كيف توظف الذكاء العاطفي في بناء مهارات اجتماعية فعالة؟

نحن نصادف في علاقاتنا الشخصية أو المهنية أشخاصاً يتمتعون بمهارات إصغاء فعالة، وبغضِّ النظر عن نوع الموقف الذي يواجهونه، ينتقون العبارات المناسبة ويعرفون كيفية إيصال رسالتهم كيلا يشعر الناس من حولهم بالإهانة أو الانزعاج، ويراعي هؤلاء مشاعر الآخرين، وحتى لو لم يساعدوهم على إيجاد حل لمشكلاتهم، فَهُم يمدُّونهم بمزيد من الأمل والتفاؤل.



ولعلَّنا نعرف أيضاً أشخاصاً بارعين في التعامل مع عواطفهم، لا يغضبون في المواقف العصيبة؛ بل لديهم القدرة على دراسة المشكلة بتأنٍّ وإيجاد حل لها، ويتخذون قرارات صائبة، ويعرفون متى يثقون بحدسهم، وبغضِّ النظر عن مَواطن قوتهم، يكونون عادة صريحين أمام أنفسهم، ويتقبلون الانتقاد بروح رياضية، ويعرفون متى يوظفونه لتحسين أدائهم، وهؤلاء لديهم درجة عالية من الذكاء العاطفي، ويفهمون أنفسهم جيداً، ويمكنهم أيضاً الشعور بالاحتياجات العاطفية للآخرين.

من منا لا يريد أن يتمتع بالذكاء العاطفي كهؤلاء؟ نظراً لازدياد عدد الأشخاص المؤمنين بأنَّ الذكاء العاطفي لا يقل أهمية عن المهارات التقنية لتحقيق النجاح على الصعيد المهني، بدأت المؤسسات بالاعتماد عليه كثيراً لمعرفة من يستحق التوظيف أو الترقية.

قامت إحدى شركات مستحضرات التجميل المشهورة مؤخراً بمراجعة عملية توظيف مندوبي المبيعات لاختيار مرشحين بناء على ذكائهم العاطفي، فحقق الأشخاص الذين عُيِّنوا في النظام الجديد مبيعات وصلت إلى 91 ألف دولار مقارنة بمندوبي المبيعات الذين عُيِّنوا باستخدام النظام القديم، وكان هناك أيضاً انخفاض ملحوظ في معدل دوران العمالة بين المجموعة المختارة لتمتُّعهم بالذكاء العاطفي.

إذاً ما الذكاء العاطفي بالضبط، وما الأمور التي تحسِّنه؟

ماهو الذكاء العاطفي؟

تختلف رغباتنا واحتياجاتنا وكيفية التعبير عن عواطفنا مع اختلاف شخصياتنا؛ لذا يتطلَّب التعامل مع هذه الأمور اللباقة والذكاء، خاصة إذا كنا نأمل النجاح في الحياة، وهنا تظهر أهمية الذكاء العاطفي.

فالذكاء العاطفي هو القدرة على تحديد عواطفك وفهم منشئها وإدراك أثرها في الأشخاص من حولك، كما يتمحور حول كيفية رؤيتك للآخرين؛ حيث يتاح لك إدارة العلاقات بفاعلية أكبر عندما تفهم حقيقة مشاعرهم.

ينجح الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي عادةً في معظم الأمور التي يقومون بها؛ وذلك لأنَّ الجميع يرغب في العمل إلى جانبهم، ولا يتوانون في التواصل معهم، ودائماً يحصلون على المساعدة عندما يحتاجون إليها؛ وذلك لأنَّهم يُشعِرون الآخرين بالرضا، ويعيشون حياتهم من دون مشقَّة مقارنة بالأشخاص سريعي الغضب والانزعاج.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي: تعريفه، ومكوناته، وأهميته في القيادة

خصائص الذكاء العاطفي:

وضع عالم النفس "دانيال غولمان" (Daniel Goleman) في كتابه "الذكاء العاطفي وسببه كونه أكثر أهمية من حاصل الذكاء" (Emotional Intelligence - Why It Can Matter More Than IQ)،  خمسة أركان تحدد الذكاء العاطفي وهي:

  1. الوعي الذاتي: يدرك الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي عادة ذواتهم ويفهمون عواطفهم؛ ولهذا السبب لا يسمحون لمشاعرهم بالسيطرة عليهم؛ بل يتمتعون بالثقة في أنفسهم؛ وذلك لأنَّهم يثقون بحدسهم ولا يسمحون لعواطفهم بالخروج عن نطاق السيطرة، ولا يخشون أن يروا أنفسهم على حقيقتها، ويعرفون مَواطن قوتهم وضعفهم، ويحسِّنونها كي يتمكنوا من تقديم أفضل أداء، ويعتقد الكثيرون أنَّ هذا الوعي الذاتي هو أهم جزء من الذكاء العاطفي.
  2. التنظيم الذاتي: هو القدرة على التحكم بالعواطف والاستجابات؛ حيث لا يسمح الأشخاص المنظَّمون ذاتياً لأنفسهم بالغضب الشديد أو الغيرة، ولا يتخذون قرارات متهورة وغير مدروسة؛ بل يفكرون ملياً قبل فعل أيِّ شيء، وتشمل خصائص التنظيم الذاتي: التفكير وقبول التغيير والنزاهة والقدرة على الرفض.
  3. الدافع: من السهل تحفيز الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء العاطفي، كما أنَّهم صبورون على النجاح الذي قد يحتاج إلى وقت طويل، وهم ذوو إنتاجية عالية ويحبون التحدي، ويقومون بكل شيء بفاعلية.
  4. التعاطف: ربما يكون هذا ثاني أهم ركن من أركان الذكاء العاطفي، فالتعاطف هو القدرة على التعرف إلى رغبات من حولك واحتياجاتهم ووجهات نظرهم واستيعابها، فالأشخاص المتعاطفون بارعون في التعرف إلى مشاعر الآخرين، حتى عندما تكون هذه المشاعر مبهمة؛ ولهذا السبب، عادة ما يكون الأشخاص المتعاطفون ماهرين في إدارة العلاقات والإصغاء والتواصل مع الآخرين، ويتجنبون التنميط والحكم على الأمور دون تروٍّ، ويعيشون حياةً صريحةً وصادقة.
  5. المهارات الاجتماعية: عادة ما يكون من السهل التحدث إلى الأشخاص ذوي المهارات الاجتماعية الجيدة والإعجاب بهم، فالمهارات الاجتماعية علامة أخرى على الذكاء العاطفي العالي؛ حيث يتمتع الذين يمتازون بمهارات اجتماعية فعالة بروح الجماعة، فبدلاً من أن يعطوا الأولوية لنجاحهم، يساعدون الآخرين على التطور والتألق، كما يمكنهم حل النزاعات، ويتمتعون بمهارات تواصل ممتازة، وهم بارعون في بناء العلاقات والحفاظ عليها.

ربما أصبحت متأكداً من أنَّ الذكاء العاطفي هو السبيل لبلوغ النجاح في حياتك وخاصة من الناحية المهنية؛ حيث تُعدُّ القدرة على إدارة الأشخاص والعلاقات مهارة جوهرية لا بد لجميع القادة من امتلاكها؛ لذا يمكن أن يكون تطوير ذكائك العاطفي وتوظيفه طريقة جيدة ليتمكن الآخرون من رؤية القائد فيك.

شاهد بالفيديو: أركان الذكاء العاطفي الستة (طرق رفع الذكاء العاطفي)

كيف تحسِّن ذكائك العاطفي؟

لحسن الحظ يمكنك تعلُّم الذكاء العاطفي وتطويره، فبالإضافة إلى العمل على مهاراتك في المجالات الخمسة المذكورة آنفاً، استخدم هذه الاستراتيجيات:

  • ملاحظة كيفية تفاعلك مع الآخرين: إن كنت تتسرع في إطلاق الحكم قبل أن تطَّلع على جميع الحقائق، ولديك صورة نمطية عن الآخرين، فعليك النظر بصدق إلى طريقة تفكيرك وتفاعلك معهم؛ لذا حاول أن تضع نفسك في مكانهم، وكن أكثر انفتاحاً وتقبلاً لوجهات نظرهم واحتياجاتهم.
  • مراقبة بيئة عملك: إن كنت تسعى إلى لفت نظر الآخرين إلى إنجازاتك، فكن متواضعاً، لكن انتبه، يختلف التواضع عن الخجل والافتقار إلى الثقة بالنفس، فعندما تدرِّب نفسك على التواضع؛ فهذا يعني أنَّك تعي ما تفعل، ويمكنك أن تكون واثقاً بشأنه تماماً؛ لذا امنح الآخرين فرصة للتألق وركز عليهم، ولا تقلق كثيراً بشأن الثناء على نفسك.
  • إجراء تقييم ذاتي: جرب أحد اختبارات الذكاء العاطفي لمعرفة ما هي موَاطن ضعفك، وما إن كنت على استعداد لتقبُّل عدم المثالية وأنَّه يمكنك العمل على بعض الجوانب لتحسين نفسك؛ لذا تحلَّ بالشجاعة للنظر إلى نفسك بصدق فقد يغير ذلك حياتك.
  • مراقبة كيفية تفاعلك مع المواقف العصيبة: هل تشعر بالضيق في كل مرة يتأخر فيها أمر أو لا يحدث كما ترغب؟ هل تلوم الآخرين أو تغضب منهم حتى لو لم يكن الخطأ خطأهم؟ يحظى كل من القدرة على الحفاظ على الهدوء والسيطرة في المواقف الشائكة بتقدير كبير ضمن عالم الأعمال وخارجه؛ لذا أبقِ عواطفك تحت السيطرة عندما تسوء الأمور.
  • تحمُّل مسؤولية أفعالك: إذا جرحت مشاعر شخص ما، فاعتذر مباشرة له ولا تتجاهل ما فعلته أو تتجنب ذلك الشخص، فعادةً ما يكون الناس أكثر استعداداً للتسامح والنسيان إن كنت صادقاً في محاولتك لتصحيح الأمور.
  • مراقبة كيفية تأثير أفعالك في الآخرين قبل الإقدام على أي عمل: إذا كان قرارك سيؤثر في الآخرين، ضع نفسك في مكانهم، فكِّر كيف سيشعرون نتيجة تصرفك وما إن كنت تريد خوض هذه التجربة، وإذا كان لا بد من اتخاذ ذاك الإجراء، ففكر كيف يمكنك مساعدة الآخرين على التعامل مع آثاره.
إقرأ أيضاً: 8 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطفي

الخلاصة:

صحيح أنَّ الذكاء العادي هام للنجاح في الحياة، بيد أنَّ الذكاء العاطفي هو مفتاح التواصل الجيد مع الآخرين وتحقيق أهدافك؛ حيث يعتقد الكثير من الناس أنَّه لا يقل أهمية عن الذكاء العقلي، وتستخدم العديد من الشركات الآن اختبار الذكاء العاطفي لتعيين موظفين جدد.

الذكاء العاطفي هو إدراك لأفعالك ومشاعرك وكيفية تأثيرها فيمن حولك؛ مما يعني أيضاً أنَّك تقدر الآخرين وتهتم برغباتهم واحتياجاتهم وتكون قادراً على التعاطف معهم أو التعاطف معهم على مستويات عدة مختلفة.

المصدر




مقالات مرتبطة