لماذا لا تحتاج إلى السفر بعيداً لتغيير حياتك؟

يقول الروائي الإسكتلندي "روبرت لويس ستيفنسون" (Robert Louis Stevenson) في كتابه "رحلات على ظهر حمارٍ في السيفان" (Travels with a Donkey in the Cevennes): "لا أُسافرِ من أجل الذهابِ إلى أي مكانٍ؛ وإنَّما لأذهب فقط، أسافرُ فقط بقصد السفر؛ لأنَّه حقاً أمرٌ عظيم".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "كريس أنتونيو" (Cris Antonio)، ويُحدِّثنا فيه عن معنى السفر الحقيقي.

إنَّ كل شخص تعرفه يريد السفر حول العالم، وربما أنت بنفسك تريد ذلك، وليست منشورات الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي الدافع الوحيد للسفر؛ بل للسفر فوائد عدة؛ من زيارة مدينة أحلامك، إلى التعرف إلى ثقافات مختلفة، وربما التخلي عن كل شيء وبدء حياةٍ جديدة، وثمة كثير من الناس الذين غيرت رحلاتهم حياتهم إلى الأبد؛ فقد وجدوا وظائف جديدة، وموطناً جديداً، وأصدقاء جديدون، وهدفاً جديداً يعيشون من أجله.

سواء أكنت ترغب في السفر إلى باريس أم إلى أي مدينةٍ كانت، فإنَّ فكرة الهروب وحدها تكفي لإثارتك؛ لكنَّ المشكلة في أنَّك قد تكون مفلساً، فإذا كنت مثل معظم جيل الألفية فإنَّك تحب الحياة؛ لكنَّك تدرك استحالة السعي وراء أحلامك نظراً لقلة المال؛ إذاً ماذا تفعل عندما تترتب عليك الفواتير لكنَّك تتمنى أن تسافر وتُغير حياتك؟ هل تترك عملك وتذهب ببساطة؟ أم تتألم في صمت لأعوام عديدة حتى تظهر بارقة أمل؟

ربما أصبحت الإجابة واضحة: "لست بحاجة إلى السفر حول العالم لتغيير حياتك".

الرحلة وليس الوجهة:

أحد زملائي في العمل يهوى قيادة الدراجات؛ ففي نهاية كل أسبوع يركب دراجته ويخرج مع أصدقائه الدراجين الآخرين.

قيادة الدراجة ليست تمريناً رائعاً فحسب؛ بل يدَّعي زميلي أنَّها ساعدته على تصفية ذهنه من المخاوف، ومكنته من زيارة أماكن نائية، كما أنَّ صفحته في موقع فيسبوك (Facebook) دليل على ذلك، فينشر صوراً للطرق الطويلة والضيقة التي تحيط بها الخضرة، والجبال الشاهقة التي تتلون بلون ذهبي عند غروب الشمس، والمسارات العشبية المليئة بالأزهار البرية، بالتأكيد لم يسافر عبر دولٍ مختلفة؛ لكنَّه عاش رحلاتٍ رائعة على الرغم من ذلك.

إقرأ أيضاً: قرارات هامة لتغيير حياتك نحو الأفضل

بالنسبة إلى صديقي كان ركوب الدراجات وسيلته لاستكشاف العالم والتخلص من التوتر بعد أسبوع طويل من العمل الشاق، إنَّها ممارسةٌ اقتصاديةٌ ومفيدةٌ للجسم، كما ساعدته على الإقلاع عن إدمانه ألعابَ الفيديو، فيقول إنَّه منذ أن بدأ بهذه الهواية الجديدة لم يعد أبداً إلى عادته السابقة، ويشعر بنشاطٍ وحيوية لم يشهد لهما مثيلاً.

لا تقلل أبداً من قوة الأشياء الصغيرة؛ مثل الشعاب المرجانية الصغيرة التي تجرفها الأمواج إلى الشاطئ، ثمَّ تتجمع معاً لتشكل الشاطئ الرملي الجميل، ولا يهم أبداً المكان الذي تذهب إليه، سواء أكان ذلك جزيرةً، أم دولة مجاورة، أم حتى العودة إلى منزل والديك؛ ما يهم هو ما فعلته وشعرت به خلال رحلتك القصيرة.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

روِّح عن نفسك:

تقترح الطبيبة النفسية "أبيجيل برينر" (Abigail Brenner) أن تعيش بعض الوحدة؛ لأنَّها تساعدك على اتخاذ قرارات أفضل، فيمنحك الشعور بالوحدة مساحةً حرةً تكون فيها على طبيعتك وتجد فيها هويتك دون التعرض لتأثيرات خارجية.

عندما تعيَّن عليَّ التفكير فيما إن كنت سأترك وظيفتي أم لا كنت أذهب إلى الغابة بالقرب من منزل والدتي، وكانت على بعد دقائق قليلة، وكنت أعرف الطريق جيداً، كنت أخرج في وقت متأخر بعد الظهر عندما يذهب الناس إلى منازلهم لتناول العشاء، وخلال هذه النزهات الفردية كنت أوازن بين الإيجابيات والسلبيات، فأستعرض خططي، وأتخيل نفسي أعمل، وأجد الفرح في الأشياء الصغيرة، كنت أعمل حينها من خلال حاسوبي المحمول حيثما شئت، ولكن في بعض الأحيان تمنيت لو كانت الأمور مختلفة، قد تبدو أحلام اليقظة هذه سخيفةً؛ لكنَّها ساعدتني على اختيار الطريق الأفضل.

في ذلك الوقت لو كنت متهوراً لاستقلت فوراً؛ لكنَّ الواقع يفرض نفسه أحياناً؛ فلو لم أتحلَّ بالشجاعة لأبقى وحيداً لكنت اتبعت دوافعي كما اعتدتُ في الماضي، وربما ندمت على قراري لاحقاً، ولكن بفضل هذه النزهات الهادئة تغيرت تصوراتي عمَّا أريد تحقيقه في حياتي.

إقرأ أيضاً: 8 عادات يمكنها تغيير حياتك اليومية كليَّاً

السعادة أقرب ممَّا تظن:

يقول الروائي الفرنسي "مارسيل بروست" (Marcel Proust): "ليست رحلة الاستكشاف الحقيقية في رؤية مشاهد جديدة؛ بل في النظر في عيون جديدة".

إذاً ماذا يمكنك أن تفعل عندما تتوق إلى الابتعاد ولكن ليس لديك الوقت أو الصبر للبدء بذلك؟

ابدأ بالتدريج، فيجب أن تكون رحلتك الأولى داخل مدينتك فقط، وستندهش عندما تجد أنَّ المكان الذي اعتدته ما يزال فيه بعض المفاجآت التي يمكنك اكتشافها؛ فمثلاً الكاتبة المستقلة "جيني جريفز" (Ginny Graves) في إحدى مقالاتها ذكرت أنَّها كانت منشغلةً جداً بمخاوفها لدرجة أنَّها لم تلحظ الكلب الأسود اللطيف في حيِّها إلا في أحد الأيام الماطرة عندما رأته يسبح في المطر، في كثير من الأحيان تمر لحظاتٌ صغيرة من الفرح أمام أعيننا؛ لكنَّنا نغفلها لأنَّنا نركز أكثر من اللازم على أشياء أخرى.

من الطبيعي أن نتمنى الحصول على ما ليس لدينا، كما أنَّ الشعور بالقلق حيال الأشياء الصغيرة هو أيضاً سلوك بشري معتاد، ولكن عندما نتعمق في المشاعر السلبية فإنَّها قد تدمِّر إمكاناتنا تماماً، وربما يكون التغيير الذي تبحث عنه والسعادة التي تتوق إليها أمامك مباشرةً، بالتأكيد لا بأس في أن تحلم بشواطئ مشمسة أو قلاع رومانسية، ولكن ربما لا تحتاج إلى التخلي عن كل شيء حتى تشهد تغييراً حقيقياً في حياتك؛ ربما تحتاج إلى منظور جديد فقط.

لا تسافر حتى ترى أماكن مختلفة من العالم؛ لأنَّ السفر الحقيقي يبدأ فقط عندما ترى العالم من منظور جديد، إنَّه كمن يرتدي النظارات لأول مرة، ويبدأ فجأةً بملاحظة كل شق وكل زاوية وكل انحناء، إنَّه عندما تفكر فيما لديك وتبتسم وتقول في نهاية الأمر: "إنَّ حياتي جميلةٌ حقاً".




مقالات مرتبطة