لماذا يؤثر الاضطراب العاطفي الموسمي في الإنتاجية؟

الاضطراب العاطفي الموسمي هو نوع من الاكتئاب المرتبط بالتغيرات الموسمية، فيبدأ وينتهي تقريباً في الأوقات نفسها من كل عام، وتوضِّح عيادة "مايو كلينيك" (Mayo Clinic) أنَّه "إذا كنتَ مثل معظم الأشخاص المصابين بالاضطراب العاطفي الموسمي، فإنَّ أعراضك تبدأ بالظهور في فصل الخريف وتستمر طوال أشهر الشتاء؛ مما يستنزف طاقتك ويبعث شعوراً بتقلب المزاج بداخلك".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المُدوِّنة "ديانا ريتشي" (Deanna Ritchie)، رئيسة التحرير في موقع "كاليندر" (Calendar)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في تحديد أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي وطرائق معالجتها.

سأكون صريحة معك تماماً: أنا لستُ شخصاً سعيداً الآن، فكما تلاحظ، فإنَّ النهار يصبح أقصر، والطقس يبرد، وليس لدينا متسع من الوقت كي ننهي عملنا ونذهب إلى المنزل، ومع كل ما مررنا به جميعاً في عام 2020 و2021، ربما يبدو فصل الشتاء القادم الآن بطريقة ما أسوأ هذا العام.

يحب بعض الناس هذا الوقت من العام، وأنا لستُ ضد ذلك؛ أنا فقط أفضِّل الأيام الأطول والأكثر دفئاً، ولكن، إذا لم تكن مهتماً بممارسة بعض النشاطات في فصل الشتاء مثل التزلج أو الخروج في أيام العطلة، فقد تشعر بأنَّ الشتاء قد يكون قاسياً، ولحسن الحظ أنَّني أحب التزلج أيضاً.

يعاني ما يقرب من 10 ملايين أمريكي من "الاضطرابات العاطفية الموسمية" (SAD)، وعلى الرُّغم من الاعتقاد الخاطئ بمفهوم الاضطراب العاطفي الموسمي، فإنَّ هذا المصطلح ليس مُجرَّد "اكتئاب شتوي"؛ بل إنَّه في الواقع اضطراب اكتئابي.

لماذا يحدث الاضطراب العاطفي الموسمي؟

هناك العديد من الأسباب، والتي تشمل:

  • حدوث اضطراب في إيقاع الساعة البيولوجية بسبب انخفاض نسبة تعرُّضك لأشعة الشمس.
  • انخفاض في إفراز السيروتونين؛ وذلك بسبب عدم التعرض الكثير لأشعة الشمس.
  • إنتاج أقل من مستويات الميلاتونين في جسمك.

وإذا لم تُعالَج هذه الأسباب، فمن المؤكَّد أنَّها يمكن أن تؤثر سلباً في صحتك وسلامتك، وعلاوة على ذلك، يمكن أن يدمر الاضطراب العاطفي الموسمي مستوى إنتاجيتك تماماً.

ومع ذلك، هناك أمل لمعالجة هذه الأسباب، فمن خلال إدراك الأعراض التي تظهر عليك، يمكنك التحكم بالمشاعر التي تنتابك والحفاظ على إنتاجيتك في العمل، وأفضل ما في الأمر أنَّه في إمكانك أن تستخدم هذه النصائح إذا كنتَ تعمل وحدك في المنزل أو تقود فريقاً.

مع وضع هذه الأمور في الحسبان، إليك الدلائل التي تحذرك من ظهور أعراض الاضطرابات العاطفية الموسمية وكيف يمكن مقاومتها:

1. سوء الصحة الجسدية والعقلية:

تشمل الأعراض الأكثر شيوعاً المرتبطة بالاضطراب العاطفي الموسمي الشعور بالاكتئاب والإجهاد والتوتر والانفعال، فإذا كنتَ قد تعرَّضتَ من قبل لأي من هذه الأعراض، فكيف يمكنك أن تعرف تأثيرها في صحتك العقلية والجسدية؟

وفقاً لدراسة أجرَتها "مجموعة التأمين الحيوية" (Vitality Group) بالتعاون مع "جامعة كامبريدج" (Cambridge University) و"جامعة تشارلز" (Charles University)، "فإنَّ الصحة العقلية والجسدية للمريض الذي يعاني من الاضطرابات العاطفية الموسمية أثَّرت تأثيراً مباشراً بنسبة أكثر من 84% في نقص الإنتاجية، بالإضافة إلى تأثيرها بنسبة 93% تأثيراً غير مباشر.

ما الذي تستطيع القيام به لمعالجة هذا الأمر؟

قال "مارتن ستيبانيك" (Martin Stepanek)، القائم على الدراسة والباحث في "جامعة تشارلز": "يسلط تحليلنا الضوء على أنَّه في حين أنَّ الصحة الجسدية والعقلية هي العوامل النهائية التي تحدد إنتاجية الموظف، إلا أنَّ بيئة العمل الصحية والإدارة الداعمة تؤديان دوراً أساسياً في هذه العملية".

وأضاف "ستيبانيك": "يحتاج أرباب العمل إلى التركيز على بناء ثقافة إدارية داعمة للموظفين، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من المستحقات الطبية وبرامج المساعدة"، كما اقترح "إنشاء جو عمل أكثر شمولية، وتعزيز شعور الموظفين بالرضا الوظيفي"، بالإضافة إلى ذلك، يمكنك إعطاء الأولوية لصحتك وعافية فريقك من خلال:

  • تشجيع القيام بنشاط بدني، ومن الأمثلة على ذلك، عقد الاجتماعات التي تجري بينما يكون الموظفون إما يقفون أو يمشون، أو استضافة تحديات اللياقة البدنية، أو منح أعضاء فريقك عضوية الانضمام إلى الصالة الرياضية.
  • الاستثمار في شراء معدات جديدة، إذا كان شراء معدات جديدة للمكتب لا يؤثر في ميزانيتك، فجدِّد أثاث مكان العمل من خلال شراء مكاتب يمكن استخدامها من خلال الوقوف.
  • إعادة تصميم مكان العمل، وبالحديث عن تحسين مكان العمل، ضع النباتات في جميع أنحاء المكتب، ويمكنك أيضاً نقل المكتب إلى مكان قريب من النوافذ للسماح لأشعة الشمس الطبيعية بالنفاذ إليها.
  • وضع ترتيبات عمل مرنة؛ حيث إنَّها طريقة مجربة وحقيقية لمساعدة الجميع على الحفاظ على التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، كما تسمح للأشخاص بالعمل في الأوقات التي يكونون فيها أكثر إنتاجية.
  • تقديم طلب للحصول على إجازة غير محدودة، فطالما أنَّ الجميع يحقق الأهداف ويفي بتقديمها في المواعيد النهائية، فإنَّ هذا يتيح لك ولفريقك المجال للاهتمام بصحتك.

اقتراح آخر لمعالجة أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي هو أن تطلب خدمات استشارية، لكن إذا كان هذا مكلفاً للغاية بالنسبة إليك، ففكر في دفع تكاليف تطبيقات الصحة العقلية مثل "كالم" (Calm) أو "هيدسبيس" (Headspace).

شاهد بالفديو: أسباب الاكتئاب الشتوي وطرق علاجه

2. العزلة الاجتماعية:

من العلامات الأخرى التي تدل على الاضطراب العاطفي الموسمي هي عزل نفسك عن الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل، وبصفتي شخصاً عانى من هذا الاضطراب في الماضي، يمكنني أن أخبرك أنَّ هذا الأمر يُمثل تحدياً، فعندما تشعر بالإحباط، فإنَّ آخر شيء تريد القيام به هو التفاعل مع الآخرين.

ما الذي تستطيع القيام به لمعالجة هذا الأمر؟

كتب المؤلفون الحاصلون على شهادة الدكتوراه "لورنس روبنسون" (Lawrence Robinson) و"جينفر شوبين" (Jennifer Shubin) و"جين سيغال" (Jeanne Segal): "العلاقات الوثيقة أمر حيوي في الحد من العزلة الاجتماعية، وفي مساعدتك على التحكم بأعراض الاضطرابات العاطفية الموسمية.

لذا ينبغي أن تشارك في النشاطات الاجتماعية حتى لو كنتَ تشعر بأنَّك لا تريد القيام بذلك"، وفي حين أنَّه من المغري العودة إلى الوضع الذي كنتَ فيه، إلا أنَّ إحاطة نفسك بأشخاص آخرين سيُحسِّن مزاجك.

يوصي المؤلفون الثلاثة بالتواصل مع الأشخاص الآخرين إمَّا عن طريق إجراء اتصال هاتفي، أو إرسال رسائل نصية إليهم، أو إرسال بريد إلكتروني، ويمكنك حتى جدولة موعد افتراضي لتناول الغداء، أو القيام بنشاط يتضمن تشكيل أعضاء فريق ممتع، كما ينصحون بالانضمام إلى مجموعة دعم أو مقابلة أشخاص جدد من خلال البدء بحصص دراسية أو القيام بعمل تطوعي.

3. اللامبالاة:

إنَّ اللامبالاة هي نتيجة مؤسفة أخرى ناجمة عن الاكتئاب؛ حيث تشعرك بفقدان الشغف تجاه كل شيء تقوم به بدءاً من عملك، أو اهتماماتك، أو مهامك التي ينبغي أن تنجزها، والأسوأ من ذلك هو أنَّ فقدان شغفك يكون تجاه الأشياء التي عادةً ما كنتَ تتطلع إلى إنجازها باستمتاع، وقد تشعر حتى باللامبالاة تجاه أهدافك؛ ونتيجة لذلك، من المرجح أن يتوقف دافعك تجاه هذه الأهداف تماماً.

ما الذي تستطيع القيام به لمعالجة هذا الأمر؟

توقَّف عما تفعله وأعد النظر في النصائح المتعلقة بتحسين صحتك العقلية والجسدية؛ وإذا لم يفِ ذلك بالغرض، ففكِّر في السبب الكامن وراء وضعك الحالي، وابحث عن طرائق مبتكرة لتحسين عملك، وبدلاً من القلق بشأن أن تكون منتجاً على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع وخلال السنة، ركِّز على أولوياتك، واستمتع بوقتك.

إقرأ أيضاً: فن اللامبالاة

4. صعوبة في التركيز:

عندما لا تكون على طبيعتك تماماً، فمن المستحيل أن تركِّز على ما تقوم به، بدلاً من إنجاز أهم المهام التي عليك إكمالها، فإنَّك تفكِّر في أمور أخرى، وبالطبع، هذا يؤدي إلى التأخر في إنجاز المهام لأنَّك تماطل في القيام بها.

ما الذي تستطيع القيام به لمعالجة هذا الأمر؟

لقد وجدتُ أنَّ التخطيط المسبق للمهام التي ينبغي إنجازها في يوم العمل يمكن أن يساعد على معالجة هذا الأمر؛ والسبب هو أنَّ هذا هو الوقت الذي أكون فيه أكثر إنتاجية.

إذا كنتَ شخصاً يسهر طوال الليل، فمن المحتمل أنَّك ترغب في العمل في وقت متأخر من اليوم عندما تشعر بالمزيد من الطاقة، لكن في بعض الأحيان لا يكون هذا الأمر كافياً، فعندما تجد صعوبة حقاً في الالتزام بإنجاز عمل ما، فقد ترغب في ممارسة التمرينات التي تحثُّك على الانتباه وتساعدك على التخلُّص من المشتتات، كما يمكنك أيضاً إنشاء مكان عمل أكثر إلهاماً يحتوي على اقتباسات ملهمة حولك، أو موسيقى خلفية، أو نباتات تبعث روائح منعشة مثل زهرة الخزامى أو الليمون أو النعناع.

5. الإفراط في النوم:

أنا أعرف أنَّ آخر شيء قد ترغب في فعله عندما يكون الجو بارداً وكئيباً هو أن تترك سريرك الدافئ والمريح، ولكن نظراً لأنَّ نظام الساعة البيولوجية الخاصة بك لا يعمل وفقاً لطبيعته، فقد يكون هذا أيضاً هو السبب الذي يجعلك تواجه صعوبة في الاستيقاظ في الصباح.

 ما الذي تستطيع القيام به لمعالجة هذا الأمر؟

سأكون صادقة معك ولن يعجبك هذا، لكن عليك أن تلتزم بروتينك حتى تحافظ على الاستمرار في اتباع برنامج ثابت لمواعيد النوم والاستيقاظ، فعندما تستيقظ، قم بنشاط بدني أو استحم، وقد ترغب أيضاً في فعل شيء تستمتع به مثل شرب فنجان ساخن من القهوة أو الكتابة؛ مما يؤدي إلى وقف إفراز الدماغ للميلاتونين.

6. الحاجة إلى عطلة نهاية الأسبوع بأكملها للتعويض:

من الطبيعي أن تشعر بالإرهاق في نهاية أسبوع من العمل الطويل، ولكن إذا كنتَ تحتاج إلى عطلة نهاية الأسبوع بأكملها للتعافي، فقد حان الوقت لإجراء بعض التغييرات المطلوبة بشدة، ومع ذلك، ما زلتَ ترغب في تحقيق أقصى استفادة من وقت فراغك بدلاً من مجرد القيام بإجازة، أليس كذلك؟

ما الذي تستطيع القيام به لمعالجة هذا الأمر؟

يمكن أن تساعدك الاستراتيجيات المذكورة آنفاً معظمها على مقاومة الخمول، واقتراح آخر هو تناول وجبات خفيفة صحية بدلاً من الوجبات السريعة، فيجب أيضاً إعادة تقييم قوائم مهامك حتى لا تضيع الوقت في إنجاز مهام ليست هامة كثيراً في يوم مليء بالأعمال الهامة الأخرى؛ حيث يجب تفويض هذه المهام أو إزالتها من جدول مهامك.

عندما تفشل في إنجاز كل المهام الأخرى، فكر في العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع، ونظراً لأنَّك تقلل ساعات العمل، فمن المُرجَّح أن تجدول ما هو هام حقاً فقط، وقد يحفزك هذا أيضاً على العمل بشكل أسرع.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لقضاء عطلة نهاية الأسبوع تساعدك في تحقيق نجاح باهر

في الختام:

مهما فعلتَ، لا تحتفظ بهذه المشاعر لنفسك؛ بل عبِّر عنها للناس الذين يدعمونك، وإذا كان الاضطراب العاطفي الموسمي يؤثِّر في نوعية حياتك وعملك، فيرجى التواصل مع اختصاصي صحة نفسية موثوق به، وإذا كنتَ في منصب قيادي، فشارك تجربتك مع فريقك واستخدم أدوات التواصل، مثل: تطبيق "سلاك" (Slack)؛ حيث يمكن للجميع الدردشة وتبادل النصائح.

المصدر




مقالات مرتبطة