كيفية التعامل مع الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى المدرسة

لا شك في أنَّ التعليم هو العامل الأكثر أهمية في النهوض بالمجتمع وتقدُّمه، وإيماناً من الإنسان بأهمية التعليم أوجد المدارس لكي يعبر بأبنائه إلى بر الأمان وضفة التقدم والحضارة؛ إذ تُعَدُّ المدرسة المكان الذي تنمو فيه إمكانات الطفل النفسية والفكرية والاجتماعية والمعرفية وكذلك يُصقل بالمهارات اللازمة للحياة.



تُعَدُّ تجربة دخول المدرسة لأول مرة من أهم التجارب التي يخوضها الطفل في حياته، فهي مرحلة الدخول إلى عالم جديد لا يعرفه أبداً أو لا يعرف عنه الكثير، فهو يخرج من نطاق الأسرة المغلق ورعاية والديه وإخوته لينتقل إلى الوسط الجديد الذي يجب عليه أن يعتمد على نفسه وسط مجموعة من القواعد التي يجب عليه أن يلتزم بها وجماعات من المعلمين والرفاق المختلفين في التعامل عن أسرته.

فذهاب الطفل إلى المدرسة هو بمنزلة نهاية عهد وبداية عهد جديد، ومن المشكلات التي يتعرض لها الطفل خلال هذه الفترة مشكلة المخاوف المدرسية التي تجعله رافضاً للذهاب إليها، وتُعَدُّ مشكلة رهاب المدرسة أو فوبيا المدرسة الأكثر انتشاراً بين أطفال المرحلة الابتدائية ولا سيما الطفل الوحيد لأهله، كما تؤثر في تكوين شخصياتهم على المستوى النفسي والاجتماعي ويترجم الطفل هذه المشكلة بأعراضٍ بعضها نفسية وأخرى جسمية.

رهاب المدرسة الخوف أو فوبيا المدرسة:

الخوف من المدرسة من مخاوف الطفولة الأكثر دراسة وتحليلاً من قِبل الباحثين؛ إذ أُطلق عليها تسميات مختلفة منها: رفض المدرسة، وقلق الانفصال، والهروب من المدرسة، والانسحاب من المدرسة، والتغيب عن المدرسة.

رهاب المدرسة هو حالة انفعالية وشكل من أشكال الفوبيا يصاب بها الطفل الذي يدخل إلى المدرسة للمرة الأولى نتيجة لأساليب التربية الخاطئة أو التعامل غير الجيد أو العنيف من قِبل المدرسة، فيسيطر الخوف على الطفل؛ لذا يرفض الذهاب إلى المدرسة أو البقاء مدة طويلة في الفصل الدراسي ويصر على البقاء بجانب والديه في البيت؛ وذلك لاعتقاده بأنَّه المكان الوحيد لأمانه.

يعبِّر الطفل عن خوفه من المدرسة بمظاهر سلوكية متعددة كالعناد والبكاء والاحتجاج والتوسل لعدم الذهاب والتذرع بأسباب غير موجودة وتكون مصحوبة بانفعالات حادة تنتهي بأمراض جسمية مثل الصداع والغثيان، بالإضافة إلى أعراض نفسية تبدو ظاهرة بوضوح كالقلق والتوتر؛ وذلك عندما يحين موعد الذهاب إلى المدرسة، كما أنَّ بعضهم يذهب إليها لكن ربما يعود من منتصف الطريق متذرعاً بحجج واهية متعددة كالمرض المفاجئ.

تجدر الإشارة إلى أنَّ رهاب المدرسة لا يحدث فقط مع الفئات العمرية الأولى من الأطفال؛ أي الذين يدخلون لأول مرة إلى المدرسة، فحدوث ذلك مع هذه الفئة يُعَدُّ أمراً عادياً بسبب حدوث قلق الانفصال عن الوالدين؛ بل يمكن أن تحدث في بداية الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية المتوسطة؛ أي سن المراهقة بين عمر 11 إلى 13.

كما بيَّنت الدراسات أنَّ هذا الخوف هو الأعلى لدى الإناث من الذكور، ويمكن أن يبدأ هذا الخوف في مرحلة بدء الدخول إلى المدرسة ليختفي بعد ذلك فجأة، ومن ثم يعود تلقائياً في سن المراهقة، وإذا اختفى هذا الخوف باستخدام القسوة والعنف في مرحلة الطفولة من الممكن أن يعود في مرحلة العشرينيات من العمر على شكل نوبات من الهلع والخوف الشديد.

إنَّ مشكلة الخوف من المدرسة ليست بالمسألة السهلة أو البسيطة، فالكثير من الأطفال أو الطلاب في سن المراهقة توقفوا عن الدراسة بشكل كامل نتيجة لذلك، كما أنَّ الأفراد الذين عانوا من فشل الدخول إلى المدرسة هم الأكثر عرضة للفشل الدراسي وتدنِّي التحصيل العلمي ومتاعب الحياة العملية وكذلك الزوجية والعزلة الاجتماعية والانطواء وأمراض نفسية أخرى كالاكتئاب.

شاهد بالفديو: 8 نصائح تساعد الأطفال والآباء على الاستعداد للعودة إلى المدرسة

أسباب الخوف من المدرسة ورفض الذهاب إليها:

  1. عدم قدرة الطفل على تكوين علاقات صداقة جديدة أو جيدة بسبب ضعف مهاراته الاجتماعية.
  2. تدنِّي التحصيل الدراسي والتقصير في الأداء المدرسي.
  3. ذكاء الطفل المرتفع وملله من المنهاج الدراسي الذي لا يتناسب مع قدراته العالية، أو خلاف ذلك، ذكاء الطفل منخفض؛ وهذا يؤدي إلى مواجهته لبعض الصعوبات الكبيرة في التعلم.
  4. إصابة الطفل بأمراض نفسية نتيجة الخوف من دخول المدرسة مثل: قلق الانفصال عن الوالدين لا سيما الأم، والرهاب الاجتماعي، ورهاب الامتحان، وصعوبات التعلم كعسر القراءة أو الكتابة أو العمليات الحسابية، واضطراب فرط الحركة وغير ذلك.
  5. الجو العائلي السائد في الأسرة كوجود مشكلات بين الوالدين وانعكاس ذلك على نفسية الطفل في صورة الخوف من التعامل مع العالم الخارجي ومن ذلك المدرسة.
  6. غيرة الطفل من الأخوة والرغبة في جذب الانتباه إليه باستمرار.
  7. الإساءة التي يمكن أن يتلقاها الطفل في المدرسة كاستخدام العنف المدرسي من قِبل المعلمين أو الإدارة أو الإساءة إليه من قِبل زملائه في المدرسة.
  8. الإحساس بالضعف البدني مقارنة بأقرانه أو التعرض للسخرية من قِبلهم.
  9. كثرة الواجبات المدرسية المرهقة والعقوبات المرتبطة بالتراخي عنها.
  10. أسباب ترتبط بالمجتمع عموماً مثل حالات عدم الأمان المنتشرة بسبب الحروب أو الأوضاع السياسية كالخوف من اختطافه في أثناء الذهاب إلى المدرسة.
إقرأ أيضاً: كيف أساعد طفلي على التخلص من الخوف في اليوم الأول من المدرسة؟

كيف يجب أن تتعامل مع الأطفال الذين يخافون المدرسة ويرفضون الذهاب إليها؟

خوف الطفل من المدرسة

إنَّ حالة خوف الطفل أو حتى المراهق من المدرسة مشكلة حقيقية وتتطلب العلاج السريع تجنباً لحدوث مضاعفات وتحول الفرد إلى إنسان انطوائي انعزالي كثير الأمراض النفسية، فمن الضروري معرفة الآباء والمدرسة أنَّهم أمام حالة مَرَضية تستدعي العلاج وليس من قبيل التمارض.

  1. زيارة المدرسة: يجب على الأهل زيارة المدرسة مع ابنهم والتعرف إلى الكادر التدريسي أكثر من مرة قبل بدء العام الدراسي.
  2. يجب على الأسرة التعاون مع المعلم المسؤول عن الطفل لمعرفة أسباب رفض الطفل الذهاب أو البقاء في المدرسة وتحديد مخاوفه ومناقشتها ورسم طريق الحل لها.
  3. تجربة إرسال الطفل إلى المدرسة دون اتباع أساليب قاسية كالضرب أو الحمل عنوة، ودون اتباع أساليب اللين الزائد كتقديم المغريات لقبوله الذهاب، كأن يقول له الوالد: "إذا ذهبت اليوم إلى المدرسة فسوف أعطيك مبلغاً من المال".
  4. تأمين الجو الملائم للطفل في المنزل والمدرسة بعيداً عن الضغوطات النفسية.
  5. تدريب الطفل على التعامل مع مخاوفه وطريقة تجاوزها عبر استخدام أسلوب التدرج للتغلب على ما يعوق قيامه بواجباته.
  6. تهيئة الطفل للمدرسة: يجب على الوالدين التحدث بشكل إيجابي عن المدرسة وما تقدمه للإنسان من معارف ومهارات تجعل منه شخصاً قوياً، فيمكن إحضار الكتب والقصص للطفل وقراءتها له وتعليمه كيف يتعرف إلى الأشكال داخلها، كما يمكن إحضار دفاتر الرسم وجعله يعتاد على قضاء وقت محدد للقيام بمهمة ما مثل الرسم مثلاً، والتحدث عن المعلم وكم هو شخص هام وطيب ويحب مساعدة الآخرين وما إلى ذلك.
  7. تنظيم وقت الطفل: يجب على الوالدين تنظيم مواعيد الطفل تنظيماً جيداً من حيث مواعيد استيقاظه ونومه ووقت وجبات الغذاء وأوقات الترفيه واللعب ومشاهدة التلفاز وغير ذلك، فكل هذا سوف يجعل منه شخصاً قادراً على الالتزام بالقواعد التي تفرضها المدارس دون تذمُّر.
  8. يجب مساعدة الطفل على التخلص من الرهاب الاجتماعي عبر اصطحابه إلى الأماكن التي تحتوي على أناس مثل حدائق الألعاب أو مسرح الأطفال، ومساعدته على تكوين صداقات جديدة والتعرف إلى أناس خارج المنزل وخارج دائرة عائلته.
  9. الإكثار من إشراك الطفل في المحاورات والنشاطات الاجتماعية مثل حضور المهرجانات ومسرحيات الأطفال والذهاب إلى الحدائق لا سيما الحدائق التي تتضمن ألعاباً للأطفال.
  10. الإكثار من زيارة الطفل خلال أيامه الأولى في المدرسة لكي يشعر بالأمان وبقرب الوالدين منه في أي وقت قد يحتاج إليهما فيه وتخفيف تلك الزيارات تدريجياً أيضاً.
  11. قيام المعلم بالاهتمام بالطفل واتباع استراتيجيات تدريس محببة له مثل استراتيجية التعليم باستخدام اللعب، وكذلك يجب عليه الحرص على إيلاء الاهتمام اللازم للطفل الذي يعاني من الخوف من المدرسة وإشراكه بالنشاطات الصفية ومساعدته على تكوين صداقات تمنحه الشعور بالأمان والسعادة عبر إعطائه واجبات مشتركة مع زملائه يمكنه من خلالها التعرف أكثر إليهم.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح تُساعد طفلك للذهاب إلى المدرسة بدون خوف

في الختام:

تُعَدُّ المدرسة البيئة الملائمة لنمو الطفل؛ إذ تهيئ له الفرص المناسبة لاكتساب الخبرات والمعارف المتنوعة التي تؤدي لإحداث التغيير المطلوب في سلوكه وتؤهله ليكون مواطناً صالحاً ومثقفاً يؤدي دوره كاملاً في المجتمع الذي يعيش فيه، والنتيجة من هذا الكلام هي أنَّ الطفل الذي يعاني من مشكلات في المدرسة وتستمر معه أو الطفل الذي يواجه مشكلات في المدرسة ويعجز عن حلها، سيكون عرضة للإصابة باضطرابات وأمراض تعوق نموه النفسي السليم.

وينعكس ذلك على البيئة المدرسية فالعملية التعليمية تمثل وحدة مترابطة مكونة من (التلميذ والمعلم والمنهج) فمشكلة رفض التلميذ الذهاب إلى المدرسة والمشكلات التي تنبثق عنها تؤثر في سير العملية التعليمية وتعرقل سير عمل المعلم وتنشر الفوضى داخل الفصل؛ لذا يجب علاج مخاوف الطفل منذ البداية منعاً لتطورها باتباع أساليب التوجيه والإرشاد والرعاية المتكاملة من قِبل الأسرة والمدرسة.

المصادر:

  • 1
  • أحلام شفيق عبد الله الناشري، المخاوف المدرسية وعلاقتها بالتحصيل الدراسي لدى تلاميذ الصف الرابع من المرحلة الأساسية في مدارس أمانة العاصمة صنعاء، مجلة الآداب للدراسات النفسية والتربوية، العدد الثالث- شباط -2020
  • هناء مزعل الذهبي، تقنين مقياس رفض الذهاب إلى المدرسة لدى تلاميذ المرحلة الإبتدائية، مجلة العلوم النفسية، العدد 23.



مقالات مرتبطة