ما هو الفارق بين ذوي العقلية المنفتحة، وذوي العقلية المنغلقة؟

هل أنت ممن يعتقدون بأنَّهم على صوابٍ دوماً، وتميل إلى التشكيك في كل فكرة تعارض أفكارك؟ هل لديك عدد محدود من الهوايات والأصدقاء، وتنظر إلى كل أمرٍ جديد في حياتك على أنَّه تغيير كبير من غير المحبذ إجراؤه؟ إن أجبت بنعم، فأنت حينئذٍ شخص ضيق الأفق ذو عقلية منغلقة. لكن مهلاً، هل يكفي ما تمّ ذكر أعلاه للحكم على أي شخصٍ بهذه الطريقة؟ وما هي سمات العقلية المنفتحة والعقلية المنغلقة، إن صحَّ ذلك الحكم؟



للإجابة على هذه الأسئلة وأكثر، تابع معنا قراءة سطور هذا المقال الذي يجيب عن ذلك بالتفصيل. لكن وقبل أن نبدأ، تجدر الإشارة إلى الملاحظة الآتية: إنَّ العقلية المنغلقة وعدم الانفتاح العقلي أو الذهني، والعقلية المتحجرة؛ هي بضع صفات مشتقة من نفس المصطلح باللغة الإنكليزية (Close-Mindedness). وبالمثل؛ فإنَّ الانفتاح والتحرر والعقلية المتحررة والانفتاح العقلي أو الذهني والعقلية المنفتحة؛ هي مجموعة صفات مشتقة من نفس المصطلح باللغة الإنكليزية (Open-Mindedness)، وسيتم استخدام أي منها حسبما يقتضيه السياق.

أولاً: ما سمات الأشخاص ذوي العقلية المنفتحة بالمقارنة مع نظرائهم من ذوي العقلية المنغلقة؟

يُفكِّرُ كلا النوعين من الأشخاص ويتصرّفون بأشكال مختلفة؛ رغم أنَّ هذه الاختلافات قد تكون في بعض الأحيان خفية. إذ لا يمانع الشخص المنفتح وجود استراتيجيات وأفكار جديدة غير مألوفة بالنسبة إليه؛ وقد يمتد هذا الأمر ليصل إلى تبنيه ثقافات جديدة، أو اكتشافه طرائق أسرع في تحقيق أهدافه. فتجد أصحاب العقلية المنفتحة لا يسمحون لغرورهم بأن يمنعهم من التشكيك في معتقداتهم.

وعلى النَّقيض من هذا؛ نجد الشخص ضيق الأفق أو ذو العقلية المنغلقة (Narrow-Minded) يعارض النظر في أفكار جديدة، ويؤمن بأن آرائه لابدَّ وأن تكون صحيحة. توجد العديد من الأسباب التي تفسر ذلك؛ ومن ضمنها الغرور والخوف من المجهول والراحة التي يجلبها عليهم شعورهم بالألفة.

حسبما ذكر الملياردير والمؤلف راي داليو في كتابه "Principles"، فإنَّ الشخص ذي العقلية المنغلقة هو من:

  • يمنع الآخرين من الكلام.
  • يفتقر إلى الإحساس العميق بالتواضع.
  • لا يحب أن يتحدى أحدهم أفكاره ومعتقداته.
  • نادراً ما يسأل أي أسئلة، ويفضل تقديم بيانات بدلاً من ذلك.
  • يكون ذا ميلٍ إلى التركيز على أن يُفهَمَ بدلاً من أن يَفهَمَ.
  • يتشبَّث بما يؤمن به، ولا يرغب في تغييره.
  • يهتمُّ في إثبات صحة كلامه أكثر من سماع وجهات نظر أخرى.
  • لا يقدر على تبنِّي فكرتين متعارضتين في ذات الوقت.
  • يبدأ كلامه بالقول: "قد أكون مخطئاً، لكن..." بغية إقناع نفسه والآخرين بأنَّه منفتح الذهن؛ في حين أنَّه ليس كذلك.

وعلى النقيض من هذا، نجد أنَّ الشخص المنفتح:

  • يَعتقِد شِبهَ جازمٍ بأنَّه قد يكون مخطئاً.
  • يُلزِم نفسه بالنَّظر إلى الأمور من خلال عيون الآخرين.
  • يُنصِت أكثر ممَّا يتكلم.
  • لا يثور غضباً حينما يختلف مع أحدهم في وجهات النَّظر.
  • يعرف متى يدلي ببيانات، ومتى يطرح الأسئلة.
  • قادرٌ على تبني فكرتين متعارضتين، وتقييم مزاياهما النسبية.

يتشابه الأشخاص ذوو العقلية المنغلقة مع أقرانهم الأشخاص ضيِّقي الأفق (محدودي التفكير أو صغار العقل - Small/Narrow-Minded People)؛ لكن لا يتطابقون معهم. فالشخص ضيق الأفق هو ذلك الشخص الذي يغوص في مشكلاتٍ سطحيَّةٍ تافهة، أو مخاوف حياتية على حساب سعادته ونجاحه على المدى الطويل.

أفضل مثالٍ على ذلك سيكون تلك الفتاة التي تتشاجر مع سيدةٍ فقيرة مسنةٍ، وتتعمد إهانتها بسبب أمرٍ لا أهمية له، جاعلةً إياها حزينة ومكتئبة طوال اليوم؛ غافلةً عن أنَّها (الفتاة) شابةٌ غنيةٌ تتمتع بصحةٍ جيدة.

لمَ يكون الناس ضيقي الأفق؟ في الحقيقة، هم غالباً ما يولدون ساذجين، ويظلون جاهلين عن كيفية عيش حياتهم بطريقة أكثر استراتيجية.

يكمن الفرق بين الأشخاص المنفتحين والأشخاص المنغلقين؛ في استعدادهم لتبني أفكار ومعتقدات مختلفة، أو أساليب وممارساتٍ حياتية جديدة كلياً. يمكن أن يكون الأمر بسيطاً مثل تجربة نظامٍ غذائي جديد، أو كبيراً إلى درجة العيش في بلد يختلف اختلافاً جذرياً عن بلدانهم الأصلية.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

ثانياً: ما هي فوائد امتلاك عقلية منفتحة؟ وكيف تكون منفتحاً؟

كشفت دراسة نفسية جديدة أنَّ الأشخاص المنفتحون قد يعيشون في واقعٍ مختلفٍ تماماً. فقد وجدت هذه الدراسة ترابطاً بين الانفتاح والمزاج؛ إذ يؤثر الانفتاح على طريقة إدراكك للعالم من حولك، مما يؤثر بدوره في قدرتك على الإبداع.

كما وجدت دراسة أخرى أجرتها مؤسسة Stanovich & West، أنَّ التفكير المنفتح والقدرة على تقييم جودة الحجة الموضوعية بمعزلٍ عن المعتقدات السابقة؛ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة الإدراكية للشخص.

يُعدُّ كلاً من الانفتاح الجذري والشفافية؛ مبدآن راسخان عند راي داليو؛ إذ يقول هذا الملياردير الأمريكي بأنَّه من أجل تحقيق أهدافك، عليك أن تضع غرورك جانباً، وتجد السبيل الناجع الذي سيوصلك لأهدافك. وللقيام بذلك؛ عليك أن تتبنى منظور أشخاص مختلفين، لديهم دراية ورؤية تختلفان عما لديك أنت. فبهذه الطريقة، يمكنك أن تضع باعتبارك عوامل لم تفكر فيها من قبل، وتتحدى معتقداتك الراسخة باستمرار؛ حالك حال العلماء الذين ينظرون إلى الأمور على أنَّها تقبل الصواب أو الخطأ (أحد أسس المنهج العلمي).

فإن كنت ضيق الأفق مثلاً، فأنت وبحكم التعريف، أكثر ميلاً لعدم وضع انحيازك الشخصي جانباً في سبيل العثور على الحقيقة. وهو ما يعدُّ تصرفاً "غير علمي".

نحن محاطون بشكل طبيعي بالمئات من التحيزات الشخصية والاجتماعية على اختلاف أشكالها ودرجاتها، ما يقوم به المنهج العلمي هو اجتثاث أكبر عدد ممكن من هذه التحيزات؛ من خلال الالتزام بإجراءات صارمة، والسيطرة على جميع العوامل، والنظر في النتائج فقط. صحيح أنَّه ليس بالمنهج المثالي، لكنَّه أفضل بكثير من معظم العمليات الأخرى؛ فقد ساعدنا هذا المنهج على مضاعفة متوسط العمر المتوقع، والسفر إلى القمر، وإدراك أنَّ الكواكب لا تدور حولنا، وأمور أخرى كثيرة لا تتسع إليها سطور هذا المقال.

ونحن مع ذلك لا نتعامل مع بعضنا البعض على المستوى الشخصي، من خلال الطريقة العلمية. فقد تركنا التحيزات تتسرب إلى عقولنا عن غير وعيٍ منا؛ فكثيراً ما نناقش أموراً نكون قد قررناها مسبقاً، قبل أن ننظر في جوانبها الأخرى.

إنَّه لمن الصعب أن تكون أكثر انفتاحاً؛ فحينما تعيش اللحظة وتكتسحك العاطفة، لن ترغب في التفكير من منظور أي شخص آخر. فكيف يمكنك أن تفعل ذلك؟ كيف تزرع خصلة الانفتاح في عقلك وطريقة تفكيرك؟ إليك بعض النصائح في هذا الصدد:

1- دع الألم يدلُّك على ذلك:

غالباً ما يكون الألم علامة على أنَّك أصبحت مرتبطاً بفكرة يتم تحديها باستمرار. لذا كن واعياً تجاه مشاعرك السلبية، وحاول أن تبقى هادئاً. الأمر ليس سهلاً، لكنَّك ستجيد التحكم في نفسك من خلال الممارسة.

2- اجعل الانفتاح عادة من عاداتك:

إذا أوليت الاهتمام اللازم، يمكنك أن تصبح أكثر وعياً بمشاعرك السلبية. ومن هذا المنطلق، يمكنك العمل على رفض هذه العواطف والتصرف بعقلانية أكثر. إنَّه لمن الصعب القيام بذلك، لأنَّه ينطوي على تحدي عقليتك البدائية -أو ما يسمى اصطلاحاً بدماغ الزواحف (Reptilian Brain)- المسؤولة عن الغرائز البدائية المتمثلة في الدفاع عن النفس.

لذا امنح نفسك بعض الوقت لكي تهدأ، إذ ينحسر الجانب العاطفي من عقلك بسرعة، ويفسح المجال لأن يتولى جانب التفكير المنطقي زمام السَّيطرة.

3- وثِّق جميع "نقاطك العمياء":

دوِّن جميع أخطاءك الرئيسة -أو الجسيمة- التي ارتكبتها في حياتك، اطلب من أشخاصٍ أذكياء تعرفهم أن يخبروك عن الأوقات التي ارتكبت فيها أخطاء، أو التي كانت لديك فيها نقاط عمياء في عملية صنع القرار. اجعل هذه القائمة في متناولك بحيث تستخدمها متى ما احتجت إلى اتخاذ قرار مهم؛ وبذلك تستطيع التفكير في العوامل التي لم تفكر فيها من قبل.

4- إذا خالفك الرأي أشخاص موثوقون، فهذا دلالة على أنَّ رأيك خاطئ:

إذا لم يتفق معك الكثير من الأشخاص من ذوي المصداقية والإنجازات في الصناعة التي تواجه مشكلة فيها بشأن عملية اتخاذ قرار محتملة؛ فهذا مؤشر على خطأ قرارك. كن متواضعاً بما يكفي لتضع في حسبانك بأنَّك قد لا تكون على صواب. واستشر شخصاً موثوقاً ومحايداً إذا توجب عليك القيام بذلك.

5- تأمَّل:

هذه ممارسة اختيارية مفيدة يمكنها تعزيز الإبداع وتحسين قدرتك على التفكير بوضوح، والبقاء هادئاً وسط الفوضى. لقد ثبت علمياً أنَّ التأمل يزيد من التركيز ويقلل التوتر، ويعزز التحكم العاطفي. لهذا نجد شخصاً مثل راي داليو يمارس التأمل التجاوزي.

إقرأ أيضاً: التأمّل أثناء المشي: ما فوائده؟ وكيف تمارسه بنجاح؟

6- استوعب آراء الجانب الآخر أولاً:

قال الملياردير تشارلي منغر في مناسبات عدة: أنَّ العالم سيكون مكاناً أفضل بكثير إذا لم تتحيز لوجهة نظرٍ محددة قبل أن تتمكن من مناقشة الجانب الآخر بشكل أفضل من أي شخص آخر. لكن لا يفعل معظم الناس ذلك؛ لأنَّه من الأسهل تخطي هذا الأمر.

فمثلاً: إذا اعتقد أحدهم أنَّه يجب على الجميع أن يكونوا نباتيين، فهو غالباً ما يعلم بعض الأسباب التي تجعل من المفيد أن يكون الجميع نباتيين؛ لكنَّه وفي المقابل، لن يعلم الكثير عن الأسباب التي تجعل نمط الغذاء النباتي خياراً خاطئاً أو غير صحي.

فإذا استطاع أن يفهم ويقدر على مناقشة الطرف الآخر بشكل أفضل من الجميع، سيكون أكثر إقناعاً بعشرة أضعاف؛ ذلك لأنَّه سيقدر على التصدي لأي ادعاء، ويثبت أنَّه خبير في هذا الأمر، علاوة عن أنَّه سيكون أكثر ثقة في قراره هذا.

لذا يمكن أن يساعدك تعلم المزيد عن الجانب الآخر في تحسين حياتك؛ وذلك عبر جعلك تتخذ قرارات أفضل مما كنت ستفعل قبلاً.

7- لا تصبح "منفتحاً جداً":

يجب ألا تكون منفتحاً للغاية أيضاً. أكبر خطرٍ يمكن التفكير فيه هو أن تصبح على استعداد لتجربة أمورٍ جديدة، دون أخذ مخاطرها المحتملة في عين الاعتبار؛ مثل الوفاة أو سوء الحالة الصحية وما شابه ذلك من أمور.

يتبادر إلى الذهن هنا أمورٌ مثل: تعاطي المخدرات، والسفر بمفردك مع غرباء يمكنهم إيذائك أو قتلك في مناطق غير مأهولة. نعتقد أنَّ الأمر واضح في تلك الحالات، لكن وجب التحذير على أي حال.

ثالثاً: كيف تتعامل مع أصحاب العقلية المنغلقة؟

تقبلهم كما هم، فهم وبحكم التعريف؛ من الصعب -أو من شبه المستحيل- أن يغيروا آراءهم. قد تقدر على تغيير بعض الأشخاص ذوي العقلية المنغلقة، إلى أشخاص أكثر انفتاحاً؛ لكن يتطلب الأمر منك سنوات من أجل تحقيق تلك الغاية؛ وغالباً ما يتم ذلك من خلال التعايش، وليس من خلال الجدل المنطقي معهم. فغالباً ما تكون رؤية فوائد عيش أسلوب حياة مختلف، مقنعةً عاطفياً أكثر من الجدل المنطقي؛ إذ إنَّ إجبار أو محاولة تغيير شخص ما سيؤدي إلى نتائج عكسية.

احترم محاسن الأشخاص المنغلقين، فالعقلية المنغلقة ليست بالأمر السيء دائماً؛ إذ يمكن أن يؤدي الإفراط في الانفتاح إلى مشكلاتٍ أيضاً. ولمجرد أنَّ الأمر جديد ومختلف، فهذا لا يعني أنَّه جيد بالضرورة. إذ تؤدي بعض الأنشطة مثل؛ المخدرات والتدخين والكسل، إلى تدمير فرصك في تحقيق أهداف حياتك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة