كيف يساعدك أسلوب الأهداف الأسبوعية على تحقيق أهدافك؟

يُعرَف "أنتوني ترولوب" (Anthony Trollope)، الروائي البريطاني بأنَّه من أكثر الروائيين إنتاجيةً في كل العصور، وكان لدى "أنتوني" طريقة خاصةً في تنظيم أسبوعه، فقد كتب ما يقرُب من 50 رواية خلال حياته، ومع ذلك لم يكن يقضي سوى وقت قليل في الكتابة، في حين أنَّنا نحتاج إلى العمل ساعات طويلة طيلة الأسبوع إذا أردنا أن نبلغ مستوىً عالياً من الإنتاجية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتتحدَّث فيه عن تنظيم الحياة باتِّباع أسلوب الأهداف الأسبوعية، بدلاً من أسلوب المهام اليومية.

عمل "أنتوني" بوظيفة في دوام كامل، ومارس هواية صيد الثعالب بضعة أيام في الأسبوع، ومع ذلك كتب 3 أضعاف ما كتبه الروائي "تشارلز ديكنز" (Charles Dickens)، ناهيك عن أنَّه كان متزوجاً وأباً لعدة أطفال.

سنشرح كيف فعل ذلك لاحقاً، لكن لنتخيل الآن أنَّك تكتب رواية، ولا شك في أنَّك تحتاج إلى تجزئة هدفك إلى مهام أصغر حتى تنجزه، ولنفترض أنَّك تنوي كتابة قصة تتألف ممَّا يقارب 50 ألف كلمة، فكيف تستطيع أن تفعل ذلك؟

لنفترض أنَّك وضعت لنفسك هدفاً يومياً يتمثل بكتابة 10 صفحات، ولا بدَّ أنَّها مهمة صعبة، لكن لنفترض أنَّك أصررت على إنجاز هذا الهدف؛ لذلك أدرجته على رأس قائمة مهامك اليومية.

بدأت الآن بالعمل على الهدف يومياً، وفعلاً أنجزت الهدف لمدة 3 أيام متتالية، وفي اليوم الرابع حدث طارئ مع أحد أفراد عائلتك؛ لذلك لم تستطع الكتابة، فماذا تفعل؟ بالطبع من المستحيل أن تكتب 20 صفحة في اليوم التالي تعويضاً عن النقص الذي حصل؛ لذلك تكتفي بكتابة 10 صفحات.

هدفك اليومي هو كتابة 10 صفحات، وتواظب عليه يومياً، أياً تكن الالتزامات الأخرى التي لديك، وبصرف النظر عن إنجازك لهذا الهدف في الأمس أو قبله، فقائمة المهام التي وضعتها تشير بوضوح إلى ضرورة إنجاز هذا الهدف يومياً.

لكن لنكن واقعيين، هل تمنحك هذه الخطة أي حافز؟ بالطبع لا، بالكاد تشعر بأي حماسة، فهو عمل شاق، ويجب ألا تكون كتابة الرواية عملاً شاقاً بالمطلق، فنحن نتحدث هنا عن أحد أشكال الفن الأدبي؛ لذلك يجب أن تعدِّل جدولك الزمني، لكن كيف؟

إحدى الطرائق هي تحويل الهدف الكبير إلى هدف أسبوعي، والهدف الأسبوعي إلى هدف يومي؛ بمعنى أنَّك تهدف إلى كتابة 40 صفحة في الأسبوع، وهو هدف قابل للتحقيق بسهولة نسبياً؛ ومن ثَمَّ العمل 4 أيام في الأسبوع، بمقدار 10 صفحات في كل يوم، بينما تُخصِّص الأيام الأخرى للاسترخاء، واستعادة طاقتك والاهتمام بالتزاماتك الأخرى، لنرى الآن كيف تسير الأمور مع هذه الخطة.

تبدأ بالكتابة منذ اليوم الأول في الأسبوع، فتكتب الأحد 10 صفحات، والأمر نفسه يوم الإثنين؛ لكنَّك تنشغل بمهام أخرى يومي الثلاثاء والأربعاء، ماذا تفعل وأنت تريد كتابة 20 صفحة أخرى قبل نهاية الأسبوع دون أن تُضحي بيوم عطلتك؟ تستطيع أن تستغلَّ الخميس والجمعة في الكتابة وتستريح يوم السبت، لقد انتهى الأسبوع واستطعت إنجاز هدفك، وخصَّصت لنفسك يوماً بصفته عطلة نهاية الأسبوع.

بالمناسبة هذه هي الطريقة التي ساعدت "أنتوني ترولوب" على تأليف 49 رواية خلال 35 عاماً؛ فقد مارس الكتابة 4 أيام في الأسبوع بمقدار 10 صفحات في اليوم، ومن الواضح الآن أنَّ العمل بهذه الطريقة أفضل بكثير من العمل المتواصل طيلة أيام الأسبوع.

لماذا يُعدُّ أسلوب الأهداف الأسبوعية أكثر فاعلية من قائمة المهام اليومية؟

أحدِّد لنفسي قائمة مهام يومية، وينتهي بي الأمر في تأجيل نصفها إلى اليوم التالي، بالطبع هذه ليست طريقة جيدة لإدارة حياتك؛ إذ إنَّ ما يُحدِّد مهام يومك هو المهام التي فشلت في إنجازها في اليوم السابق، وستتكرر المهام نفسها، وستشعر بالملل؛ فيكون الحل بألا تجعل المهام اليومية أسلوبك في تنظيم حياتك، واستبدال هذا الأسلوب بأسلوب الأهداف الأسبوعية.

شاهد بالفديو: 5 قواعد ذهبية مثبتة علميًا في تحديد الأهداف

آلية عمل المهام الأسبوعية مُشابهة لآلية عمل المهام اليومية، ويوجد لديك عدد من المهام والتي تضع علامة عليها تشير إلى إنجازها عند الانتهاء منها، إذاً ما الفرق؟ يتلخص كل ذلك فيما تستطيع القيام به في أسبوع كامل بدلاً من يوم واحد، ولديك أسبوع بأكمله لتفكِّر بطريقة أشمل وتضع خططاً وأهدافاً أكبر، وتستطيع تحديد قائمة أهدافك الأسبوعية من خلال شيئين، هما:

  1. أكبر أهدافك في الحياة.
  2. علاقاتك.

إليك الآن الأسئلة التي تساعدك على تحديد أهدافك في الحياة، ولاحظ أنَّ هذه الأسئلة لا تؤدي إلى تحديد الأهداف الكبرى في الحياة فقط؛ بل تشمل الأهداف الثانوية أيضاً؛ لكنَّها طريقة فاعلة جداً لتحديد الأهداف عامة:

  1. ماذا تريد أن تصنع أو تؤسِّس؟ قد يكون ذلك قصيدة أو لوحة أو رواية أو منزلاً أو عائلة أو شركة أو مطعماً أو مؤسسة غير ربحية.
  2. إلى أين تحلم بالسفر؟
  3. ماذا تريد أن تصبح؟ ليس فقط المهنة؛ بل أي شيء آخر تسعى إلى أن تكون عليه، مثل أب أو صديق رائع.
  4. ماذا تريد أن تحقق؟ المشاركة في سباق الماراثون أو الحصول على إجازة جامعية مثلاً.
  5. ماذا تريد أن تتعلم؟ لغة جديدة أو أسماء الكويكبات أو حفظ أسماء جميع الدول أو مهارة معينة.
  6. ما هي العادات التي تريد التخلص منها؟ التدخين أو الإفراط في تناول الطعام، أو عدم الثقة بالنفس والتسويف.

الأمر الهام بعد أن تُحدِّد أهدافك هو تجزئتها إلى مهام تستطيع إنجازها خلال أسبوع، لا توجد طريقة واحدة للقيام بذلك؛ لذلك اختر الطريقة التي تناسبك، لكن إليك بعض النصائح التي تساعدك:

1. ابدأ بخطوات بسيطة:

لم يُحدِّد "ترولوب" هدفاً ينص على كتابة 10 صفحات يومياً؛ بل كان هدفه أكثر تواضعاً، ستعرف سريعاً مقدار ما تستطيع إنجازه خلال أسبوع، ولن يكون غالباً بالمقدار نفسه الذي توقعته عندما حدَّدت هدفك، لكن لا بأس بذلك، فسريعاً ما ستعرف ما تستطيع القيام به.

إقرأ أيضاً: 10 أمثلة عن الأهداف اليومية لمساعدتك على تخطي يومك بنجاح

2. حدِّد لنفسك 4 أهداف كحد أعلى في كل أسبوع:

يُعدُّ تحديد هدف واحد في الأسبوع جيداً إذا كان هدفاً كبيراً أو مُلحَّاً، لكن عندما تُحدِّد لنفسك أكثر من 4 أهداف في الأسبوع، فقد يعني ذلك أنَّك تُحدِّد أهدافاً صغيرة جداً أو غير هامة، فأهدافك الأسبوعية هي ركيزتك للنجاح؛ لذلك اختر عدداً قليلاً من الأهداف الهامة، وأنجز الأهداف الأخرى خلال بقية الأسبوع إذا استطعت ذلك.

3. اختبِر تأثير أهدافك في شعورك بالرضى عن النفس:

من أروع نتائج هذه العملية هو الشعور بالنجاح عند إنجاز أهدافك الأسبوعية، واسأل نفسك قبل أن تبدأ بالعمل على هذه الأهداف ما إذا كانت ستُشعرك بالنجاح أم لا بعد إنجازها، إذا كانت إجابتك "نعم" فابدأ بالعمل عليها.

إذاً تستطيع أن تُحدِّد مهامك الأسبوعية من خلال تجزئة أهدافك الكبيرة إلى أهداف أصغر يمكن العمل عليها خلال أيام الأسبوع، لكن هذا ليس كافياً وحده؛ لأنَّك لا تستطيع أن تعيش حياتك بمعزل عن الآخرين، وهذا يقودنا إلى الحديث عن العلاقات.

شاهد بالفديو: سبع مهارات أساسية تساعدك على تحقيق أهدافك

الإنسان نتاج علاقاته:

يقول الرئيس الأمريكي الأسبق "تيدي روزفلت" (Teddy Roosevelt): "توجد أشكال عديدة للنجاح في الحياة تستحق أن نسعى لأجلها، لكن جميع الإنجازات وأشكال النجاح تفقد أهميتها مقارنةً بنجاح الإنسان في حياته العائلية".

لذلك لا تنسَ الاعتناء بعلاقاتك عند التخطيط لأهدافك الأسبوعية، وتوجد بلا شك أشياء كثيرة تستطيع أن تملأ بها وقتك، وأهداف كثيرة تسعى إلى تحقيقها، لكن لديك في الوقت نفسه واجب تجاه أشخاص كثيرين في حياتك، سواء أكان هؤلاء الأشخاص أطفالك في حال كنت والداً، أم متلقي المنتور في حال كنت منتوراً، أم زميلك في العمل وما إلى ذلك.

يكاد يكون من المستحيل عندما نطبِّق أسلوب قوائم المهام اليومية أن نأخذ علاقاتنا في الحسبان، فمن المستحيل أن تُخصِّص يوماً واحداً لكل واحدة من هذه العلاقات، فإذا كان لديك أطفال وأنت أب أو أم، ناهيك عن كونك موظفاً بدوام كامل فعلياً، ولم نذكر بعد المسؤوليات التي تفرضها عليك علاقاتك الأخرى، من أصدقاء وأقارب وشريك، وغير ذلك، إذاً كيف تستطيع أن تُخصِّص وقتاً لكل هذه العلاقات في جدولك المزدحم؟

ينصح "ستيفن كوفي"، مؤلف كتاب "كتاب العادات السبع للناس الأكثر فاعلية" The 7) Habits of Highly Effective People)، ألا تتعامل مع قائمة مهامك اليومية بهذه الطريقة؛ بل حوِّلها إلى قائمة مهام أسبوعية؛ إذ تُخصِّص الأحد مثلاً للعائلة، ويوم الجمعة للخروج مع الأصدقاء، والثلاثاء مثلاً للاتصال بصديق آخر، والأربعاء مثلاً لزيارة أقاربك، فنحن لا نمتلك ما يكفي من الوقت يومياً للقيام بجميع الواجبات التي تفرضها علينا العلاقات الاجتماعية؛ لذلك يجب أن نوزع هذه الواجبات على أيام الأسبوع.

ضع قائمة تحتوي على جميع العلاقات التي تتطلب منك واجبات معينة، ثم حدِّد الأشياء التي يجب أن تقوم بها خلال الأسبوع القادم من أجل كل واحدة من هذه العلاقات، وتذكَّر أنَّ نجاحك هو حصيلة نجاحك في علاقتك مع نفسك وعلاقاتك مع الآخرين.

لقد حسَّن هذا النوع من التخطيط حياتي تحسيناً كبيراً، وهو تخطيط قائم على تحديد الأهداف الكبيرة؛ ومن ثمَّ تجزئتها إلى مهام أصغر، وإليك مثلاً بعض الأهداف الأسبوعية التي استطعت إنجازها بفضل هذه الطريقة:

الأحد هو أكثر يوم مُريح في الأسبوع بالنسبة إلي؛ لكنَّني لا أقوم خلاله بنشاطات التأمل والأشياء المُمتعة فحسب؛ بل أخطِّط خلاله أيضاً للأسبوع المقبل، وأفكِّر فيما سأفعله خلال الأسابيع المقبلة، وأتأمل فيما أنجزته في الأسابيع السابقة، وإذا حققتُ أهدافي للأسبوع المُقبِل، فإنَّني أشعر براحة كبيرة في نهاية الأسبوع، وأخلد إلى النوم لأستيقظ يوم الأحد مُفعمةً بالمشاعر الإيجابية.

إقرأ أيضاً: أفضل الأدوات الفعالة لتحديد الأهداف

هذا هو نظامي:

  1. أفكِّر في أهدافي الكبيرة يوم الأحد.
  2. أقسِّم بعضها إلى مهام مُحدَّدة أريد إنجازها خلال الأسبوع.
  3. أكتب 3 إلى 4 أهداف على بطاقات الملاحظات.
  4. ألصق البطاقة أسفل شاشة الكمبيوتر.
  5. أضع علامة تشير إلى إنجاز الأهداف التي حققتها.
  6. في نهاية الأسبوع أدوِّن في دفتر يومياتي الأهداف التي حققتها والتي لم أحققها، وكيف أستطيع تحسين أدائي في المرة القادمة.

من ثمَّ أبدأ من جديد، وألصق بطاقة الملاحظات التي تحتوي على أهداف الأسبوع المقبل، أعلى البطاقة الأخيرة، افعل هذا وسيصبح لديك في غضون بضعة أشهر قائمة بمهام متوسطة الحجم والتي تكون قد أنجزت معظمها، ما يجعلك تشعر بمتعة النجاح.

عندما تبدأ بالتخطيط لمشاريعك الكبيرة، وإعطاء الأولوية للأمور الهامة على أساس أسبوعي، فإنَّك تستطيع إنجاز أهدافك، وقد طبَّقت أسلوب الأهداف الأسبوعية خلال الأشهر الستة الماضية، واستطعتُ تأسيس مدوَّنتي، وقمتُ برحلة إلى جبل "كليمنجارو" (Kilimanjaro)، وقرأتُ كتباً عديدة.

باختصار، لقد كانت ستة أشهر من أكثر الشهور إنتاجية في حياتي، وأنا متحمسة لرؤية ما أستطيع تحقيقه في السنوات القادمة باتِّباع الأسلوب نفسه، وتستطيع أنت أيضاً أن تحقق كثيراُ من الإنجازات بواسطة هذه الطريقة.

في الختام:

الأهداف الأسبوعية طريقة فاعلة جداً لتحقيق ما تحلم به في الحياة، والسبب أنَّها تمنحك فترة زمنية طويلة بما يكفي للتفكير في المهام الكبيرة والعلاقات الهامة في حياتك، ومع ذلك فهي ليست فترة طويلة جداً؛ إذ لا تستطيع إدارتها، وتشعر بمتعة الإنجاز عندما تحقق جميع أهدافك الأسبوعية، وفي حال لم تُحقِّق ما خطَّطت له خلال أسبوع معيَّن، تظل لديك فرصة أخرى لتعويض ما فاتك خلال بضعة أيام.

يتوق أشخاص كثيرون لتحقيق أهدافهم في الحياة، بدءاً من امتلاك منزلهم الخاص، أو قضاء إجازة رائعة، أو تأسيس مشروعهم التجاري، لكن قلَّما يحقق الناس أهدافهم، فإذا أردتَ ألا تكون واحداً ممَّن يحلمون بالكثير ولا يحققون سوى القليل، فاستخدم أسلوب الأهداف الأسبوعية لتحويل أحلامك إلى حقيقة.




مقالات مرتبطة