كيفية الحد من الاغتراب الوظيفي؟

هل تحب الذهاب إلى عملك يومياً، أم أنَّك تفضِّل البقاء في المنزل؟ وهل تحب نوع العمل الذي تقوم فيه أم تميل إلى تغييره؟ وهل تحب إقامة علاقات مع زملاء عملك أم تفضِّل الابتعاد عنهم؟ وهل تعاني من القلق والتوتر وتشعر بالغضب عند وجودك في وظيفتك؟ وهل تشعر بعدم قيمتك في العمل وأنَّ رأيك لا يُحدِث فرقاً؟ وهل شعرت بالعجز واللامبالاة في العمل وأصبحت من الأفراد الذين يفضلون العزلة؟



إن كنت من الأفراد الذين يعانون من سبب أو أكثر مما سبق فربما أنت تعاني من ظاهرة تسمى الاغتراب الوظيفي، فالاغتراب الوظيفي ظاهرة إنسانية واجتماعية ونفسية تمثل مشكلة من أكثر المشكلات شيوعاً وانتشاراً في أماكن العمل حول العالم بصرف النظر عن مدى التطور الذي يوجد في الدولة.

ظاهرة الاغتراب ليست وليدة العصر الحالي؛ بل هي قديمة قدم الإنسان، إلا أنَّ مشاعر الاغتراب تزايدت وتعددت؛ إذ يعاني الإنسان حالياً من أزمة اجتماعية ونفسية نتيجة للتحولات التي يشهدها العصر، مثل التحول الصناعي وسيطرة التكنولوجيا على مرافق العمل، والتغير في وسائل الإنتاج، والاعتماد الكبير على رأس المال الفكري، واشتداد حدة المنافسة بين المنظمات التي أصبحت بدورها تطالب العاملين لديها بضرورة العمل المُجدِّ لتحافظ على مكانتها، وغير ذلك من التحولات التي دفعت الفرد للشعور بالقلق والعجز، وسيطرت عليه حالة من اليأس والتشاؤم من المستقبل، وتجاهل المحيطين به من أفراد إضافة إلى سيطرة المشاعر السلبية عليه.

ما هو الاغتراب الوظيفي؟

من المتفق عليه في العلوم الاجتماعية والإنسانية أنَّ الاغتراب ينشأ من وجود خلل في علاقة الفرد مع الأفراد الآخرين ومع محيطه الاجتماعي عامة، والاغتراب الوظيفي ظاهرة تصيب العامل في أثناء قيامه بعمله، فيتحول من العامل النشيط المحب لعمله ولما يقوم به إلى عامل لا مبالٍ وفاقد للارتباط بوظيفته ومحب للعزلة والبعد عن محيط عمله.

قدَّم "كارل ماركس" رأيه في الاغتراب الوظيفي، فوصفه بالحالة التي يصبح فيها الفرد منفصلاً عن عمله بسبب عدم امتلاكه لحرية التصرف ضمن نطاق عمله، فالاغتراب الوظيفي بنظره هو نتيجة طبيعية لعجز الفرد وإحباطه من الحاجة إلى الاستقلالية.

الاغتراب الوظيفي هو ظاهرة ناجمة عن العمل الذي لا يؤدي بالفرد إلى إشباع دوافعه وحاجاته، كما أكد الباحثون على أنَّه شعور بالعزلة والوحدة وفقدان الثقة والإحساس المستمر بالتوتر والقلق والمعاناة من ضغوطات العمل خاصةً ومن الضغوطات الاجتماعية عامة، كما يميل الفرد إلى رفض القيم والمعايير الاجتماعية، فهو باختصار الشعور بالانفصال عن الذات وليس هذا فحسب؛ بل الشعور بالانفصال عن المجتمع.

يرى بعض الأشخاص أنَّ الاغتراب يقود إلى حالتين؛ الأولى إيجابية يحاول الفرد من خلالها الابتكار والإبداع في محاولة إثبات ذاته والتمرد على واقعه، والثانية سلبية في معظمها وناجمة عن فقدان القيم والمعايير، وتلقي بثقلها على الفرد فيفقد كفاءته وينخفض أداؤه.

الاغتراب ظاهرة نفسية يعاني منها الفرد ويشعر ببعده عن الواقع المحيط به نتيجة تعرُّضه لمجموعة من المؤثرات البيئية والذاتية، بحيث يغدو فرداً عاجزاً عن تحقيق التكيف، الأمر الذي يقوده إلى الإحباط والكآبة والتشاؤم.

إقرأ أيضاً: الاندماج الوظيفي ودوره في الاحتفاظ بالموظفين

أسباب الاغتراب الوظيفي:

توجد أسباب متعددة تؤدي إلى شعور الفرد بالاغتراب في عمله وفقدانه لشعوره بالانتماء الوظيفي والتفاعل الاجتماعي، وعموماً ترجع أسباب الاغتراب إلى نوعين من الأسباب؛ الأول يرتبط بالفرد، والثاني يرتبط بالمنظمة أو مكان العالم.

1. أسباب ترتبط بالفرد:

  • الاكتئاب والإحباط، فعندما توجد مشكلات تقف عائقاً في طريق الفرد وتمنعه من تحقيق رغباته وأهدافه، يشعر بالعجز والضعف والفشل وبخيبة الأمل التي تقود في النهاية إلى الإحباط وتحقير الفرد لذاته، ومن ثم شعوره بالاغتراب الوظيفي.
  • تعرُّض الفرد لحالات مختلفة من الحرمان، مثل الحرمان العاطفي أو الحرمان الاجتماعي أو الحرمان المادي، وجميعها تؤدي إلى عدم تلبية رغبات وحاجات الفرد، ومن ثم تكون سبباً في إحساسه بالاغتراب.
  • حالة عدم الاستقرار في المحيط الاجتماعي، مثل عيش الفرد في ظل الحروب أو في حالة حدوث أزمات اقتصادية.
  • الغزو الثقافي الذي يتعرض له الفرد وما يحويه من عوامل هدم وتخريب للقيم والمعايير التي نشأ عليها الفرد.
  • الضغوطات الاجتماعية المتنوعة وعدم قدرة الفرد على التعاطي بطريقة صحيحة معها وتحمُّلها.
  • عدم قدرة الفرد على مواكبة تغيرات العصر السريعة أو عدم امتلاكه الكفاءة لمواكبتها.
  • المشكلات الأسرية التي يعاني منها الفرد التي تمنعه من التركيز في عمله.
  • الفشل في اختيار العمل المناسب للفرد الذي يلائم طموحه وإمكاناته.
  • انخفاض الأجور وعدم تناسبها مع ما يبذله الفرد من جهد ومع ما يمضيه من وقت في العمل.
  • الملل من تكرار العمل وفقدان العامل لدوره في العملية الإنتاجية.

شاهد بالفيديو: 7 استراتيجيات لإبقاء موظفيك في حالة تحفيز دائم

2. أسباب ترتبط بالمنظمة:

  • الهياكل التنظيمية المعقدة التي تمنع العامل من تنفيذ أي عمل دون صدور أوامر من المستوى الإداري الأعلى.
  • نمط القيادة الموجود في المنظمة، فالسلطة المستبدة التي تعامل العامل بعدم الاحترام تدفعه إلى الملل من العمل وعدم الرغبة بالحضور إليه.
  • شعور الفرد بفقدان القوة نتيجة للمركزية الشديدة أو اللامركزية المفرطة.
  • الانخفاض في مستوى العلاقات الاجتماعية والعلاقات السيئة مع أفراد العمل التي تؤدي إلى نشوء الخلافات والمشاحنات، وتجعل من العمل مكاناً متوتراً وغير مريح.
  • سوء أدوات تقييم أداء العاملين؛ إذ تعتمد أغلب المنظمات في تقييم العاملين لديها على التقارير التي يقدمها المدير المباشر للعامل والتي غالباً ما تكون خاضعة للآراء الذاتية للمدير وتقلباته المزاجية.
  • اختلاف الأدوار وتناقضها، فقيام الفرد العامل بأكثر من دور في المجتمع، مثل دور المربي والعطوف على أولاده ورب الأسرة إلى عامل مرؤوس في وظيفته، يخلق حالة من عدم الرضى والاغتراب.
  • غياب التدريب في المنظمة وعدم تطوير قدرات العاملين ومهاراتهم.
  • غياب القيم الأخلاقية عن العمل التي تحدد ما هو مرغوب وما هو ممنوع.

مظاهر الاغتراب الوظيفي:

  1. فقدان السيطرة: الفرد المغترب وظيفياً لا يستطيع اتخاذ القرار، ولا يمكن له التأثير في المواقف الاجتماعية.
  2. فقدان المعنى: من أبرز مظاهر الاغتراب هو وصول الفرد إلى حالة اللامعنى، فلا يوجد وضوح في حياة الفرد لما يجب أن يعتقد به، فهو إنسان فاقد لجوهر الأشياء المحيطة به، والحياة بالنسبة إليه دون قيمة في ظل غياب الرغبة والهدف.
  3. فقدان المعايير: فقدان المعايير يعني عدم الالتزام بتطبيق القوانين والأنظمة والقواعد والقيم التي توضح كلاً من الحقوق والواجبات؛ إذ يرى الفرد أنَّ السلوك الذي كان مرفوضاً في المجتمع أصبح مقبولاً في غياب الضوابط الاجتماعية.
  4. العزلة الاجتماعية: يبتعد الفرد ابتعاداً واضحاً عن الأفراد الآخرين، كما يفتقد الفرد إلى الدافعية للانخراط في علاقات اجتماعية ورفض العمل الجماعي، إضافة إلى الشعور بالوحدة والفراغ النفسي والرغبة بالبقاء وحيداً.
  5. التمرد: يتمثل في رفض الفرد لكل ما هو قائم وعدم البحث عن أهداف أو وسائل جديدة، والتمرد قد يكون ضد أسرته أو عمله أو الجماعة التي ينتمي إليها.
  6. اغتراب الذات: عدم قدرة الفرد على التواصل مع نفسه وشعوره بالانفصال عما يريد الوصول إليه، هو فقدان ذاته الحقيقية في مجال العمل وانفصاله عن جوهر هذا العمل وأهدافه.

شاهد بالفيديو: 6 طرق مبتكرة لرفع معنويات الموظفين

كيفية الحد من الاغتراب الوظيفي:

  1. تحسين العلاقة بين إدارة المنظمة والعاملين لديها: على الإدارة تلبية ما يتوقعه العاملون منها من زيادة الأجور ومنحها للمكافآت والتعويضات، ومنح العاملين فرص الترقية الوظيفية بناءً على معايير وأسس عادلة، وعدم التمييز بين العاملين بناءً على انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية، والأخذ في الحسبان كل جهد إضافي يبذله العامل وإعطاؤه التقدير المناسب.
  2. السعي إلى تأمين بيئة عمل مناسبة: يجب عدم قيام المدير بتوجيه النقد اللاذع بحق العاملين ولا سيما أمام الآخرين، والاهتمام بتوزيع الأعمال وفقاً لكفاءة العامل دون زيادة أو نقصان في أعباء العمل، وعدم إجبار العامل على القيام بأعمال تتعارض مع ثقافته وقيمه.
  3. الاهتمام بالعلاقات الإنسانية خاصةً: هذه العلاقات التي تقوم على أساس التعاون والتفاعل الاجتماعي، وتعزِّز الثقة بين العاملين.
  4. بناء فرق العمل: فرق العمل القائمة على أساس التعاون لا المنافسة، وتوزيع المهام وفقاً للدرجة الوظيفية التي يشغلها كل منهم وبما يحقق العدالة، كما يجب إتاحة الفرصة أمامهم للإبداع والابتكار وتحقيق التميز في العمل والتنسيق الجيد بينهم بالشكل الذي يحقق أهدافهم الشخصية وأهداف المؤسسة.
  5. عقد الاجتماعات الدورية في المنظمة ومتابعة سير العمل والاستماع لمشكلات العاملين وهمومهم.
  6. قيام المدير بزيارة إلى أماكن عمل الموظفين لتفقُّد حاجاتهم بشكل مباشر وتذليل الصعوبات التي تواجههم ومنحهم الثقة بالنفس والثناء على أدائهم.
  7. ضرورة الاعتماد على أساليب الحوار عند توجيه الأوامر إلى العاملين.
  8. الاعتماد على القوانين واللوائح الواضحة والابتعاد عن الازدواجية في المعايير، بحيث تتحقق المساواة بين العاملين.
  9. تطوير أساليب الاتصال داخل المنظمة وباتجاهات مختلفة حتى تتاح الفرصة للتأثير في العاملين وتغيير سلوكاتهم، فالاتصال هام ليس فقط في نقل المعلومات بين العاملين؛ بل هو سبب رئيس للإبداع والتميز في العمل.
  10. تحفيز العاملين للعمل من خلال تفويض السلطة إليهم من أجل الابتعاد عن الروتين والبيروقراطية، ودفعهم للإنجاز وأداء العمل بكل مهارة وسعادة.
  11. حث العاملين للمشاركة في عملية اتخاذ القرار، فمشاركتهم من شأنها اختلاق مناخ تنظيمي تقل فيه المشكلات إلى أقل قدر ممكن.
  12. قيام المنظمة بتخطيط المسار الوظيفي لكل عمل داخل المنظمة وبما يحقق التوافق بين الوظيفة وشاغلها، فتوقعات العاملين العالية وفشلهم في تحقيقها أو عدم وجود فرصة لتحقيقها في المنظمة، يصيب الموظف بالإحباط بسبب توقعاته غير الواقعية.
  13. التدريب المستمر لكل من المديرين والعاملين، فالتدريب جيد للمديرين؛ وذلك لأنَّهم يتولون مهمة الإشراف وإعطاء الأوامر؛ لذا من الجيد معرفة الطريقة الأفضل التي يجب أن يقوموا فيها بأعمالهم، وكذلك بالنسبة إلى العاملين يجب إيلاؤها الاهتمام المناسب في التدريب لتطوير مهاراتهم وقدراتهم بما يلائم التطورات التي تَحدُث في مجال العمل.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة لتحقيق الرضا الوظيفي

في الختام:

الاغتراب هو شعور الفرد بحالة اللامعنى وغربة الذات والافتقار إلى القوة والرغبة في الوحدة والبقاء منعزلاً، وبمعنى أوضح هي انصياع قوى الإنسان للقوى الأعلى منها، وينتج عن ذلك انهيار العلاقات الوثيقة للفرد وتمزُّق الانتماء إلى الجماعة وزيادة الهوة التي تفصل بين الجماعات الاجتماعية، فهو حالة من الانفصال عن واقع الفرد بكل ما يتضمنه من قيم وأفكار وعادات وسواها، وحالة من عدم التكيف مع المجتمع وصولاً إلى حالة اللامبالاة.

لذا يجب على المنظمة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة التي تخفف من شعور الموظف بالاغتراب الوظيفي، كما يجب على كل إنسان التحلي بالإيمان والإصرار على الكفاح في الحياة مهما تعرَّض لضغوطات في العمل أو في حياته الخاصة، فإرادة الحياة تبقى فوق كل شيء.




مقالات مرتبطة