ما هو الانتقاد السلبي؟ ولماذا نتأثر بالانتقادات السلبية الموجهة إلينا؟

تحوَّلَ الانتقاد السلبي إلى منهجية أساسية في التعامل بين أغلب البشر، فبدلاً من استخدام الأسلوب المحترم والهادف في طرح الأفكار على الآخر؛ أصبح معظم الناس يميلون إلى الأسلوب القاسي والجارح في طرح ملحوظاتهم على غيرهم، ومن دون أدنى مراعاة لفكرة الخصوصية، فينتقدون الآخر أمام الناس، ومنهم مَن يتمادى في الانتقاد ليصل إلى مرحلة التشهير والإساءة والشتم.



عندما ننظر إلى ما وراء الانتقاد؛ نجد شخصاً اتخذ من الانتقاد وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية المختزنة في داخله، أو شخصاً خائفاً من اختلافك ومن تميُّزك ويريد أن يُشعرك بعدم قدرتك على فعل أي شيء ويقلل من شأن إنجازاتك، أو شخصاً صادقاً يريد صلاح أمرك ويريدك أن تتحسن وتصبح أفضل؛ ولكن ينقصه الأسلوب الراقي في إيصال المعلومة، أو شخصاً مهووساً بالمثالية ويريد من الآخرين أن يكونوا نسخة طبق الأصل عنه، أو شخصاً مستهتراً بقيمته الإنسانية وقيمة الآخرين، ويُنصِّب نفسه في منصب القاضي، فيحكم على  إنجازات الآخرين.

ويكمن السؤال الأكثر جدية هنا: "لماذا نتأثر بانتقادات الآخرين السلبية لنا؟ ولماذا تهتز ثقتنا بأنفسنا في حال انتقدَنا شخصٌ بأنَّنا عديمو المسؤولية والإحساس؟

تكشف لنا الإجابة عن هذين السؤالين شرخاً كبيراً لا نعي وجوده في دواخلنا، وهو مصدر القيمة، وهنا نريد أن نسألك السؤال الأكثر أهمية: "ما هو مصدر قيمتك في الحياة، ما الذي يُشعِرك بالرضا والامتنان والسعادة والإنجاز؟" هل كل ما يهمك هو كلام الآخرين عنك ونظرتهم إليك، أم أنَّ ما يهمك في الحياة هو أن تُرضِي خالقك وقيمك العليا، ولتذهب انتقادات الآخرين السلبية إلى الجحيم؟

يُعدُّ الانتقاد درساً هاماً من أجل تعلم مهارة ضبط الأعصاب، والمضي قدماً إلى تحقيق الرسالة والأهداف، وهنا نريد أن نقول لكم: "أنتم المسؤولون عن استمرار الانتقادات السلبية الموجهة إليكم، فأنتم تعطون الآخرين فرصة متكررة لإهانتكم والإساءة لكم في كل مرة تستشيطون غضباً وحُنقاً أمام انتقاداتهم السلبية، لأنَّكم بذلك تُحقِقون لهم ما يريدون وما يطمحون إليه"؛ لذلك ابنوا ثقتكم بذاتكم، ولا تكونوا ضعفاء، قابلين للكسر والعطب، أنتم تستحقون أن تكونوا صُلبِين، ومتماسكين، وأقوياء؛ لذلك ابحثوا عن رسائلكم في الحياة وشُغُفكم، وحددوا أهدافكم، وارسموا مساراتكم بمنتهى الوضوح، عندها لن ينالكم منتقدكم بأذى، ولن يؤثر في توازنكم النفسي قيد شعرة.

الانتقاد السلبي وكيف نواجهه؛ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

متى يتحول الانتقاد إلى السلبية؟

يُعدُّ الانتقاد فرصةً حقيقية لإيقاظ الحماس الفاتر لدى الآخر، وتفعيل طاقاته المخبوءة والمكبوتة؛ ولكن يُعدُّ النقد سلاحاً ذا حدين، فإن أساء الشخص استخدامه تحول إلى آفة مجتمعية وأسلوب مدمر للعلاقات والأشخاص.

يكون الانتقاد إيجابياً في حال كونه صادقاً، ويهدف إلى بناء الإنسان، ومُقدَّماً بأسلوب محترم ومراعياً مسألة الخصوصية، أو قد يكون الانتقاد صادقاً، والهدف منه عميق إلا إنَّ أسلوب طرحه يحمل من الفجاجة ما يحمل، وهنا يجب على الطرف الموجه إليه الانتقاد، وعي النية الطيبة للمنتقد، وتَفَهُّم عدم امتلاكه مهارة إيصال المعلومة.

يكون الانتقاد سلبياً ويفقد الغاية الإيجابية منه؛ إذا طغى الكذب والافتراء عليه؛ كأن ينتقدك شخص ما بشيء ليس فيك، أو في حال التعميم السلبي كأن تُسقَط عليك صفة الإنسان السلبي لمحض قيامك بسلوك ما بطريقة غير محسوبة، على سبيل المثال: ينتقدك شخص ما، في حال نسيانك أمراً ما فيقول لك: "أنت شخص عديم المسؤولية، ولا تنفع لفعل أي شيء في الحياة".

إقرأ أيضاً: النقد فنٌ ضائع

لماذا نتأثر بالانتقادات السلبية الموجهة إلينا؟

1. ضعف الثقة بالنفس:

من أهم الأسباب الكامنة وراء سرعة تأثرنا بالانتقادات السلبية هو ضعف الثقة بأنفسنا؛ إذ يعاني الشخص ضعيف الثقة بنفسه من صراعات وتناقضات في الشخصية ومن الكثير من الهشاشة النفسية.

نحن نبني ثقتنا بأنفسنا ونقوي تقديرنا لذاتنا من وضوح رسالاتنا في الحياة، لذلك اسع إلى تكوين مسارك الاستثنائي في الحياة، المسار الذي يشبهك ويتقاطع مع نقاط قوتك، بصرف النظر عن التيارات المجتمعية السائدة والموروثات التقليدية التي تعطي الأهمية لكلام الناس ونظراتهم ولا تهتم بما في داخل الإنسان من مشاعر وأفكار متفردة.

شاهد بالفديو: 5 أمور تُشير إلى أنك تعاني من قلّة الثقة بالنفس

2. ضبابية القيمة:

يُصاب مَن يربط قيمته بالآخرين بالكثير من المشاعر السلبية، فهو يعلق سعادته وحجم نجاحه وتفوقه على الآخرين، فيبقى في حالة من القلق الدائم والخوف من عدم نيل إعجاب الآخرين، فيفقد الرضا والهناء والراحة النفسية في حياته، وتجده لاهثاً وراء الآخرين يستجدي منهم قيمته وكيانه؛ في حين يَعِي الشخص القوي والواعي أنَّ قيمته أسمى وأرقى من أن تُربَط بالآخرين، فيربطها مع أقوى قوة في الكون؛ ألا وهي قوة الله تعالى، ومن ثمَّ يسعى إلى أن تتوافق مع قيمه العليا، بطريقة يكون فيها صادقاً مع ربه وذاته؛ إذ لا يتأثر مَن يربط قيمته برضا الله بالانتقادات الموجهة إليه، فهو يعلم أنَّ الله معه، وأنَّه يسير برسالة سامية على أسس واضحة.

3. عدم الوعي بشخصية المُنتقِد:

سيتوقف الشخص عن الغضب أو الحزن أثناء توجيه الانتقاد السلبي له عندما يُدرِك مقدار ضعف وهشاشة الشخص المُنتقِد؛ إذ يترجم المُنتقِد تراكماته النفسية السامة إلى انتقادات سلبية ينفثها في وجه الآخرين، فهو لا يملك السيطرة على طاقته السلبية المكبوتة؛ ومن جهة أخرى، لا يملك الشخص المُنتقِد السلبي ثقة كافية بنفسه، فهو يثور عند أي نجاح ينجحه الآخر، ويرغب بالتقليل من شأن الآخرين بدلاً من الاعتراف بإنجازاتهم.

إقرأ أيضاً: النقد الإيجابي البنّاء

كيف نواجه الانتقادات السلبية؟

لمواجهة الانتقادات السلبية نقدِّم إليك 7 نصائح:

1. ابنِ قيمتك:

يجب عليك بداية أن تقوِّي شخصيتك وكيانك لكي تستعد نفسياً لأي انتقاد من المحتمل أن يوجه إليك؛ لذلك استثمر نقاط قوتك، وعالج نقاط ضعفك، وارسم أهدافك وحدد مسارك، ودافع دفاعاً شرساً عن شغفك؛ فعندها لن يستطيع أي نقد لاذع النيل من عزيمتك وإصرارك.

2. ابق هادئاً:

لا تنفعل ولا تغضب عند توجيه أي انتقاد لك؛ بل حافظ على هدوئك واتزانك، فما إن تفقد السيطرة على أعصابك فهذا دليل على انتصار الآخر عليك؛ لذلك لا تبادر بأي ردة فعل في البداية، ولا تنطق بأي كلمة، فطالما أنَّ الكلمات ما تزال في داخلك فهذا يعني أنَّك المتحكم بها، ولكن تصبح هي المتحكمة بك فور إطلاقها؛ وقد ورد في المثل العربي القديم قولهم: "ثلاثٌ إذا خرجت لا تعود؛ الوقت إذا مرَّ، والسَّهم إذا انطلق، والكلمة إذا نُطقت".

3. اسأل نفسك:

قبل أن تبادر بالرد على الانتقاد، اسأل نفسك السؤال التالي: "ما هي دوافع الشخص المنتقِد؟" فقد يكون شخصاً دائم السلبية ويتبع هذا الأسلوب مع الجميع، أو يكون شخصاً ذا هدف نبيل إلا أنَّه لا يملك مهارة توصيل الفكرة، أو شخصاً حاقداً لا يستطيع أن يتقبَّل نجاح غيره، أو شخصاً مثالياً يُعمِّم تعميماً سلبياً فور قيام الآخر بسلوك غير محسوب.

4. ابنِ ردة الفعل:

ابنِ ردة فعلك بناءً على دوافع الشخص المنتقد، ويُعدُّ أسلوب الصدمة، الأسلوب الأقوى في هذه الحالة، أي أن تقوم بردة فعل غير متوقعة نهائياً؛ كأن تتجاهل انتقاد الشخص، أو تبتسم له بمنتهى القوة ومن ثم تقول: "هل تقصد أنَّني شخص غير مسؤول وغير صادق؟" وفي هذا السؤال فرصة للشخص المنتقد لمراجعة انتقاده والعدول عنه.

كما يمكنك اتباع أسلوب الرد الواسع المتكامل؛ ففي حال توالي الانتقادات اللاذعة تجاهك، ومن مجموعات شتى وصولاً إلى مرحلة الافتراء والتشهير والإساءة، عندها يجب عليك أن ترد؛ ولكن بعد أخذ فترة من الراحة والتأمل بطريقة تكتب فيها رداً قوياً ومفصلاً، مع إرفاق الأدلة التي تُثبِت صحة كلامك وبطلان كلامهم، ونشر ردك بكل المواقع والمنصات.

ويمكنك أيضاً تشتيت انتباه الشخص المنتقِد، وذلك بأن توجه طاقة الكلام والسلبية الموجودة لديه إلى جهة أخرى؛ كأن تطلب منه طلباً ما غير متوقع أو تفتح حديثاً مختلفاً معه.

إقرأ أيضاً: الرد بهدوء وعقلانية على النقد غير العادل

5. تقبَّل النقد:

خلقنا الله مختلفين، وكل شخص له تميُّزه في مجال ما من مجالات الحياة، وكل فردٍ هام حسب رسالته واختصاصه، وجميعنا متكاملون بطريقة أو بأخرى؛ إلا أنَّ هناك الكثير من الأشخاص ممَّن لا يستطيعون تقبل الاختلاف، فتجدهم ينتقدون رغبة في أن يكون الجميع نسخاً كربونية عنهم، ومن جهة أخرى، لا يتقبلون فكرة تميز الآخرين عنهم في مجال ما، فيسعون إلى التقليل من شأن إنجازاتهم؛ لذا اعلم أنَّ النقد سيبقى موجوداً في الحياة؛ لذلك كل ما عليك فعله هو حسن التعامل معه، واعلم أنَّك لست مضطراً لنيل إعجاب كل الناس، فاجعل السعي إلى تطوير قدراتك ومهاراتك وصولاً إلى  تقدير ذاتك أولى أولوياتك.

6. كن صادقاً مع ذاتك:

بعد مضي موقف الانتقاد، اسأل ذاتك عن مقدار مصداقية الانتقاد ومقاربته لحالتك، فهل تستدعي سلوكاتك النقد؟ استخدم الورقة والقلم، وقم بإحصاء الانتقادات السلبية التي تتعرض إليها وضعها في قائمة، ومن ثم ضع في العمود المجاور الأدلة التي تُثبِت خطأ أو صواب الانتقاد الموجه. ولكي تقوم بهذه العلمية؛ يجب عليك أن تكون صادقاً مع ذاتك، لتقوم بتحليل نقاط قوتك وضعفك، وتكون واعياً كل سلوك تقوم به، فقد يكون هناك دوافع حقيقية وصادقة وراء الانتقاد الموجه، وقد يكون هناك نقاط ضعف في شخصيتك عليك محاولة تقويتها ومعالجتها.

7. أحِط نفسك بالأشخاص الإيجابيين:

عليك دوماً أن تحيط نفسك بالأشخاص الإيجابيين الصادقين القادرين على تقديم دعم نفسي ومعنوي لك عندما تتعرض لأي نوع من الانتقادات اللاذعة.

الخلاصة:

تفسيرك لأي انتقاد هو ما يعطيه قوة التأثير في حياتك وتفاصيلك؛ لذلك اسع إلى تفسير الأمور بنظرة إيجابية مفعمة بالثقة والوعي، واعلم أنَّ الإناء ينضح بما فيه، فمَن ينتقد بشكل سلبي وجارح؛ يُعطِي صورةً حقيقيةً عن داخله المشوه.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة