كيف تعالج الاكتئاب دون أدوية؟

لا شكَّ بأنَّ التطور التقني السريع والهائل وتزايد مسؤوليات الحياة بسبب التغيير الكبير الذي طرأ على طريقة الحياة قد سبب الكثير من الضغوطات النفسية والجسدية للإنسان، وكان للجهاز العصبي حصة الأسد من الآثار الجانبية للحضارة الإنسانية.



أكثر ما يحب الدماغ البشري أن يعبِّر عنه إزاء هذه الضغوطات هو القلق؛ إذ إنَّ القلق هو سيِّد الأمراض النفسية، وفي حال استمر هذا القلق ولم يُعالَج معالجة مثالية، فإنَّه سيتحول إلى اكتئاب، وهذا الاكتئاب قد يشكل عائقاً أمام استمرارنا في الحياة، ولكيلا تصل إلى هذه المرحلة قد يكون من المفيد لك أن تقرأ هذا المقال؛ إذ إنَّه يحتوي على العديد من المعلومات الثرية والنصائح الذهبية التي يمكن لواحدة منها أن تغير حياتك رأساً على عقب.

كيف تعمل الرياضة بشكل عام على علاج الاكتئاب؟

ظهرت الكثير من الدراسات والأبحاث الجديدة التي تؤكد على أهمية ممارسة الرياضة في محاربة الاكتئاب والتقليل من الأعراض السلبية التي يتضمنها، وكذلك في زيادة استفادة المريض من مضادات الاكتئاب التي يتناولها.

تقول الأبحاث الجديدة إنَّ التمرينات الرياضية تساعد على نشر إشارات جديدة بين الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ بطريقة معينة تعيد فيها التوازن الكيميائي العصبي الذي أدى الاكتئاب إلى اضطراب التوازن بين النواقل العصبية فيه المسؤولة عن شعور الإنسان بالمشاعر المختلفة مثل الحزن أو الفرح أو الغضب وغيرها.

كيف يمكن للرياضات التي تحمل طابع التحدي أن تساهم في علاج الاكتئاب؟

كما أنَّ الدراسات الحديثة بينت أهمية الألعاب الرياضية التي تتضمن التحدي؛ وذلك لما لها من أثر كبير في تقوية ثقة المريض بنفسه، وهذه الثقة التي يضربها مرض الاكتئاب، كما تساعد هذه المسابقات على تنمية مهارات حل المشكلات والاعتماد على الذات وابتكار الحلول؛ مما يساعده على مواجهة مصاعب الحياة ومشكلاتها؛ وهذا هو لب علاج الاكتئاب.

دور الألعاب والمسابقات التنافسية في مساعدة مريض الاكتئاب:

إنَّ للألعاب والمسابقات التنافسية فائدة أخرى غاية في الأهمية؛ وهي فائدة قد لا يستطيع المريض الحصول عليها من خلال الدواء، وهي طريقة تقبُّل الخسارة؛ أي عندما يخسر الشخص في أحد هذه التحديات يجب أن يدرب نفسه على أنَّ الخسارة أو الفقد جزء من مسيرة الحياة، وهذا لا يعني التعود على الخسارة؛ بل يعني أن نسقط ونتألم ونبكي فهذا حق مشروع لنا، وهو حق أنفسنا علينا، والأهم من ذلك أن ننهض بكل قوة بعد السقوط وننفض غبار الطريق عن ملابسنا، ثم نمسح دموعنا بكم سترتنا ونحاول من جديد.

شاهد بالفديو: 5 طرق لقهر الاكتئاب النفسي

دور الحياكة والتطريز في علاج الاكتئاب:

أُجريَت دراسة كبيرة شملت آلاف المتطوعين الذين يعانون من أعراض الاكتئاب؛ إذ أُخضعوا إلى دورة تدريبية تتضمن مهارات الحياكة والتطريز، ومن ثم طلب منهم المشرفون ممارسة هذه المهارات في المنزل مع تسليم عينات كإثبات على استمرارهم في العمل، ووجد الباحثون أنَّ أعراض القلق التي تُصاحب الاكتئاب عادة قد خفَّت بدرجة كبيرة، كما أنَّ الآلام النفسية المرافقة لاضطراب الاكتئاب أصبحت أخف، ومنهم من أكد اختفاءها بشكل كامل.

دور التجارب الجديدة في علاج مريض الاكتئاب:

يتميز الاكتئاب بقلة الإرادة وفقدان الرغبة وقلة الاهتمام؛ إذ يشعر بغياب أي محفز، فلا يجد دافعاً لاستكشاف الأشياء الجديدة؛ لذلك ينصح أطباء الأمراض النفسية بأن يضع المريض لائحة بالأشياء التي قد يرغب في تجربتها؛ إذ يعمل على تطبيقها واحداً تلو الآخر، مثل السفر إلى مدينة بعيدة للقاء بعض الأصدقاء أو شراء ملابس جديدة أو السير مع الرفاق إلى قمة أحد الجبال.

قد يجد المريض صعوبة في أداء هذه المهام؛ فيتعيَّن عليه أن يجبر نفسه على ذلك، ولكنَّ ذلك في أغلب الحالات يقتصر على البداية، ومن بعدها يجد المريض نفسه منغمساً في هذه النشاطات، وقد يكون من المفيد جداً الاستعانة بأحد الأصدقاء لمساعدته على المتابعة.

مع مرور الزمن وتكرار التجارب الجديدة فإنَّ المريض سيتولد لديه دافع أو حافز أو شيء ما قد لا يكون قادراً على معرفة ماهيته، ويحفزه على الاستمرار أو يثير اهتمامه في أداء المزيد من التجارب الجديدة.

يُجمِع الأطباء النفسيون على أنَّ هذه التجارب قد لا تكون أمراً سهلاً؛ لذا فإنَّهم يوصون المرضى بالقيام بتجربة واحدة في الأسبوع على الأقل؛ مما يحقق صدعاً في حائط الملل الذي يعاني منه المريض ويمنحه بعضاً مما يفتقده.

روتين الحياة الذي تكرهه ينقذك من جحيم الاكتئاب:

قد يكون روتين الحياة من الأمور التي يكرهها أغلب الأشخاص أو بالأحرى ذات سمعة سيئة ترتبط بالملل والضجر، وقد يكون من الصعب على مريض الاكتئاب أن يلتزم بأداء روتين يومي محدد أو العمل وفق جدول زمني، ولكنَّ أغلب الأبحاث والدراسات الحديثة تشير إلى أنَّ اتِّباع الإنسان لنظام حياة روتيني قد يحمل الكثير من الفوائد بالنسبة إلى الصحة العقلية والنفسية.

وتفسير ذلك وفق ما يرى الباحثون هو أهمية الروتين في إحساس المريض بأنَّه يعيش حياة طبيعية، وقد تنعكس حالة الاستقرار الخارجي الذي يفرضه الروتين على الحالة النفسية الداخلية، وينظمها بطريقة أو بأخرى؛ لذا ينصح الأطباء بالتمسُّك بالروتين اليومي في حالة الشعور بالاكتئاب أو التوتر أو القلق.

من جهة أخرى فإنَّ عدم وجود روتين يومي، يعزز شعور الإنسان بعدم الاستقرار؛ مما يؤدي إلى تشتته ونقص قدرته على التركيز؛ مما يزيد من قلقه وتوتره، وهذا كله سيؤدي طبعاً إلى الإرهاق والتعب والصداع، ويفاقم حالة الاكتئاب الموجودة أصلاً لدى المريض.

هذا كله يمكن تلافيه من خلال اتِّباع روتين يومي أو وضع جدول زمني لما تريد أن تفعله.

الاستماع للموسيقى يحسن طاقة ومزاج المصاب بالاكتئاب:

لا يمكن الشك بتأثير الموسيقى في المزاج المنخفض؛ إذ إنَّها قادرة وبطريقة سحرية على تحفيز الدماغ وتنشيطه وتزويد الجسم بالطاقة؛ لذا يُوصي الطب النفسي مرضى الاكتئاب بالاستماع للموسيقى عندما يشعرون بالإحباط أو نقص الطاقة.

من جهة أخرى، توجد العديد من الدراسات التي تؤكد أنَّ نسبة كبيرة من مرضى الاكتئاب يلجؤون إلى سماع الأغاني الحزينة مما يدفعهم إلى اجترار مشاعر الألم والحزن وإعادة الذاكرة إلى المشاهد السيئة أو المؤلمة؛ مما يجعل المريض يغرق في بحر اكتئابه أكثر فأكثر؛ لذا ينصح الطبيب النفسي مرضاه بالاستماع إلى الأغاني التي تبعث على التفاؤل؛ وذلك من أجل رفع حالتهم المزاجية وتحفيزهم على الانخراط في خضم الحياة مرة أخرى.

إقرأ أيضاً: العلاج بالموسيقى: هل يمكن استخدام الموسيقى بديلاً عن الدواء؟

تمرينات عملية بسيطة تساعدك على التخلص من الإجهاد الذي يرافق مرض الاكتئاب:

لا شكَّ في أنَّ الإجهاد هو سبب هام من أسباب الاكتئاب وعامل مفاقمة لجميع أعراضه؛ إذ وجدت الدراسات الحديثة نسبة مرتفعة من هرمون الكورتيزول عند مرضى الاكتئاب، وهو هرمون يرتفع في حالات الإجهاد النفسي أو الجسدي؛ لذلك طور الطب النفسي عدة أساليب للتغلب على هذا الإجهاد وهي:

1. التنفس العميق:

وجدت الدراسات الحديثة أنَّ التنفس بعمق وبطء لعدة دقائق في اليوم مع توجيه التركيز نحو الجسد وحركات التنفس وعمقها يساعد جداً على التعامل مع المخاوف أو الأمور المقلقة التي قد تواجهنا جميعاً في حياتنا.

2. التمرينات الرياضية:

جميع مدارس الطب النفسي حول العالم تؤكد أهمية التمرينات الرياضية في التخلص من التوتر والقلق والاكتئاب وحماية الصحة النفسية والجسدية بشكل عام.

3. قراءة الكتب:

تعمل المطالعة على تنظيم ذبذبات الدماغ بشكل آخر؛ مما يجعل الدماغ يستريح من المخاوف السلبية ويقلل من التفكير الزائد؛ وذلك من خلال تركيزه في أحداث القصة أو الرواية.

4. الكتابة:

حتى لو لم تمتلك موهبة في الكتابة يمكنك أن تدوِّن الأشياء الجميلة التي تحبها أو تلك الذكريات التي تبعث السعادة في قلبك، ويمكنك كذلك أن تضع طاولة وكرسي في الحديقة وتحضر دفتراً وتحاول كتابة الشعر، فمَن يدري قد تكون شاعراً وأنت لا تدري.

كيف يمكن للون الأخضر أن ينتشلك من هاوية الاكتئاب؟

ينصح الطب النفسي بإضافة بعض النباتات الطبيعية إلى داخل الصالون أو على طاولة المكتب؛ إذ وجدت الدراسات النفسية تأثيراً إيجابياً في الصحة العقلية والنفسية، وهذا يعود إلى الهواء الطلق الذي تؤمنه هذه النباتات؛ مما ينعكس إيجاباً على مزاج مريض الاكتئاب.

أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ إضافة النباتات الداخلية إلى بيئة العمل قد تكون لها العديد من التأثيرات المفيد وأهمها:

  • للنباتات الخضراء دور كبير في تحسين بيئة العمل؛ إذ وجدت الأبحاث أنَّ المكاتب التي تحوي نباتات خضراء أكثر؛ حازت على إنتاجية أفضل وعلى راحة نفسية وتركيز أعلى من قِبل الموظفين، وزادت نسبة الرضى لديهم.
  • وجدت الأبحاث أنَّ الطلاب الذين قضوا معظم وقتهم في المنزل خلال الحجر الصحي إزاء جائحة كوفيد 19 يتمتعون بصحة نفسية أفضل؛ وذلك لأنَّ بيوتهم كانت تحتوي على الكثير من النباتات الخضراء، وكانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق.
إقرأ أيضاً: الألوان وتأثيرها على الحالة النفسية للإنسان

في الختام:

إنَّ كل ما ورد في هذا المقال لا يعني أنَّ الاكتئاب لا يحتاج إلى دواء؛ إذ توجد حالات من الاكتئاب لا يمكن أن تتحسن إلَّا بوجود الأدوية، وهذا الأمر يحدده الطبيب النفسي، فوحده القادر على تقييم الحالة ووصف الدواء المناسب؛ لذا من الضروري نشر الوعي الطبي والنفسي وكسر رهبة العلاج النفسي وتشجيع الناس على طلب المساعدة من الطبيب النفسي عند الحاجة إلى ذلك.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة