كيف نجعل ضغوطات الحياة جزءاً من النجاح لا عائقاً؟

أصبح الضغط العصبي رفيقاً لنا في معظم مراحل حياتنا، في ظلِّ إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه اليوم؛ ممَّا زاد أعبائنا النفسية وجعلنا مُحاصرين بضغوطات تُتعب الفكر والجسد. يختلف الأشخاص في التعاطي مع هذه الضغوطات، فمنهم من يواجهها ويجعل منها حافزاً للتحدي والوصول، ومنهم من وينهار أمامها ويستسلم.



أنواع ضغوطات الحياة:

الضغط هو توتر الجسم الناتج عن استجابته لحالة معيَّنة؛ إذ يستجيب كل إنسان للضُّغوطات بشكل مختلف؛ حيث يمكن لبعضها التي تُسبِّب التوتر لشخص ما، ألا تُسبِّب أي شيء لشخص آخر. من أنواع الضغوط:

  1. ضغوطات الحياة اليومية: وهي الضغوطات التي تحدث خلال يومنا العادي، مثل المشاكل العائلية والضغوط المادية والاجتماعية والدراسية والعاطفية والمهنية.
  2. ضغوطات غير عادية: وهي التي تحدث فجأة، مثل حادث مؤلم أو كارثة طبيعية.
  3. ضغوطات قصيرة الأمد: أي أن يتعرض الإنسان لمشكلة ما تستمر فترة قصيرة، كأن يُعاني خسارة مادية أو موت شخص قريب، ثمَّ يتجاوز الأمر مع مرور الوقت.
  4. ضغوطات طويلة الأمد: وهي التي يتعرض لها الإنسان وتؤثِّر عليه مدة طويلة، كأن يُصاب بمرض مزمن، أو يخسر شيئاً لا يمكن أن يُعوِّضه.

مظاهر ضغوطات الحياة وتأثيراتها:

لضغوطات الحياة تأثيرات كثيرة في الإنسان؛ منها:

  • تأثيرات نفسية: تؤثِّر ضغوطات الحياة تأثيراً كبيراً على الحالة النفسية للإنسان، حيث أنَّ أول مظاهرها أن يتحول إلى شخص عصبي سريع الغضب والاستثارة، وقد يُعاني حزناً واكتئاباً فيقلُّ حماسه للحياة، ويميل للوحدة والانعزال.
  • تأثيرات فيزيولوجية: عندما يتعرض الإنسان لضغوطات الحياة، تبدأ وظائف جسمه بالتفاعل مع هذا الأمر لمساعدته على مواجهة الضغوطات؛ لذا قد تؤدي حالة التوتر هذه إلى ارتفاع ضغط الدم، أو الإصابة بأمراض القلب والسُّكر.
  • تأثيرات سلوكية: تتأثر سلوكات الإنسان بالضغوط فتنخفض قدرته على الإنجاز، ويميل للتكاسل وتأجيل العمل، وتنخفض رغبته بالتعلُّم واكتساب المهارات، وقد يشعر برغبة في إنهاء علاقاته الاجتماعية والعائلية.
إقرأ أيضاً: ما هي الضغوطات الخفية للتكنولوجيا التي يجب عليك معرفتها؟

طرائق التعامل مع ضغوطات الحياة:

ينصح أخصَّائيو علم النفس ببعض النصائح، ومنها:

  • تقبَّل التعب: من أسرار النجاح في الحياة وأهم قواعد تجاوز ضغوطاتها، والإيمان بأنَّه لا نجاح دون متاعب ومصاعب؛ إذ لا يمكن أن تصل ما تُريد دون عقبات تعترض طريقك. التفكير بأنَّ الضغوط أمر طبيعي يجعلك أكثر مرونة في تقبُّلها والتعاطي معها دون أن تؤثِّر في توازنك النفسي؛ بل إنَّ ذلك يقوي فيك الإرادة لمواجهتها.
  • قسِّم واجباتك: من أهم خطوات تخفيف الشعور بالضغوط أن تعترف بعدم إمكانية إنجاز كل الواجبات في الوقت نفسه، لذا عليك أن تقوم بتنظيم الوقت وتقسيمه بين واجباتك ومهامك، بحيث تنجزها دون أن تشعر بالضغط.
  • تحدث عمَّا يزعجك: أي عليك بمشاركة ما يُزعجك مع أحد أفراد العائلة أو مع صديق مقرَّب وعدم كتمانه في داخلك، فذلك من الأشياء التي تُساعد في تخفيف شعورك بالضيق والضغط.
  • مارس بعض الهوايات: تستطيع أن تخفف من أعباء الحياة وضغوطاتها بأن تُمارس هواية تُحبها؛ كالموسيقى أو الرسم أو العزف أو الصيد أو أي أمر آخر يستهويك؛ حيث يجعلك ذلك تنسى ما في رأسك من ضغوط.
  • خُذ حمَّام ماء ساخن: أثبتت التجارب أن اللجوء إلى حمَّام ماء ساخن من أكثر الأشياء التي تُريح الأعصاب؛ فالاستماع إلى أصوات المياه المتدفقة ومراقبتها، وتساقط الماء الساخن على الرأس والجلد؛ يبعث شعوراً بالاسترخاء.
  • مارس تمارين اليوغا والتنفس: ينصح خبراء علم الطاقة واليوغا بممارسة تمارين اليوغا والتنفس العميق عند الشعور بضغط نفسي، وذلك بأخذ شهيق عميق من خلال الأنف وحبس النفَس للحظة، ثمَّ إخراج الزفير من الفم بهدوء؛ وذلك بالإضافة لممارسة التمارين بمعدل 5 إلى 10 دقائق مع المحافظة على انتباهك في أثناء التنفس، أي أن تشعر بالهواء كيف يتدفَّق في جميع أنحاء جسمك.
  • حدِّد أهدافاً واضحة: أن يكون للإنسان أهداف واضحة ومحددة، من شأنه أن يُخفف عنه أعباء الطريق إليها، بمعنى أنَّه مهما واجهت من مصاعب وضغوطات سوف تتحملها وتُصمم على تجاوزها؛ ذلك لأنَّك تعلم أنَّها جزء من الطريق نحو هدفك المنشود.
  • خُذ قسطاً من الراحة: مهما كان حجم العمل المطلوب منك إنجازه، لا يجب أن تنسى أخذ قسط من الراحة بين ساعات العمل، بحيث لا تصل مرحلة من الضغط تشعر فيها أنَّك استنفذت كامل طاقاتك وأصبحت غير قادر على المتابعة.
  • استمع إلى الموسيقى: أثبتت الدراسات والتجارب الحديثة تأثير الموسيقى الهادئة -خاصة الكلاسيكية- على الحالة الشعورية للإنسان وما تبعثه من استرخاء وهدوء في الأعصاب.
  • تناول غذاءً صحياً: يُؤثِّر نمط الغذاء الصحي (كالخضار والفواكه والسمك) في خلايا الدماغ ونشاطه، ممَّا ينعكس إيجاباً في تفكيرك وقدرتك على الاستيعاب والتحمل، بينما يجعل الغذاء غير الصحي (كالوجبات السريعة والتدخين وشرب الكحول) جهازك العصبي في حالة توتر دائم، ليكون أكثر استعداداً لتضخيم مشاعرك السلبية.
  • اضحك: يُفرز الجسم عند الضحك هرمون الأندروفين الذي يحسِّن المزاج، ويقلل إنتاج هرموني الكورتيزول والأدرينالين اللذين يفرزهما الجسم في حالات الضغط والتوتر؛ لذا عند شعورك بضغوطات الحياة تتسلل إليك، جرِّب أن تجلس وتُشاهد فيلماً كوميدياً، أو قم بزيارة لأحد أصدقائك المعروفين بخِفَّة الظل.
  • ابتعد عن المنبِّهات: حاول الابتعاد أو التقليل من المنبهات والكافيين؛ ذلك لأنَّها ترفع الضغط وتزيد التوتر، واستبدلها بمشروبات عشبية تمدُّك بالطاقة وتُهدئ أعصابك؛ كالشاي الأخضر الذي يحتوي على كثير من مضادات الأكسدة والأحماض الأمينية المفيدة للجسم.
  • نم جيداً: يجب الابتعاد عن السهر والحرص على نوم عدد ساعات كافية؛ فالنوم من أكثر الأشياء تأثيراً في الجملة العصبية للإنسان.
  • واظب على الرياضة: احرص على جعل الرياضة جزءاً لا يتجزأ في حياتك، بحيث تُمارسها يومياً أو بمعدل ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، وذلك لما لها من دور في تفريغ الطاقة السلبية التي تولِّدها فيك ضغوطات الحياة، حيث أشارت دراسة نشرتها منظمة (Help Guide) إلى أنَّ الرياضة -خاصة المشي- تُساعد في التخلص من التوتر والضغوطات النفسية.
  • دوِّن همومك: من الوسائل التي ينصح فيها المعالجون النفسيون للتخلص من التوتر والضغط النفسي، أن تمسك ورقة بيضاء وتُفرغ فيها كل ما تشعر به من حزن وضيق صدر، ما إن تنتهي من الكتابة حتى تشعر أنَّك أزحت عن صدرك ثقلاً كبيراً.
  • سافر مبتعداً عن الضغط: عندما تشعر أنَّ الضغوطات أصبحت كثيرة، ما عليك إلَّا أخذ إجازة من العمل، وحزم أمتعتك والسفر إلى مكان ما؛ فالسفر من أفضل الطرائق لشحن طاقة الإنسان، وتغيير مزاجه ومنحه السعادة ليعود لممارسة أعماله بحيوية ونشاط.
  • قم بزيارة إلى معالج نفسي: إن لم يستطع الإنسان السيطرة على حالة الضغط النفسي الذي يعيشه، وبدأت آثاره تتملَّك منه (عصبية وانفعال واكتئاب)، ولم تُجدي الوسائل السابقة نفعاً؛ هنا لابدَّ من زيارة استشاري أو معالج نفسي لطلب المساعدة.
إقرأ أيضاً: تعزيز صحة القلب والذهن و4 أسباب أخرى تجعل السفر مفيداً

هل يوجد فوائد للضغوطات؟

رغم كل الجوانب السلبية للضغوطات، لكنَّ ضغوط الحياة في مستويات معتدلة تنطوي على بعض الإيجابيات؛ مثل:

1. تعزيز قدرات العقل:

تُحفِّز ضغوطات الحياة المنخفضة على تحفيز إنتاج المواد الكيمائية في المخ. يقول الدكتور ريتشارد شيلتون (نائب رئيس البحوث في قسم الطب النفسي في جامعة ألاباما ببرمنغهام): إنَّ الضغوطات النفسية تُساعد وتُحفِّز الإنسان في زيادة الإنتاج والتركيز، ويُمكن أن تُعزز من الذاكرة ودرجات التعلُّم.

2. تُحسِّن الجهاز المناعي:

وجدت دراسة أُجريت عام 2012 على الفئران، أنَّ الضغط العصبي المعتدل أدى إلى إنتاج عدة أنواع من الخلايا المناعية في مجرى الدم؛ فالجسم عندما يتعرض لضغط عصبي، يستعد لتلقِّي الإصابة بإفراز "الإنترليوكينات"، وهي مواد كيمائية تُساعد في تنظيم جهاز المناعة.

3. المرونة:

يزيد تعرُّض الإنسان للضغوطات النفسية وسيطرته عليها ونجاحه في تجاوزها، مرونته في تقبُّل الضغوط وكيفية التعامل معها.

4. التحفيز للنجاح:

قد تكون الضغوطات حافزاً للنجاح وإنجاز المهام؛ فتفكير الطالب مثلاً باقتراب الموعد النهائي لتسليم الوظائف، يُحفِّزه على العمل بسرعة أكبر وإنتاجية أكثر.

5. تنمية الجنين:

قد نعتقد جميعاً أنَّ شعور الحوامل بالضغوط يؤثِّر سلباً في الجنين؛ لكنَّ دراسة أجريت عام 2006 أثبتت أنَّ أطفال الأمهات اللواتي تعرَّضن إلى مستويات خفيفة ومعتدلة من ضغط عصبي في أثناء الحمل، أظهروا مهارات حركية وتنموية -في عمر السنتين أفضل- من مهارات الأطفال الذين لم تتعرض أمهاتهم لضغط عصبي.

شاهد بالفيديو: ماذا يجب عليك أن تفعل عندما تكون غارقاً في ضغوطات ومشاغل الحياة؟

في الختام "كيف أجعل من ضغوطات الحياة حافزاً للنجاح؟":

يقول البروفيسور ريتشارد بيتو من جامعة أكسفورد: "إنَّ القلق لا يقتل، لكنَّ ردود الفعل هي التي تؤثِّر، مثل اللجوء إلى التدخين أو شرب الكحول وما شابههما".

تقول الدكتورة كيري ماكونيغال (قسم علم النّفس بجامعة ستانفورد): "وُلدنا بكثير من الغرائز كي نحمي أنفسنا من الضغوطات، فإن استطعت أن تتعامل معها بإيجابية وطريقة مختلفة، سوف تتمكن من تُغيِّر تأثيراتها في حياتك".

إنَّ الأحلام الكبيرة تقابلها تحديات كبيرة يجب أن نتقبَّلها ونعمل على تجاوزها، دون أن نسمح لها بإحباطنا أو جعلنا نستسلم، لذا يجب أن نتذكر دائماً "أنَّ طريق النجاح ليس مفروشاً بالورود، إنَّما بمصاعب وتحديات، وكلما صعُب الطريق، كلما ازدادت متعة الوصول".

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة