كيف يحدد نمط التعلق الخاص بك جودة علاقاتك؟

ترتبط جودة العلاقة ارتباطاً وثيقاً بنمط التعلُّق الذي تتَّبعه، وهذا النمط تبنَّيته منذ فترة طويلة، لكن ما يزال في إمكانك تحسينه، فعندما يتعلَّق الأمر بتكوين صداقات وعلاقات، فإنَّني صعب المراس قليلاً؛ وذلك لأنَّني انطوائي؛ لذلك، أحاول ترك مسافة أمان بيني وبين الأشخاص الآخرين.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "تايلر تيرفورين" (Tyler Tervoreen) ويُحدِّثنا فيه عن أنماط التعلق غير الآمن وكيف يمكن تغييرها لبناء الثقة بالنفس وبالآخرين.

الحقيقة أنَّني دخلت في مفارقة، فعندما أشعر بأنَّني على علاقة وطيدة بالأشخاص المقربين مني، أشعر في نفس الوقت أنَّه يصعب عليَّ التقرب منهم، فأنا أفترض أنَّ أي شخص يريد التعرف إليَّ، أنَّه يحاول الحصول على شيء، ومن ثمَّ يجب عليَّ أن أَحمِي نفسي؛ فإذا لم أكن أعرف بالضبط مَن هو هذا الشخص الجديد، فلن أسمح له بالدخول إلى حياتي، وهذا ليس خطئي، هذا ما أقوله لنفسي، فهذا ما أنا عليه، وعلى الآخرين تدبُّر أمرهم في علاقاتهم معي، ومن المؤكَّد أنَّهم سيعرفون كيف يتعاملون معي إذا كانوا مُهتمين بذلك.

لقد استمر هذا الوضع لسنوات، وضيَّعت كثيراً من الفرص للتعرف إلى أناس جدد، وإقامة علاقات جديدة، والحقيقة أنَّني شعرت بالوحدة، وفي النهاية، سئمت من ذلك، فقد أتعبتني النتائج التي ترتَّبت على موقفي من العلاقات، وبدأت أتعلَّم مزيداً عن الانطوائية، ماذا تعني؟ وكيف يصبح المرء انطوائياً؟ ولماذا أنا انطوائي؟

وما تعلَّمته، هو أنَّ مقاربتي في بناء العلاقات، لا علاقة لها بطبيعتي الانطوائية، لكنَّ مشكلتي كانت في الطريقة التي كنت أرى فيها العلاقات والأشخاص من حولي، وبعد أن صحَّحت مفهومي عن العلاقات، بدأَت حياتي تمتلئ بالعلاقات الجديدة والمفيدة؛ إذ قابلت شركاء جدد في مجال العمل، وأصبح لديَّ أصدقاء جدد، وتعرَّفت إلى زوجتي وغير ذلك الكثير.

علاقاتك تعتمد على نمط التعلق الذي تتبنَّاه:

لطالما درس العلماء كيفية ارتباط الناس ببعضهم بعضاً، وما تعلَّمناه هو أنَّ الطريقة التي ترى فيها نفسك والأشخاص من حولك هي قصة تقضي حياتك كلها في إنشائها، ففي كل مرة تلتقي فيها بأناس جدد، فإنَّك تصنع قصة جديدة، وفي كل مرة تفكِّر فيها بنفسك، فأنت تصنع قصة جديدة، وعندما تتفاعل مع الآخرين، فأنت تحصل على صورة، ومحصِّلة هذه القصص هي ما يحدِّد موقعك في هذه العلاقات.

إذ يبدأ هذا منذ لحظة ولادتك، ويستمر بالحدوث حتى تجتمع هذه القصص مع بعضها وتتطوَّر؛ وذلك ما يُسمَّى أسلوب التعلق، فأسلوب التعلق: هو الطريقة التي تتعامل بها مع الآخرين بناءً على كيفية إدراكك لنفسك والأشخاص من حولك.

فإذا حصلت على الدعم المناسب والتغذية الراجعة السليمة من عائلتك وأصدقائك وأقاربك وزملائك في المدرسة، ومع بعض الحظ الجيد، فستصل إلى مرحلة البلوغ متمتِّعاً بإدراك سليم عن نفسك وعن الآخرين، وستكون مستعداً للاندماج في المجتمع وتكوين الكثير من الصداقات.

لكنَّ الأمور لا تسير بطريقة مثالية دائماً، فبالنسبة إلى معظمنا، لقد تعرَّضنا لخيبة الأمل في مرحلة البلوغ، وتعرَّضنا للفشل، واختبرنا الشعور بالإهمال والتعاسة، والشعور بالوحدة، وغيرها من التجارب السيئة التي رافقتنا حتى مرحلة البلوغ.

إذا لم يُتعامل مع هذه الأحداث بالطريقة السليمة، فقد ينتهي بك الأمر بشخصية لا تمتلك المقومات المطلوبة لبناء روابط عميقة مع الآخرين، وهذه ليست غلطة أحدهم، ولكنَّها الطريقة التي تسير بها الأمور.

إقرأ أيضاً: كيف تحسِّن العلاقات الاجتماعية صحة الدماغ؟

هل أنت مستعد لإقامة علاقات سليمة مع الآخرين؟

بعد أن أجرى علماء النفس أبحاثاً استمرت لعقود من الزمن، استطاعوا في النهاية التوصُّل إلى تقسيم أسلوب التعلق إلى فئتين: أسلوب آمن، وأسلوب غير آمن.

فعندما يكون لديك أسلوب آمن في التعلق، فإنَّك تشعر بالراحة بالاعتماد على الآخرين تماماً كما تشعر بالراحة بالاعتماد على نفسك، ولا تشعر بالقلق بشأن الشعور بالوحدة، كما لا تقلق فيما إذا قبلك الآخرون أم لا، ولا تقلُّ أهمية إقامة العلاقات لديك عن المحافظة على استقلاليتك.

فإذا كانت هذه الصفات تنطبق عليك، فأنت شخص سليم من الناحية الاجتماعية، لكن إذا لم تكن هذه الصفات تنطبق عليك، فيجب أن تتعرَّف إلى الأنماط الثلاثة الفرعية التي تندرج تحت الأسلوب غير الآمن.

لكن قبل أن تتابع القراءة، تذكَّر أنَّنا لسنا بوارد إطلاق الأحكام هنا، فنحن جميعاً نحاول أن نحصل على أفضل نتيجة في الحياة من خلال ما نمتلكه من موارد، ولكنَّ الهدف من قراءتك لهذا المقال هو أنَّك ترغب في التعرف إلى نقاط ضعفك وأنت على استعداد للعمل عليها لجعل نفسك أفضل وأقوى.

ثلاثة أنماط من التعلق غير الآمن:

1. القلق المشغول:

ينطبق هذا الأسلوب غير الآمن في التعلق على الأشخاص الذين تستنزفهم العلاقات أكثر ممَّا تعطيهم، والأشخاص الذين يعيشون وَفق هذا النمط من التعلُّق يشعرون بالقلق عندما لا تكون علاقاتهم وثيقة جداً، ويشعرون بالقلق من أنَّ الآخرين لا يقدِّرونهم كما يقدِّرون هم الآخرين، فالمبالغة في التعبير عن المشاعر هي أيضاً إحدى سِمات الشخص الذي يعيش وَفق هذا الأسلوب من أساليب التعلق؛ وهذا يعني أنَّك تحب أن تُظهِر للناس من خلال الأفعال والمواقف مقدار تقديرك لهم، ولكنَّك تمضي في هذا إلى حدِّ المبالغة.

فقد يمنع نمط التعلق هذا الروابط العميقة؛ وذلك لأنَّه يضعك في موقع أدنى من الأشخاص الذين تتواصل معهم؛ الأمر الذي يجعلك قلقاً، وهذا ينفِّر الأشخاص الآمنين؛ وذلك لأنَّهم في الواقع لا يرونك أقل قيمة منهم، ومن ثمَّ لا يجدون مبرِّراً للطريقة التي تتصرَّف بها.

عندما يكون لديك نمط التعلق هذا، فربما تحاول أن تبني علاقات مع أشخاص آخرين لديهم نفس نمط التعلق؛ لأنَّ كليكما يبذل كثيراً من الجهد حتى يجعل الطرف الآخر على دراية بالقيمة التي يعطيها له، ويمكن أن تنجح هذه العلاقة لكنَّها حتماً ليست العلاقة الأفضل، وقد يكون محبطاً ومخيفاً بناء علاقات مع الآخرين الذين لديهم نمط تفادٍ في التعلق؛ وذلك لأنَّه كلما زادت رغبتك التي تظهرها لهم بإقامة علاقة، ازداد رفضهم لك.

2. الرافض المتجنِّب:

إذا كنت تعطي استقلاليتك قيمة كبيرة، وتقلِّل من شأن الآخرين وترفع من شأنك، فقد تكون من النوع الرافض والمتجنِّب؛ إذ يميل هذا النوع من الأشخاص إلى قمع مشاعرهم وتجنيب أنفسهم للرفض.

تختلف الطريقة التي يُعبِّر بها الأشخاص من هذا النمط كلياً عن الطريقة التي يستخدمها النمط (القلق - المنشغل) للتعبير عن أنفسهم، كما أنَّ رد الفعل الذي يترتب على اتصالاتهم يبدو مختلفاً، ولكنَّ النتيجة هي نفسها، وسينزعج الأشخاص الذين لديهم نمط تعلُّق آمن من معاملتك لهم بفوقية؛ وذلك لأنَّه من وجهة نظرهم أنتم متساوون.

هذا يعني أنَّك قد تفضِّل إقامة علاقات مع النوع الذي يتبنَّى النمط الأول، القلق - المنشغل - وذلك لأنَّهم على الأرجح سيقبَلون عدم توازن القوة بينكما، لكن هذه الآلية لا تؤدي إلى علاقات صحية أو قوية؛ بل إنَّها تجعلك تبدو منعزلاً وغير مهتم بالتواصل مع الأشخاص الذين يمكن أن يكون لهم قيمة كبيرة في حياتك.

إقرأ أيضاً: القلق الاجتماعي: أسبابه، أعراضه، وأهم طرق علاجه

3. الخائف المتجنِّب:

تماماً مثل الرافض المتجنِّب، أنت شخص مستقل، لكن لسبب آخر، وهذه المرة بدل أن تكون شديد الاعتماد على نفسك، فإنَّك تعاني من عدم قدرتك على الثقة بالآخرين، وتخشى من أن يؤذيك الأشخاص المقربون منك.

يمنعك أسلوب التعلق هذا من التواصل مع أشخاص آمنين وواثقين من أنفسهم؛ وذلك لأنَّك تبدو منعزلاً وغير واثق من نفسك، مع أنَّ ما تعانيه هو الخوف فقط، وعندما لا تسمح لنفسك بأن تكون عفوياً مع الآخرين الذين كانوا عفويين معك، فإنَّ هذا يوتِّر العلاقة، ويجعل من الصعب إقامة صلات قوية ومستدامة وآمنة مع الآخرين.

3 سِمات يتميَّز بها الأشخاص الذين لديهم نمط تعلُّق آمن:

إذا حدَّدت أي نمط من أنماط التعلق غير الآمن لديك، فقد أصبحت أكثر وعياً بنفسك، وأصبحت تعرف ما يعوقك عن التواصل مع الآخرين، وبما أنَّك تريد أن تمتلك نمط تعلق آمن، فيجب أن تتعرف إلى السمات التي تظهر على هذا النمط وهي:

1. مرتاحون مع حقيقة أنَّهم يحتاجون إلى الآخرين:

ليس لدى هذا النمط من الأشخاص أي شعور بالحرج أو الخوف من اعتمادهم على الآخرين، ولا يخافون أن يُستغلُّوا، كما أنَّهم لا يشعرون بالخجل أمام الآخرين الذين يشاطرونهم مشاعر الحاجة، وهم يتقبَّلون برحابة فكرة أنَّ الآخرين يعتمدون عليهم، كما يتقبَّلون اعتمادهم على الآخرين.

التعلق الخاص بك جودة علاقاتك

2. لديهم شعور قوي بالذات:

إنَّهم يعرفون مَن هم وهم مرتاحون بشأن حقيقتهم، ولا يبالون فيما إذا كان سيقبلهم الآخرون أم لا؛ وذلك لأنَّه في حال لم يُقبَلوا، فهم يعرفون أنَّهم سيكونون مقبولين في مكان آخر، وهم يسعون نحو المكان الذي يُقبَلون فيه، ولنفس الأسباب، لا يخشون الوحدة ولا يكافحون من أجل تجنبها؛ بل يركِّزون على العثور على الأشخاص الأكثر ملاءمة لهم دون تغيير أنفسهم مدركين أنَّه من خلال تطوير هذه العلاقات، فلن يشعروا بالوحدة أبداً.

3. يوازنون بين الاعتماد على الآخرين والاستقلال الذاتي:

كما ذكرنا، لا يخشى هؤلاء الأشخاص من الاعتماد على الآخرين، لكنَّهم يوازنون هذه الحاجة من خلال شعور قوي باستقلاليتهم، فإنَّهم يعرفون كيف يعتنون بأنفسهم جيداً، ويعرفون متى يمكنهم الاعتماد على الآخرين عندما يكون ذلك مُمكناً، وبذلك يُخفِّفون من أعبائهم.

إقرأ أيضاً: كيف تمنع التعلق غير الآمن من تدمير حياتك العاطفية؟

تحويل نمط التعلق:

ما يهم الآن هو أن تتعرَّف إلى نمط التعلق الذي تتَّبعه، وتلتزم بتغيير هذا النمط إذا كان لا يتناسب مع الأسلوب الآمن، فمع أنَّ العلم قد قسَّم أنماط التعلق إلى فئات، فإنَّه لحسن الحظ، لم يقرِّر أنَّ أحداً يولَد ولديه استعداد مسبق لتبنِّي نمط على حساب الآخر؛ بل كل ما في الأمر أنَّنا طورنا أنماطنا مع مرور الوقت.

وهذا أمر هام جداً؛ وذلك لأنَّه يعني أنَّك تستطيع تغيير نمطك، وبالطبع، لن يكون تغيير النمط أمراً سهلاً وسريعاً، لكنَّه ممكن، وإليك هذه الطريقة، في كل مرة تجد نفسك فيها تتحدث عن نفسك أو عن شخص تعرفه، تمهَّل قليلاً، وأجب عن هذين السؤالين:

  1. هل تفكيري منسجم مع تفكير شخص آمن يتمتع بعلاقات قوية؟
  2. إذا كان الجواب لا، فكيف سيفكِّر هذا الشخص؟

بعد أن تجيب عن هذين السؤالين، لا يتبقَّى عليك سوى أن تكون الشخص الذي تريده.

المصدر




مقالات مرتبطة