كيف يمكنك تعزيز حظك؟

يبحث الأشخاص الانطوائيون عن شتى السبل التي تحسِّن حظوظهم نظراً لإحساسهم بالدونية أو خوفهم من أن تفوتهم بعض الأمور.



صرَّح الباحث وعالم النفس السريري جيمس كوان (James Coan): "كلَّما كنتَ منعزلاً عن المجتمع، من المرجح أن يتسبب أيُّ شيء في وفاتك وفي أيِّ وقت، بغضِّ النظر عن المكان الذي تعيش فيه، أو الثقافة التي تنتمي إليها، وهذه هي الحقيقة".

تتمثل الطريقة الطبيعية في تعزيز السلوك الجيد والسلوك الاجتماعي الصحي بعدم تكرار أخطاء الماضي؛ لكنَّنا نعطيها اهتماماً أكثر مما تحتاج، ويتمثل خطر العزلة في التقييم الاجتماعي السلبي، مما يضعنا تحت ضغط نفسي يزيد من مستويات هرمون الكورتيزول لدينا.

يجرب الباحثون إحداث ضغوط اجتماعية على الحيوانات بطرائق عدة، كافتعال الشجار بينها، ثم جعل الحيوان الخاضع يعيش في قفص بجوار الحيوان المسيطر الذي يضربه، يُجرى اختبار الهيمنة لتحديد الحيوان الذي لا يستسلم، فيضعون مثلاً اثنين من الفئران على طرفي أنبوب ثم يراقبانهما لمعرفة أيٌّ منهما سيخلي الطريق للآخر، وقد تظهر لدى الحيوانات التي عانت الهزيمة الاجتماعية استجابة التوتر عندما ترى حيواناً آخر مشابهاً بغريمها إلى حد ما، فتستجيب أدمغتها بأن تحلل الموقف على أنَّ هذا الكائن المجهول أمامها يشبه كائناً صادفته، فيُستهَلُّ التسلسل العاطفي والسلوكي.

تقول ريتا فالنتينو (Rita Valentino)، عالمة البيولوجيا العصبية والمتخصصة في تأثيرات الضغوط الاجتماعية في جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania): "ليست استجابة التوتر سيئة بالضرورة؛ بل إنَّها آلية للبقاء ولولاها لمتنا، وتصبح استجابة التوتر مرضيَّةً حقاً عندما تصبح آليات التكيف الخاصة بك غير منظَّمة".

إقرأ أيضاً: هل استجابة "الكر أو الفر" هي الاستجابة البشرية الوحيدة للضغوطات؟

ليس التوقيت هو الأهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بكيفية تعزيز سلوكنا، التجربة الأولى التي يمر بها الفأر في المتاهة هي التجربة الأكثر إفادة له؛ وذلك لأنَّ باقي قرارته ستستند إليها طوال حياته، فإذا دخل الباب الأول وكاد القط أن يلتهمه، فسوف يتجنب هذا الباب كي يبقى على قيد الحياة، وإن أخافه شيء عند دخوله من الباب الثاني، فسوف يخشى عبور هذا الباب أيضاً.

تؤثر التجارب التي تعلمناها في المدرسة الابتدائية في قراراتنا مدى الحياة؛ وذلك لأنَّ نظام التنظيم الذاتي المعروف باسم الدماغ يتذكرها دائماً، فهي الطريقة التي نتعلَّم بها عن أنفسنا وكيف نتفاعل تفاعلاً أفضل مع الآخرين؛ حيث إنَّ هذه الدلالات الأولى التي نحصل عليها ويحكم عليها الآخرون حكماً سلبياً، هي ما يمهد الطريق للحياة.

درس غريغ هاجاك (Greg Hajcak)، الباحث في القلق وأستاذ علم الطب الحيوي وعلم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديلاوير (University of Delaware)، الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها أساليب التربية المختلفة إلى اختلافات في استجابات الأطفال لأخطائهم، فيقول: "يمكن أن ترجع هذه الاختلافات إلى أسباب وراثية؛ لكن يبدو أنَّ التربية الصارمة قد تكون سبباً في التوتر، فتخيل طفلاً يخاطبه والداه بعبارات مثل "يا حبيبي، ليس هذا هو المكان الصحيح لتضع فيه قطعة الأحجية، فلنحاول مرة أخرى"؛ إذ تُعدُّ هذه طريقة لطيفة وداعمة لتصحيح سلوكه، مقارنة بطريقة بعض الآباء القاسية والجارحة".

صحيح أنَّ الوراثة تلعب دوراً في وجود القلق لدينا، لكن قد تبدأ علامات ظهور القلق الاجتماعي نتيجة الاعتياد على إعارة اهتمام أكبر بخسائرك من مكاسبك، وهذا التركيز عليها هو ما يزيد من شدتها، وهذا بدوره يمكن أن يقنعهم بأنَّ أخطاءهم الصغيرة بادية للجميع؛ لذا يميلون إلى الشعور بالحرج في اللقاءات الاجتماعية، ويظنون أنَّ الناس محرَجون أيضاً، ولا أحد يحب ارتكاب الأخطاء؛ لذا يبدو انزعاجهم من التغذيات الراجعة ظاهراً لدرجة أنَّ خوفهم من التصرفات الخاطئة يمكن أن يؤثر في جميع أفعالهم.

إقرأ أيضاً: 10 طرق لتطوير المهارات الاجتماعية

يستطيع البشر بطرائق مبدعة تلبية احتياجاتهم الاجتماعية، دون الاضطرار إلى التعامل مع الرفض أو السخرية أو الأمور التي يمكن أن تجعل المواقف الاجتماعية صعبة للغاية، ولتجاوز هذا القلق، يمكن للانطوائيين إنشاء ما يطلِق عليه الباحثون "بدائل اجتماعية"، كأن يهتموا بحيواناتهم الأليفة ونباتاتِهم، ويلتزموا بالصلاة، ويتقربوا أكثر من الله.

نحن ننسج في خيالنا قصصاً ونتفاعل نفسياً مع مواقف بعيدة كل البعد عن الواقع كما لو كانت حقيقية، ونهاجم بعضنا بعضاً من خلال التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي كما لو كنا نجادل أشخاصاً وجهاً لوجه، ونجد الراحة في الأطعمة الدسمة؛ بمعنى آخر، نبدأ بفعل أشياء تجعل عدم مراقبة المجتمع لنا أمراً مستحيلاً.

نحن نتصفَّح وسائل التواصل الاجتماعي لنشعر وكأنَّنا على تواصل بأصدقائنا دون الحاجة إلى التفاعل مع أيٍّ منهم، ولكن باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لسد نقص احتياجاتهم الاجتماعية، قد يضيِّع الانطوائيون فرصة تعزيز حظوظهم؛ وذلك بسبب الانحياز المعرفي الشائع الذي أطلق عليه دانيال كانيمان (Daniel Kahneman)، عالم النفس الحائز على جائزة نوبل، اسم "ما تراه هو ما تحصل عليه".

ألا يكون ما نشرته على فيسبوك (Facebook) أو إنستغرام (Instagram) صورة مثالية لك في الملعب مع أطفالك، أو غروب الشمس الجميل، أو لقاءك بأصدقائك بعد غياب طويل؟ طبعاً، فنحن ننشر أفضل اللحظات السعيدة كأحداث هامة في حياتنا؛ ولكن عند التصفح، قد ننسى بسهولة أنَّنا لا نرى مشاهد عشوائية من حياة الآخرين لأنَّ كل واحد فينا ينشر الأحداث السعيدة أيضاً.

بعد البحث عن الحظ لسنوات طوال دون أن توفَّق، تقبَّل جانبك الانطوائي؛ بدلاً من جعله سبباً لافتقارك الحظ؛ حيث يتطلب تأليف كتاب مثلاً قضاء الكثير من الوقت الهادئ بمفردك ولبضع سنوات حتى، يتخللها فترات استراحة بين الحين والآخر للمشاركة في الحياة الاجتماعية.

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية الانطوائية وكيفية التعامل معها

يمكنك أن تمضي وقتاً طويلاً دون أن ترى الأشخاص الذين تحبهم أو تتحدث إليهم، وعندما تتاح لك الفرصة أخيراً، تستفسرون عن آخر التطورات في حياة كل منكم وتناقشون أبرز الأحداث، فمن السهل الانغماس في عمليات المقارنة الاجتماعية، والتركيز على ما نظن أنَّ الآخرين يملكونه، لكنَّ حاضرنا أكثر تعقيداً بكثير مما ننشره على وسائل التواصل الاجتماعي أو نناقشه مناقشة عابرة.

يتطلب الاهتمام الشديد بتقديم نفسك تقديماً إيجابياً، وعدم إفساد موعد أو مقابلة عمل الكثير من الطاقة الذهنية غير الموجَّهة إلى مكانها الصحيح، ألا وهو تجاه الشخص الآخر، وهذا القلق - حتى عندما لا ندرك حدوثه - هو سبب شعورنا أنَّ بعض التفاعلات الاجتماعية تستنزف طاقتنا أكثر مما تفيدنا عندما نصب اهتمامنا على ما يفكر فيه الآخرون عنا، ونكون واثقين تماماً من أنَّنا سنخضع للتقييم السلبي، فعندها لن تتاح لنا الفرصة أبداً لمعرفة أنَّنا نفسِّر سلوك شخص آخر تفسيراً خاطئاً.

توصَّلت إحدى الدراسات الكلاسيكية التي تبحث في مدى دقة قدرة الأشخاص على عرض تفاعلاتهم إلى أنَّ "ما يقوله الناس عن تواصلهم لا يشبه سلوكهم البتة"؛ بعبارة أخرى، ليست لدينا أدنى فكرة عن كيفية تعاملنا مع الآخرين، وتتمثل مشكلة القلق الاجتماعي في تكراره؛ حيث يتطلب أيُّ نوع من التحسين تغذية راجعة، ولكن عندما تكون واثقاً أنَّ الآخرين سيعطونك تغذية راجعة سلبية، فقد تتخلى عن حياتك الاجتماعية ولقاء أشخاص جدد، وقد لا تفكر حتى في كيفية تأثير سلوكك في الموقف.

تتقاضى ماريا أفيتيديس (Maria Avgitidis) - مؤسِّسة شركة آغيب ماتش (Agape Match) المتخصصة في مساعدة الأشخاص على إيجاد شريك حياتهم - 10 آلاف دولار من عملائها وتقدِّم خدمة شهيرة للتدريب على التعارف؛ حيث تتمثل الخطوة الأولى في تقييم عملائها.

تقول: "هذا في الأساس تقييم لما يحدث لك، وسبب بقائك عزباً، ويمكن لمعظم الناس إخبارك سبب بقائهم عازبين"، هذه هي الخطوة التالية التي تتخذها أفيتيديس (Avgitidis) والتي تُعدُّ عملية نوعية لعملائها، فهي تُجري معهم حواراً يغيِّر حياتهم العاطفية بالكامل.

تتابع أفيتيديس (Avgitidis) قائلة: "أسأل أصدقاء العميل عن السبب الذي يجعله عزباً من وجهة نظرهم، وفي أغلب المرات يتفق جميع الأصدقاء على سبب كون هذا الشخص عزباً؛ حيث لا يتعلق الأمر أبداً بالأشياء التي يعتقد الناس أنَّها كذلك، فهؤلاء الأصدقاء لا يعون أنَّ صديقهم يظن أنَّ جسمه غير المثالي هو سبب بقائه عزباً، وهذا لا يهم، وهو ليس سبب كونه عزباً؛ حيث إنَّ عدم ثقته بشكل جسمه هو السبب، فالشخص الذي يحبك حقاً - سواءً كان رجلاً أم امرأة - لن يهتم لمثل هذه الأمور".

في كثير من الأحيان، الشيء الوحيد الذي قد يخطئ فيه الشخص الانطوائي في المواقف الاجتماعية هو الافتراض الخاطئ بأنَّ الآخرين سيتعاملون معه بدرجة قسوته تجاه نفسه نفسها.

المصدر




مقالات مرتبطة