لقد عُيِّن "فاوتشي" كبير المستشارين الطبيين للرئيس الأمريكي "جو بايدن" (Joe Biden) لهذا العام، والذي أثبت جدارته في الحد من تفشِّي وباء الإيدز خلال فترة تولِّي الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريغان" (Ronald Reagan) لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يتمتع الدكتور "فاوتشي" بخبرة طويلة في مجال الأمراض السارية وقد أتم الثمانين من العمر في كانون الأول.
يوفر هو وكثيرون غيره أمثلةً عن كيفية مشاركة العاملين الأكبر سناً في تقديم مساهمات ضخمة للوطن أو المنظمات أو مبادرات الأعمال، إلا أنَّه غالباً ما يُنظَر إليهم على نحو سلبي بالاعتماد على الصور النمطية المرتبطة بالسن؛ إذ إنَّه في كثير من الأحيان تُهمَّش المعرفة والخبرة القيِّمة بسبب الأحكام المجتمعية المسبقة.
مشكلة آخذة بالنمو:
يُعَدُّ التمييز على أساس السن مصدر قلق متزايد، لا سيَّما مع تزايد ميل الشركات إلى توظيف القوى العاملة من فئة اليافعين أكثر ممن هم في الخمسينيات من العمر، والزيادة في استخدام التكنولوجيا والاقتصاد الآخذ بالتطور، وعلى الرغم من محاولة الدولة حماية حقوق العاملين الأكبر سناً، إلا أنَّ المواهب القديمة ما زالت تتعرض للتهميش.
تظهر التفرقة على أساس العمر عندما يؤثر عمر الشخص في كيفية تعامل الآخرين معه، وفي مكان العمل، يمكن أن تؤثر التفرقة على أساس العمر في وضع الموظف بطرائق عدَّة، على سبيل المثال: يمكن لعمر الشخص التأثير سلباً في قرارات التوظيف المتعلقة بالتعيين أو الفصل من العمل أو التسريح، وفقاً لمشروع "ووركبلايس هاراسمنتس إيندز ناو" (Workplace Harassment Ends Now)، الذي تتمثل مهمته في مكافحة المضايقات التي يتعرض لها الموظفون في أماكن العمل والتشجيع على خلق بيئات عمل يسودها الاحترام.
يمكن للتفرقة على أساس السن أن تؤثر كذلك في تعويضات العمل، فيما يتعلق بالعمال الأكبر سناً، وقد يعني ذلك التفرقة في الأجور أو المزايا أو الترقيات، وأخيراً، يمكن أن ينطوي التمييز على أساس السن ببساطة على المضايقات اللفظية أو غيرها من الإزعاجات الأخرى، والتي يمكن أن تقع عند إبداء زملاء العمل أو المشرفين تعليقات مهينة أو أيَّة أشكال أخرى من المضايقات غير اللفظية القائمة على التمييز.
يندرج التمييز الممنهج على أساس العمر ضمن مجال عمل لجنة تكافؤ فرص العمل (EEOC)، والتي توفر عادةً إرشادات متعلقة بالفروق الدقيقة في التشريعات الفيدرالية، على سبيل المثال: في وقت سابق من هذا العام، أشارت إلى أنَّ إعلانات الوظائف التي تستخدم تعابير تشير إلى التفرقة العمرية مثل "حديث التخرج" أو "نشيط" أو "شاب"، تُعَدُّ ممارسةً نموذجية للتمييز الممنهج على أساس السن.
يقع على عاتق لجنة تكافؤ فرص العمل مسؤولية تطبيق القانون المتعلق بالتفرقة على أساس العمر في مجال التوظيف الذي سُنَّ عام 1968، إلا أنَّ العاملين الكبار في السن ما زالوا يواجهون تحديات قائمة على التمييز على أساس السن، ومع تقدُّم التكنولوجيا الطبية، أصبح العاملون أكثر صحةً ويعيشون لفترة أطول؛ مما يعني بقاءهم على رأس عملهم لفترة أطول من جيل آبائهم، بالإضافة إلى التنوع الكبير في كثير من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، الذي خلق جيلاً يتمتع بمستوى أعلى من التعليم، وعلى الرغم من تلك التغييرات الإيجابية التي طرأَت على المجال الصحي، لا يزال التمييز على أساس السن منتشراً إلى حد كبير نتيجةً للتحيزات والمواقف التي عفاها الزمن تجاه جيل كبار السن.
شاهد بالفديو: الذكاء العاطفي في العمل مفتاح النجاح المهني
منذ أن بدأَت لجنة تكافؤ فرص العمل في ملاحقة الممارسات القائمة على التفرقة على أساس العمر في مكان العمل عام 1977، ارتفع عدد الشكاوى المستلمة عن الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2016 والمتعلقة بالتمييز على أساس السن بنسبة 88,5% من 14893 إلى 28073، وهو ما يمثِّل أعلى وأدنى عدد من الشكاوى المتعلقة بالعمر والمسجلة في فترة تشمل 23 عاماً.
ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أنَّ الشكاوى المقدَّمة للجنة تكافؤ فرص العمل لا تعكس تماماً كامل ممارسات التمييز على أساس السن في مكان العمل، على سبيل المثال: لا تتضمن البيانات الشكاوى المقدَّمة لوكالات ممارسات التوظيف العادل المحلية أو على مستوى الولاية ولا تأخذ بالحسبان الحالات غير المبلَّغ عنها ببساطة.
من المتوقع أن تظهر التفرقة على أساس العمر بأشكال مختلفة في ظل البيئة الاقتصادية الحالية، لا سيَّما مع ازدياد الميل إلى التوظيف بعد الجائحة، ومع ذلك، فإنَّ العاملين الأكبر سناً العاطلين عن العمل في الخمسينيات من العمر يحتاجون في بحثهم عن وظائف إلى ضعف المدة التي يحتاج إليها صغار السن ممن يبحثون عن عمل.
إلى جانب التوظيف، يرى العاملون الأكبر سناً أنَّ التفرقة العمرية غدت أمراً طبيعياً وشائعاً ومنتشراً، وبناءً على دراسة أُجرِيَت من قِبل الجمعية الأمريكية للمتقاعدين AARP على العاملين ممن تتراوح أعمارهم بين 45 و74 عاماً، تبيَّن أنَّ معظمهم يعتقدون أنَّ التفرقة على أساس العمر تبدأ بالظهور عند وصول الموظفين إلى الخمسينيات من العمر، ويقول 22% منهم إنَّ الأمر يبدأ مبكراً من 30 إلى 40 عاماً، في حين يقول 17% إنَّ التمييز على أساس السن يبدأ بالظهور في الستينيات من العمر.
إنَّه لأمر مرهق وخاصةً بالنسبة إلى بعض المجالات التي تعتمد على كبار السن من العاملين، على سبيل المثال: تعاني الرعاية الصحية من قصور في مجال التمريض، على الرغم من أنَّ 40% من القوى العاملة لديها تتجاوز سن الخامسة والخمسين، وقد كان متوسط عمر الممرضات المسجَّلات في عام 2017 واحداً وخمسين عاماً، بحسب دراسة القوى الوطنية العاملة في مجال التمريض.
الاستجابة إلى ظاهرة التفرقة العمرية:
ذُكِر في رسالة من "شارلوت بوروز" (Charlotte Burrows)، رئيسة لجنة تكافؤ فرص العمل، أنَّ الدعاوى القضائية التي رُفِعَت مؤخراً والمتعلقة بالتمييز على أساس العمر قد كلفت الشركات من 115000 دولار إلى 12 مليون دولار، وهي غرامات ناتجة عن السياسات المتعلقة بمجموعة من القضايا ذات الصلة بالتفرقة العمرية، بدءاً من التسريح الممنهج لمن تجاوزوا الأربعين عاماً، وصولاً إلى كونهم متهمين بتطبيق خطة تقاعدٍ قائمة على التمييز على أساس السن، وفي السنوات الست الماضية وحدها، جمعَت لجنة تكافؤ فرص العمل 438 دولاراً لضحايا التفرقة على أساس العمر في قرارات ما قبل تنفيذ الحكم.
إنَّ عدم التدخل للحد من انتشار ثقافات أماكن العمل التي تمارس التمييز ضد العاملين من كبار السن، يمكن أن يكون له آثار سلبية أخرى في معنويات الموظفين وأدائهم وتصوُّرهم العام، كما يمكن لحالات التمييز على أساس السن أن تنتشر على نطاق واسع في ظل تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
من المحتمل أن يُجمِع أغلب المتخصصين في مجال الموارد البشرية على أنَّ التواصل المنفتح هو الخيار الأمثل لتحديد المشكلات وإيجاد حلول لها؛ إذ يمكن التخفيف من حدة التمييز من خلال إدراك الأسباب الكامنة وراء ممارستها وميولها ومكافحة الافتراضات النمطية المتعلقة بالعمر والتي لا أساس لها من الصحة، كما يجب أن يدافع كل أفراد المنظمة بصوت مسموع عن زملائهم العاملين من جميع الأعمار والأجناس والخلفيات والتوجهات؛ إذ إنَّه مثلما تُقيم الشركة حملات توعية ضد التحرش الجنسي سنوياً، كذلك فإنَّها بحاجة إلى وضع برامج هادفة إلى محاربة التفرقة على أساس العمر.
نظراً إلى زيادة عدد العاملين الذين يبحثون عن فرص عمل ويسعون إلى تحقيق أهداف مهنية واجتماعية من خلال العمل لمدة أطول، فقد حان الوقت للتعامل معهم بعدالة وإنصاف.
أضف تعليقاً