كيف يمكن أن تساعدك الرعاية غير الوالدية على تأسيس أسرة؟

الرعاية غير الوالدية «ألُّوبيرنتينغ- ألُّوبيرنتال كير» (Alloparents) هو مصطلح يُستخدَم لتصنيف أي شكل من أشكال الرعاية الوالدية التي يقدمها فرد تجاه الأطفال الذين لا ينحدرون منه؛ أي الذين ليسوا من النسل الجيني المباشر للفرد، وهذا لا يستبعد الصغار الأقرباء مثل الأشقاء أو الأحفاد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة ديانا ديفيشا (DIANA DIVECHA)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في الرعاية غير الوالدية.

ليس عليك أن تهتم بتربية الأطفال وحدك؛ حيث يمكن للأطفال والعائلات عموماً الاستفادة من مجتمع يتضمن أشخاصاً يحبون تقديم الرعاية.

قبل أن أنجب أطفالاً، قرأت كتاب ماري كاثرين بيتسون (Mary Catherine Bateson) "بأعين ابنة" (With A Daughter’s Eye) الذي يحكي عن مذكراتها مع والديها المشهورين في علم الإنسانيات، مارغريت ميد (Margaret Mead) وغريغوري بيتسون (Gregory Bateson)، كانت ميد رائدة في دراسة الحياة الأسرية في مختلف الثقافات حول العالم، واستخدمت فهمها لأنماط الأُسر المتنوعة لتكوين نمط حياتها الخاص.

كتبت بيتسون: "لقد خطَّطتْ ميد لإنشاء مجتمع أنمو فيه، فأنا لم أكبر في عائلة صغيرة أو كطفلة وحيدة، ولكن كفرد ضمن عائلة كبيرة مُحبِّة، تتسم بالمرونة، ومليئة بالأطفال من جميع الأعمار".

اعتقدت ميد أنَّه من الأفضل تربية الأطفال بين مجموعة من الأشخاص المهتمين، ليكونوا جزءاً من عائلات عدة مع العديد من مقدِّمي الرعاية، كما لاحظت في أثناء دراستها في بالي (Bali) وغينيا الجديدة (New Guinea) وساموا (Samoa)، أنَّ الأسرة الصغيرة مُلزِمة جداً؛ لذلك، دعت إلى إنشاء وحدات صغيرة تتألف من المتزوجين الأكبر سناً والعازبين والمراهقين من عائلات أخرى، وقد أدى هذا أيضاً إلى امتلاكها الحرية من أجل العمل والسفر بعيداً عن المنزل.

كتبت ميد: "لم تطلب أيُّ من العائلات الصغيرة من قبل أن تعيش بمفردها ضمن حيز صغير كما نعيش، ومع عدم وجود أقارب أو دعم، يصبح الأمر مستحيلاً".

لقد وضَّحت أزمة جائحة كورونا (COVID-19) كم من الصعب على العائلات أن تتعامل مع الوضع بمفردها؛ إذ بعد مرور عام على الجائحة، كان الآباء أكثر عرضةً، مرتين إلى ثلاث مرات، للإصابة باضطراب في الصحة النفسية مقارنةً بالأشخاص الذين ليسوا آباءً؛ حيث إنَّ وجود مجتمع داعم حول أطفالنا يُعدُّ أمراً هاماً.

فقد وجدت الأبحاث في معظم المجالات أنَّ الأشخاص الذين ليسوا آباءً (غير الوالدين)، الذين يقدمون رعاية الوالدين للأطفال، يمكن أن يعززوا نمو الأطفال وصحة العائلة، كما يمكنهم تقديم مساعدات ملموسة، بالإضافة إلى منح الحب والأمان وحتى المنتورينغ (mentoring)، وأداء دور مهم في الحياة الأسرية.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات أساسية لتربية الأطفال على المسؤولية

تجربتي الشخصية مع الرعاية غير الوالدية:

لقد زرعت قراءة مذكرات بيتسون شعوراً ما في داخلي، فعندما قررت أنا وزوجي إنجاب الأطفال، كنَّا بعيدين كثيراً عن عائلاتنا، وكانت الفكرة المتعلقة بقدرتنا على إنشاء عائلة يمكنها الاستمرار، هي فكرة ملهمة ومتحررة.

خلال ذلك الوقت، تعرَّفنا إلى صديقة تدعى إلنورا (Elnora)، وهي مثلي أمريكية بيضاء، لكنَّها أمضت سنوات في الهند كطالبة تبادل جامعي، فكانت تتحدث الهندية، وعاشت مع عائلة زوجي الموسعة، ونتيجة لذلك، هي فهمت ثقافته وثقافتي معاً، فقد كانت تعرف زوجي منذ أن كان في العاشرة من عمره، وتعرَّفتُ إليها عندما انتقلت إلى العيش بقربنا في منطقة الخليج (Bay Area).

لم أخطط لجعلها جزءاً من عائلتنا؛ بدلاً من ذلك، تطورت العلاقة فيما بيننا تطوراً طبيعياً، لقد انجذبتُ إلى نضجها وتركيزها ولطفها، وعندما اقتربت ولادة طفلتنا الأولى، سألتها فيما إذا كانت سترافقنا لالتقاط الصور؛ لقد وثقت بها أكثر من أي شخص آخر في هذه اللحظة الضعيفة، وبعد ذلك، ارتبط وجودها بوجود الطفلة، وبدأت بزيارتنا أسبوعياً لمراقبتها وهي تكبر، وكنَّا نشعر بالراحة في أثناء وجودها، فقد كان ذلك يشكِّل فارقاً كبيراً؛ حيث كنَّا في أفضل حالاتنا بوجودها.

فيما بعد، ساعدتني في ولادة طفلتنا الثانية؛ إذ عندما حان وقت ولادتي، جلستْ إلى جانبي هي وزوجي، وقد كانت ذراعيَّ حول عنقيهما، مسحت جبهتي ودلَّكت كتفي، وكانت أول شخص حمل الطفلة بعدي وبعد زوجي.

زاد تقاربنا من بعضنا على مرِّ السنين، وكانت جليسة أطفالي، وتحضِّر لنا الطعام عندما نكون مرضى، وتحتفل معنا في كل الأعياد، لقد كانت الشخص المفضل بالنسبة إلينا، وبدورها عبَّرت عن تقديرها لكونها جزءاً من عائلتنا، ولقد كان أطفالي يقضون فترات نومهم خلال مراحلهم الأولى في منزلها، وكانت تهتم بواجباتهم المنزلية، وتُدرِّسهم بطريقة مسلية من دون إثارة سخطهم على الدراسة، وذات يوم دعوناها إلى السفر معنا، وقد كانت تسافر معنا أحياناً، وتحضر حفلات التخرج الجامعية وحفلات الزفاف والمآتم، بالنسبة إلينا، كانت إلنورا هي الأم الروحية.

على مرِّ السنين، واصلنا إنشاء أسرة منفتحة نسبياً، وكنَّا محظوظين بالتعامل مع أنواع مختلفة من الآباء، لقد عاش العديد من الشباب معنا في رحلتهم حتى وصلوا مرحلة البلوغ، لا سيما من الهند؛ حيث تكون الأسر المشتركة نموذجية، وقد قدَّم أحد الشباب، وهو متخصص في مجال الفيزياء في الجامعة المحلية، عروضاً علميةً لأولادي وأصدقائهم، وكان وجود جليسة الأطفال المحبوبة جزءاً مهماً لقدرتي على العمل، وطلبت من والدة زوجي أن تطيع أوامرها لكي نضمن  بقائها معنا، وهذا بالتأكيد أمر لا يتناسب معها، ثم ظهر أشخاص آخرون مثل إلنورا؛ معلم خاص، ومدرس مفضل، حتى بعض طلاب الكلية الذين درَّستهم.

كان الآباء الآخرون أيضاً حلفاء جيدين، ففي فصل الصيف، توزَّع أطفالنا في منازل عائلات أخرى، وشاركنا نحن الآباء كل شيء، بدءاً من المعلومات المتعلقة بالمعسكرات إلى ملاحظاتنا الإيجابية عن جميع الأطفال، كما عُيِّنا كأوصياء على الأسرة في حالة الوفاة، وفيما بعد، رتبتُ لحفل زفاف أحد أصدقاء ابنتي.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح ذهبية لتكوين أسرة ناجحة وسعيدة

فوائد الدعم الإضافي:

إنَّ وجود مجموعة من الأشخاص المهتمين يولِّد مشاعر الأمان لدى الأطفال، وبالنسبة إلى أطفالي، لم يكن يوجد شك حول شعورهم بالانتماء، عندما ظهر شخص ما واهتمَّ بكل عروضهم المدرسية وأمور التخرج، كما أنَّ وجود العديد من الأشخاص البالغين المهتمين حولنا، سهَّل عليَّ الأيام الصعبة والسيئة، وقد سبَّب ذلك تنوعاً في وجهات النظر والطباع.

لقد شهد أطفالي بداية المشروع التجاري لابنة أخي حين أصبحت متحدثةً مقنعةً، وبهذه العملية حصلوا على نموذج لما يمكن أن يفعله الشخص المنفتح النشط في الحياة، وعندما يبدأ المراهق عيش حياته باستقلالية، ويرفض ذلك أحد الوالدين، فمن المفيد تقديم وجهات نظر مختلفة في هذه الحالة.

ليس من المفترض أن نعمل بمفردنا؛ حيث يُعدُّ البشر مربيين متعاونين، ويوثِّق الباحثون توثيقاً روتينياً مساهمات جميع الآباء، لقد كان تعلُّم هذا الأمر مصدر ارتياح كبير بالنسبة إليَّ، وهو خروج جيد عن وجهات النظر المتداولة في الثقافة الأمريكية، بأنَّ الأمهات وحدهن يجب أن يتحملن عبء رعاية الأطفال، وهو أمر أثبتت الجائحة أنَّه ضعيف، وغير قابل للاستمرار بصورة خاصة.

يُظهر البحث حول أي موضوع في العلوم التنموية، أنَّ الدعم الاجتماعي للأسرة يحسِّن نمو الأطفال، على سبيل المثال، أحد أقوى المؤشرات التي تدل على قدرة الطفل على مواجهة الصدمات، هو وجود شخص بالغ يدعمه، مثل العمَّة أو العمِّ أو المدرِّس أو الكوتش أو الصديق، ويحدث الشعور باكتئاب ما بعد الولادة بصورة أقل، عندما تكون النساء محاطات بأشخاص متعاونين بعد الولادة، ومن المحتمل أن تتطور مواهب الأطفال، عندما يهتم شخص بالغ من غير الوالدين اهتماماً شديداً بها، ويتنقل المراهقون إلى مرحلة البلوغ بنجاح كبير بمساعدة المنتورز الأكبر سناً.

تُعدُّ الجدَّة نوعاً مدروساً جيداً من الآباء، وتُنسَب إليها الفرضية القائلة بأنَّ الجدَّة تؤدي دوراً مهماً في دعم التطور البشري، وعبر التاريخ، يرتبط وجود الجدَّة بتحسين معدلات بقاء الأطفال والحفاظ على أعداد كبيرة منهم، ولآلاف السنين، كانت الجدَّات تعتني بالصغار في أثناء عمل الوالدين، وتُقدِّم نصائح عن الأبوة والأمومة، ومعلومات ثقافية واقتصادية، أو الرعاية الكاملة اللازمة عندما يكون أحد الوالدين غير متاح، كما يقدِّمن دعماً عاطفياً عندما يعاني الأطفال من أحد الوالدين، أو عند مجيء مولود جديد، وفي إحدى الدراسات، تبيَّن أنَّ وجود الجدَّة يقلِّل من هرمون الكورتيزول عند الطفل (هرمون التوتر)، في حال وجود علاقات أسرية متوترة.

إقرأ أيضاً: كل ماتريد معرفته عن المراهقة وأفضل الطرق للتعامل مع المراهقين

الأجزاء الصعبة من الرعاية غير الوالدية:

على الرغم ممَّا سبق، فإنَّ الأمور لا تسير دائماً على ما يرام.

يجب أن يتوافق الدعم الذي نُقدِّمه مع الدعم المطلوب، كما كتب عالم التنمية أوري برونفينبرينر (Urie Bronfenbrenner) في كتابه "النظام البيئي للتطور البشري" (The Ecology of Human Development)؛ حيث يشير أوري إلى أنَّ الدعم ليس كله مفيداً، وما يهم أكثر هو كيف يشعر المتلقِّي بالمساعدة، فلا يُعدُّ الدعم مفيداً عندما يُقدِّم شخص ما الحلول، في حين أنَّ كل ما تريده بالفعل هو التعبير عمَّا يزعجك، أو عندما يرسل شخص ما رسالة نصية مفادها "أفكِّر فيك"، في حين أنَّ كل ما تحتاج إليه حقاً هو المساعدة في المهمات أو مراقبة أطفالك.

في تجربتي الخاصة، وجدت أنَّ التواصل العميق، والحدود الواضحة، والمسامحة، هي حلول جيدة، فضلاً عن أنَّ المناقشات المنتظمة حول طريقة سير الأمور تُعدُّ مفيدة أيضاً.

كنت أعمل أحياناً كوسيط بين الأطفال والآباء من غير الوالدين، بحيث أعمل على تسهيل إنشاء تحالف بينهما، وقد شرحت شرحاً متكرراً حالة نمو الطفل، وشاركت الأفكار حول هدايا أعياد الميلاد، ووجَّهت أفراد عائلتنا المختارين حول صراعات الطفل الحالية، وبدوري، قدمت الكوتشينغ إلى الأطفال على طريقة التفاعل مع أنماط التعاطف غير المألوفة، وقد علَّمتُهم أنَّ التقدير والمعاملة بالمثل تجاههم، هما أمران مهمَّان؛ وفي المقابل، كانوا يقدمون ملاحظات شكر، وبعض المساعدة في أثناء المرض، ويساعدون في الأعمال المنزلية، وأي شيء يتعلق بالتكنولوجيا.

من حين إلى آخر، كان يجب عليَّ تقديم إرشادات تصحيحية، وفي حالات نادرة، إبعاد الآباء غير الوالدين إذا وجدت أنَّهم لا يؤثرون إيجاباً في الأطفال أو في عائلتنا ككل.

تقول إلنورا: "لقد كنت أشعر بالخوف، لأنَّني تصرَّفت بحدَّة مع الفتيات ذات مرة؛ لذا يجب أن تكون لديك قدرة فائقة الذكاء على تلقِّي التغذية الراجعة، إذا كنت ستشارك مشاركة وثيقة مع عائلة أخرى"، ومع ذلك، يعود الفضل الكبير لها، فقد كانت مرنة في التعامل مع التغييرات والطلبات في جدولنا باللحظات الأخيرة، وصبورةً مع تركيزنا على الطفل والتشتيت الأسري، أنا متأكدة من أنَّها لم تحصل دائماً على الاهتمام الذي تستحقه؛ حيث يمكن أن تكون الحياة الأسرية فوضوية أحياناً.

"ليس من المفترض أن نعمل بمفردنا؛ حيث يُعدُّ البشر مربِّين متعاونين" - الدكتورة ديانا ديفيشا (Diana Divecha).

ومع ذلك، قد يشعر بعض الآباء بالغيرة من علاقات الآخرين الوثيقة بأطفالهم، أو قد يتساءلون فيما إذا كانت علاقة أخرى ستضعف شعور أطفالهم بالارتباط الآمن - هو العلاقة التأسيسية للطفل، التي تعمل كقاعدة آمنة يمكنه من خلالها الاستكشاف وتنظيم عواطفه - ولكن بالنسبة إلى الأطفال، لا يوجد شك في أنَّ مُقدِّمي الرعاية هم الارتباط الأساسي، ما داموا يقدمون الرعاية لهم؛ حيث يُنظَّم الأطفال بيولوجياً لتشكيل تسلسل هرمي صغير من الارتباطات، وفي ظل الظروف العادية، يأتي الآباء في المقدمة، ويمكن أن توفر أشكال الارتباطات الأخرى الراحة والدعم من أجل التنمية، لكنَّها نسخ احتياطية للارتباط الأساسي، وفي حالتي، اعتقدت أنَّ أطفالي كانوا أكثر أماناً ضمن مجموعات كبيرة، وكنت ممتنةً لعلاقات الآخرين المحبة والبناءة معهم.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة تساعد على تحقيق التماسك الأسري

حرية الاختيار:

تخضع العائلات في الولايات المتحدة لعملية إعادة تشكيل بطيئة ولكنَّها ثابتة، واعتباراً من عام 2014، لم تعد الأسرة الصغيرة المكوَّنة من جنسين مختلفين، والتي يبقى فيها الوالدان متزوجين، هي الشكل العائلي السائد؛ بدلاً من ذلك، على مدى السنوات الستين الماضية، كانت توجد زيادة في عدد مُقدِّمي الرعاية، والزواج الثاني، والأسر المختلطة، والأسر التي يرأسها عائل وحيد؛ حيث يعيش معظم الأطفال مع أجدادهم فقط، أو بالإضافة إلى أحد الوالدين؛ حيث تُظهر الأبحاث أنَّ ما يهم لنمو الأطفال ليس تركيبة الأسرة؛ بل طبيعة العلاقات داخل الأسرة.

كتبت بيتسون: "يجب علينا جميعاً أن نشكِّل حياتنا من دون الاعتماد على مثلٍ أعلى"، فيمكن للمرء أن يبحث عن أنواع أخرى من العائلات من أجل الإلهام كما تقول، ولكن قبل كل شيء، هي تؤكد ما تحدثت به والدتها، وهو "إمكان الاختيار".

في عيد الأم هذا، كتبت إحدى بناتي إلى إلنورا: "أشعر أنَّني محظوظة جداً لوجود عدد من البالغين الذين اعتنوا بي في حياتي، وأرشدوني واستمروا في الوقوف إلى جانبي"، ورددت ابنتي الأخرى المشاعر نفسها: "أنا محظوظة جداً لأنَّ لديَّ إنسانتين رائعتين في حياتي، يحبانني ويدعمانني خلال مسيرتي، وستكون عائلتي المستقبلية محظوظة جداً لوجود كل هؤلاء الأشخاص من حولها".

أجابت إلنورا: "لقد كانت تجربةً مميزةً واستثنائيةً، أن أكون قريبةً منكما خلال حياتكما".

وفي كل عام أرسل لها قائلةً: "لم أكن لأفعل ذلك من دونك".

المصدر




مقالات مرتبطة