كيف توظف القيادة الخدمية لاستبقاء موظفيك في الشركة؟

ظهر مصطلح "القيادة الخدمية" منذ ما يقرب الـ 50 عاماً في مقال كتبه روبرت ك. جرينليف (Robert K. Greenleaf)، مؤسِّس حركة القيادة الخدمية الحديثة ومركز جرينليف (Greenleaf) للقيادة الخدمية، ومنذ ذلك الحين، سار عالم الأعمال بخطوات بطيئة، لكن ثابتة، لتبنِّي مفهوم التعاطف في القيادة.



على مدار السنوات القليلة الماضية، رأينا نخبة الشركات مثل: متجر زابوس (Zappos) الإلكتروني لبيع الألبسة والأحذية، وسلسلة متاجر هول فود (Whole Foods) للمنتَجات العضوية، وشركة التخزين والتنظيم كونتينر ستور (Container Store) تعلن عن اعتناقها لهذه الفلسفة.

وفي أواخر عام 2016، دخلت سلسلة متاجر القهوة ستاربكس (Starbucks) التصنيف العالي عندما وصفت مديرها التنفيذي الجديد بأنَّه "قائد خدمي بحق"، موضِّحةً أنَّه يُجسِّد الخصائص التي تريد الشركة رؤيتها في جميع قادتها.

وعلى الرغم من أنَّ شعبية القيادة الخدمية قد أخذت بالانتشار؛ لكن ما زال يُساء فهمها تماماً حتى الآن.

ما هي القيادة الخدمية بالضبط؟

ما إن يسمع بعض الناس كلمة "خدمية" حتى يفترضوا خطأً أنَّ القادة الخدميين هم أتباع لموظفيهم؛ حيث يتوجب عليهم تنفيذ كل ما يُطلب منهم، ومستعدون للتضحية بسلامة الشركة لمنح الموظفين ما يريدون.

في الواقع، تقع على عاتق القادة الخدميين مسؤولية كبيرة تجاه شركاتهم؛ فهم ليسوا مجرد متسلطين يديرون كل مَن حولهم؛ لكنَّهم مستمعون فعالون ومتواضعون ومتعاطفون، ويسعون إلى تحقيق أفضل توازن بين النمو التنظيمي وميزات الراحة النفسية.

يخلق نهج القيادة الخدمية جواً يعزز التقدم الشخصي والمهني، يتحلى فيه الموظفون بحرية التعبير ويَلقون آذاناً صاغيةً، ويَتمُّ كل ذلك في أثناء تلقيهم إرشاداً من قائد أعمال قوي وجدير بالثقة.

ليس من الغريب أن يَنتج عن القيادة الخدمية مشاركة عالية وانخفاض في معدل دوران العمالة، وحتى زيادة في العوائد، فضلاً عن أنَّها تبني سمعةً إيجابيةً للعلامات التجارية، وتستقطب أفضل المواهب إليها.

فوفقاً لاستطلاع أجرته شركة أكسنتشر (Accenture) للخدمات المهنية عام 2015، قال 60% من خريجي الجامعات المشاركين إنَّهم على استعداد لقبول راتب زهيد بشرط أن تكون بيئة العمل مريحة ورائعة، ولهذا السبب تبذل شركات مثل زابوس (Zappos) وَستاربكس (Starbucks) قصارى جهدها لإخبار العالم بأنَّها من أنصار هذه الفلسفة.

سنورد فيما يلي ثلاث تقنيات للقيادة الخدمية لاستخدامها، والتي ستُبقي موظفيك للعمل لديك على الدوام:

1. التواجد الدائم:

بغضِّ النظر عن مدى انشغالك، خصِّص وقتاً للتواجد بين موظفيك خارج اجتماعات الشركة ومراجعات الأداء، فقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب (Gallup) للاستطلاعات أنَّ فِرقَ القادة المنخرطين تكون أكثر انخراطاً بنسبة 59%.

لذا جرِّب الجلوس في جلسات العصف الذهني لفريقك، فهذا ما كان يفعله بيل جيتس (Bill Gates) كقائد شاب، عندما انضم إلى فريق مبرمجي شركة مايكروسوفت (Microsoft) حين وضعوا تصوراً للعديد من المنتَجات التي أوصلت الشركة إلى ما هي عليه اليوم.

عندما تنضم إلى جلسات العصف الذهني لشركتك، تأكد من إدراك الموظفين أنَّك لن تستلم المحادثة وحدك؛ قل لهم إنَّك موجود للإصغاء بعقل متفتح وتقديم المدخلات فقط عند الضرورة القصوى، وإذا كان لديهم أية أسئلة حول كيفية ملائمة أفكارهم لأهداف الشركة الكبيرة، تفاعل معهم وأثنِ عليها؛ وإلا ستكون مجرد مراقِب غير فعال.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعدك لكي تصبح مدير ناجح

2. اتَّبع الإدارة التسهيلية وليس التفصيلية:

هناك خط رفيع بين المدير التسهيلي ونظيره التفصيلي، وكثيراً ما يُخلط بينهما، ويعلم الجميع أنَّ الإدارة التفصيلية هي أسلوب قيادة غير صحي يفضي إلى إلحاق الضرر بالموظفين والشركات؛ ولكن في الوقت نفسه لا يريد القادة أن يشعر أعضاء فريقهم بأنَّهم يعملون بمفردهم دون أيِّ توجيه.

عندما ترغب في المشاركة مع فريقك وإدارته بصورة مباشرة وفق مخطط صعب، ذكِّر نفسك أنَّ الأخطاء جزء من مشوارك لتحقيق النجاح، ناهيك عن كونها أفضل الفرص للتعلم والنمو، فإذا ذهب الفريق في المسار الخطأ، سيكتسب المعرفة التي تجعل المسار جديراً بالاهتمام، ولا بد لنا أن ننوِّه أيضاً إلى أهمية التواضع كعنصر أساسي عند اتباع هذا الأسلوب في القيادة. 

بمجرد أن تشعر بالرضا تجاه حقيقة عدم امتلاكك لكامل المعرفة، سيسهل عليك الابتعاد والسماح للخبراء في فريقك بأن يكونوا جزءاً مِن عملية صنع القرار.

لكن لا تبتعد كلياً عن المشهد؛ فوفقاً لبحث أُجرِي عام 2014، يرغب 65% من الموظفين بأن يمنحهم قادتهم مزيداً من التغذية الراجعة، وهنا يأتي دور القيادة التسهيلية؛ عُدَّ نفسك مورداً يمكنهم اللجوء إليه عندما يجربون أفكارهم، وساعدهم بالمدخلات الاستراتيجية، ومكنِّهم من اتخاذ الإجراءات ثم دعهم يكملوا عملهم بأنفسهم.

فوفقاً لكتاب "عناصر الإدارة الحكيمة" (The Elements of Great Managing)، الذي نشرته مؤسسة غالوب (Gallup)، فإنَّ الشركات التي تمكِّن موظفيها وتمنحهم الصلاحيات اللازمة، تزيد ولاء العملاء بنسبة 50%.

شاهد بالفيديو: مهام وأعمال القائد الفعّال

3. الاستفادة مِن مَواطن القوة لدى الجميع وجعلها شخصية:

عندما تركِّز قيادتك الخدمية على الموظفين عديمي الخبرة أو ذوي الأداء الضعيف فقط، فأنت تفترض بذلك أنَّهم أولى بانتباهك؛ لكن يختلف مع ذلك رائد وكوتش الأعمال، جيم رون (Jim Rohn)، فيقول: "يكمن الهدف الجيد للقيادة في مساعدة الذين يتراجع أداؤهم بغية أن يرفعوا منه، وتقديم العون للذين يؤدُّون عملهم على أتم وجه لتحسين أدائهم باستمرار".

بعبارة أخرى: يدعم القادة الخدميون جميع موظفيهم حتى كبار الموظفين المخضرمين بالعمل على توفير الأدوات والموارد والإرشادات التي تعزز مهارات الجميع وتحسِّن أداءهم.

تتمثل إحدى العناصر الأساسية للقيادة الخدمية في مساعدة الموظفين على تحسين أنفسهم كبَشرٍ، وليس فقط كمهنيين، فكلما زاد نمو قدراتهم الشخصية الفريدة، قدَّموا المزيد للشركة، وانطلاقاً من ذلك تعتمد بعض الشركات مبدأ "التركيز على الموظف قبل الأرباح" كإحدى القيم الأساسية؛ لذا يجب تكريس الكثير من الوقت والجهد في أثناء عملية التوظيف لتحديد مَواطن القوة والاهتمامات الشخصية للموظفين المرشَّحين.

وبحلول وقت تعيين الموظفين، تكون الشركة مستعدةً لمساعدتهم على النمو بطرائق ملائمة لهم ولها، مما يضمن انخراطهم في عملهم، فكما بيَّن استطلاع أجرته مؤسسة غالوب (Gallup)، أنَّه عندما يشعر الموظفون أنَّهم يعززون مَواطن قوَّتهم الشخصية بصفة يومية، يصبحون أقل ميلاً بنسبة 15% للاستقالة مِن وظائفهم.

إنَّ أفضل القادة في العالم هم الذين لا يَدَّعون الإلمام بكل شيء أو يعاملون موظفيهم بتعالٍ؛ بل هم قادة خدميون متواضعون يدركون أنَّ الشركات لا تزدهر إلا إذا شعر موظفوها بالرضا.

وعندما تصبح قائداً خدمياً، ستخلق بيئة عمل إيجابية تستقطب المواهب العظيمة وتحافظ عليها، وتحقق بفضلها النتائج المذهلة التي تبتغيها.

المصدر




مقالات مرتبطة