كيف تنظم وقت الفراغ للحصول على أكبر استفادة منه؟

أظهرَت دراسة حديثة أنَّ الأشخاص الذين يرَون في وقت الفراغ مضيعةً للوقت، هم أكثر عرضة للقلق واختبار مشاعر الاكتئاب والتوتر، فَعَدُّ وقت الفراغ مضيعة للوقت في الواقع يضر بسلامتنا الذهنية، وتقول الدراسة إنَّه حتى دون خطط بديلة، فإنَّ هؤلاء الأفراد ما زالوا لا يستمتعون بنشاطات ترفيهية غير منتجة ولم يجدوا الكثير من المرح في حياتهم عموماً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الاختصاصية النفسية "بيربيتوا نيو" (Perpetua Neo)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في الاستفادة من وقت الفراغ.

على الرغم من حاجتنا إلى ما بين ساعتين إلى خمس ساعات من وقت الفراغ يومياً لتحقيق الأداء الأمثل، إلا أنَّ مشكلة وقت الفراغ، للذين يتطلعون للإنجاز، هي أنَّنا لا نعرف ما يجب القيام به خلال هذا الوقت، ونعتقد أنَّه يتعين علينا أن نكون منتجين طوال الوقت.

بالطبع، إنَّ مجرد مطالبة الشخص الذي يتطلع إلى تحقيق أهدافه بالاستمتاع بوقته وإجبار نفسه على ممارسة بعض نشاطات الاسترخاء الممتعة بالنسبة إلى الآخرين، سيكون بمنزلة مطالبته بإجراء تغيير جذري لشخصيته، لكن هناك طريقة لأن تحيا ذلك الشعور الجميل والمريح بالقدرة على تنظيم الوقت بين أوقاتٍ للفراغ وأوقات لتحقيق الإنجازات، وإليك بعض الاستراتيجيات إذا كنت تريد الاستفادة من وقت فراغك:

1. الاستفادة من وقت الفراغ لتحقيق الأهداف والغايات:

يُفترَض أن تقضي وقت الفراغ بالترفيه والتسلية، ولكن مع ذلك، تستطيع أن تبدأ باغتنام هذا الوقت وتحويل النشاط الترفيهي إلى هدفٍ أو غاية، واكتشاف بما يمكن أن يساعدك هذا النشاط، فربما يتوافق مع هدفك المتمثل بالحصول على صحة بدنية أفضل، أو أنَّك تستكشف أماكن جميلة تُحسِّن فيها مهاراتك في التصوير الفوتوغرافي.

إذا كنت تستمتع حقاً بنشاط معين واكتشفتَ أنَّك تستمتع بنشاطات أخرى أيضاً، فسوف يسهل عليك ذلك تحديد أولويات وقت فراغك، فالبشر أكثر تعقيداً قليلاً من مجرد امتلاك دوافع فردية أو مشاعر أو فوائد من شيء ما.

2. الفضول لاكتشاف طريقة الآخرين في استهلاك وقت الفراغ:

قد تشعر بالفضول لمعرفة كيف يستمتع أصدقاؤك أو جيرانك أو زملاؤك بأوقات فراغهم، وإذا كان هذا الفضول متعباً، فكيف يبدو الفضول تجاه الثقافات الأخرى؟ وجد الباحثون، في الدراسة المذكورة آنفاً أنَّ أشخاصاً من الهند يرون أنَّ وقت الفراغ هو فقط هدراً للوقت، محددين ذلك ضمن أخلاقيات العمل الدؤوبة والضرورة الاقتصادية، بينما كان الفرنسيون على نقيض ذلك تماماً؛ لذا يمكنك أن تتساءل ماذا كنتَ لتفعل إذا كنت في باريس للاستفادة من وقت فراغك فيها.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح من خبراء علم النفس لاستغلال وقت الفراغ

3. توقُّع حدوث أسوأ ما يمكن:

تحب أدمغتنا تخيُّل الكوارث، وتعتقد أنَّ ما تتخيله حقيقة، خاصةً عندما نكون في خضم عملية التخيل، ولكنَّها مخاوف مجردة؛ حيث يتبنون من خلالها حياةً خاصة بهم، والحيلة الوحيدة للتغلب على هذه الأفكار هي مواجهة هذه المخاوف والسؤال "ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟" وستدرك بذلك أنَّ العالم لن ينتهي إذا مشيت لمدة 20 دقيقة في منتصف اليوم، وفي الواقع، قد تجد أنَّ ذلك النشاط سيساعدك على تحسين الاستفادة من الوقت في يومك.

4. عَدُّ الترفيه أمراً أساسياً في حياتك:

يرى العديد من الأشخاص الذين يتسمون بالتنافسية والهوس بالعمل أنَّ النوم أمرٌ غير ضروري، ولكن يخالف علم النوم ذلك: فإلى جانب مساعدة خلاياك على الإصلاح والتجديد، يزيل النوم المعلومات غير المرغوب فيها من دماغك، ويدمج المعلومات ويعزز الذكريات، ويوفر أيضاً مساحة آمنة لمعالجة الصدمات، وتُعَدُّ مجرد بداية لمجموعة شاملة جداً من الوظائف التي يؤديها النوم، إنَّها بالتأكيد ليست فوائد زائدة عن الحاجة أو مضيعة للوقت.

نحن نتعلم فقط احترام النوم بِعَدِّه حاجة أساسية في حياتنا، ولكن ماذا لو استطعنا احترام أوقات الفراغ كحاجة أساسية أيضاً لا تقل أهمية عن النوم؟

يتعلق أخذ فترات الاستراحة في قضاء الوقت في استعادة السكون وراحة البال تعلُّقاً كبيراً؛ حيث يساعدنا هذا التوقف المؤقت عن العمل على التخطيط الاستراتيجي والاستجابة بحكمة، بدلاً من إثارة ردود فعل نابعة من القلق والخوف، بالإضافة إلى دور الترفيه في رعاية أهم علاقاتك، والعناية بجسمك، واستثمار فضولك للبحث في جوانب أخرى من الحياة، فكلما زادت مجالات الحياة التي نغوص فيها، زادت خبرتنا وإبداعنا فيها، ناهيك عن أنَّ الراحة أو وقت الفراغ (بمعنى، عدم العمل) ينشط دماغنا، وهو أمرٌ ضروري للغاية لتدفق الأفكار الإبداعية، سواء لإيجاد حلول أم أفكار جديدة.

بينما يخشى الكثير من الناس أن يصبحوا كسولين أو فوضويين خلال أوقات الفراغ، فالحقيقة، بالنسبة إلى كثير من الناس، أنَّ الأمر سيستهلك الكثير من التدريب ليصبحوا قادرين على الاستفادة بمتعته.

طرائق عملية لتنظيم وقت الفراغ:

1. ممارسة النشاطات التي تحبها بالفعل:

في حين أنَّ النشاطات الترفيهية "غير المنتجة" دون أهداف تتمثل في كثير من الأحيان بالتنزه مع الأصدقاء، أو الجلوس على الشاطئ دون القيام بأي نشاط، أو مشاهدة التلفاز، فربما علينا أن نجرب هذه النشاطات بطريقة مختلفة.

على سبيل المثال: هل تشاهد بالفعل العروض التي تحبها (بل وتتعلم منها)، أم أنَّها مجرد تخدير لعقلك؟ إذا كنت تشاهد عرضاً تستمتع به مع الآخرين ثم تتناقشون في محتواه في أثناء وجبة طعام لاحقاً، فهذا يعني أنَّك حصلتَ منه على فوائد عديدة، وربما أيضاً لا تحب الجلوس على الشاطئ؛ لذلك قد يكون المشي أو التنزه كافياً للاستمتاع بجمال ذلك المكان.

عندما يتعلق الأمر بالأصدقاء الذين تقضي معهم وقتك، فربما ليسوا هم شركاؤك المناسبون، فهناك أصدقاء لم نكن لنصادقهم في حالتنا الحالية، وهذا جيد، ولكن تأكد أنَّك تستمتع معهم في هذا الوقت بدلاً من أن تقضيه في قلقٍ وخوف.

2. التأكد من تناغم وتيرة حياتك:

يعاني نوع من الأشخاص من قلة الصبر، ويمكن أن تكون فكرة قضاء ست ساعات في حفلة شواء مع الأصدقاء بالنسبة إليهم مضيعة مروعة للوقت؛ لذا، يمكنك الاتفاق معهم على قضاء ساعتين بدلاً من ذلك، أو القيام بالمشي وتبادل الأحاديث لمدة 45 دقيقة، بدلاً من الجلوس لوقتٍ طويل دون القيام بأي شيء مفيد.

3. تطوير مهاراتك:

إذا كنت تواجه صعوبة في التخلص من ضعف الإنتاجية، فربما تحتاج إلى إتقان مهارات في أوقات فراغك، فإذا كنت تشعر بالرضا عندما تتقدم في لعبة تلعبها، فلماذا لا تُعَدُّ المهارات على هذا النحو؟

إقرأ أيضاً: 4 خطوات أساسية لتنمية وتطوير المهارات الشخصيّة

4. تجربة أخذ وقت فراغ إجباري:

حتى لو كنتُ ماهراً في تجاهل هاتفي، فهناك دائماً ذلك الحافز الداخلي الصامت الذي يُجبرني لا شعورياً على العودة إليه، والمرة الوحيدة التي لا أستطيع فيها لمس هاتفي هي عندما أكون مجبراً على ذلك بسبب انشغالي بجلسة تدليك أو العناية بالبشرة؛ لذلك أمنح نفسي دائماً استراحات إجبارية؛ حيث لا أستطيع حرفياً الاقتراب منه.

هناك طريقة أخرى أشجع بها بعض عملائي على قضاء أوقات فراغهم وهي حث الشخص المسؤول ضمن مجموعة من الأصدقاء - والذي غالباً ما يقوم بإدارة جميع نشاطات المجموعة - على أن يخبر أصدقاءه بأنَّ لديه وقت فراغ كل يوم خميس مثلاً بين الساعة 6 و10 مساءً، ويستطيعون خلاله تحديد نشاط ما وسيكون موجوداً معهم".

يستمتع بعض أصدقائنا في أن يكونوا في موقع المسؤولية، وبعضهم الآخر يكره التفكير في النشاطات التي يجب القيام بها؛ لذا فهو أمر مربح للجانبين.

5. العثور على أوقات للمرح:

حتى كل مدمن عمل متعلق بالإنتاجية لديه، وهذا الحافز الذي يدفعه للتوقف عن العمل لبرهة والابتسام؛ حافز أبعد من أن يكون مجرد تصفح الهاتف، وقد يكون هذا الدافع مجرد مراقبة كلبك وهو يرقص مستلقياً على ظهره بسخافة، أو رؤية قطتك وهي تمشي نحوك وتخرخر، أو اللعب مع طفلك المبتسم.

في الختام:

يمكن أن تكون أوقات الفراغ مناسبة للجميع، إذا أحسنتَ إدراجها ضمن حياتك الشخصية والمهنية وأهدافك، وقد يكون من الغريب والصعب لبعض الناس البدء بهذا النمط الجديد من الحياة؛ لذلك ابدأ به عبر اتخاذ خطواتٍ صغيرة وحذرة، فربما ستدرك أنَّ العالم لن ينتهي لمجرد قبولك ومشاركتك في نشاطٍ تمت دعوتك إليه، وأنَّك ستحب هذه المتعة والشراكة، فالهام هو أن تبدأ بخطواتك الأولى.

إذا كنتَ تشارك ذلك مع أشخاص مقربين منك، فسوف يكون التفكير معاً بعد ذلك بنشاطات أخرى تمريناً ممتعاً ومفيداً للترابط، كما يمكنك حتى أن تسأل نفسك بعد ذلك الأسئلة التالية:

  • ما الذي أحببتُه في هذا النشاط الذي جربته، بخلاف الأهداف التي كنت أحققها؟
  • هل كان فيه شيء جديد ومبهج ومفاجئ؟
  • كيف يمكنني تضمين هذه التجارب الناجحة ضمن حياتي القادمة؟

المصدر




مقالات مرتبطة