كيف تنجو من أزمة صحية عقلية وشيكة في ظل جائحة كورونا؟

لقد فقدت شعوري بالوقت والسيطرة تماماً على مدى الأشهر الماضية، فقد صرت أؤجل العمل إلى وقتٍ لاحق بدلاً من إنجازه في موعده، وأحياناً لا أقوم به أبداً؛ علاوةً على أنِّي أشعر دائماً بالقلق، وبأنَّ هناك شيئاً هاماً عليَّ القيام به؛ ولكنِّي أُلغي جميع المهام عندما أفتح تقويمي، أو أؤجلها إلى أجلٍ غير مُسمَّى. هناك مسمى لهذا الشعور المستمر بعدم وجود سبب أو مغزى لفعل أيِّ شيء، إنَّه "الاكتئاب"، والذي عادةً ما أشعر به في أيامٍ كهذه؛ فأنا لست قريباً من أحد حتَّى.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي مارك مانسون (Mark Manson)، والذي يحدثنا فيه عن كيفية الحفاظ على صحتنا العقلية في ظلِّ الظروف الحالية من انتشار فيروس كورونا.

ما من شيء يتضمَّن جميع عناصر الانهيار العاطفي مثل العزل الصحي الناجم عن الوباء، ويعود هذا إلى عدّة أسبابٍ مثل: عدم الاجتماع بالناس وجهاً لوجه، والعزلة الاجتماعية العامة، وعدم الاستقرار المالي، والبطالة الجماعية، وعدم ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، وقلَّة التعرُّض إلى ضوء الشمس، وعدم الحصول على الضروريات الأساسية، والشعور بدرجة عالية من عدم الاستقرار بشأن سلامة المرء وأمنه في المستقبل القريب؛ بالإضافة إلى الكثير من وقت الفراغ لتحديث الأخبار آلاف المرات في اليوم.

حتى الآن، نادراً ما أشعر بالاكتئاب والخمول لأكثر من يوم أو اثنين؛ إذ أخبر نفسي بأنَّني سأواجه دائماً أياماً سيئةً مثل اليوم، ولكنَّه سينتهي قريباً، وأعود عملياً وسعيداً على الأغلب مرَّة أخرى.

لكن لنكن صادقين مع أنفسنا: ستكون الأشهر القليلة المقبلة أيضاً قاسية حقاً على الصحة العقلية للجميع، وعلينا أن نكون مستعدين لذلك.

رغم قضاء بعض الوقت في الراحة بسبب حياة الحظر، إلَّا أنَّ هذا سيصبح مملاً بعد وقتٍ قليل؛ لذلك، مهما كانت الصعوبات التي تواجهها بالفعل، يجب أن تكون مستعداً ذهنياً للتعايش معها لبقية العام؛ وإذا كنت من القلائل المحظوظين الذين لم يشعروا بالضغط، فاستعد، لأنَّه لا شكَّ قادم.

سيسمع معظمنا في النهاية عن شخصٍ توفي، أو كان في المستشفى في حالةٍ حرِجَة، أو فقد وظيفتة أو أعماله؛ وسيمرض الأصدقاء والعائلة، أو يُحبَطون، أو يصابون بالجنون، وربَّما كلُّ هذا؛ كما من المحتمل أن يموت اثنان من المشاهير على الأقل، وربَّما سياسي أو اثنان إذا كنَّا محظوظين.

إنَّني أطرح هذا لأنَّ الخطوة الأولى للتعامل معه هي أن نكون واقعيين حول ما يمكننا توقعه، إذ ليس من الجيد أن يكون لدينا توقعات وردية زائفة، أو تفكير إيجابي ساذج.

لا يوجد اعتقادٌ غير مبرّرٍ بأنَّ الفيروس سيتخطى بمعجزةٍ جميع أصدقائنا وعائلاتنا وأنفسنا، أو أنَّ اللقاح سيظهر بشكلٍ سحري من قِبَل شخصٍ ما؛ إنَّما قد يكون هذا الحدث العالمي الأكثر إرباكاً في حياتنا، وسنستمر على هذا الوضع لوقتٍ طويل، ولن يكون ذلك سهلاً أو ممتعاً، وستستمر العواقب الاقتصادية والسياسية والثقافية لسنوات.

أعلم، يبدو كلامي غبيَّاً، أليس كذلك؟ لكن هذا هو الواقع، ولا يمكنك التعامل معه إلَّا إذا تقبَّلته.

فيما يأتي بعض الإرشادات التي وضعتها لمساعدتنا جميعاً في الحفاظ على أنفسنا عقلياً خلال هذه الأوقات العصيبة؛ ولأُحيطكم علماً أنَّها جُمِّعَت بطريقتين:

  1. البحث عبر الإنترنت عن الانعزال الاجتماعي، والمناقشة مع المتخصصين في الصحة العقلية، وقراءة حسابات الأشخاص الذين عانوا من فترات طويلة من العزلة بشكلٍ احترافي، مثل: طاقم الغواصات البحرية، وروَّاد الفضاء في وكالة ناسا.
  2. استطلاع رأي المشتركين في بريدي الإلكتروني حول ما وجدوه فعَّالاً في الحفاظ على مزاجهم وعقلهم بصحةٍ جيدةٍ حتى الآن؛ إذ أَرسَلَ إليَّ أكثر من 1700 شخص تجاربهم، بعضها برسائل بريد إلكتروني طويلة ومفصَّلة.

لقد علَّمتني الإجابات العديد من الأشياء، مثل أنَّه بإمكانك القيام بأعمال البستنة داخل المنزل، ومشاهدة مقاطع اليوتيوب الطريفة.

لذا، إليكَ خلاصة ما جمعته:

1. يجب أن تعتاد على الروتين بدءاً من اليوم، وإلى أن ينتهي هذا الوضع:

أكبر درس تعلمته من الأسبوعين الماضيين هو إلى أيِّ مدى أعتمد على الضغط الاجتماعي لإنجاز أيِّ شيء.

قد يبدو هذا غريباً عندما يأتي من شخص لا تتطلَّب مهنته ارتداء الملابس حتى في معظم الأيام، مثل المؤلِّف الذي يعمل عن بعدٍ غالباً.

لقد كانت تدور أيامي حول الاجتماعات والمكالمات والمواعيد النهائية، واعتدت أن أقول: "أوه، لدي مجموعة من الاجتماعات الهامَّة حقاً بعد ظهر اليوم؛ لذا من الأفضل أن أكتب الآن".

لم تزُل هذه الأشياء فحسب، بل زالت أيضاً الحاجة الملِحَّة لإنجاز أيِّ شيء في الوقت المناسب، وأصبحت كلُّ المواعيد النهائية طيَّ النسيان؛ فلماذا أضطر إلى إنجاز الأعمال إذاً؟ فسواءً كتبت شيئاً هذا الصباح، أم كتبته ليلاً، أم حتى الأسبوع المقبل؛ فلن يعرف أحد؛ لذلك بدأ التسويف المستمر.

كان ذلك وحشياً (إن جاز التعبير)؛ إذ غالباً ما كنت أجد أنِّي أنهي عملي في الساعة 2 صباحاً، وأشعر بطريقةٍ ما بالرضا عن ذلك. يبدو أنَّ الحياة في الحجر الصحي تُبرِز سمات الطالب الجامعي بداخلي.

عندما تنظر إلى المحترفين الذين يجب عليهم التعامل مع الكثير من العزلة الاجتماعية، فإنَّهم جميعاً يقولون الشيء نفسه تقريباً: "الروتين هو السائد"؛ ولكنَّ معظم الناس يعتمدون على الخوف من الحرج الاجتماعي لمساعدتهم على النهوض من الفراش في الوقت المناسِب في الصباح، ويتحولون دون هذه المساءلة الاجتماعية إلى حيوان الكسلان الذي بالكاد يشبه إنساناً عملياً.

لذلك، يجب أن نتراجع في هذه الأوقات العصيبة عن روتيننا الشخصي، وأن يكون الروتين المفروض علينا أمراً أساسياً ومقبولاً، وألَّا تكون الخطط مبالغاً فيها في التخطيط؛ ذلك لأنَّه كلَّما كانت الخطة أكثر صرامة وتفصيلاً، تكاسلت وأهملت المهام؛ وعندما تفسد الأمور، يصبح من السهل جداً التوقُّف عن الروتين بالكامل، وقول: "حسناً، لم ينجح هذا، فلأعد إذاً إلى ألعاب الفيديو".

بالنسبة إلى إجراءات الحجر الصحي، فلنلتزم بالأساسيات:

  • تحديد وقت الاستيقاظ.
  • تحديد ساعات العمل أو ساعات الإنتاجية.
  • تحديد وقت للاهتمام بالصحة والرعاية الذاتية.
  • تحديد وقت النوم.

بالنسبة إليّ، يبدو من الجيد أن يكون الروتين هكذا:

  • في الثامنة صباحاً: أكون خارج الفراش وجاهزاً للعمل.
  • من الثامنة صباحاً حتى الثالثة مساءً: أبدأ ساعات العمل.
  • في الثالثة مساءً: أمارس التمرينات الرياضية أو الرعاية الصحية الذاتية.
  • من الرابعة مساءً حتى التاسعة مساءً: أتفقد وسائل التواصل الاجتماعي، أو أُجري المكالمات، أو ألعب ألعاب الفيديو.
  • في الثانية عشر صباحاً: أطفئ الأنوار وأذهب إلى النوم.

حدد الأوقات لكلٍّ من هذه الخطوات والتزم بها، واعلم أنَّه إذا فاتتك أيٌّ من المواعيد النهائية في العزل الصِّحي، فستقضي 48 ساعة في الخمول واليأس.

الآن، إليك الجزء الهام: يتعيَّن عليك إعداد طقوس صغيرة لنفسك للتأكُّد من أنَّك تلتزم بالعزل الصِّحي بشكلٍ صحيح؛ لذا ابدأ اختيار موقعٍ لكلِّ شيء، مثلاً: هل ستعمل على طاولة المطبخ، أم في غرفة نومك؟ وماذا سترتدي؟ وكيف يمكنك إعداد منزلك لتسهيل ذلك قدر الإمكان؟

يبدو هذا جنوناً، لكنَّ الكثير من الأشخاص الذين يعملون من المنزل لا يزالون يرتدون ملابس كما لو كانوا ذاهبين إلى المكتب؛ ذلك لأنَّهم يجدون في ذلك تأثيراً فعَّالاً في عقليتهم.

المغزى هو أنَّه لا ينبغي لعزلك الصِّحي أن يكون بلا وعي، إنَّما يجب أن تكون هناك عملية واعية دائماً.

هناك شيءٌ واحدٌ دائماً ما أفعله، وقد ساعدني كثيراً، وهو: تجهيز كلِّ شيء سأعمل عليه في اليوم التالي على جهاز الكمبيوتر في الليلة السابقة؛ لذلك عندما أستيقظ، يكون من الصعب عليَّ التأجيل في البدء.

إذا كنت ستتمرن، فجهِّز ملابسك الرياضية في اليوم السابق؛ وإذا كنت ستطبخ، فحضِّر مكوِّنات الوجبة مسبقاً؛ وأيَّاً كان ما ستقرر فعله، قرِّره الآن، لأنَّني أضمن لك أنَّك إن لم تفعل ذلك، فلن تنجز شيئاً على الإطلاق.

إنَّه لمن الأفضل أن يُلتزَم بالعزل الصحِّي جماعياً؛ أي إذا كان بإمكانك، فابحث عن صديقٍ للمساءلة ومراجعة المهام، وتواصل معه عبر رسالة نصية، أو اتصل معه بضع مرات في اليوم للمتابعة، أو أجرِ معه مكالمة فيديو عبر زوم (Zoom) أو سكايب (skype)، واعملا معاً في أثناء المكالمة على تشجيع بعضكما بعضاً. سيكون لهذا فائدة إضافية تتمثَّل بحصولك على تواصل اجتماعي هام مع الآخرين.

أخيراً، عندما يتعلق الأمر بالنوم، فيؤسفني أن أقول أنَّه لا يمكنك التحكُّم بوقت النوم أو مدى جودته؛ ولكن يمكنك التحكُّم بتوقيت نهوضك من الفراش صباحاً، وبتوقيت ذهابك إلى النوم مساءً؛ وإذا التزمت بالروتين الصارم الذي ترسمه لنفسك، فسيتكيف نومك طبيعياً بعد بضع أيام شاقَّة.

ما أقصده حقاً بالالتزام بروتينك هو أنَّه يجب أن يكون لروتينك الأولوية على كلِّ شيء آخر خلال الأشهر القليلة القادمة؛ ذلك لأنَّك ستكون منتجاً في بعض الأيام، ولن تفعل ذلك في أيام أخرى؛ وستكون بصحةٍ وحيوية في بعض الأيام، ولن يحدث ذلك أحياناً.

إقرأ أيضاً: نصائح غذائية يجب اتباعها أثناء الحجر الصحي

2. ابنِ علاقاتك مع الآخرين وأصلحها:

هل تتذكر كلَّ هؤلاء الأشخاص الذين كنت تفتقد الخروج معهم، وتمنيت أن تتمكَّن من رؤيتهم؛ ولكنَّك دائماً ما كنت تشعر أنَّك لا تملك الوقت الكافي؟

حسناً، ليس لديك عذرٌ الآن.

أحد الأشياء اللطيفة القليلة بشأن هذه التجربة هو أنَّني تلقيت الكثير من المكالمات الهاتفية من الأصدقاء والعائلة في الأسابيع القليلة الماضية أكثر ممَّا تلقيته من مكالمات في عام 2019 على الأرجح، فقد عاد التواصل بيني وبين الأصدقاء القدامى الذين لم أتحدث معهم منذ سنوات؛ وإنَّه لأمرٌ رائعٌ حقاً.

هذا شيءٌ نحتاجه جميعاً، وآمل أن يستمر حتى بعد انتهاء كلِّ هذه الجائحة؛ إذ تشير الكثير من الأدلة إلى أنَّنا كنَّا محرومين من التواصل الاجتماعي المباشر والعلاقات ذات المغزى قبل جائحة كورونا.

إذا كان هناك شخصٌ في حياتك فقدت التواصل معه، فإنَّ فيروس كورونا هو أفضل عذرٍ على الإطلاق لإعادة التواصل؛ وإذا كان هناك شخصٌ تريده أن يُبتلَى بالطاعون، فحان الوقت إذاً للابتعاد عنه.

إنَّه لمن المؤكد أنَّ التواصل عبر المكالمات أو البريد الإلكتروني الآن ليس كالتواصل الشخصي، إذ نشعر بالكثير من التحفيز والرضا الاجتماعي من التفاعلات المباشرة والتلامس الجسدي؛ ولكن ليس هذا بالسبب الذي يدفعنا إلى عدم القيام بذلك حتى الآن، فالقليل أفضل من لا شيء، وجلسات هانج أوتس (Hangouts) المحرِجة مع مجموعةٍ من الأشخاص أفضل من الجلوس مع دمية الدب؛ لذا، لا تستخفّ بأهمية التواصل مع البشر الآخرين بأيِّ شكلٍ من الأشكال.

يميل الضغط إلى تضخيم العلاقات الوثيقة، إذ تصبح العلاقات القوية أقوى، وتصبح العلاقات الضعيفة أضعف؛ وقد ارتفعت معدلات الطلاق ارتفاعاً هائلاً في الصين بعد الحجر الصحي.

كلُّ ما سأقوله هو أنَّ الكثيرين منَّا يجدون طرائقَ للانشغال خارج المنزل كوسيلة لتجنُّب المشكلات؛ فإذا وجدت نفسك في المنزل الآن وتبدو مصدوماً من الطريقة التي يتصرَّف بها أطفالك، فهذا ليس الوقت المناسب لتجاهل المشكلات أو الهروب من الألم بمزيدٍ من التشتيت؛ فالوقت الآن هو الوقت المناسب للعمل على إصلاح الأمور؛ لذا أجرِ هذه المحادثات الصعبة، وقدِّم الاعتذارات، وأصغِ أكثر إلى الآخرين من حولك، وكن حاضراً؛ ذلك لأنَّكم ستبقون مع بعضكم بعضاً لوقتٍ طويل على كلِّ حال.

إقرأ أيضاً: 9 طرق للبقاء على تواصل مع العالم في ظلِّ التباعد الاجتماعي

3. ركِّز على أساسيات الصحة والعافية:

هل حدث وتحمست في يوم رأس السنة الجديدة، واشتركت في برنامج لياقة بدنية معقَّدٍ ومبالغٍ في سعره، ثمَّ حضرت مرتين ولم تذهب مرة أخرى أبداً؟

نعم، أنا أيضاً أفعل ذلك.

هناك العديد من الأسباب التي تجعل تطوير العادات الصحية حول اللياقة البدنية والتغذية أمراً صعباً، ولكنَّ أحد أكبر هذه الأسباب هو أنَّ توقعاتنا الضخمة تفوق قدرتنا الحقيقية وتحفيزنا.

عندما نشعر بالإثارة حيال بعض التغيير في حياتنا عموماً؛ فذلك لأنَّنا نتصور أنَّ هذا التغيير هو تحول درامي ينقلنا إلى مرحلةٍ نحمل فيها فجأة الأثقال الحديدية إلى متجر البقالة، ونقوم بتمرينات الضغط في موقف السيارات؛ ولكنَّ الحقيقة هي أنَّه عندما يتعلق الأمر بالصحة، تكون المثابرة أهمُّ بكثيرٍ من الدافع أو الجهد، فالمشي لمدة 30 دقيقة كلَّ يومٍ لمدّة عامٍ أفضل لك من التمرُّن مثل المجنون لمدة أسبوع؛ بالإضافة إلى أنَّ اتِّباع نظامٍ غذائيٍّ أكثر عصرية وحمية لمدة أسبوع ليس شيئاً مفيداً مقارنةً بعدم إفساد معدتك بتناول السكر كلَّ ليلة.

ما أقوله هنا هو أنَّه إذا كنت قد أهملت عاداتك المتعلِّقة باللياقة البدنية والطعام بسبب فيروس كورونا، وتتعثر بشدة من خلال محاولات مثيرة للشفقة في عمليات تمرين الضغط والوقوف التي تشبه العناكب أكثر ممَّا تشبه أيَّ تمرينٍ ذي معنى؛ فأنت بحاجة فقط إلى تهدئة أعصابك لمدة ثانية.

إنَّ أكبر عدوٍّ في هذا الأمر كلِّه: "أنفسنا". نعم، هناك فيروس ربَّما يقتل مئات الآلاف من الناس، وهذا هو العدوُّ الأول؛ لكنَّ العدو الثاني هو أنفسنا.

الطريقة الوحيدة لجعل هذه الأمور أسوأ هي: العمل الرديء، وصعوبة النهوض من السرير، وعدم ممارسة الرياضة، وما إلى ذلك؛ ويُعدُّ كلُّ ذلك إساءةً من أنفسنا لعدم الأداء بشكلٍ أفضل.

إنَّنا نتعرَّض إلى وقتٍ عصيب الآن، وقد انقلبت حياة كلٍّ منَّا رأساً على عقب؛ فنحن جميعاً نكافح، وربَّما لدينا أشخاص نعرفهم يزدادون براعةً الآن، ولا شيء من هذا سهلٌ عاطفياً أو عقلياً، ولا ينبغي لنا أن نتوقَّع أنَّه سيصبح كذلك.

عندما تصبح الأمور صعبةً عاطفياً وعقلياً، فإنَّنا نميل إلى إفساد كلِّ شيء؛ ويعني هذا أنَّنا لا نتمرَّن، ونتناول ما يكفي من الشوكولاتة لقتل فأرٍ متوسط الحجم، ونبقى في الفراش لمشاهدة الأفلام بدلاً من العمل أو الدراسة أو التواصل مع أمهاتنا للتأكُّد من سلامتهن؛ وهذا أمرٌ متوقَّع، فهو جزءٌ من الوضع.

ستشعر أنَّ الأمور والأشياء التي كنت تعتقد أنَّها سهلةٌ في الماضي، صعبةٌ الآن؛ وما كان ذا مغزى من قَبل، ستنظر إليه الآن وكأنَّه عديم الجدوى.

لذا، يجب عليك المثابرة وعدم الاستسلام؛ ذلك لأنَّ أسوأ شيءٍ يمكنك القيام به في مثل هذه الحالات هو البدء بتدمير نفسك عاطفياً على إخفاقاتك المتصوَّرة.

إذا كنت تجلس في المنزل تفكِّر: "إنَّني فاشل جداً؛ إذ يُعلِّم كلُّ هؤلاء الناس على الإنترنت أنفسهم اللغة الصينية، وأنا جالسٌ هنا أبكي وأتناول وعاءً ثالثاً من الآيس كريم".

حسناً، أنت مُستنزَفٌ إذاً.

أعلم أنَّه ما من أحدٍ يقول لك أن تفعل ذلك؛ لكن لا تنظر إلى كلِّ هؤلاء الناس، واجعل الأمر بسيطاً، وخفِّض المعايير التي تضعها لنفسك، وضع في اعتبارك أنَّنا نعيش في أوقات عصيبة، إذ نستهلك حوالي 40-60٪ من طاقتنا العقلية والعاطفية؛ لذا فقد حان الوقت للبدء من نقطة الصفر.

حاول القيام بما يأتي:

  • امشِ لمدة 30 دقيقة في اليوم.
  • أجرِ القليل من تمرينات القرفصاء أو تمرينات الجلوس أو الضغط كلَّ يوم.
  • اخرج واحصل على بعض أشعة الشمس كلَّ يوم.
  • تناول شيئاً أخضر وغير سكري.

ثبِّت هذه الأشياء الأربعة كلَّ يوم، وستصبح بخير. إنَّها ليست بالخطوات الصعبة، بل كلُّها أمورٌ بسيطةٌ جداً يمكن لأيِّ شخصٍ القيام بها.

بسِّط الأوقات التي تعيش فيها، والتي هي أشبه بقاع القمامة؛ ذلك لأنَّ هذا ماراثون عاطفي وليس سباقاً.

تقول إحدى السيدات: "إنَّني أقضي الحجر الصحي في الحصول على شهادةٍ في الكونغ فو في أثناء طهي وجبات نباتية لأطفالي الثمانية عشر".

إقرأ أيضاً: 7 أنشطة لتحافظ على صحة ونشاط الأطفال في الحجر الصحي

4. تذكَّر، أنت لست وحدك:

تُعدُّ قراءة الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني من القرَّاء حول مشكلات حياتهم والردّ أحياناً برأيي الشخصي جزءاً من وظيفتي؛ وما أثار إعجابي دائماً على مرِّ السنين، هو كيف يمكن لعشرات الأشخاص أن يراسلوني على البريد الإلكتروني بالمشكلة نفسها بالضبط، وكلٌ منهم مقتنع تماماً بتفرُّد معاناته، ومعتقدٌ بأن لا أحد سيفهم ما يمرُّ به، وأنَّه لا أحد عانى بالطريقة التي يعاني بها.

يجب إزالة هذا الوهم اليوم، إذ يمرُّ الجميع بما تمرُّ به مهما كان؛ لذا، لا يوجد سببٌ للشعور بالخجل أو الإحراج أو إخفاء نفسك ومعاناتك بأيِّ شكلٍ من الأشكال، إذ يُعدَُ التعامل مع التعاسة أمراً متاحاً دائماً.

تجعل الجامعات ومنصات التعليم العديد من دوراتها مجانية، ويُفترَض أن تقدم الحكومات مساعدات مالية؛ وما دام هناك مساعدة، فسوف نتجاوز هذا؛ لذا تحدَّث إلى شخصٍ ما، ولا تكره نفسك، بل اكره الفيروس.

قد تكون الحياة قاسية وصعبة، لكنَّنا في النهاية نجد المغزى في الصعوبة، فهي التي تجمعنا وتربطنا معاً.

عندما أجد نفسي أنهار عاطفياً، أذكِّر نفسي ببعض الحقائق الأساسية، مثل أنَّ جدي قاتَلَ عند شاطئٍ في إيطاليا، وشاهد تقريباً كلَّ شخص قضى معه العام الماضي يموت أمامه في غضون ساعات؛ وكان على عمي البالغ من العمر 19 عاماً أن يدعم أشقاءه الثلاثة الصغار مالياً لأنَّ جدي لم يعد بإمكانه إطعام جميع أطفاله الستة خلال فترة الكساد الكبير؛ كما أصابت جائحة الإنفلونزا عام 1918 نحو 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وقتلت خمسمئة ألف شخص في الولايات المتحدة، وكان معظمهم من الشباب والأطفال؛ كما قد مات قبل جيلين فقط من ذلك، أكثر من ستمئة ألف أمريكي كانوا يتقاتلون على أحقية بعض الناس امتلاك أشخاص آخرين كممتلكات في الحرب الأهلية الأمريكية؛ وتوفي في جيلٍ آخر قبل ذلك، أكثر من ثلاثة ملايين شخص، بسبب أنَّ فرنسياً متحيزاً ومتعجرفاً وقصيراً يُدعَى "نابليون بونابارت" أراد أن يلزمَ الجميع بالنظام المتري (مجازياً طبعاً)؛ كما قضى الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر على ما يُقدَّر بنحو 125 مليون شخص، أي 20٪ من سكان العالم.

لذا نعم، يمكنني الجلوس على الأريكة لبضعة أشهر؛ فليس هناك أيُّ مشكلة في ذلك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة