ما الذي يحفزك أكثر: الخوف أم الحب؟

أيهما تختار: أن تستذكر نزهة في يوم صيفي ممسكاً بيد من تحب أم استخدام يدك تلك لتنتشل قدمك العالقة بعد تعرُّضك لحادث سيارة رهيب ومؤلم؟ عندما يُترَك الاختيار للبشر بين تذكُّر أحداث شخصية ملؤها البهجة أو تذكِّر حدث مؤلم ومزعج؛ فعادةً يميلون إلى استرجاع الذكريات المفرحة؛ وذلك لأنَّها تمنحهم شعوراً أفضل بطبيعة الحال، فمن ذا الذي يختار بوعي أن يحتفظ بذكريات مؤلمة؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة ليزا ليشكو إيفرز (Lisa Leshko Evers)، والتي تُحدِّثنا فيه عن قوة الحب في شفاء الألم.

ومع ذلك يبقى التساؤل عن السبب وراء طلب اختصاصيي الرعاية الصحية، على مدار الخمس والعشرين سنة الماضية، من مرضاهم أن يقيِّموا مستوى ألمهم على مقياس من 0-10 مع الأخذ بالحسبان أنَّ رقم 10 هو أسوأ ألم على الإطلاق؟

والحقيقة أنَّه في كل مرة تُستعاد فيها الذكريات؛ يعود بنا عقلنا اللاواعي تلقائياً إلى وقت ومكان حدوث تلك الذكرى، ويدور الشريط في رؤوسنا كما لو أنَّ ما حدث يحدث للمرة الأولى، ويرافق ذلك تغيُّر في طاقتك ودفعة من الناقلات العصبية التي تؤثر في استتبابنا الداخلي إما بطريقة سلبية أو إيجابية.

وقد تبيَّن من خلال بعض التجارب الشخصية ومع المرضى، أنَّ الطريقة المثلى لتعديل السلوك كانت من خلال توجيه الناس نحو النتيجة المرغوبة بدلاً من إهدار الطاقة لمقاومة الأمور التي نحاول تجنُّبها.

الدروس التي استقيتُها من تجربتي مع الحمية الغذائية:

لقد عانيتُ من الوزن الزائد لسنوات عدة كما العديد من المراهقين، وقد كنت مهووسة بالرقم الظاهر على الميزان والسيطرة على السعرات الحرارية التي أتناولها، وبصرف النظر عن ماهية شعوري؛ إلا أنَّ الشيء الوحيد الهام كان ذلك الرقم الذي يظهر على الميزان في كل صباح ومساء.

كانت السعادة تغمرني عندما أصل إلى هدفي وأرى الرقم الذي أريده؛ إلا أنَّني ما ألبث أن أغرق في غياهب الحزن لأيام عندما لا أحقق الهدف المنشود؛ وذلك لأنَّ مجرد التفكير في الوزن والسعرات الحرارية كان كافياً للسيطرة على مستويات طاقتي ومزاجي، ولكن بعد تجربة الكفاح مع الوزن ورفض تناول الطعام في سعيٍ إلى الوصول إلى الوزن المثالي؛ وجدت أنَّ نجاحي في تحقيق هذا الهدف ما هو إلا أمر مؤقت، وسأظل بعدها عالقة في دوامة من القلق والخوف من اكتساب وخسارة الوزن بشكل متكرر.

ولحسن الحظ، عندما عدت إلى رشدي وأعدت صياغة الموضوع بحيث يصبح هدفي المنشود هو السعي إلى صحة أفضل؛ بدأت باكتشاف سبب معاناتي وكفاحي وعزمت على اتخاذ قرارات صحية كلياً، حتى أنَّني توقَّفت عن عدِّ الطعام عدواً لي وبدأت بعَدِّ كل لقمة آكلها على أنَّها مفيدة ومغذِّية، كما بدأت بانتقاء أطعمة غنية بالمواد الغذائية، بدلاً من حساب السعرات الحرارية، والحقيقة أنَّني وجدت نتائج مدهشة من ناحية الوزن والمزاج والطاقة.

الألم والراحة؟

إذا كنا نقاوم الألم؛ أي نحاول تخفيض مستوى الألم إلى مستوى معين أقل من الذي نشعر به، فإنَّ ذلك لا ينجح غالباً سوى لفترة مؤقتة، وغالباً ما يكون ذلك عبر تناول الأدوية، وعلى الأرجح يعود الألم بمجرد أن تتلاشى آثار الدواء ومن ثمَّ لن نكون قد حللنا جذور المشكلة؛ بل ما نفعله حقاً هو أنَّنا نتجاهل الرسائل التي يبعثها جسدنا، والأسوأ من ذلك هو ظهور آثار جانبية غير مرغوب فيها، والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الإدمان أو أخذ جرعة زائدة والوفاة.

ولكن إذا نظرنا إلى الألم على أنَّه أمر يحمي أجسادنا، فقد نلاحظ الإشارات التي يبعثها ونأخذها على محمل الجد، ويكمن السر في أن نقوم بذلك من منظور إيجابي مفعم بالأمل ليشجعنا ويساعدنا على الشفاء وتحقيق الراحة؛ ليتحول بذلك أقسى ألمٍ ألمَّ بنا إلى أفضل ما قد شعرنا به في حياتنا.

لذا بدلاً من محاولة إحياء ذكرى حادث سيارة مرعب ومؤلم، ينبغي أن تستحضر في ذهنك صورتك وأنت غارق في الحب وتمشي ممسكاً بيد محبوبك أو صورة مولودك الجديد وأنت تحدق في عينيه الصغيرتين؛ أي حاول أن تحيي صوراً لطيفة من ذاكرتك وأن تسمح للأمل أن يتغلغل في خلايا دماغك؛ حيث إنَّ من شأن التركيز على تلك الأمور أن يجعل الألم والخوف يتلاشيان ليحل مكانهما طاقة من الحب والفرح والراحة التي تتيح لك العيش في حالة من الهدوء.

وكما هو الحال مع هدف الحصول على صحة أفضل بدلاً من محاولة ضبط الوزن، فإنَّ الراحة الحقيقية هي الهدف المبتغى للخروج من فخ الألم وليس قمعه فحسب، وينبغي تذكُّر أنَّنا نتنعَّم بعقل وروح لهما الحق في حبنا واهتمامنا بأسلوب فريد؛ ففي خضم مشاغل الحياة، قد نغفل عن سماع همساتهم التي "تُطالب" بالحصول على بعض الحب، وإذا كنا نريد الشفاء التام فذلك يتطلَّب قدرة شديدة على الملاحظة وفهم وجمع الرسائل والإشارات التي يحاول جسدنا وعقلنا إرسالها لنا.

شاهد بالفيديو: ماذا يجب عليك أن تفعل عندما تكون غارقاً في ضغوطات ومشاغل الحياة؟

كيف يمكن أن نستخدِم عقلنا بأقصى فاعلية للشفاء من الألم؟ 

يوضح الدكتور دانييل سيجل (Daniel Siegel)، وهو أستاذ الطب النفسي في كلية الطب في جامعة كاليفورنيا (UC): "إنَّ أحد الدروس العملية الرئيسة في علم الأعصاب الحديث هو أنَّ القوة اللازمة لتوجيه انتباهنا تمتلك في داخلها القدرة على تشكيل أنماط استجابة دماغنا، فضلاً عن القوة اللازمة لتشكيل بنية الدماغ نفسه"، وإذا واصلنا تركيز انتباهنا على مكافحة الألم فنحن في الواقع نجعل الشفاء أمراً صعباً بسبب ربط أنماط استجابة الدماغ بصورة سلبية؛ لذا ففي إمكان منظومة الرعاية الصحية أن تركز على استخدام العبارات الإيجابية عند تقييم حالة المرضى وذلك لتحفيز قدراتهم الفطرية على الشفاء.

ويضيف الدكتور سيجل، داعماً هذا الجانب المتكامل والشامل من الصحة: "إنَّ عمل الدماغ لا يقتصر على الرأس وحسب؛ إنَّما تتشابك الأنسجة العصبية مع العضلات والجلد والقلب والرئتين وحتى الأمعاء، وتشكِّل هذه البيانات حجر الأساس للخرائط الحركية التي تساعد على تكوين إحساسنا الغريزي ومشاعرنا الصادقة؛ حيث تشكِّل هذه الأمور مصدراً حيوياً للحدس، كما تؤثر في المنطق والطريقة التي نخلق بها معنى للحياة".

وقد بيَّن بحث أُجري في جامعة آلتو (Aalto University) عام 2018؛ كيف يكون شعور الحب والخوف ظاهراً عبر الدماغ وذلك باستخدام تكنولوجيا الرنين المغناطيسي، وخلُص الباحثون إلى أنَّ للمشاعر نشاطاً دماغياً متميزاً وأنماط اتصال تشمل نطاقاً كبيراً من الدماغ وذلك استناداً إلى نتائج 109 مشاركين، ومن ثمَّ يمكن النظر إلى العواطف على أنَّها حالات منهجية تُيسِّر أو تقيِّد عمل الوظائف العقلية الأخرى في لحظة معينة؛ ولذلك فمن المهم أن نصب جُل طاقتنا واهتمامنا متسلِّحين بالأمل بدلاً من مقاومة العواطف السلبية مثل: الخوف الذي غالباً ما يكون مرفقاً بالألم.

إقرأ أيضاً: كيف تسخِّر العواطف لمصلحتك بدلاً من أن تكون ضدك؟

لماذا يمنحنا الحب شعوراً أفضل من الخوف؟

يمنحنا الحب شعوراً أفضل من الخوف، ولذلك علاقة بالمكافآت والدوافع؛ حيث إنَّه وفقاً للباحثَين آندرياس بارتيلز (Andreas Bartels) وسمير زكي (Semir Zeki)، فعند الحديث عن الحب، مهما كان نوعه؛ فإنَّه ينشط مناطق محددة من الدماغ، فضلاً عن مناطق متداخلة مع نظام المكافآت الموجود في الدماغ، والذي يرتبط مع مناطق غنية بمستقبلات الأوكسايتوسين والفازوبرسين، كما ألغى نشاط مجموعة مشتركة من المناطق المرتبطة بالمشاعر السلبية والأحكام الاجتماعية، ومن ثمَّ نستطيع القول إنَّ للحب تأثيراً قوياً حيث إنَّنا لا نحصد ثماره فحسب؛ بل إنَّه يلغي المشاعر السلبية القائمة على الخوف.

وبصفتنا بشراً؛ فإنَّنا ندرك فطرياً أنَّ تجربة الحب تتطلب قدراً عالياً من الطاقة ومشاعر عاطفية مفعمة، بعكس الخوف الذي يجرُّنا إلى الهاوية في النهاية، ويفسِّر علم الأعصاب ذلك بأنَّنا نحصل على دفقة من الأدرينالين عندما نشعر بالخوف أو الإجهاد؛ وذلك للهرب من براثنهما، وفي الوقت نفسه يؤدي الخوف والإجهاد إلى إطلاق هرمون الكورتيزول من القشرة الكظرية، كما هو الحال عند شعورنا بالألم المزمن؛ مما يؤدي إلى زيادة ضغط وسكر الدم بالإضافة إلى إعاقة جهازنا المناعي، ومن ثمَّ تزيد فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري في المستقبل، وهذا بالطبع ليس هدفنا إذا كنا نسعى إلى الشفاء من الألم وتحسين سلامتنا العامة.

في الختام:

ينبغي أن نتخلص من الاستراتيجيات القائمة على الخوف، وأن نحيا حياة مدفوعة بأفكار وذكريات مفعمة بالحب؛ وذلك من خلال طرح أسئلة تفاؤلية على أنفسنا وعلى بعضنا بعضاً، كما يمكن تذكُّر المشاعر المفعمة بالأمل والتعايش معها لإعادة تشكيل أدمغتنا في نهاية المطاف والتمتُّع بجسد أكثر صحة.

المصدر




مقالات مرتبطة