاد إلى نقطة البداية".

على الرغم من استمرار القيود المفروضة جراء جائحة كورونا في أجزاء من الولايات المتحدة، إلَّا أنَّ العديد من الأمريكيين يتناولون وجبات طعامهم في المطاعم ويعاودون السفر مع إعادة انتعاش الاقتصاد الأمريكي، وقالت "يون": إنَّه نتيجة لذلك، "فإنَّ الأشخاص المتخصصين يتلقون رسائل غير واضحة، ولا تزال الأمور صعبة، ولكنَّهم يرون أيضاً أنَّ الاقتصاد يتحرك قليلاً؛ لذلك توجد بالفعل وظائف بدأَت بالازدهار، وأعتقدُ أنَّ هذا قد أثار الشعور بالأمل لدى الناس".

إقرأ أيضاً: 13 شيئاً هاماً للتفكير فيه قبل تغيير مسارك الوظيفي

5. النظر إلى حياتك المهنية بشكل مختلف تماماً الآن، وخاصةً إذا فقدتَ وظيفتك نتيجةً لهذه الجائحة:

إنَّ فقدان الوظيفة خلال جائحة كورونا كان حدثاً شائعاً للأسف في العام الماضي؛ حيث إنَّ إحدى الاستطلاعات التي أَجرَتها مؤسسة "غالوب" (Gallup) في النصف الثاني من عام 2020 وجدت أنَّ أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم قد فقدوا وظائفهم أو أعمالهم بسبب جائحة COVID-19.

إنَّ هذا الأمر قد يؤثر في نظرتك إلى حياتك المهنية الآن بطرائق غير واضحة، فعندما تُقال أو تُطرَد من العمل، فإنَّك لا تفقد مصدر دخل ثابت فحسب؛ بل قد تفقد أيضاً هدفك وشعورك بالأمان.

قالت "يون": إنَّ الأشخاص الذين يخسرون وظائفهم قد يقبلون عقلية المجازفة السلبية كآلية دفاعية ويقولون: "لا تعرف أبداً ما سيحدث؛ لذلك من الأفضل أن تكون سعيداً بما لديك" أو يقولون: "أنا محظوظ لما أمتلكهُ، حتى لو لم أكن سعيداً".

كما قالت "يون": "إذا تركتَ هذه الأفكار تراودك لفترة طويلة دون أن توقفها، فيمكن أن تبدأ السيطرة على إدراكك؛ فأنت لا تحاول أبداً القيام بالمجازفة ولم تَعُد تشك في ذاتك، ويمكنني أن أتخيَّل "بالنسبة" إلى هذه المجموعة أو الجيل من الأشخاص الذين مروا بهذا الأمر، سيكون لهذا الأمر تأثير مضاعف فيهم في المستقبل، ويمكن أن يؤثر في طريقة تفكيرهم من ناحية تغيير حياتهم المهنية".

حتى إذا لم تَكُن قد خسرتَ وظيفتك، فقد ينتابك شعور بعدم اليقين بشأن المستقبل أيضاً، ولكن في كلتا الحالتين، لا يجب أن تدع أفكاراً مثل "إنَّه أمرٌ محفوف بالمخاطر" أن تمنعك من التفكير في الوظيفة أو الدور الذي تريد أن تقوم به.

"يون" تقترح أنَّه إذا كنتَ تعاني من هذا النوع من العقلية الرافضة للقيام بأيَّة مجازفة بشأن وظيفتك، فيجب أن تسأل نفسك ما هي المجازفة بالتحديد التي ينبغي أن تقوم بها في هذا الشأن؟ وذلك حتى تتمكن من بدء معرفة ما عليك القيام به لتقليل المخاطر، وبهذه الطريقة فإنَّك أنت مَن يسيطر على الخوف وليس العكس.

المصدر




مقالات مرتبطة