كانت فترةً طويلةً مليئةً بالرفض والإحباط، فكلما تقدمت إلى وظيفة، سرعان ما كانت الأبواب تُغلق في وجهي. أتذكر جيداً إحدى المقابلات التي استمرت أكثر من ساعة؛ شعرت خلالها أنّي أمتلك كل المؤهلات المطلوبة، ولكن جاء الرد بالرفض بعد أيام قليلة فشعرت حينها بالإحباط، وتساءلت: "هل أنا فاشلة؟ هل كل جهودي التي أبذلها تذهب سدى؟"
لم يكن شعوري بالإحباط شعوراً عابراً، بل كان حالةً مستمرةً تُثقل كاهلي. في لحظات اليأس، كنت أتساءل: "ما هو الخطأ الذي ارتكبه؟ وهل يجب أن أغير مجالي تماماً؟"
إنّ هذا الشعور ليس غريباً على كثير ممن مروا ويمرون بتجارب مشابهة يومياً، سواءً في البحث عن وظيفة أو في مسارات حياتية أخرى، ولكن في خضمّ هذا الانتظار الطويل، قررت أن أتوقف عن التركيز على ما ينقصني وأن أسأل نفسي "ماذا يجب أن أفعل الآن؟" وأنا في حالة من التقبّل مع الوضع الحالي؛ لأنّ التقبّل يعني أن نقول أنّناعلى ما يرام، ونفكر في خطوتنا القادمة؟
قررت أن أحول فترة الانتظار إلى فترة تحضير، ولكن كيف جرى ذلك؟
في رحلة البحث عن الوظيفة، كدت أنسى أن أعيش حياتي بما فيها؛ لذلك، كان من الهامّ أن أعتني بذاتي وبمحيطي الاجتماعي وألا أترك للإحباط مجالاً.. فلا مجال أن تحرز تقدماً في حياتك إن ركزت على التحدي الذي يواجهك وتنسى النعم التي حولك.
كل النعم التي كنت وما زلت فيها هي "فرص للنمو"؛ لذلك، كنت أواكب كل الأخبار المتعلقة بآخر الوظائف المطروحة في السوق، مع التحديث على السيرة الذاتية بالدورات التدريبية التي تخدم مجال تخصّصي ومجال المهارات، إضافةً إلى تطوير مهارات العمل مع الفرق من خلال الأعمال التطوعية في المؤسسات والأحداث العالمية التي تستضيفها الدولة.
بعد مرور السنوات، جاءت الفرصة التي غيرت مسار حياتي؛ إذ عُيّنت في منصب مرموق في إحدى المؤسسات الرائدة في مجالي، وعملت مباشرةً مع صنّاع القرار والقادة.
لم تكن الصدفة هي ما قادني إلى المكان، بل كانت خطوةً اتخذتها في السنوات الماضية وهي الدورات التدريبية والتطوع وتطوير المهارات؛ كانت اللبنة في بناء المسار المهني والنمو الشخصي.
أدركت حينها أنّ كل لحظة انتظار وكل باب مغلق، لم يكونوا سوى جزء من عملية إعداد وتجهيز لمرحلة فارقة في حياتي.
كل تحدٍ يقربنا من الغاية
الآن، وبعد مروري بتلك التجربة، أدركتُ فلسفة الحياة جيداً، وعلمت أنّ الحياة تتشكل من خلال نظرتنا تجاه الأحداث، فما رأيته تحدٍّ كانت حقيقته فرصة. سنجد أنّ كل حدث يمر في حياتنا المهنية أو غيرها سواءً النجاح أو الفشل هو جزء من قصة أكبر تهدف إلى تحقيق غاية أعمق في حياتنا.
يؤمن بهذه الفلسفة كثيرون، منهم "نيك فيوتتش" صاحب كتاب "حياة بلا حدود". عانى نيك منذ ولادته من متلازمة نقص الأطراف الأربعة، مما جعله يواجه تحديات جسدية ونفسية لا حصر لها منذ صغره بسبب تعرضه إلى السخرية من أقرانه، لدرجة فكر فيها بالانتحار.
لكن بدلًا من الاستسلام لليأس، اتخذ موقفه كفرصة لإعادة تعريف معنى الحياة. تكيّف مع حالته، وتعلم الكتابة والعزف وحتى السباحة باستخدام أصابع قدمه الصغيرة الظاهرة في اسفل جذعه من الجهة اليسرى.
حول نيك هذا التحدي إلى نقطة قوة، فامتلك إرادةً صلبةً مكّنته من صقل شخصيته. ألهمته هذه التجربة الشخصية ليصبح متحدثاً تحفيزياً عالمياً، يشارك رسالته القوية بأنّ كل تحدٍ هو في الحقيقة فرصة للنمو والتقرّب من تحقيق الأهداف.
يقول نيك: "لقد عرفت الغرض من وجودي في هذه الحياة، كما عرفت سبب الحالة التي أنا عليها الآن من إعاقة، وهنالك دائما سبب ومغزىً لما أنت عليه الآن من سوء".
شاهد بالفيديو: 7 حقائق مؤلمة عن الحياة من شأنها أن تجعلك شخصاً أقوى
لكن كيف يمكن للموظف تطبيق فلسفة النجاح هذه عملياً؟
تخيل أنّك تعمل في شركة، وتواجه مشروعاً صعباً للغاية، قد تبدو لك هذه الصعوبة مجرد عقبة مزعجة، ولكن إن نظرت إليها بعين مختلفة، قد تجد أنّها فرصة لـ تحسين مهاراتك في حل المشكلات، أو فرصة للتعاون مع زملائك بصورة أفضل، أو حتى فرصة لاكتشاف نقاط قوة لم تكن تعرفها عن نفسك. كل ما عليك فعله هو التالي:
1. مراجعة مسار الأحداث
يجب أن نفكر في مسار حياتنا المهنية كأنّه خريطة؛ كل نقطة فيها – سواءً كانت نجاحاً باهراً أو إخفاقاً مريراً – هي محطة على هذه الخريطة. لمراجعة هذا المسار بفعالية، اتبع الخطوات التالية:
2. حدد الأحداث الرئيسية
ابدأ بتحديد الأحداث الهامّة التي مررت بها، ولا تقتصر على النجاحات فقط، بل اكتب أيضاً التحديات الكبرى، مثل عدم الحصول على وظيفة معينة، أو الرفض في مقابلة، أو حتى الإحساس بالإحباط.
3. اسأل "لماذا؟"
لكل حدث، اسأل نفسك "لماذا حدث هذا؟" و"ماذا تعلمت منه؟" على سبيل المثال، إن لم تحصل على وظيفة أحلامك، قد تكتشف أنّ هذا الرفض كان الفرصة لدفعك إلى تطوير مهاراتك والنمو الشخصي، فمن دون التعرض للرفض، لم تكن لتعمل عليها.
يساعدنا هذا السؤال على الانتقال من منظور الضحية (لماذا حدث معي هذا الأمر؟) إلى منظور المتعلم (ماذا يمكنني أن أستفيد من هذا الأمر؟).
4. ابحث عن الأنماط
بعد تحديد الأحداث والدروس المستفادة، ابحث عن الأنماط المشتركة بينها، فهل تجد نفسك دائماً في مواقف تتطلب منك الصبر؟ وهل تتكرر الفرص التي تدفعك للعمل مع الآخرين؟ قد تكتشف هذه الأنماط المتكررة عن ميولك الحقيقية وقدراتك الكامنة.
5. ربط الأحداث مع القيم العليا
بعد أن تكتشف الأنماط، حان وقت ربطها بالقيم العليا. القيم هي المبادئ الأساسية التي توجّه قراراتك وسلوكاتك في الحياة، فعندما تتماشى أحداث حياتك مع قيمك، تشعر بالانسجام والهدف. إليك كيفية القيام بذلك:
6. حدد القيم العليا الأساسية
بعد التفكير الجيد، يمكن أن نحدد قيمنا الأساسية؛ هل هي العطاء، أم المرنة، أم التفاني، أم التأثير؟ فكر في الأشياء التي تمنحك شعوراً بالإنجاز الحقيقي، وليس فقط الرضا اللحظي.
7. اكتشف المعنى
الآن، يجب أن نعود إلى الأحداث التي حددناها ونربطها بالقيم العليا، ففي قصتنا حول البحث عن الوظيفة، يمكن أن نربط فترة الانتظار الطويلة بمعرفة المعنى في العمل وقيمة الصبر والمرونة، وعند الانخراط في التطوع والقراءة، كنا نمارس تجربة تساعد على معرفة قيمة العطاء والتعلم، والتطور المستمر، والتفكير الإيجابي.
لم تكن تلك الأنشطة التي قمنا بها مجرد "ملئاً لوقت الفراغ"، بل كانت تجسيداً لقيمه، مما جعله أقرب إلى غايته.
8. إعادة صياغة السرد
بدلاً من أن ننظر إلى فترة الانتظار على أنّها فترة الفشل أو التأخير، يمكن إعادة صياغتها على أنّها فترة إعداد؛ إذ يُعد هذا التحول في المنظور جوهر ربط الأحداث بالقيم العليا الأساسية، وهو ما يمنح المعاناة معنى ويحولها إلى فرصة للنمو.

فلسفة النجاح: كيف نجد المعنى في العمل؟
يظنّ البعض أنّ المعنى في العمل هو مجرد البحث عن وظيفة ذات دخل مرتفع، ولكن البحث عن غاية أعمق يمنحنا الشعور بـ الرضا عن الذات والنمو الشخصي.
لنفترض أنّك تعمل في شركة ناشئة، والشركة تواجه تحديات كبيرة في التوسّع؛ ربما سيكون عملك مرهقاً، ولكن في الوقت نفسه، سيكون فرصةً لكي تطور مهاراتك في الإدارة والقيادة وحل المشكلات.
إذا ربطت هذا العمل بهدف أكثر عمقاً، مثل "بناء شركة ناجحة تساهم في الاقتصاد"، أو "توفير فرص عمل جديدة"، فستجد أنّ عملك لم يكن مجرد روتين يومي كما تظنّ، بل أصبح جزءاً من مشروع أكبر وأكثر أهميةً أيضاً.
في الختام، إنّ نظرتك تجاه الأحداث والنمو الشخصي ليست مجرد شعارات، بل ممارسة يومية تتطلب منّا إرادة وقرار.
في رحلتي، تعلمت أنّ التفاؤل لا يعني تجاهل الحجرة الكبيرة التي تعرقل سير طريقي، بل الإيمان أنّ التحدي هو فرصة للنمو.
كان كل رفض في مقابلة عمل بمنزلة فرصة كي أراجع سيرتي الذاتي، وأحسّن مهاراتي في وأن أكون ألطف مع ذاتي قبل الآخرين. كان كل يوم انتظار بمنزلة فرصة لكتابة صفحة من كتابي؛ كتاب يحمل تساؤلاً غيّر حياتي: " كيف تعيشين حياتك؟".
وأنت .. " كيف تعيش حياتك؟"
أضف تعليقاً