كيف يستطيع رواد الأعمال التغلب على الخوف؟

وفقاً للأب المؤسس للولايات المتحدة الأمريكية "بنجامين فرانكلين" (Benjamin Franklin)، الأشياء الوحيدة الأكيدة في الحياة هي الموت والضرائب؛ ولكن مع كل الاحترام للأب المؤسس، هو نسي أن يذكر شيئاً آخر يواجهه كل روَّاد الأعمال؛ إنَّه الخوف.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن والمتحدث "كريستر أونجيربوك" (Krister Ungerboeck) والذي يُخبِرنا فيه كيف يستطيع روَّاد الأعمال التغلب على الخوف ليصبحوا قادة واثقين.

الخوف حالة ذهنية يعيشها بعض روَّاد الأعمال المعاصرين يومياً، فحين تقع المشكلات الكبيرة، يسمع عنها العالم على الفور ويستجيب بجدية، على سبيل المثال، حتى قبل أن تُعلن شركة "بزفيد" (BuzzFeed) أنَّها ستسرِّح حوالي 220 موظفاً، وصلت إلى شبكة الأخبار "سي إن إن" (CNN) وغيرها من المنافذ الإخبارية، معلومات عن الخبر؛ الأمر الذي وضع المدير التنفيذي "جوناه بيريتي" (Jonah Peretti) في موقف لا يُحسد عليه؛ إذ اضطر أن يشرح لحوالي 15% من قوة شركته العاملة، سبب حاجتهم إلى البدء بالبحث قريباً عن وظائف جديدة.

يخشى مؤسس أيِّ شركة ناشئة عيش تلك التجربة التي مرَّ بها بيريتي، ومع ذلك، يجب أن يتقبل كل شخص يشغل دوراً قيادياً أنَّه سيضطر - عاجلاً أم آجلاً - إلى اتخاذ خيارات صعبة، لكنَّ إدراك ذلك قد يزيد من مشاعر الخوف الذي تشعر به بالفعل، والذي ما لم تتغلب عليه، قد يكون سبب دمارك.

الخوف لدى روَّاد الأعمال:

الخوف شعور طبيعي بالطبع، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يكافحون لتستمر شركاتهم في العمل، ناهيك عن أنَّ "مكتب إحصاءات العمل" (Bureau of Labor Statistics) في الولايات المتحدة، يشير إلى أنَّ ثلاثة أرباع الشركات تفشل في غضون عقد من إنشائها؛ لذا ليس من المستغرب أنَّ روَّاد الأعمال يشعرون بالخوف كثيراً، وعلاوة على ذلك، لا يُعدُّ فشل الشركة مصدر القلق الوحيد للمؤسسين؛ إذ يُحدق بهم أيضاً خطر الإفلاس وعدم الاستقرار الوظيفي، وغيرها الكثير الكثير.

شعر والدي بهذه المخاوف كقائد لشركة ناجحة، شأنه شأن العديد من روَّاد الأعمال الآخرين من جيله، وفي إحدى المرات، حين واجهت شركته مشكلة كبيرة، طلب منِّي التعامل معها، وتوصلت أنا إلى حل بالفعل، لكنَّه كان حلاً يتطلب معالجة المشكلة معالجةً جديدة تماماً، وخوف والدي منعه من رؤية قيمة الحل المبتكر الذي توصلت إليه، فطردني.

كان عمري حينها 17 عاماً، ولم أفهم إلا بعد عقدين من الزمن، مقدار الضغط الذي كان يشعر به والدي؛ إذ أخفى مخاوفه عنِّي في الماضي، ومن خبرتي أعلم أنَّ العديد من روَّاد الأعمال يفعلون ذلك أيضاً، فيعيشون مع مخاوفهم بشأن شركاتهم، ولكنَّهم يخفونها عن موظفيهم وأصدقائهم وحتى عن عائلاتهم، ممَّا يزيد الأمر سوءاً فيشعرون بالوحدة علاوة على الخوف.

هناك منطقة في الدماغ تدعى قشرة الفص الجبهي، وهي مسؤولة عن التحكم بالإبداع والابتكار، وهي أيضاً جزء الدماغ الذي يستجيب للخوف بالتوقف عن العمل مؤقتاً، وجميع الأفراد في جميع المناصب، حتى أذكى وأمهر أعضاء فريق القيادة، هم عرضة لذلك؛ لذا لإعادة تنشيط قشرة الفص الجبهي والشعور مجدداً بالسيطرة والثقة، يجب أن تتغلب على خوفك.

إقرأ أيضاً: ما هي الصعوبات التي تنطوي عليها ريادة الأعمال؟

يستطيع روَّاد الأعمال فعل ذلك عبر اتباع الخطوات الخمس التالية لتعلُّم السيطرة على الخوف بفاعلية وعلى الأمد الطويل:

1. تخيُّل أسوأ الاحتمالات:

واجه خوفك عبر تخيُّله والتحدث عن أفظع النتائج الممكنة، وعوضاً عن محاولة كبح استجابة الكر أو الفر، اسمح لنفسك بالإحساس بمشاعرك، وكن واضحاً وحدد تماماً ما الذي تخشاه، وعبِّر عن كل تلك الاستجابات العصبية الصادرة عن اللوزة الدماغية، وتخيَّل أكثر الاحتمالات الممكنة التي تبعث فيك الخوف، وحوِّل خوفك من شعور ضبابي إلى فكرة يمكنك تأمُّلها واستخدم عقلك الواعي ومحاكمتك العقلية للحكم عليها، ممَّا يسمح لك بالانتقال إلى الخطوة التالية.

2. رسم خطة وقوع أسوأ الاحتمالات:

بعد أن تصورت أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث، حدِّد كيف يمكن لها أن تتحقق، ولفعل ذلك، اكتب كل الأحداث التي يجب أن تقع بحذافيرها كي تتحقق أسوأ توقعاتك، وفي معظم الحالات، ستندهش كم أنَّ حصولها غير مُحتمل أو كم من السهل تجنب بعض المخاطر.

ألقِ نظرة على حالة حصول أسوأ سيناريو بالفعل عند انهيار شركة "بلوك باستر" (Blockbuster)؛ حيث اتضح أنَّ المدير التنفيذي "ريد هاستينغز" (Reed Hastings) لشركة "نيتفليكس" (Netflix)، تواصل مع المدير التنفيذي "جون أنتيوكو" (John Antioco) لشركة "بلوك باستر" (Blockbuster) في أوائل هذا القرن بشأن شراء شركته الخاصة ببيع الأقراص المدمجة.

وبينما كان أنتيوكو قد فكَّر بالتأكيد في أسوأ سيناريو، إلا أنَّه لم يحدد الخطوات التي تؤدي إليه، ابتداءً بتغيُّر ميول المستهلكين باتجاه طلب توصيل الأقراص المدمجة بالبريد، وانتهاءً بخدمات البث الحي؛ لذا رفض الصفقة، وعلى الرغم من أنَّ شركة "بلوك باستر" (Blockbuster) ما زالت موجودة اليوم، إلا أنَّها مجرد ذكرى عابرة بالنسبة إلى معظمنا، حتى أنَّ واحداً من آخر متجري أفلام للشركة في العالم، أُغلِق مؤخراً.

3. تحديد كم من الوقت لديك لتجنب الكارثة:

بعد رسم خطة وقوع أسوأ احتمال، يجب أن تحدد الآن كم من الوقت لديك لتجنبه، وفي معظم الحالات، قد تفصل بينك وبينه أسابيع أو شهور أو حتى سنوات؛ لذلك لديك متسع من الوقت لتصحيح مسارك؛ إذ يضعك الوعي لمدى سيطرتك على عوامل وقوعه بالفعل، في مواقف تسمح لك بالتصدي للخوف عبر سلوك مسار جديد.

تجنَّب التحيز في تنبؤاتك، واختر تحركاتك المستقبلية بناءً على توقعات واقعية مُستخلصة من مشاريع سابقة مماثلة، أو حتى بعد التواصل مع شخص من معارفك تستطيع التحدث معه عنها، فنحن البشر لا نُجيد تقدير كمية الوقت التي سيستغرقها إنجاز المهام؛ لذلك قد يكون من المفيد الاستعانة بوجهة نظر أخرى.

شاهد بالفديو: 6 أفكار يحتاج رواد الأعمال إلى الإيمان بها حتى يحققوا أهدافهم

4. وضع استراتيجيات لتفادي الكارثة:

باستخدام المعلومات التي جمعتها عن خوفك وما الذي يتطلبه تجنب وقوع الكارثة، ركز على اتخاذ إجراءات وقائية، على سبيل المثال، قد تكون إحدى طرائق تجنب أسوأ سيناريو هي تغيير العمليات التشغيلية، وفي هذه الحالة يجب أن تُعِدَّ جدولاً زمنياً قابلاً للتطبيق لتنفيذ هذا الإجراء، وفي أثناء وضعك خطة للتغلب على الخوف، حدد أهدافك باستخدام أسلوب "الأهداف الذكية" (SMART)، أي لتكن أهدافك محددة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق وذات صلة ومقيَّدة زمنياً، وحين تنتهي، ستكون بين يديك استراتيجية واقعية قابلة للتحقيق.

إقرأ أيضاً: ماذا نفعل عندما لا تنجح الأهداف الذكية (SMART)؟

5. استخدام مقياس لتحديد مدى احتمال وقوع أسوأ سيناريو:

بعد أن أكملت الخطوات الأربع السابقة، أصبحت لديك خطة محكمة وجدول زمني لتجنب أسوأ سيناريو، والخطوة الأخيرة، هي النظر بتمعن لتحديد مدى احتمال حدوث ذلك السيناريو حقاً؛ لذا استخدم لهذه الخطوة مقياس التقييم من 1 إلى 10 الذي يستخدمه علماء النفس غالباً في استطلاعات التقارير الذاتية، أو مقياساً شبيهاً به؛ إذ يساعدك استخدام المقياس، عوضاً عن سؤال نفسك ببساطة عمَّا إذا كان السيناريو سيحدث، على تحديد درجة خوفك، وسيتبين لك في هذه الخطوة مدى نجاح الخطوات الأربع السابقة، وأنا واثق أنَّ تقييمك سيكون أقل بكثير ممَّا كنت تتوقعه في بداية هذا التمرين.

من الصعب التخلص من الخوف، خاصة إذا كنت تتمتع بالذكاء العاطفي والحساسية، ومع ذلك، يمكنك ضبط استجاباتك عبر التحقق من صحتها ومعالجتها والتفكير فيها بتعقُّل، ومع الوقت ستصبح هذه المهارة أسهل؛ الأمر الذي سيُمكِّنك من تنمية قدراتك القيادية من دون أن يعوقك الخوف.

المصدر




مقالات مرتبطة