لماذا تعد الإيجابية أمراً هاماً؟ وكيف يمكن تحقيقها؟

قد نكون تلقَّينا جميعاً النصيحة نفسها التي تحثنا على أن نتحلَّى بالإيجابية وننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس مهما حدث، إلا أنَّ تلك النصائح غير واقعية؛ لأنَّه من الصعب العثور على الدافع للتركيز على الإيجابية عندما تبدو وكأنَّها مجرد تمنٍّ.



في الواقع، تتمثَّل العقبة الحقيقية أمام التحلي بالإيجابية في أنَّ أدمغتنا مُصمَّمة للبحث عن التهديدات والتركيز عليها كوسيلة دفاعية، ولقد كانت هذه الوسيلة فعَّالة عندما كان الإنسان يعيش على الصيد وجمع الثمار؛ إذ كان يواجه تهديداتٍ حقيقية يومياً سواء من خلال القتل على يد شخص ما أم التهامه من قِبَل حيوان مفترس أم أي نوع من الخطر المباشر الموجود في بيئته، ولكن كان هذا منذ زمنٍ بعيد، أمَّا الآن، تدفعنا هذه الوسيلة الدفاعية إلى التشاؤم والسلبية من خلال دفع العقل إلى الشرود حتى يعثر على تهديد ما.

تُعَدُّ هذه "التهديدات" سبب تضخيم احتمالية أنَّ الأمور ستسير على نحو سيء، وليس ثمَّة أي نفع من ذلك؛ إذ ستخدمك هذه الوسيلة عندما يكون التهديد حقيقياً، ولكن عندما تتخيَّل هذا التهديد وتقضي شهرين مقتنعاً بأنَّ المشروع الذي تعمل عليه سوف يفشل، فلن تنفعك هذه الوسيلة الدفاعية على الإطلاق، وستسبِّب المزيد من الفوضى في حياتك.

يُعَدُّ الحفاظ على الإيجابية تحدياً يومياً يتطلب التركيز والاهتمام إذا كنتَ تريد التغلب على ميل الدماغ للتركيز على التهديدات، ولكن لن يَحدث ذلك بالصدفة؛ لذا يجب أن نولِي الإيجابية مزيداً من الاهتمام.

علاقة الإيجابية بصحتك:

يُعَدُّ التشاؤم مشكلةً ضارَّة بصحتك؛ إذ أظهرَت العديد من الدراسات أنَّ المتفائلين يتمتَّعون بصحة جسدية ونفسية أكثر من المتشائمين، ولقد أجرى "مارتن سيليجمان" (Martin Seligman) من "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania) بحثاً مكثفاً حول هذا الموضوع من خلال التعاون مع "سيليجمان" مع باحثين من كلية دارتموث" (Dartmouth) و"جامعة ميشيغان" (University of Michigan) في دراسة تابعَت الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و65 عاماً لمعرفة مدى تأثير مستويات التشاؤم أو التفاؤل في صحتهم العامة، وقد وجد الباحثون أنَّ صحة المتشائمين تتدهور أسرع بكثير مع تقدُّمهم في السن.

تتشابه نتائج "سيليجمان" مع الأبحاث التي أجرَتها مجموعة "مايو كلينيك" (Mayo Clinic)، والتي وجدَت أنَّ المتفائلين يُصابون بمستويات أقل من أمراض القلب والأوعية الدموية، ويتمتَّعون بعمر أطول، ورغم عدم تحديد الآلية الدقيقة التي يؤثر التشاؤم من خلالها في الصحة، وجد الباحثون في "جامعة ييل" (University of Yale) و"جامعة كولورادو" (University of Colorado) أنَّ التشاؤم مرتبط باستجابة مناعية ضعيفة للأورام والعدوى.

كما حقنَ باحثون من "جامعة كنتاكي" (University of Kentucky) الأشخاص المتفائلين والمتشائمين بفيروس لقياس استجابتهم المناعية، ووجدوا أنَّ استجابة المتفائلين أقوى بكثير من المتشائمين.

إقرأ أيضاً: فوائد التفاؤل على الصحة النفسية والجسدية

علاقة الإيجابية بأدائك:

يُعَدُّ التحلِّي بالإيجابية أمراً مفيداً لصحتك وأدائك على حدٍّ سواء؛ إذ درس "سيليجمان" العلاقة بين الإيجابية والأداء، وقاس في إحدى دراساته درجة تأثير تفاؤل مندوبي مبيعات التأمين أو تشاؤمهم في عملهم، وتبيَّن أنَّ مندوبي المبيعات المتفائلين باعوا بنسبة 37% أكثر من المتشائمين الذين كانوا أكثر عُرضةً بمرتين لترك الشركة خلال السنة الأولى من عملهم.

بالإضافة إلى ذلك، درس "سيليجمان" الإيجابية أكثر من غيره، وهو يؤمِن بالقدرة على تحويل الأفكار والميول المتشائمة ببعضٍ من الجهد والوعي، وقد أظهرَت أبحاثه ذلك؛ إذ تبيَّن أنَّه بإمكان الناس تحويل الميل نحو التفكير المتشائم إلى تفكير إيجابي من خلال تقنيات بسيطة تخلق تغييرات دائمة في السلوك بعد فترة طويلة من اكتشافها.

فيما يلي ثلاثة أشياء سيساعدك تطبيقها على التحلِّي بالإيجابية:

1. فصل الواقع عن الخيال:

كي تتعلم التركيز على الإيجابية، يجب أن تتخلَّص من الحديث الذاتي السلبي؛ لأنَّه كلما زاد تفكيرك في الأفكار السلبية، منحتَها مزيداً من القوَّة والسيطرة، بالإضافة إلى أنَّ معظم أفكارنا السلبية مجرد أفكار، وليست حقائق.

عندما تجد نفسك تُصدِّق الخيالات السلبية والمتشائمة التي يهيِّئها لك عقلك، توقَّف عن التفكير فيها ودوِّنها؛ لأنَّه بمجرد أن تأخذ لحظةً للهدوء والتخفيف من الزخم السلبي لأفكارك، ستكون أكثر عقلانيةً ووضوحاً في تقييم صحتها، بعد ذلك، قيِّم هذه العبارات التي كتبتَها وانظر إذا ما كانت واقعيةً، وإذا وجدتَ أنَّك كتبتَ أيَّاً من هذه الكلمات: "أبداً، دائماً، أسوأ، على الإطلاق، وغيرها"، فاعلم أنَّ هذه الأفكار غير صحيحة؛ لأنَّك بالتأكيد لا تنسى مفاتيحك دائماً – على سبيل المثال – فربما تنساها كثيراً، لكنَّك تتذكر أخذها في معظم الأيام.

وكذلك بالنسبة إلى المشكلات، فليس من المحتمل ألَّا تجد حلاً لمشكلتك على الإطلاق، فربما أنت الذي لم تطلب المساعدة، بعد ذلك، إذا وجدتَ أنَّ الأفكار السلبية تبدو حقيقيةً بعد تدوينها، فاعرضها على صديق مقرَّب أو زميل تثق به، واعرف ما إذا كان يتفق معك أم لا، ثمَّ ستعرف الحقيقة بالتأكيد.

عندما تشعر بأنَّ شيئاً ما يَحدث دائماً أو لا يَحدث أبداً، فما هذا إلَّا ميل دماغك الطبيعي إلى التهديد الذي يضخم مدى تواتُر أو شدة الحدث، ولكن سيساعدك تحديد وتصنيف أفكارك من خلال فصلها عن الحقائق على الخروج من دائرة السلبية والتحلِّي بنظرة إيجابية جديدة.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتدريب العقل على التحلي بمزيدٍ من الإيجابية

2. تحديد الأمور الإيجابية:

بمجرد أن تتخلَّص من الأفكار السلبية الهدَّامة، يجب أن تساعد عقلك على تعلُّم التحلِّي بالإيجابية، وستستطيع فعل ذلك تلقائياً بعد ممارسة بعض التمرينات، ولكن عليك أولاً أن تساعد عقلك من خلال اختيار أمر إيجابي للتفكير فيه؛ إذ ستنجح أيَّة فكرة إيجابية في إعادة تركيز انتباهك.

عندما تكون حالتك المزاجية جيدةً حين تسير الأمور على ما يرام، فهذا سهل نسبياً، ولكن عندما يمتلئ عقلك بالأفكار السلبية في حين أنَّ الوضع جيدٌ، فقد يكون هذا تحدياً، وفي هذه اللحظات، فكِّر في يومك وحدِّد أمراً إيجابياً واحداً قد حدث، مهما كان صغيراً؛ وإذا كنتَ لا تستطيع التفكير في شيء من اليوم الحالي، فكِّر في اليوم أو حتى الأسبوع السابق، أو أي حدث مثير تتطلع إليه، فالنقطة الهامَّة هنا هي أنَّه يجب أن تمتلك أمراً إيجابياً تكون على استعداد لتحويل انتباهك إليه عندما تصبح أفكارك سلبيةً.

في الخطوة الأولى، تضعِف قوة الأفكار السلبية من خلال فصل الحقيقة عن الخيال، وفي الخطوة الثانية، يجب أن تستبدل التفكير السلبي بالتفكير الإيجابي، وإذا كان ذلك صعباً، يمكِنك تكرار عملية تدوين الأفكار السلبية لتشويه مصداقيتها، ومن ثمَّ، السماح لنفسك بالاستمتاع بالأفكار الإيجابية بحُريَّة.

3. تعزيز الشعور بالامتنان:

يُعَدُّ تخصيص بعض الوقت للتفكير فيما أنت ممتن له أمراً صحياً يتعيَّن عليك القيام به باستمرار؛ إذ يُقلِّل من إفراز الكورتيزول (هرمون الإجهاد) بنسبة 23%؛ حيث وجدَت الأبحاث التي أُجرِيَت في "جامعة كاليفورنيا" (University of California) أنَّ الأشخاص الذين التزموا بالتعبير عن امتنانهم يومياً، أظهروا مستويات أعلى من تحسُّن المزاج وارتفاع الطاقة ومستويات أقل من القلق بسبب انخفاض مستويات الكورتيزول.

يمكِنك تعزيز الامتنان من خلال التركيز على الأمور الإيجابية في حياتك؛ لذا عندما تواجه أفكاراً سلبية أو متشائمة، فكِّر في الأمور التي تشعر بالامتنان تجاهها لتغيير أفكارك وتحويلها إلى أفكار إيجابية، وبمرور الوقت، سيصبح التوجُّه الإيجابي أسلوب حياة بالنسبةِ إليك.

في الختام:

تُعَدُّ هذه الخطوات الثلاث هامَّة للغاية؛ لأنَّها تدرِّب عقلك بفاعلية على التحلِّي بالإيجابية والتركيز فيها، كما تساعدك على التخلُّص من عاداتك السلبية في التفكير، والتي تُعَدُّ نتيجةً لميل العقل الطبيعي إلى التفكير في الأفكار السلبية. طبِّق هذه الخطوات وسوف تجني ثمارها على الصعيد الجسدي والعقلي، وفي تحسين الأداء أيضاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة