كيف يمكن لمفكرة الامتنان أن تغير حياتك جذرياً؟

تخيل أن تواجه كل مسؤوليات وتحديات الحياة اليومية المعتادة دون أن تجد أي متسع للراحة، إذ قد تتراكم الكثير من مشاعر الاستياء في داخلك بسبب هذا؛ لكن ماذا لو علمت أنَّ هناك طريقة بسيطة تجعلك أكثر سعادة؟ أتعتقد أنَّ هذا غير ممكن؟



لقد اتضح أنَّ هناك عملاً واحداً بسيطاً يمكن أن يزيد سعادتك، حتى لو لم تتغير ظروفك الحالية؛ ألا وهو: "الاحتفاظ بمفكرة امتنان".

تابع قراءة هذا المقال، وسترى بالدليل الدامغ كيف يمكن لشعورك بالامتنان أن يغير حياتك إلى الأفضل.

السبب الذي يجعل الشعور بالامتنان هاماً بالنسبة إليك:

"أتذكر كل لحظة شعرت بسببها بالامتنان؛ ذلك لأنَّني أعلم بالتأكيد أنَّ تقدير كل ما يواجهنا في الحياة يغير مشاعرنا الشخصية، فنتألق ونقدِّم مزيداً من الخير لأنفسنا عندما نركز على ما نملكه، وليس على ما لا نملكه" - أوبرا (Oprah)

لقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب (Gallup) أنَّ 85% من الناس غير منخرطين في وظائفهم، وأنَّ كثيرين منهم يكرهون وظائفهم عموماً، ويكرهون رؤساءهم خصوصاً؛ كما أظهر الاستطلاع أيضاً أنَّ واحداً من كل ستة أمريكيين يتعاطون بعض الأدوية النفسية، وأكثر هذه الأدوية تداولاً: مضادات الاكتئاب، تليها الأدوية المضادة للقلق؛ فلا شك أنَّ الناس تعساء.

قد تتساءل كيف يمكن لك أن تشعر بالامتنان، خاصة عندما يكون وضعك غاية في السوء؛ إذ من الصحيح أنَّ الأمر قد لا يكون سهلاً، لكن لا تفقد الأمل، فهو ممكن بالتأكيد، وإليك بعض الأخبار السارة:

يعدُّ الشعور بالامتنان من المهارات التي يمكن لأي شخص أن يطورها، وكل ما يتطلبه الأمر هو القليل من الممارسة اليومية؛ فهو الشيء الوحيد الذي سيساعدك على أن تشعر بسعادة أكبر حتى في ظل ظروف صعبة.

يتحدث الراهب وعالم الأديان "دايفيد شتايندل راست" (David Steindl Rast) في خطاب على منصة تيد (Ted) عن الشعور بالامتنان، فيقول:

"هل الناس السعداء هم من يشعرون بالامتنان حقاً؟ يعرف كلٌّ منَّا عدداً لا بأس به من الناس الذين يملكون كل ما يُشعِرهم بالسعادة، ولكنَّهم ليسوا سعداء لكونهم يريدون المزيد؛ كما يعرف كلنا أشخاصاً يعانون من محن ومصائب كثيرة في حياتهم، ويشعرون بالسعادة رغم هذا؛ فهل تتساءل عن السبب؟ السبب أنَّهم يشعرون بالامتنان؛ فإذا كنت تعتقد أنَّ السعادة هي ما يُشعِرك بالامتنان، فأنت مُخطئ؛ ذلك لأنَّ الشعور بالامتنان هو ما يُشعِرك بالسعادة".

كيف يجعلك الشعور بالامتنان أكثر سعادة؟

أظهرت دراسات في علم الأعصاب أنَّ مادتي الدوبامين والسيرتونين تتحرران في الدماغ عندما تشعر بالامتنان؛ فالدوبامين هو ما يُشعِرك بالراحة ويدفعك لكي ترغب بمزيد منها، وهذا ما يجعل مجرد البدء بممارسة الشعور بالامتنان يساعدك على تطوير عادة الاستمرار بالقيام بذلك.

أمَّا السيروتونين، فهو ناقل عصبي يعمل على تنشيط مركز السعادة في دماغك، حيث تشبه آلية عمله آلية عمل مضادات الاكتئاب؛ لذا يمكنك حتى أن تعد أنَّ الشعور بالامتنان بمنزلة علاج طبيعي للاكتئاب، بل حتى أنَّه أفضل من الأدوية كما يقول بعض الناس.

لا يمكن للدماغ التركيز على الأشياء الإيجابية والسلبية في آنٍ معاً، وهذا ما يجعل ممارسة الشعور بالامتنان عاملاً مساعداً في تحويل تركيزك من الشعور بالحزن على الأشياء التي لا تملكها إلى الشعور بالسعادة بسبب الأشياء التي تمتلكها فعلاً.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لإعادة إحياء السعادة في حياتك

البدء بمفكرة الامتنان:

يمكنك استخدام أي شيء لتبدأ تدوين الأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها؛ كأن تستخدم دفتر يوميات عادياً، أو دفتر ملاحظات، أو ببساطة قصاصات ورقية؛ فالمفتاح هو أن تفعل ذلك عن قناعة، وتستمر في فعله.

نصائح للبدء:

1. أبقِ مفكرتك قريبة منك:

احتفظ بمفكرة الامتنان خاصتك في مكان قريب منك، بحيث تستطيع أن تراها يومياً؛ فمثلاً: يمكن أن يكون هذا المكان هو منضدة سريرك؛ ذلك لأنَّها ستكون أول شيء تراه عند استيقاظك وقبل أن تذهب إلى النوم.

2. ابدأ بذلك فحسب، إذ ليس هناك طريقة صحيحة أو خاطئة لتنفيذ الأمر:

لست مرغماً على إيجاد الإجابات "الصحيحة"، بل اكتب ببساطة كل شيء يتبادر إلى ذهنك؛ حيث يمكنك أن تكون ممتناً بسبب أشياء بسيطة للغاية، كوجبة قد تناولتها للتو، أو فيلم شاهدته، أو صديق أمضيت معه وقتاً طيباً.

3. حاول الاستمرار في ممارسة هذه العادة:

حاول أن تتريث لبعض الوقت من أجل التفكير في الأشياء التي تمتن لوجودها حقاً؛ فقد تبين أنَّ قضاء خمس دقائق يومياً بالامتنان يؤثر فينا حقاً؛ ولا داعي للقلق إذا فاتك يوم دون امتنان، حيث تستطيع ببساطة أن تعود لممارسة عادتك في اليوم التالي.

إنَّه لمن الهام كتابة كل الأشياء التي تمتن لها، فقد تبين أنَّ الكتابة تنشط النصف الأيمن من الدماغ، وهو الجزء الذي يعالج العواطف والمشاعر؛ وعندما تبدأ متابعة الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك، ستشعر بالسعادة؛ ذلك لأنَّ النصف الأيمن من دماغك مرتبط بالمشاعر الجيدة التي تترافق مع الشعور بالامتنان.

لقد أشار أحد أبرز خبراء العالم في علم الامتنان "روبرت إيمونز" (Robert Emmons) إلى البحث الذي يُظهِر أنَّ التعبير عن أفكارك من خلال تدوينها يتفوق في مزاياه على التفكير فيها فحسب؛ حيث يجعلك هذا أكثر إدراكاً لها، ويمكنه أن يُعمِّق تأثيرها العاطفي فيك.

التقنيات الأساسية:

يقدم إيمونز بعض النصائح لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مفكرة الامتنان، نوردها فيما يأتي:

1. جِد سبباً واضحاً لممارسة الامتنان:

إنَّه لمن الهام أن تعرف سبب قيامك بهذه الممارسة؛ لذلك فكر في الأشياء التي تأمل في تحقيقها من خلالها بدلاً من القيام بها لأنَّ شخصاً طلب منك هذا، واعترف بأنَّك تفعل هذا لأنَّ إضافة مزيد من السعادة إلى حياتك أمر هام بالنسبة إليك؛ حيث يقول إيمونز: "إنَّ للدافع الذي يحفزك لتكون أكثر سعادة دور هام في جعل كتابة يوميات الامتنان تمريناً فعالاً".

شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان

2. تعمق أكثر ممَّا تتوسع:

ستساعدك عادة كتابة يوميات الامتنان التي طورتها في تحديد الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها بدقة أكبر، فقدرتك على التعبير عن شعورك بالامتنان من أجل شيء واحد عظيم ويعني لك الكثير أهم من شعورك بالامتنان من أجل مجموعة من الأشياء السطحية العامة.

3. اجعل الأمر شخصياً:

حيث يؤثر تركيزك على الناس الذين تشعر بالامتنان لوجودهم في حياتك أكثر ممَّا لو كان هذا التركيز منصباً على الأشياء التي تمتن لوجودها.

4. جرِّب القيام بعملية الطرح وليس الجمع فحسب:

إذا كنت تواجه مشكلة في إيجاد أشياء تشعر بالامتنان لوجودها، فإحدى الحيل البسيطة التي يمكنك القيام بها لتحفيز الشعور ببعض الامتنان هي أن تفكر كيف كانت حياتك ستبدو لو لم تكن تمتلك الأشياء التي لديك الآن.

5. استمتع بالمفاجآت:

فكر في المفاجآت السارة وغير المتوقعة على أنَّها أشياء عظيمة للتأمل فيها عندما تسنح لك الفرصة، فقد يثير التفكير في هذه اللحظات مشاعر امتنان أقوى.

يوصي إيمونز (Emmons) الناس أن يعدُّوا كل عنصر في مفكرة امتنانهم بمثابة هدية أو هبة لهم، وأن يدركوا أنَّ أهمية العملية لا تكمن في كونها مَهمَّة يجب إنهاؤها فحسب، بل يجب أن تكون شيئاً تشارك فيه حقاً للتواصل مع الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها؛ فكما يقول إيمونز: "بعبارة أخرى: ننصح الناس بعدم التسرع عند القيام بهذا التمرين كما لو كان مَهمَّة أخرى من قائمة مهماتهم وعليهم إنجازها فحسب، وهذا ما يجعل كتابة يوميات عن الشعور بالامتنان مختلفاً عن سرد مجموعة من الأشياء الممتعة في حياة المرء فحسب".

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

مزيد من التقنيات المتطورة:

لقد ثبت أنَّ وجود مفكرة امتنان مفيد للغاية، إلَّا أنَّه يمسي أكثر تأثيراً عندما لا تحتفظ بها لنفسك فحسب؛ ويعود ذلك إلى أنَّ مفكرة الامتنان ليست فعالة لتغييرك تغييراً إيجابياً وحسب، وإنَّما لتغيير الأشخاص من حولك أيضاً؛ وذلك على عكس المفكرة الشخصية التي يُفترَض أن تكون سرية.

فيما يأتي بعض التقنيات المتطورة التي يمكنك استخدامها في مفكرة امتنانك لتزيد من فاعليتها:

1. استخدم مفكرتك لتوجيه المحادثات نحو مواضيع إيجابية:

إنَّه لمن السهل المشاركة في محادثات تنطوي على النميمة والسلبية والتشاؤم؛ ذلك لأنَّها في الواقع الطريقة التي تستخدمها عقولنا لجعلنا نشعر بتحسن؛ لكن للأسف، إنَّ مثل هذه المحادثات غير منتجة وفارغة.

سيعمل توجيه محادثاتك نحو الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها على تحسين معنوياتك، وكذلك معنويات الأشخاص الذين تتحدث معهم.

كيف تفعل ذلك؟

أغنِ المحادثة، واذكر الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها في المرة القادمة التي تتحدث فيها إلى شخص ما.

قد يتضمن هذا الحديث عن روعة الطقس، أو عن الوجبة الشهية التي تناولتها، أو الوقت الممتع الذي أمضيته مع صديقك.

2. أخبر أحباءَك بالسبب الذي يجعلك ممتناً لهم:

قد تشعر بالامتنان بسبب شيء فعله صديق أو شريك من أجلك، لكنَّ الشعور بالامتنان سيكون أقوى بكثير عندما يكون مُوجهاً إليهم كأشخاص؛ فقد تشعر بالامتنان تجاه شريكك لأنَّه يُخرِج القمامة مثلاً، لكنَّ شعورك بالامتنان يكون أقوى لكونه مُراعٍ بما يكفي، ويعرف أنَّك تكره القيام بهذه المَهمَّة فيُعفيك منها.

 لقد تبين أنَّ الشعور بالامتنان تجاه الأشخاص من حولنا يقود إلى بدء سلسلة من الأفعال الجيدة، وهذا ما يجعلك مستعداً لبذل مزيد من أجلهم، وغالباً ما يؤدي إلى استجابة تتمثل في شعورهم بالامتنان تجاهك، فتتجلى هذه الاستجابة في تقديم المزيد من أجلك أيضاً.

كيف تقوم بهذا؟

دوِّن أشياء محددة عن شخص ما تشعر بالامتنان له، وأبقِ دفتر يومياتك في متناول يدك، بحيث يمكنك استثمار الوقت الذي تقضيه مع هذا الشخص لتشاركه بما كتبته عنه.

3. استخدم دفتر يومياتك لكتابة ملاحظات شكر:

نشرت مجلة السعادة (The Journal of Happiness) دراسة شارك فيها مئتان وتسعة عشر رجلاً وامرأة، وكتب المشاركون في هذه الدراسة ثلاث رسائل امتنان على مدى ثلاثة أسابيع، وقد أظهرت النتائج أنَّ هذا الإجراء زاد من شعورهم بالسعادة والرضا عن الحياة، كما انخفضت أعراض الاكتئاب لديهم. إنَّ كتابة ملاحظات شكر أمر بسيط للغاية، وطريقة سهلة للتحدث عمَّا أنت ممتن لأجله، ويشجع الطرف الآخر في هذه العملية.

إذاً، ابدأ كتابة وإرسال بطاقات الشكر هذه، ممَّا سيُشعِرك والمتلقي بالرضا والسعادة.

كيف تفعل ذلك؟

اشترِ مجموعة من بطاقات الشكر أو اصنع بطاقاتك بنفسك، وابحث مرة كل أسبوع في مفكرة امتنانك عن شيء كتبته بخصوص شخص تشعر بالامتنان له، واستخدم ما دونته لكتابة بطاقة شكر، وأرسلها إليه.

إقرأ أيضاً: كيف غيَّرت كتابة اليوميَّات بخط اليد حياتي؟

4. دع شعورك بالامتنان يحوِّل الظروف السلبية إلى ظروف إيجابية:

تدير امرأة تُدعَى "بيني" داراً للأيتام المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز) في تايلاند، ويمكن لها من خلال حياتها الخاصة أن تبين لنا مدى قوة ممارسة عادة الامتنان، وكيف يمكن لهذا أن يغير حياتك.

كانت "بيني" تعتني بكل هؤلاء الأطفال المرضى رغم أنَّهم ليسوا أطفالها، لكنَّ المشكلة الكبيرة أنَّها كانت هي نفسها مريضة سرطان، لكنَّها لم تدع ذلك يوقفها؛ فبدلاً من الاستسلام واعتبار أنَّ مرضها شيء يدمر حياتها، قالت: "عندما يقول لك الطبيب: "أنت مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية" أو "أنت مصاب بالسرطان"، يكون هذا أشبه بعقوبة الإعدام، وهذا ما يمنحني القدرة على التماهي مع هؤلاء الأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية؛ لهذا السبب أنا ممتنة لمرض السرطان، وقد أكون ممتنة له لأشياء أخرى".

"بيني" مثال حي يثبت أنَّنا نستطيع أن نجد أشياء نشعر بالامتنان لوجودها حتى في أصعب المواقف؛ لذا لا تنسَ هذا، خاصة عندما تواجه تحديات صعبة.

كيف تفعل هذا؟

فكر في لحظة مررت بها وكانت صعبة أو حزينة، وتوقف للحظة وفكر فيما إذا كان يمكنك أن تجد أمراً ما نتج عن هذه التجربة تشعر بالامتنان لأجله.

هل ساعدتك التجربة السلبية على التطور بأي شكل من الأشكال؟ أو على اكتساب القدرة على فهم أو مواساة شخص آخر يمر بالتجربة نفسها؟

الامتنان هو الموقف:

يُقال إنَّ سعادة الناس تزداد في عطلة أعياد الشكر بسبب مادة التربتوفان الموجودة في الديك الرومي، والتي تُنتِج مادة السيروتونين في أجسادهم؛ إلَّا أنَّ هذه خرافة فحسب؛ ذلك لأنَّ الديك الرومي لا يحتوي على كمية كبيرة من التربتوفان كافية للتأثير في مزاجك لدرجة كبيرة.

إذاً ما السبب الذي يجعل الناس يشعرون بسعادة أكبر خلال هذا الوقت؟ تكمن الإجابة في اسم العيد نفسه: "عيد الشكر".

يشعر الناس بالسعادة بسبب الشعور بالامتنان، وجميع المواد الكيميائية تُنتَج في دماغك نتيجة لهذا الشعور؛ لذلك حاول اقتناء مفكرة امتنان بدلاً من الاستمرار في إقناع نفسك أنَّك لا تمتلك ما تشعر بالامتنان لأجله؛ إذ قد تجد أنَّك تطور مهارة تجعلك أكثر سعادة ورضا، ولن تشعر مرة أخرى بأنَّك مقيد ومحدد بسبب وضعك الحالي، بل ستتمكن من إيجاد الفرح بغض النظر عن ظروفك؛ فلماذا لا تبدأ تجربة هذا منذ اليوم؟

 

المصدر




مقالات مرتبطة