كيف يؤثِّر الحمل العاطفي في وظيفتك المعرفية؟

ما الذي يخطر في بالك عند سماع كلمة "حمولة"؟ إن لم تكن تنتظر في خط التحقق الأمني في المطار، فإنَّ هذا المصطلح سيسبب لك شعوراً بعدم الراحة، وقد يكون هذا ناجماً عن أسباب عدة.



ربما تعرف صديقاً مقرباً أو فرداً من عائلتك لديه حمل عاطفي يؤثِّر فيه سلباً أو له آثار ضارة فيمن حوله، أو ربما لكونك مدركاً لحملك العاطفي؛ لكنَّك لم تعالجه بعد لكونك لست متأكداً من أين تبدأ.

يرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى أنَّ مصطلح "الحمل العاطفي" (emotional baggage) موصوم بالعار؛ إذ إنَّه غالباً ما يُستخدم لوصف آثاره السلبية علينا عوضاً عن تحديد أسباب هذا "الحمل" – جذر المشكلة – في المقام الأول، وفي كثير من الأحيان، معالجة المشكلة الجذرية للحمل العاطفي نفسه توصم بالعار بذات القدر؛ لأنَّنا عندما نعترف بـ "حملنا العاطفي"، فإنَّنا نعترف لأنفسنا - إلى حد ما - أنَّ وظائفنا الإدراكية أو المعرفية بحاجة إلى إصلاح.

قد يكون الاعتراف بحملنا العاطفي أمراً مخيفاً، لكنَّ رفضنا القيام بذلك يمكن أن يتسبب في آثار سلبية للغاية في وظائفنا المعرفية والإدراكية، و"الحمل العاطفي" هو عبارة عن مجموعة من المشكلات التي تراكمت وتُركت لتتفاقم في أذهاننا؛ لأنَّنا لم نجد أو نطور طرائق للتعامل مع هذه الضغوطات، سواء كان ذلك بسبب القلق أم الحزن أم لأسباب مالية أم عاطفية أم حتى لأسباب أخرى؛ إذاً "الحمل العاطفي" يدفعنا إلى تبني عادات تفكير سلبية عوضاً عن تبني الإيجابية منها.

تأثير الحمل العاطفي في اتخاذ القرار:

غالباً ما تكون عملية اتخاذ القرار محكومة بمشاعرنا تجاه القرار ذاته، عوضاً عن التفكير بعقلانية فيه؛ إذ يقودنا هذا في أغلب الأحيان إلى اتخاذ قرارات بناءً على عاطفتنا، أو بناءً على شعورنا حيال النتيجة المحتملة للقرارات التي نتخذها.

في حين يُفترَض أنَّ استبعاد المشاعر من هذه العملية يمكن أن يعطي نتيجة أكثر "موضوعية"، فمن الممكن أن يؤدي استبعاد العاطفة أو المشاعر من عملية اتخاذ القرار إمَّا إلى اتخاذ قرار يُنمُّ عن قصر النظر أو "الشلل التحليلي" (Analysis Paralysis).

في الواقع، غالباً لا يدرك الأشخاص الذين لديهم حمولة عاطفية اتخاذهم قراراتٍ "موضوعية"؛ لأنَّ عواطفهم مستبعدة من عملية اتخاذ القرار؛ وذلك لأنَّ عواطف هؤلاء الناس ومشاعرهم تخيِّم عليها المشكلات المزمنة التي يسببها لهم حملهم العاطفي.

نحن عندما نفكر ملياً ونصغي إلى ما تخبرنا به عواطفنا في أثناء عملية اتخاذ القرار، فإنَّنا لا نصغي فقط إلى الجزء من دماغنا المسؤول عن إعلامنا بمدى أهمية القرار ونتائجه؛ لكنَّنا نبدأ أيضاً في الإقرار بمشاعرنا، ومن خلال القيام بذلك، يمكننا التمييز بين ما نشعر به عاطفياً ولمَ يحدث ذلك.

عندما نرفض الاعتراف بمشاعرنا – خاصة تلك التي تشكل قيوداً في العقل الباطن وتحجب إمكاناتنا الحقيقية – فإنَّنا نبقي أنفسنا محاصرين في دائرة إحباط الذات.

إقرأ أيضاً: 7 أفكار غير عقلانية تعطل حياتك

تأثير الحمل العاطفي في حل المشكلات:

المشاعر السلبية التي نحملها تدفعنا إلى بناء حواجز وهمية حولنا في كثير من الأحيان؛ وذلك بسبب مشكلات الماضي التي شكلت ذلك الحمل العاطفي؛ إذ نؤكد لأنفسنا أنَّ تلك المشكلات أدت دوراً كبيراً في تشكيل هويتنا وعاداتنا وسلوكنا وحتى طريقة تفكيرنا وتصرفنا عند القيام بذلك، فإنَّنا نخدع أنفسنا لا شعورياً للاعتقاد بأنَّنا ضحية قصة حياتنا، عوضاً عن كوننا أبطالها.

هذا بدوره يتسبب في ظهور مشكلات جديدة في حياتنا تبدو أكثر صعوبة مما هي عليه بالفعل، ولأنَّنا لم نتعلم بعد كيف نتعامل مع عواطفنا أو مشاعرنا معاملة صحيحة، فإنَّنا نشعر بعدم القدرة على معالجة هذه المشكلات الجديدة أيضاً.

تصف الكاتبة "كارول وارد" "Karol Ward" الحمل العقلي أو العاطفي في كتابها "مرض القلق: التحرر من القلق المزمن لتحقيق الصحة العقلية والبدنية" (Worried Sick: Break Free From Chronic Worry to Achieve Mental & Physical Health) بأنَّه "الميل إلى اجترار الأفكار أو التفكير السلبي في قضايا الماضي أو الحاضر التي لم تُحل".

تتابع لتصف كيف أنَّ الذين يثقلون كاهلهم بالحمل العاطفي تظهر عليهم أعراض جسدية، كالشد العضلي وآلام المعدة والصداع، وتُرجع الكاتبة ذلك إلى أنَّ ثقل الحمل العاطفي يشبه لدرجة كبيرة حملنا لحقيبة مليئة بمشكلاتنا في أثناء قضاء يومنا.

يؤدي بنا هذا إلى حلقة مفرغة: حملنا العاطفي هو عبارة عن مجموعة من المشكلات السابقة التي واجهناها؛ لكنَّنا لم نعالجها أو لم نعمل على تجاوزها تجاوزاً صحيحاً بعد؛ إذ إنَّ الحمل العاطفي ذاته يمنعنا عن معالجة المشكلات وحلِّها حلاً بنَّاء.

شاهد بالفيديو: 7 أساليب فعالة يستخدمها الأشخاص الأذكياء لحل المشكلات

يمكن أن يؤثِّر الحمل العاطفي في أدائنا بطرائق أخرى أيضاً:

ما ذُكِر آنفاً ليس سوى مثالين عن الطرائق التي يمكن أن يؤدي بها إثقال أنفسنا بالحمل العاطفي إلى تعطيل الوظيفة الإدراكية أو المعرفية لدينا، وفيما يأتي عدد من الطرائق الأخرى التي يمكن أن يتجلى أو يعوقنا بها الحمل العاطفي:

  • تدنِّي مستوى الثقة بالنفس أو السعادة أو الحماسة.
  • ازدياد مشاعر القلق أو الغضب أو الاكتئاب أو الخوف أو الوحدة.
  • عدم القدرة على التركيز على العمل أو الاهتمامات أو الهوايات.
  • رفض معالجة الضغوطات أو المسببات أو البوح بهما للذات أو للآخرين.
  • انعدام الإصرار أو الالتزام بالتغييرات الإيجابية في الحياة.

التعافي باستخدام "شيفرة العاطفة" (Emotional Code):

من الهام التذكر أنَّ عواطفك والمشاعر المرتبطة بها حقيقية كيفما كان حملك العاطفي يظهر أو يؤثِّر في حياتك، ومن الهام أيضاً تذكير نفسك بأنَّه لمجرد أنَّ هذه المشاعر هي جزء منك، فهذا لا يعني أنَّها تحدد من أنت بالضرورة.

الاعتراف بحملنا العاطفي هو الخطوة الأولى نحو التحسين الذاتي الواعي؛ لكنَّ عملية المعالجة والشفاء من ذلك الحمل العاطفي تختلف من شخص لآخر، ويمكنك البدء في تحويل معتقدات الانتقاص الذاتي خاصتك إلى مشاعر تساعدك على تمكين الذات من خلال السماح لنفسك بتحديد العواطف والمشاعر المرتبطة بحملك العاطفي.

إقرأ أيضاً: التعافي بعد الصدمة

إحدى الأدوات هي تمرين ذو شقين يشار إليه باسم "شيفرة العاطفة والجسد" (The Emotion Code and Body Code)، وهو أحدث الابتكارات في مجال العلاج الحيوي الذي طوره الدكتور برادلي نيلسون (Bradley Nelson)؛ إذ إنَّ كُتُبَه تسلِّط الضوء بالطريقة ذاتها على الأعمال الدقيقة للعقل اللاواعي وعلاقته بتأثير الأحداث المشحونة عاطفياً في حياتنا في أذهاننا وجسمنا وعاداتنا وأفعالنا وإدراكنا وأكثر من ذلك، واعتمد المئات من ممارسي العلاج في جميع أنحاء العالم نهج الدكتور نيلسون في العلاج بالطاقة الحيوية.




مقالات مرتبطة