ما هو إرهاق القرار؟ وكيف تتخلص منه؟

كم مرة مررتَ بتجربة احتجتَ فيها إلى اتخاذ قرارات مصيرية تشتِّتك هنا وهناك؟ فتحتار وترهق نفسك إلى أن تتخذ القرار سريعاً أو عشوائياً في نهاية الأمر، لأنَّك مرهق لدرجة لا تسمح لك بالتفكير في الأمر بعد الآن، أو ربما تؤجل ببساطة اتخاذ القرار إلى أجل غير مسمى، لأنَّ هذا أسهل من اتخاذه.



إذا كنتَ مررتَ بهذه التجربة فعلاً، فمن المحتمل أنَّك تعاني من إرهاق القرار؛ إذ لا نتخذ قرارات سيئة بسبب عدم كفاءتنا؛ بل لأنَّ اتخاذ قرار واحد أو أكثر له تأثيراته علينا، لدرجة أنَّه يضعف بشدة طاقتنا العقلية.

بعد أن عرفنا ما هو إرهاق القرار، دعونا نستكشف الطرائق الأساسية للتخلص منه؛ وبالتالي للتمتع بحالة ذهنية أقوى وقدرة على اتخاذ قرارات أفضل.

1. تحديد واتخاذ القرارات الأكثر أهميةً أولاً:

إذا كانت حياتك العملية والشخصية تفيض بالكثير من القرارات الصعبة التي تواجهك كل يوم، فسرعان ما ستصاب بالإرهاق والارتباك؛ لذا امنح نفسك في هذه الحالة مساحةً ذهنيةً من خلال التخطيط المسبق لجميع المواقف والتحديات التي عليك اتخاذ قرارات في شأنها، واستخدِم أداةً برمجية للتخطيط أو دوِّن المخطط على ورقة.

وبمجرد كتابة قائمة كاملة، اختر العناصر الأكثر أهميةً بعناية، والتي عليك اتخاذ قرار عاجل لحلها، ولكن ضع في الحسبان حقيقة أنَّه لا يمكِنك التعامل مع كل شيء على أنَّه أمر عاجل أو يتطلب اهتماماً فورياً؛ بل لا بُدَّ من وجود أمور أكثر أهميةً من غيرها.

تحديد الأولويات والخيارات المناسبة لها:

بعد أن تُحدِّد المهام الأكثر إلحاحاً التي عليك اتخاذ القرارات بشأنها، أعِد تدقيقها وترتيبها وفق الأولويات بصورة أفضل؛ حيث يجب أن تتمكن بالنتيجة من تحديد المهام الأكثر إلحاحاً وأهميةً بالترتيب دون حدوث أي تضارب في الأولويات.

يفيد الجزء الأخير من هذا التمرين في إبراز جميع الخيارات التي يجب مراعاتها لاتخاذ القرارات الأكثر أهميةً والعمل عليها قراراً تلو الآخر، ومن خلال التمثيل المرئي للخيارات والقرارات الأكثر أهميةً واتخاذها في البداية، ستتمكن من التفكير بشكل أوضح، ومَن منع إصابتك بإرهاق القرار.

إقرأ أيضاً: تحديد الأولويات: أفضل استثمار للجهد والوقت

2. تطبيق روتين يومي يسمح لك بأتمتة القرارات الأقل أهمية:

قد تسأل نفسك أحياناً: "هل سأتناول غداءً صحياً اليوم؟" أو "هل يجب أن أستيقظ مبكراً غداً؟" أو "في أيَّة ساعة يجب أن أُحضِّر العشاء الليلة؟".

بقدر ما تبدو هذه الأسئلة بسيطة، إلا أنَّها لا تزال تتطلب اتخاذ قرارات بشأنها، ولكن إذا أضفتَها إلى الأسئلة اليومية المباشرة والأسئلة الأكثر أهميةً، فقد تبدأ في التزايد بشكل مزعج.

يمكِن للقرارات الصغيرة أو الأقل أهميةً أن تسرق جزءاً من وقتك وإنتاجيتك؛ وبالتالي فقد تؤدي إلى إصابتك بإرهاق القرار عندما يتوجب عليك اتخاذ العديد من القرارات الأخرى إلى جانب القرارات الهامة في الوقت ذاته؛ إلا أنَّه هناك طريقة لتجنُّب ذلك، وهي تبسيط جوانب حياتك من خلال أتمتة القرارات المتكررة، مما سيحسن القدرة على اتخاذ قرارات أفضل بشكل عام.

التحكم بروتينك لتُتيح الوقت للأنشطة الأخرى:

أنشئ روتيناً يومياً في وقت مبكر بما يكفي، وحدِّد الطعام الصحي الذي ستتناوله على الغداء كل يوم بدلاً من الاضطرار إلى اتخاذ القرار ذاته مرات عدَّة في الأسبوع متسائلاً فيما إذا كان يجب عليك أن تتناول وجبة غداء صحية؛ فتتخذ بهذه الطريقة هذا القرار بالتحديد بطريقة آلية؛ حيث يُلزمك روتينك المحدد مسبقاً باتخاذ القرارات على الفور ودون تردُّد.

استثمِر الوقت في تسليط الضوء على جميع المواقف البسيطة والمتكررة التي تتطلب قرارات يومية، ثمَّ طبِّق روتيناً جماعياً يُخفِّف من الحاجة إلى التفكير فيها كثيراً (هذا إن احتجتَ إلى التفكير فيها أصلاً).

3. وضْعُ حدٍّ زمنيٍّ لكلّ قرار:

يزيد اتخاذ القرارات المعقدة أو الكبيرة مخاطر استنزاف طاقتك، وبشكل خاص إذا كنتَ تعاني من الخوف من اتخاذ القرارات الخاطئة، فالشك والقلق اللذان يتصاعدان في داخلنا بشكل مستمر كافيان ليجعلوا جلَّ الناس يشعرون بالضجر والإرهاق.

لاتخاذ قرارات جيدة، يجب أن تكون في حالة جيدة تتيح لك التصرف، فالتكتيك الذي عليك اتباعه في هذه الحالة هو إجبار نفسك على التصرف من خلال وضع حد زمني لعملية اتخاذ قراراتك، رغم أنَّ هذا قد يبدو مخيفاً بعض الشيء، نظراً لأنَّه يمكِن أن يخلق إحساساً بالضغط الإضافي، إلا أنَّه يوضح أمامك في الواقع الوقت الذي تحتاج فيه إلى الانتهاء من اتخاذ القرارات.

شاهد بالفيديو: 5 خطوات لإتقان فن اتخاذ القرارات

تنمية الثقة بنفسك عبر التخفيف من التردد:

بعد اتخاذ القرار، حان الوقت للمضي قدماً؛ حيث ستشعر بالرضا، وستبني ثقتك بنفسك وأنت تعلم أنَّك لم تتباطأ في التفكير بالخيارات المتاحة.

لا تفكر في إعادة النظر في قرار سابق إلا إذا حدثَ أمر غير متوقع يؤثر فيه، واتَّبِع حينها العملية نفسها وتأكَّد من اتخاذ القرار المنقح قبل موعد نهائي جديد.

4. أخذ رأي الآخرين وتجنُّب اتخاذ القرارات بمفردك:

على الرغم من أنَّه هناك وقت ومكان مناسبين لاتخاذ القرارات بمفردك، إلا أنَّه من الأفضل في بعض الأحيان إشراك الآخرين في عملية صنع القرار، وإذا واجهتَ أيَّة درجة من الصعوبة في التوصل إلى قرار نهائي، فيمكِن طلب آراء الأشخاص المحيطين بك أن يقلل العبء الذهني الناجم عن هذا التردد.

هل تشعر بالراحة في طلب معلومات من أشخاص آخرين لمساعدتك في اتخاذ القرارات؟ الثقة والشعور بالأمان في علاقاتك أمران حاسمان للإجابة بالإيجاب عن هذا السؤال.

استكشاف أفكار الآخرين واكتساب منظور مختلف:

من المحتمل ألا يثق القائد غير الواثق بنفسه في قدرة فريقه أو فِرَقه على مساعدته في اتخاذ القرارات، ومن ناحية أخرى، يدرك القائد الواثق بنفسه أنَّه "لا يعرف كل شيء"، وبدلاً من اتخاذ قرارات فردية متعلقة بالعمل، فإنَّه يُقوِّي أواصر الثقة بين أفراد فريقه ويحصل على الدعم المطلوب للوصول إلى أفضل القرارات الممكنة.

يمكِن أن تعتمد القدرة على اتخاذ قرار جيد على المعلومات المتعلقة به والموجودة بين يديك، لذلك عندما تواجه خياراً صعباً، لا تخف من الاعتماد على الأشخاص المعنيين للحصول على المساعدة؛ فقد يُقدِّمون بدائل جيدة كان من الممكن إغفالها لولاهم، وقد تحملُ اقتراحاتهم المفتاح الذي سيجعلك تتخذ قراراً مدروساً.

5. تبسيط وتقليل عدد الخيارات المتاحة:

فلنفترض أنَّك تقف في متجر أمام ممرٍ يضم أكثر من 20 نوعاً من زبدة الفول السوداني، ولا تعرف ما ستختاره من بينها، وعلى الرغم من وجود اختلافات بسيطة بين هذه الأنواع، إلا أنَّها تبدو متشابهةً إلى حد ما، ولا شك أنَّك مررتَ بتجربة مشابهة مرة واحدة على الأقل في الماضي؛ فهذا مثال كلاسيكي على وجود عدد كبير جداً من الخيارات، وهو مشكلة تجعلك عرضةً لاتخاذ قرار بعدم شراء أي شيء أو إضاعة الوقت بالتفكير المستمر في المنتج الذي تريد شراءه.

وفقاً للمفهوم النفسي المعروف باسم ظاهرة تعدُّد الخيارات (choice overload)، يمكِن أن تربكك مجرد فكرة وجود العديد من الخيارات وتثقل كاهلك، مما يتسبب في إرهاق القرار، حيث يمكِنك اتخاذ الخيار الأسهل لتجنُّب أي تفكير إضافي، باستخدام المثال أعلاه، مما يؤدي غالباً إلى شراء المنتج الخاطئ.

استخراج المعلومات المفيدة وتقييم الخيارات بطريقة النتيجة الثنائية:

طريقة النتيجة الثنائية (Binary Outcome) هي مصطلح عام يشير إلى أنَّ هناك نتيجتين محتملتين فقط لوضع معيَّن؛ فلتبسيط نطاق خياراتك وتقليله مثلاً، استفِد من المعلومات المتاحة، واستخرِج المعلومات الأكثر أهميةً بالنسبة إليك لاتخاذ قرار؛ فبالعودة إلى مثالنا السابق، هل يتعلق الأمر بالسعر، أم المكونات؟ أو سواء كان المنتج موضوعاً ضمن عبوات مستدامة أم يُقدِّم مزيجاً من تفاصيل متعددة؟

انتبِه من وجود الكثير من المكونات الهامة، وحدِّد الأولويات إذا لزم الأمر، وطبِّق طريقة النتيجة الثنائية، وأجِب عن الأسئلة التي تطرحها بنعم أو لا، أو صواب أو خطأ، مما سيساعدك في التوصل إلى قرارات مسبقاً، مثل تحديد نطاق سعري محدود يجب أن يقع سعر المنتج ضمنه.

6. التخلص من المشتتات غير الضرورية:

يمكِن القول إنَّ الانتباه هو عملة العالم الحديث، فقد تشير القدرة على التركيز بشكل أفضل من الآخرين إلى كونك طالباً ناجحاً، أو رب عملٍ مزدهرٍ، أو والداً سعيداً، أو صانع قرار رائعاً.

كيف يمكِنك تحسين مدى انتباهك لاتخاذ خيارات أفضل وتجنُّب إرهاق القرار إذاً؟ هناك العديد من الاستراتيجيات، وإحدى الطرائق المثلى هي التخلص من المشتتات، حيث تَنتُج عوامل التشتيت في يومنا هذا عن التكنولوجيا والأجهزة التي تشغلنا، وكلها في متناول يدك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

إقرأ أيضاً: كيف يمكنك استعادة انتباهك في عالم مليء بالمشتتات؟

إنشاء فترات زمنية ممتدة لزيادة تركيزك:

قد تكون هذه المشتتات صغيرةً أو كبيرة، لكنَّ المشكلة الأكبر هي تكرارها وتَسبُّبها في مقاطعة تركيزك مراراً وتكراراً، ويمكِن أن يكون التعامل مع هذا في أثناء محاولة اتخاذ القرار الصحيح مرهقاً عقلياً.

ترتبط عادةً عوامل التشتيت التكنولوجي بالبريد الإلكتروني، والرسائل الفورية، وإشعارات تطبيقات الأجهزة المحمولة، وتصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك يجب أن يقتصر الوصول إلى كل هذه التقنيات والأدوات على فترات زمنية مجدولة، ومن الأفضل استخدام التقويم إذا كانت هذه الفترات خلال يوم عمل.

أوقِف تشغيل الإشعارات تماماً لمنع التشتت عندما يمكِنك ذلك وعندما لا يحين الوقت للنظر إليها؛ حيث يمكِّنك هذا من التفكير بعمق أكبر والتركيز لفترات طويلة من الوقت، مما يعزز في النهاية فرص اتخاذ قرارات جيدة.

الخلاصة:

إرهاق القرار ظاهرة حقيقية يمكِن أن تستنفد الطاقة، وتزيد التوتر، وتؤثر في أي شخص عليه اتخاذ القرارات، سواء كانت صغيرةً أم كبيرة.

يحتاج التغلب على إرهاق القرار إلى الصبر والتفاني، ومن خلال تطبيق أفضل الممارسات التي قدَّمناها في هذه المقالة، ستكون على الطريق الصحيح لتنفيذ تغييرات قيِّمة ستزيد من إنتاجيتك، بالإضافة إلى تحسين مثابرتك وقدرتك على اتخاذ الخيارات الصحيحة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة