ملاحظة: هذه المقالة مأخوذةٌ عن الدكتورة تارا سميث (TARA SMITH)، بروفيسورة في علم الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة كينت ستيت، والتي تخبرنا فيها عن آخر ما توصل إليه العلماء بشأن تطوير لقاحاتٍ لفيروس كورونا المستجد.
والخبر السار: إنَّ جميع فِرَقَ البحوث في جميع أنحاء العالم تتسابق للعثورعلى لقاحٍ قابلٍ للتطبيق، وقد بدأت بالفعل التجارب السريرية على البشر لأول لقاح جديدٍ محتملٍ لهذا الفيروس التاجي. ولكن، ما هي احتمالات حصولنا على لقاحٍ جديدٍ لفيروس كورونا في المدى المنظور، حتَّى نتمكَّن من إبطاء انتشار هذه الجائحة، أو حتَّى إيقافها؟ وهل سيستغرق الأمر من 12 إلى 18 شهراً كما اعتدنا أن نسمع؟
للحصول على معلوماتٍ وافيةٍ حول أحدث ما توصَّل إليه العلماء بهدف إيجاد لقاحٍ يتيح تطويق فيروس كورونا، قُمت بالتواصل مع عالِمَين يعملان في الخطوط الأمامية لإنتاج لقاحٍ فعَّالٍ لفيروس كورونا (كوفيد - 19)، وهما: "داريل فالزارانو" (Darryl Falzarano)، الحاصل على درجة الدكتوراة من منظمة اللقاحات والأمراض المعدية -مركز اللقاحات الدولي- في جامعة ساسكاتشوان (Saskatchewa University)، والذي أمضى عدة سنواتٍ في العمل على لقاحاتٍ ضدَّ فيروس ميرس (فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية)؛ إضافةً إلى العالمة "ماريا إيلينا بوتاتزي" (Maria Elena Bottazzi)، والتي تحمل درجة الدكتوراة، وعميدٌ مشاركٌ في المدرسة الوطنية للطب الاستوائي في كلية بايلور للطب (Baylor College)، ولقد عملت على مجموعةٍ متنوعةٍ من اللقاحات التي تستهدف في المقام الأول أمراض المناطق المدارية، وقد عمل فريقها منذ عام 2011 على لقاحاتٍ محتملةٍ ضد سلالة الفيروسات التاجية، بما في ذلك لقاحاتٍ ضدَّ فيروسَي: السارس والميرس.
إليكَ ما يقولانه عن الرحلة المضنية لإيجاد لقاحٍ جديدٍ لفيروس كورونا:
إلى أيِّ مدى اقتربنا من إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا؟
عبَّر الدكتور "فالزارانو" عن ذلك بوضوحٍ قائلاً: "في الواقع، ليس لدينا حتى الآن لقاحٌ لأيٍّ فيروسٍ من عائلة الفيروسات التاجية (الكورونا)؛ ولا توجد لقاحاتٌ معتمدةٌ يمكن استخدامها من قبل الإنسان".
يعني هذا أنَّنا لا نفتقر إلى لقاحٍ مضادٍ للفيروس التاجي الجديد فحسب، ولكن أيضاً لم يُصادَق على أيٍّ منها سابقاً، حتَّى بالنسبة إلى الميرس أو السارس. وعلى الرغم من أنَّ انتشار هذين الفيروسين التاجيين كان كبيراً، لكن لم يصل أيٌّ منهما إلى درجة جائحة كورونا (COVID-19).
قد يكون من الصعب تصديق ذلك، نظراً إلى العدد الكبير من الخبراء الذين خصَّصوا ساعاتٍ لا تُحصَى لمحاولة تطوير هذه اللقاحات؛ لكنَّ الأمراض المعدية وحوشٌ خبيثة، ويمكن أن تكون عملية تطوير اللقاحات طويلةً ومضنية، حتَّى في أفضل الظروف.
كما صرَّحت الدكتورة "بوتاتزي" بكلماتٍ مقتضبةٍ قائلة: "ليس من السهل تطوير لقاحاتٍ ضدَّ فيروس كورونا". وبالفعل، فإنَّ الوضع الحالي لتطوير لقاحٍ لفيروس كورونا المستجد يُثبِت صحَّة هذا الادِّعاء؛ فبحسب ما أفادت به التقارير، ثمَّة ما لا يقلُّ عن 26 لقاحاً جديداً لا تزال قيد التطوير لدى المختبرات والمجموعات البحثية في كلِّ مكان، ولا يزال معظمها في المراحل المبكرة جداً، ويجري اختبارها حالياً على الحيوانات، ويأمل الباحثون في الانتقال إلى مرحلة الاختبار على البشر في الأشهر القليلة المُقبلة.
حتَّى الآن، لم يُختبَر لقاح فيروس كورونا الجديد الوحيد على البشر، إلَّا في سياتل في معهد كايزر للأبحاث الصحية في واشنطن (Kaiser Permanente Washington Health Research Institute)، وذلك كما أفادت التقارير التي صرَّح بها الباحثون في المختبرات حول اللقاح. حيث أنَّهم بالفعل قد بدؤوا -في خطوةٍ أثارت حفيظة بعض الباحثين- بالاختبار على الحيوانات والبشر في الوقت نفسه، وذلك بدلاً من اتباعهم البروتوكول المعتاد الذي يقتضي بتجربته على الحيوانات أولاً؛ ممَّا جعلهم يسبقون بقية مراكز الأبحاث بخطوة.
ما هي مراحل تطوير لقاح فيروس كورونا المستجد؟
ينطوي الخيار الأول لصنع أيِّ نوعٍ من أنواع اللقاحات الجديدة على تحديد مولِّد الضد، حيث يجري اقتطاع جزءٍ قادرٍعلى حثِّ الجهاز المناعي على توليد الأضداد من العامل الممرض، وتضمينه في اللقاح؛ لتحفيز الاستجابة المناعية ودرء العدوى. يجب أن يتعرَّف جهازك المناعي على مولِّد الضدّ هذا عندما يداهمك العامل الممرض بصورةٍ طبيعية -وليس فقط في أثناء اللقاح- وأن يكون بإمكانه تحفيز الاستجابة المناعية اللازمة بسهولة.
لقد اشتُقَّ اللقاح المحتمل لفيروس كورونا المستجد الذي يعمل عليه فريق بوتاتزي البحثي، من البروتين الشوكي (spike protein) لفيروس الكورونا. وتقول بوتاتزي: "في الواقع، إنَّ المجموعة اعتمدت في بحثها هذا على خبراتها السابقة في تطوير لقاحٍ للسارس عام 2003".
يتوضَّع البروتين الشوكي (spike protein) على السطح الخارجي للفيروس على شكل نتوءات، ويعطي الفيروس شكله المميز، واسمه أيضاً؛ إذ تبدو هذه البروتينات مثل أشواك التاج.
تقول بوتاتزي: "إنَّ هذه البروتينات هي ما يستخدمه الفيروس للارتباط مع مستقبلات الخلايا البشرية". حيث يسمح التصاق هذا البروتين على سطح الخلية المضيفة بدخول الفيروس إلى داخل هذه الخلية واستنساخ نفسه فيها؛ وإذا مُنعَت هذه البروتينات من الاتحاد مع مستقبلات الخلية تلك، يمكن حينها منع الفيروس من دخول الخلايا، وبالتالي منع العدوى.
وتؤكِّد بوتاتزي: "إنَّ معظم لقاحات الفيروسات التاجية الجديدة التي تُطوَّر، تُركِّز على محاولة منع هذا البروتين من الارتباط بمستقبلات الخلية". ويؤيد هذا الرأي الدكتور فالزارانو قائلاً: "نحن على يقينٍ أنَّنا بحاجةٍ إلى استخدام البروتين الشوكي هذا كمولد ضدٍّ للقاح".
كما ويجب على الباحثين أيضاً معرفة مقدار مولِّدات الضدِّ التي يمكنهم حقنها للوصول إلى المستوى الصحيح من الاستجابة المناعية؛ لأنَّ القليل من مولِّدات الضد قد لا يحفِّز جهاز المناعة بما فيه الكفاية، في حين أنَّ الكثير منها قد يخلق ردَّ فعلٍ مناعيٍّ مكثَّف، لدرجة أنَّه يتسبَّب -عن غير قصد- في إيذاء الحيوان أو الشخص الذي يُختبَر اللقاح عليه. إنَّه لفارقٌ بسيطٌ جداً، لكن يجب مراعاته ووضعه في عين الاعتبار.
إنَّ ما قامَ به فريق عمل بوتاتزي هو التركيز على قطعةٍ من هذا البروتين تسمَّى: "مجال ربط المستقبلات - receptor - binding domain"، وتقسيمه إلى قطعٍ أصغر، حتَّى توصَّلوا إلى الحدِّ الأدنى من الكمية التي يحتاجون إليها لتحفيز استجابةٍ مناعيةٍ قويةٍ للغاية، ولكن مع الحرص الشديد على الدرجة التي نصل إليها من تقوية المناعة، والتي قد تُؤذِي الطرفَ المستقبل (المضيف) إذا زادت عن الحدِّ المطلوب.
يقول فالزارانو أنَّه وبمجرد اتخاذ الباحثين قراراً بشأن تحديد مولِّد الضد والمقدار الذي يمكن استخدامه، فإنَّه يتعيَّن عليهم بعدها تحديد كيفية إنتاج مولِّد الضد هذا بكمياتٍ كبيرة، حتَّى يتمكَّنوا من إدراجه ضمن قائمة اللقاحات المعتمدة. ويضيف موضحاً: "هناك الكثير من الطرائق المختلفة للقيام بذلك، بما فيها إنتاج المستضد في البكتيريا، والخميرة، وخلايا الحشرات، وخلايا الثدييات، وحتَّى الخلايا النباتية".
وتقول بوتاتزي: "توجد العديد من اللقاحات التي لم يثبت أنَّها آمنةٌ وفعَّالةٌ فحسب، بل ورخيصة الثمن نسبياً -بالنسبة إلى إنتاجها بكمياتٍ كبيرة- والتي تُصنَّع باستخدام البروتينات التي تنتجها الكائنات الحية مثل: البكتيريا والخميرة. وهذه هي الطريقة التي تُصنَع بها اللقاحات الأخرى الموجودة في السوق، والتي تؤمِّن الحماية الكافية ضدَّ الأمراض المعدية المختلفة، بما في ذلك لقاح التهاب الكبد الوبائي من النوع (B). لذلك، نحن نفضِّل اللقاحات التي تستخدم الأنظمة نفسها في طريقة تطويرها، مثل اللقاحات الأخرى التي أثبتت نجاعتها من قبل، والمتواجدة حالياً في الأسواق".
وفي المرحلة التي تليها، يحتاج الباحثون إلى تحديد أفضل طريقةٍ لنقل مولِّد الضد إلى المضيف، والتي ستُجرَّب أولاً على الحيوانات، ثمَّ على البشر. وهناك العديد من الطرائق للقيام بذلك، بما في ذلك اللقاحات (التي تحتوي على مولدات ضدٍّ ضعيفة ولكنها حية تقنياً)، ولقاحاتٍ معطَّلة (تحتوي على مستضداتٍ ميتة)؛ وذلك بحسب ما ذكر فالزارانو.
توجد هناك دائماً إيجابياتٌ وسلبياتٌ لكلَّ طريقة نقل، فعلى سبيل المثال: غالباً ما تؤدِّي اللقاحات المُضعفَة إلى مناعةٍ طويلة الأمد، ولكن يمكن أن تكون أكثر صعوبةً في النقل والتحكِّم بها من الأشكال الأخرى؛ وغالباً ما تكون اللقاحات المعطَّلة أكثر أماناً، لكن لا ينتُجُ عنها عادةً استجابةٌ مناعيةٌ قوية. يقول فالزارانو: "إنَّنا نعرف طرائقَ مختلفةً يمكننا من خلالها توصيل مولِّد الضد البروتيني الضخم، لكنَّنا لا نعرف حقاً ما هي أفضل طريقةٍ للقيام بذلك".
يَستَخدِمُ أول لقاحٍ لفيروس كورونا المستجد -الذي يخضع حالياً للتجارب السريرية البشرية- تقنية توصيل مولِّدات ضدٍ جديدةٍ لم ينتج عنها لقاحٌ مرخَّصٌ من قبل، وتتضمَّن هذه التكنولوجيا الجزيئات التي تحمل تسلسل الحمض النووي التي يستخدمها الجسم لصنع البروتينات المختلفة (لا يشارك أيُّ خبيرٍ ممَّن تحدَّثت معهم في هذه الجزئية في تطوير اللقاح). وما إن يقرر الباحثون طريقة إيصال مولِّدات الضد، حتَّى يصبح بمقدورهم بدء الاختبار على الحيوانات، لمعرفة ما إذا كان اللقاح يخلُق الاستجابة المناعية التي يبحثون عنها.
هل تستطيع الحيوانات أن تصنع أجساماً مضادةً يمكنها محاربة الفيروس؟ وهل تمنع الأجسام المضادة الفيروس من إصابة الخلايا؟ إذا كان الأمر كذلك، عندها تسمَّى هذه الأجسام المضادة بـ: "الأجسام المُحيِّدَة".
ويشرح ذلك فالزارانو: "بعد القيام بالفحوصات، يمكنهم إعطاء الفيروس للحيوانات التي أُعطِيت مسبقاً تلك الأجسام المضادة -أي تحدِّي تلك الأجسام، بعبارةٍ علمية- لمعرفة ما إذا كان اللقاح يحميهم بالفعل من العدوى، أو أنَّه يجعل الفيروس أقلَّ خطورةً، أو يتسبَّب بالموت".
يقول فالزارانو: "عادةً ما نتحقَّق من فاعلية اللقاحات باستخدامها على نوعين مختلفين من الحيوانات، كما ويُجرَى اختبار السلامة أيضاً على هذه الحيوانات قبل الشروع في التجارب السريرية على الإنسان. ويمكن أن يؤدِّي اختبار الأمان هذا إلى آثارٍ طفيفةٍ ومتوقعةٍ للقاح، مثل: الحمى والإعياء والتعب؛ ولكنَّه يُظهِر أيضاً ما إذا كانت الحيوانات تُواجه مشكلاتٍ أكثر خطورة، بما في ذلك مشاكل المناعة الذاتية أو تلف الأعضاء".
قبل عدَّة سنوات، عندما اختبرت بوتاتزي وفريقها لقاح السارس على الحيوانات، وجدوا أنَّه يحميها من المرض والموت مقارنةً مع من لم يتلقُّوا اللقاح منها، وقد قاموا بتلك التجربة من دون تعريض الحيوانات إلى الأضرار المحتملة التي تترافق مع استخدام البروتين الشوكي (spike protein) بأكمله.
لكنَّ الاهتمام بالسارس تضاءل بعدها، ولم يتمكَّنوا من الحصول على تمويلٍ إضافيٍ للاختبارات الحيوانية النهائية، والتي كانت ضروريةً لبدء الاختبارات على البشر؛ لذا تأمل بوتاتزي بأنَّ الحاجة الملحة إلى لقاح كوفيد-19 سوف يساعد فريقها البحثي في الحصول على التمويل اللازم لإكمال الدراسات على الحيوانات، إلى أن يتمكَّنوا في نهاية المطاف من بدء التجارب السريرية على البشر.
شاهد بالفيديو: الوقاية من فيروس كورونا: أفضل 5 أغذية مضادة للفيروسات
كيف سيختبر الباحثون لقاح فيروس كورونا المستجد؟
عادةً، وما إن يتوفَّر لدينا لقاحٌ تَثْبُتُ فعاليَّته في النماذج الحيوانية، فإنَّنا ننتقل إلى إجراء التجارب البشرية. وهي بالطبع تتألَّف من عدة مراحل مختلفةٍ لاختبار السلامة ومعرفة مدى فعالية اللقاح.
يقول فالزارانو إنَّ تجارب اللقاح في المرحلة الأولى -والتي لا تزال جاريةً الآن على أول لقاحٍ محتملٍ ضد فيروس كورونا المستجد- يجب أن تضمن السلامة بشكلٍ أساسي. وتُطبَّق هذه المرحلة عادةً على عددٍ قليلٍ يتراوح ما بين 20 و100 شخص. وبالإضافة إلى موضوع السلامة، تعطي هذه المرحلة تقويماً لمدى فعالية اللقاح، وما إذا ظهرت أيُّ آثارٍ جانبيةٍ خطيرة، وكيف يمكن أن تؤثِّر كمية الجرعة في التحكُّم بتلك الآثار الجانبية؛ وذلك وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة: "إنَّ اللقاح المحتمل الأول من نوعه ضد فيروس كورونا -الموجود حالياً في مختبرات الأبحات التجريبية- سوف يُجرَّب على 45 شخصاً بالغاً وبصحةٍ جيدة، وتتراوح أعمارهم بين 18 - 55 عاماً، وسيجرَّب على مدار ستة أسابيع".
تتضمَّن هذه الخطَّة تقسيم المتطوعين إلى مجموعاتٍ تتلقَّى جرعاتٍ مختلفةً من اللقاح. وسيعطي الباحثون المشاركين جرعتَين من اللقاح بفارق 28 يوماً، عن طريق الحقن في الذراعين. وبعدها سوف يحتاج المتطوعون إلى إجراء فحوصات متابعة لمدة عامٍ بعد تلقِّي الحقن الثاني، بحسب ما ذكرت المعاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، بالإضافة إلى تقديم معلوماتٍ حول الأعراض التي ظهرت عليهم، وإجراء اختبارات الدم في كلِّ مرحلةٍ مختلفةٍ لقياس استجاباتهم المناعية.
إذا بدا أنَّ اللقاح آمنٌ بشكلٍ عامٍّ بعد اختبارات المرحلة الأولى، فإنَّه سينتقل إلى المرحلة الثانية من التجريب؛ لكن ونظراً إلى مدى السرعة التي نحتاج فيها إلى لقاحٍ جديدٍ لفيروس كورونا المستجد، فقد تحدث بعض التعديلات لتسير الأمور بشكلٍ مختلفٍ قليلاً؛ إذ في حين تحدث مراحل الاختبار عادةً واحدةً تلو الأخرى -بعد الانتهاء من كلِّ واحدةٍ منها على حدة- فمن المحتمل أن يستخدم الباحثون إجراءات السلامة قصيرة المدى من أجل اختبار اللقاح الجديد، بغية تحديد ما إذا كان من المقبول الانتقال إلى المرحلة التالية، مع الاستمرار بمراقبة المتطوعين من المراحل السابقة لمعرفة ما إذا طرأ أيُّ جديدٍ على وضعهم الصحي. وعادةً ما تجري اختبارت المرحلة الثانية على مئات الأشخاص، وذلك بحسب رأي الدكتور فالزارانو.
سيشمل هذا التوسُّع الأشخاص في المنطقة الديموغرافية نفسها، كأولئك الذين سيؤمِّن لهم اللقاح الحماية من العدوى عندما يتواجد اللقاح في الأسواق في نهاية المطاف.
تختبر هذه المرحلة أيضاً اكتساب المناعة، بالإضافة إلى ضمان السلامة والأمان، يقول فالزارانو: "في هذه المرحلة سوف نتوصَّل إلى ما إذا سيؤدِّي اللقاح إلى تحقيق النتائج المرجوَّة، وإلى أيِّ مدى؛ ثمَّ سيجري في المرحلة الثالثة اختبار الفعالية والسلامة على شريحةٍ أكبر من الناس، غالباً ما تصل إلى عدَّة آلاف. إنَّ الهدف الأساسي هو تحديد ما إذا كان التطعيم يؤدِّي إلى الحماية، إمَّا بالحصانة من العدوى، أو الإصابة بالمرض بمضاعفاتٍ أقلَّ حدة".
وللقيام بذلك، غالباً ما يقارن الباحثون حالة الأشخاص الذين يحصلون على اللقاح، مع الأشخاص الذين لم يحصلوا عليه، وذلك بعد احتمال تعرُّضهم إلى العامل المُمْرِض. إنَّ وجود عددٍ أكبر من المشاركين يعني أنَّ الباحثين قد يتعرَّفون أيضاً على الآثار الجانبية للقاح التي تكون نادرةً جداً، بحيث لا يمكن التوصُّل إليها بإجراء بحوثٍ ودراساتٍ على شريحةٍ أصغر من الناس.
وبعد أن تُظهِر كلُّ هذا الاختبارات أنَّ اللقاح فعَّالٌ وآمنٌ على حدٍّ سواء، سوف تحتاج شركة الأدوية التي تموِّلُ هذا اللقاح إلى الخضوع لـ "عملية موافقة" من الجهات المعنية بإقرار الأدوية، قبل أن تتمكَّن من إيصال اللقاح فعلياً إلى السوق.
حتَّى بعد الموافقة على اللقاح، عادةً ما تستمر الدراسات في التأكُّد من مدى سلامته وفعاليته؛ وهذا ما يجري في المرحلة الرابعة (مرحلة ما بعد الترخيص).
يُحذِّرُ فالزارانو من أنَّ هذه العملية برمَّتها قد تتطلَّب وقتاً ومالاً أكثر ممَّا يمكن تخيله، وغالباً ما يتطلَّب المخطط الزمني -تقريباً- عقداً من الزمن (10 سنوات). الخبر السار: أنَّه يمكن التعجيل بأجزاءٍ مختلفةٍ من هذه العملية برمَّتها، كما يحدث الآن في تطوير لقاح فيروس كورونا المستجد؛ بالإضافة إلى الانتقال إلى مراحل اختبارٍ جديدةٍ استناداً إلى بيانات السلامة قصيرة المدى بدلاً من بيانات السلامة طويلة المدى. وهنالك أيضاً العديد من الأنظمة المختلفة للموافقة المستعجلة على الترخيص، والتي يمكن أن تستخدمها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عندما نحتاج بشدةٍ إلى دواءٍ أو لقاحٍ بسرعةٍ فائقة، ودون إضاعةٍ للوقت.
هل سيستغرق هذا عاماً على الأقل؟
هذا يعيدنا إلى التقديرات الأولية التي ذُكِرت حول إمكانية توفُّر هذا اللقاح في فترةٍ تتراوح ما بين "12 إلى 18 شهراً". أتمنَّى القول بأنَّها مدَّةٌ منطقيةٌ وكافية، لكنَّ العديد من خبراء الأمراض المعدية -بما فيهم أنا- نشعر بالتوتر جرَّاء هذه التقديرات.
يعتقد العديد من الخبراء، بحسب ما يشير إليه مقال في موقع أتلانتيك، أنَّ تطوير لقاحٍ آمنٍ وفعَّالٍ واختباره، سيستغرق 12 إلى 18 شهراً؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّ اللقاح سيُنتَج ويُتاحُ للجمهور في ذلك الإطار الزمني، إذ قد تستغرق هذه العملية أشهراً إضافيةً.
هذه المدة الزمنية جرى الحديث عنها في المراجعة الأخيرة في موقع بيرسبيكتيف، والتي أجراها كلاً من عالمة الفيروسات "فاطمة أمانات" (Fatima Amanat) الحاصلة على درجة ماجستير، والدكتور "فلوران كرايمر" (Florian Krammer)؛ اللذين يذكِّراننا بأنَّ الأمر قد يستغرق أسابيع فقط لتلقيح نسبةٍ كبيرةٍ من السكان، وقد يحتاج الأشخاص إلى أكثر من جرعةٍ واحدةٍ من اللقاح، ومن المرجَّح أن يفوق الطلب على اللقاح توافره في البداية، في حال كنَّا بحاجةٍ إلى انتظار مرافق جديدةٍ لإنتاج اللقاح.
وإذا ذهبنا أبعد من ذلك، فعلى الرغم من أنَّ اللقاح الجديد لفيروس كورونا، والذي يعتمد على تسلسل الحمض النووي، كان الأول الذي وصل إلى التجارب السريرية البشرية؛ إلَّا أنَّه في الحقيقة لم يسبق وأن جرى استخدام هذا النوع من تقنيات اللقاحات من قبل، ممَّا قد يجعل من الصعب الحصول على الموافقة عليه، ويُصعِّب أيضاً على البلدان الأخرى -ولا سيما الفقيرة منها- اعتماد اللقاح، حتَّى ولو كان فعَّالاً.
قد يكون الأمل كبيراً في تحقيق ذلك في غضون 12 إلى 18 شهراً، ولكن من غير الواضح أنَّ تلك المدة حقيقةٌ مطلقة؛ وهذا لا يعني أنَّ الخبراء لا يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى لقاحٍ جديدٍ للفيروس ضمن هذا الإطار الزمني، أو أنَّه لن يكون لدينا لقاحٌ في ذلك الوقت؛ بل يعني فقط أنَّ هناك الكثير من الجهود والسعي الحثيث الواجب القيام به في هذه الفترة لتحقيق ذلك.
وحتى نتمكَّن من الحصول على اللقاح، فإنَّ المحافظة على التعليمات والإرشادات الصحية من نظافة الأيدي والتباعد الاجتماعي والحجر صحي، ستظلُّ أفضل طريقةٍ لضمان بقاء الفيروس بعيداً عنَّا جميعاً.
تتطوَّر الأوضاع مع فيروس كورونا المستجد بوتيرةٍ متسارعة؛ لذا فإنَّ المعلومات والنَّصائح الواردة في هذه المقالة دقيقةٌ حتَّى الوقت الذي نُشِرت فيه، ولكن من المحتمل أنَّ بعض دلالات البيانات والتوصيات قد تتغيَّر بعد نشر هذا المقال.
لذا، فإنَّنا في موقع النجاح نت، نشجِّع القرَّاء على البقاء على اطلاعٍ دائمٍ على آخر الأخبار والتوصيات والمستجدات من المصادر الموثوقة التي تقدِّم مثل هذه الأخبار.
أضف تعليقاً