كيف ينظف النوم دماغك ويساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالخرف؟

هل النوم مجرد وقت للراحة؟ أم أنَّه أكثر من ذلك؟ يُظهِر بحث أجرته جامعة بوسطن (Boston University) أنَّ أدمغتنا تنخرط في "فيضان من التطهير" في أثناء النوم، ممَّا يساعد على تفادي أمراض مثل الخرف؛ ويعتمد هذا البحث على نتائج البحوث السابقة التي أظهرت أنَّ أدمغتنا تعمل في أثناء النوم، ولا ترتاح كما هو شائع.



تشمل هذه العملية الدقيقة نظامنا الغليمفاوي (glymphatic system)، وهو نظام صرف خاص بالمخ يتولى التخلص من الفضلات الضارة لجهازنا العصبي المركزي.

عندما نكون مستيقظين، تتشكل بروتينات أولية (طلائع بروتينات) تُسمَّى ببتيد بيتا النشواني (amyloid-betas) وتتراكم في دماغنا؛ ولكن يتخلص دماغنا من هذه البروتينات خلال ساعات نومنا، ممَّا يمنعها من التجمع في لويحات وإتلاف خلايانا العصبية.

لا يمكن لدماغنا أن يتخلص من هذه البروتينات بفاعلية دون الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، حيث يرتبط تراكمها بزيادة خطر الإصابة بالخرف كنتيجة لتلف الخلايا العصبية.

ما يقوله الخبراء عن النوم:

لقد تحدث الدكتور "ألون أفيدان" (Alon Y. Avidan) -مدير مركز اضطرابات النوم في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) وأستاذ علم الأعصاب في كلية ديفيد جيفن للطب في جامعة كاليفورنيا (David Geffen School of Medicine at UCLA)- عن هذا الأمر قائلاً:

"يعمل نظامنا الغليمفاوي بأقصى طاقته لإزالة البروتينات والسموم والفضلات في أثناء نومنا، وتجعل قلة النوم هذا الجهاز أقل كفاءة؛ ممَّا يؤدي إلى تراكم البروتينات السامة في الخلايا العصبية والتهابها، وهو ما قد يساهم في الإصابة بالخرف أو الزهايمر بمرور الوقت؛ ومع ذلك، لا يمكننا القول أنَّك إذا نمت 4 ساعات في الليلة فقط، فستصاب حتماً بالخرف أو الزهايمر بعد 20 عاماً؛ إذ لم يظهر تأثير ذلك بوضوح حتى الآن؛ ولكن ما نقوله هو أنَّه ثمة احتمال لحدوث ذلك".

توافق "جمعية مرض الزهايمر" (Alzheimer’s Association) على أنَّ تحديد وجود علاقة سببية بين الأمرين أمر سابق لأوانه كثيراً؛ كما قالت "هيذر سنايدر" (Heather Snyder)، الحاصلة على درجة الدكتوراه، ونائبة رئيس جمعية الزهايمر للشؤون الطبية والعلمية: "تثبت الأدلة المتزايدة أنَّ اضطرابات النوم -مثل: انقطاع التنفُّس في أثناء النوم، أو الاضطرابات في أنماط النوم أو الأرق- قد تزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر والخرف في مرحلة لاحقة من العمر، أو قد تكون حتى بمثابة إشارة مبكرة إلى هذه الأمراض؛ ولكن يتطلب الأمر مزيداً من الأبحاث لفهم العلاقة بين النوم والخرف. على سبيل المثال: هل تتسبب تغيرات الدماغ الناجمة عن المرض في اضطرابات النوم؟ أم أنَّ التغيرات في أنماط النوم تزيد من خطر الإصابة بالخرف؟ أم الاثنان معاً؟".

توضخ (هيذر) أنَّ جمعية الزهايمر قد موَّلت الباحثين الذين يعملون في هذا المجال، بما في ذلك الدكتور "أندرو فارجا" (Dr. Andrew Varga)، وهو عالم الأعصاب والطبيب في مركز "ماونت سيناي التكاملي للنوم في نيويورك" (Mount Sinai Integrative Sleep Center)، والذي يبحث في الكيفية التي قد يؤدي بها اضطراب النوم إلى زيادة سرعة تراكم بروتين تاو، وهو بروتين دماغي غير طبيعي مرتبط بتطور مرض الزهايمر.

شاهد بالفيديو: 12 حقيقة عن قلة النوم.. هكذا يقودك السهر إلى الهلاك!

تحديد الوقت الكافي للنوم:

يقول (أفيدان) أنَّ النوم الكافي يتعلق بالكم والجودة، ويؤكد أنَّ المفهوم الشائع حول حاجة الناس إلى قدر أقل من النوم مع تقدمهم في العمر ما هو إلَّا مفهوم خاطئ؛ إذ قال: "هذا غير صحيح على الإطلاق؛ فسواء كنت في الثامنة عشر أم في الثمانين من العمر، فالأمر سيان؛ إذ بالنسبة إلى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، يجب أن تتراوح عدد ساعات النوم ما بين 7 أو 8 ساعات يومياً، وهذه هي التوصية المتفق عليها من أجل صحة جيدة".

كما ينوِّه (أفيدان) إلى أنَّ ساعات النوم لا يمكن تقسيمها بين النوم الليلي والقيلولة النهارية، بل يجب أن يكون النوم متعاقباً؛ أمَّا من حيث الجودة، فيُحدَّد النوم الكافي من خلال مراحل النوم، ويقول الخبراء في هذا الصدد أنَّ مراحل النوم كلها ضرورية لتعزيز الصحة الجيدة.

يقول (أفيدان): "على سبيل المثال: إذا نام شخص ما لمدة 7 أو 8 ساعات واستيقظ وهو يشعر بالدوار والخمول، فقد يكون هذا الدوار بمثابة إشارة على وجود مشكلة ما تتعلَّق باضطرابات النوم، مثل: الشعور بالألم، أو انقطاع التنفس، أو ربَّما تناول المشروبات الكحولية التي تسبب عرقلة استمرارية النوم".

ما يهتم به خبراء النوم في هذه النقطة هو ما إذا كان الشخص يستيقظ وهو يشعر بالانتعاش، وفيما إذا كان يشعر باليقظة والنشاط في أثناء النهار أم لا.

الآثار المترتبة على عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم:

بعيداً عن مخاطر الإصابة بالخرف، هناك مجموعة من المخاطر الإضافية المرتبطة بعدم الحصول على نومٍ كافٍ؛ حيث يقول "ماكس كير" (Max Kerr)، عضو المجلس الأمريكي لطب النوم: "من الناحية الجسدية، قد تؤدي قلة النوم إلى مشكلات متعددة في جميع أنحاء الجسم، مثل: مشكلات تنظيم الوزن، والإصابة بمرض السكري، واختلال وظائف الغدة الدرقية نتيجة لخلل تنظيم الهرمونات؛ حيث يُعاد تنظيم الهرمونات في أثناء مراحل النوم العميقة؛ أمَّا من الناحية النفسية والعقلية، فقد تؤدي قلَّة النوم إلى: القلق، والاكتئاب، وضعف الذاكرة، وأمراض انتكاسية أخرى مثل الزهايمر والخرف؛ وقد يحدث هذا خاصة إذا كنَّا نعاني من اضطراب أساسي في النوم، أو إذا كنَّا لا نأخذ قسطاً كافياً منه".

يُعتقَد أنَّه يُحافَظ على استتباب نظامنا العصبي وذكرياتنا في أثناء نوم حركة العين السريعة (REM)، وكثيراً ما تكون مراحل نوم حركة العين السريعة (REM) هي المراحل الأولى التي يجب التعامل معها لتخطي مشكلات واضطرابات النوم.

إقرأ أيضاً: النّوم الطبيعي.. مراحلهُ، معوّقاته وطرق الوقاية منها

كيف تحسِّن جودة نومك؟

يقول الخبراء أنَّه إذا كنت لا تشعر بالنشاط عند الاستيقاظ، أو إذا كنت تعاني من مشكلات النوم مثل الشخير أو النعاس خلال ساعات النهار؛ فاستشر طبيبك المعالج؛ إذ يشكل اكتشاف أصل هذه المشكلة أهمية كبيرة لإيجاد الحل الصحيح.

يقول كير: "قد يعاني الناس من الكثير من التوتر، خاصة بسبب أزمة فيروس كورونا الحالية؛ وتكمن المشكلة هنا؛ ذلك لأنَّ أفضل طريقة لتقليل التوتر أو القدرة على التعامل مع المواقف العصيبة هي الحصول على قسط كافٍ من الراحة".

كما توافق "آني ميلر" (Annie Miller) -معالجة نفسية ممارسة في طب النوم في مركز "مترو للنوم والمعالجة النفسية" في واشنطن (Metro Sleep and Psychotherapy)- على ذلك قائلة: "عندما تزداد مستويات التوتر لدينا، غالباً ما يؤثر ذلك في جودة نومنا، وقد تخلق الضغوطات المتزايدة في العمل والقلق بشأن الموارد المالية والتوتر حيال الوباء العالمي والضغوطات الأخرى اضطرابات في النوم".

كما يقدم كلٌّ من (كير) و(ميلر) نصائح للحصول على جودة نوم أفضل ليلاً، وإليك أهمها:

نصائح (كير) الأساسية لنوم صحي:

1. اخرج وتحرك:

قد يساعد الهواء النقي وممارسة الرياضة على تهدئتك والحد من مستويات التوتر لديك، بينما يساعد فيتامين "د" المُستمَد من أشعة الشمس على تنظيم ساعتنا البيولوجية للحفاظ على نوم منتظم.

2. أنشئ روتيناً لوقت النوم:

قد يساعدك اتباع روتين لوقت النوم كل ليلة على تحقيق جودة نومٍ أفضل، إذ يأخذ جسمك الإشارات ويحفز النعاس بينما تكون الخطوات التي تتخذها بشكلٍ روتينيٍّ على وشك الانتهاء؛ مثل: القراءة، أو الاستحمام بماءٍ دافئ، أو كتابة اليوميات.

3. جهِّز غرفتك للنوم:

احرص على أن تكون درجة حرارة الغرفة معتدلة، وقلِّل تشغيل الأدوات والأجهزة الإلكترونية إلى أدنى حد ممكن، واحرص على أن يكون الفراش مريحاً، واحرص أيضاً على أن تكون وسادتك مريحة، بحيث لا تكون قاسية جداً أو ناعمة جداً، ويكون رأسك ورقبتك في وضعية مريحة.

4. لا تأخذ قيلولة طويلة في النهار:

قد يكون من السهل والمغري الانغماس في قيلولة خلال النهار نظراً إلى توافر بعض وقت الفراغ، أو ربَّما بسبب ظروف العمل من المنزل؛ لكن رغم أنَّ القيلولة قد تمثل إعادة ضبط رائعة لبقية اليوم، إلَّا أنَّها إذا كانت طويلة قد تسلبك نعمة النوم الأكثر أهمية وحيوية والذي يحتاجه جسمك في الليل.

5. اختر ما تشاهده على التلفاز:

إنَّ الاستماع إلى التقارير المحبطة حول فيروس كورونا المستجد مباشرة قبل النوم ليس فكرة جيدة، وقد يبقي عقلك في حالة صراع طوال الليل؛ لذا شاهد البرامج الأكثر إمتاعاً وتسلية في نهاية اليوم.

إقرأ أيضاً: فوائد القيلولة: 6 أسباب تدفعك للقيلولة كل يوم

نصائح (ميلر) بشأن إصلاح عادات النوم السيئة:

1. حدِّد وقتاً للاستيقاظ والتزم به طوال الأسبوع:

حتى إذا ذهبت إلى الفراش في وقت متأخر في أحد الليالي، أو كنت تواجه مشكلة في النوم؛ فيجب أن تستيقظ في وقت محدد دوماً.

هذا هام للغاية، خاصة في هذه الأيام، حيث يضطرب النوم لدى الكثيرين منَّا وتختلف أوقات الاستيقاظ بسبب العزل المنزلي. لا يتحتَّم أن يكون وقت الاستيقاظ الذي حددته لنفسك مبكراً جداً، ولكن يجب أن يكون منتظماً فحسب.

2. لا تحاول إجبار نفسك على النوم إذا كنت لا تستطيع أن تنام:

افعل شيئاً يساعدك على الاسترخاء دون أي مجهود بدني، مثل: القراءة، أو مشاهدة التلفاز؛ وعندما ينتابك الشعور بالنعاس مرة أخرى، عُد إلى الفراش.

إذا كنت تمر بليلة عصيبة، فقد تضطر إلى القيام بذلك عدة مرات، وسوف ينجح هذا؛ إذ يساهم القلق بشأن النوم والاستلقاء في السرير لمحاولة النوم في زيادة الأرق والاضطراب.

3. لا تتفقد الساعة:

إذا كنت لا تعرف كم الساعة الآن، فلا يمكنك البدء بحساب الوقت المتبقي من الليل للنوم والقلق بشأن ذلك؛ وإذا كان هناك منبه في غرفتك، اقلبه بحيث لا تراه؛ ذلك لأنَّك ما دمت تمتلك منبهاً مضبوطاً، فلا داعي إلى معرفة الوقت.

4. توقف عن تعقُّب نومك:

لا تتتبع الساعات الذكية النوم بشكل مناسب؛ ذلك لأنَّها تتتبع الحركة فقط؛ لذا استخدم ساعتك الذكية خلال النهار واخلعها ليلاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة