كيف تسيطر على ما لا يمكنك السيطرة عليه في الحياة؟

قد تتغيَّر الكثير من الأمور في غضون عام دون إرادتنا، فمَن كان يتصوَّر أن تخرج الحياة عن السيطرة بهذا الشكل؟ وبالنظر إلى الماضي، هل تتمنَّى لو كنت قدَّرت حياتك أكثر؟ أو تتمنى لو كنت قد اتَّخذت مساراً مختلفاً؟



لقد هاجمت جائحة فيروس كورونا البشر جميعاً؛ إذ أظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية (WHO) أنَّ الجائحة قد أوقفت خدمات الصحة النفسية في 93٪ من البلدان في جميع أنحاء العالم في وقتٍ يزداد فيه الطلب على تقديم الدعم.

وعلى مدار الطريق الطويل الذي لا يزال أمامنا، ينبغي علينا التفكير في أشياء جيدة تدعم صحتنا النفسية بدلاً من الأخبار السيئة التي لا تنتهي والدمار الذي يحتكر حياتنا.

فضلاً عن معدَّل الوفيات العالمي والضائقات المادية والعزل، تسبَّب فيروس كورونا في زيادة حالات الطلاق في الولايات المتحدة والصين وبريطانيا والسويد؛ ممَّا أدى إلى زيادة مشكلات الصحة النفسية التي كانت تستنزف الاقتصاد العالمي حتى قبل الجائحة؛ إذ كانت تتكلَّف تريليون دولاراً سنوياً من الإنتاجية المفقودة.

نظراً لأنَّه من الهامِّ أن تعرف كيف تتصرَّف عندما تواجه شيئاً خارجاً عن سيطرتك، نقدِّم لك 8 نصائح عليك تطبيقها:

1. افهم أنَّك قد تعاني من عدم السيطرة دون أن تعرف ما الذي يفعله ذلك بك:

إذا واجهت أيَّاً مما يلي، فاعلم أنَّ عدم السيطرة قد يؤثِّر في حياتك الشخصية والمهنية، وأيضاً في سعادتك وحتى نجاحك.

  • الرغبة في النميمة ومعرفة ما يفكِّر فيه الآخرون.
  • انخفاض الإنتاجية في العمل أو المنزل أو كليهما.
  • عدم القدرة على إنهاء موضوع معيَّن أو تجنُّب خوض جدالٍ ما.
  • بذل الكثير من الجهد في العمل والشعور بالإرهاق.
  • الإدارة التفصيلية والتركيز على أدق الأمور.
  • الإعياء الجسدي والنفسي.
  • الشعور بالإنهاك.
  • العنصرية أو التمييز.
  • الشعور بالانهزامية.
  • الافتقار إلى الإبداع.
  • عدم الاهتمام بالهوايات والأعمال الروتينية.
  • الشعور بالغضب والاستياء.
  • الشعور بالتوتر.

هذه بعض الأمور التي قد يتسبَّب فيها الشعور بنقص السيطرة.

إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

2. اسأل نفسك "هل الطريقة التي أرى بها العالم صحيحة؟":

لكي تستعيد سيطرتك على حياتك، يجب أن تبدأ بنفسك وبمعتقداتك؛ إذ تشكِّل طريقة رؤيتك للعالم عالمك الشخصي؛ لذا إذا كنت تشعر أنَّك لا تمتلك السيطرة على حياتك، فهذا ما سوف يحدث حقاً.

في الواقع، من الصعب أن نرى العلاقة بين ما نفكِّر فيه وما يحدث لنا أو ما نفعله، ولكن انظر حولك وستجد أنَّ كل ما يحيط بك بدأ كفكرة خطرت في بال أحدهم، حتى هذه الشاشة التي تنظر إليها، شكلها ولونها وتصميمها كانت قرارات واعية اتَّخذها أناسٌ آخرون.

والآن، فكِّر في شيء يزعجك وتشعر أنَّه ليس في إمكانك السيطرة عليه تماماً (فكِّر في الجائحة مثلاً أو شيء شخصي آخر)، ثم أنشئ حلقة مثل هذه:

اكتب في كل دائرة شعوراً أو عاطفة أو فعلاً أو نتيجة، لا يوجد أسلوب محدَّد للقيام بذلك؛ فاكتب ما تشعر به وما هو طبيعي بالنسبة إليك، ولاحظ وجود سهم بعد الدائرة الأخيرة؛ هذا لأنَّ التصاعد المستمر للأفكار السلبية قد يخرج عن نطاق السيطرة ما لم تضبطه؛ ممَّا يُبقيك أسيراً لهذه العواطف، فتشعر بالسوء وتحقِّق نتائج سيئة.

في الواقع، لا يمكننا إخفاء المشكلة بطريقة سحرية، ولكن يمكننا السيطرة على ما نشعر به حيالها، ورغم أنَّك لست مضطراً لأن تعرف كيف ستفعل ذلك الآن، يمكنك أن تقرِّر أنَّك تود وضعاً أفضل من وضعك الحالي عندما تعترف بكيفية رؤيتك للعالم وما تفعله بك هذه الرؤية جسدياً وعاطفياً ونفسياً.

3. اتَّبع وسائل تساعدك على تحسين صحتك النفسية:

هناك ممارسة رائعة تفيد الأشخاص الذين يحبون تعلُّم أشياء جديدة وتعزيزها، وهي العلاج السلوكي الجدلي.

يشير العلاج السلوكي الجدلي إلى أنَّ أول شيء يجب أن تفعله عندما تخرج الأمور عن سيطرتك هو (R.E.S.T)، وهذه الكلمة هنا لا تعني الاسترخاء فحسب؛ بل يشير كل حرف منها إلى أول حرف من الكلمة المقابلة في اللغة الإنجليزية، وهي: الاسترخاء (Relax) والتقييم (Evaluate) وتحديد النية (Set an intention) واتِّخاذ الإجراءات (Take action).

مارِس أي شيء يجعلك تتوقف عن اختلاق الأفكار السلبية، مثل سماع أغنية أو اللعب مع حيوانك الأليف أو ممارسة التأمُّل أو أي شيء آخر يجعلك تتوقف عن التفكير؛ وذلك لأنَّه من الصعب تغيير ما تفعله إذا كنت ترسِّخ تفكيرك فيما تبدو عليه الحياة.

4. تحدَّ الأمور المسلَّم بها في الحياة:

بعدما صار الناس يعملون عن بُعد، أصبح العديدون يقولون: "لا يمكنني فعل أي شيء حيال هذا" أو "هذا هو الحال"، وهذه العبارات في الواقع هي سبب معاناة الناس؛ لذا يتعيَّن عليك تحدي هذه العبارات، حتى لو كانت حقيقية، وكذلك العبارات المشابهة مثل:

  • يجب أن أعمل لساعات عديدة لإنجاز كل شيء.
  • يشعر الجميع بالتوتُّر، ولا يسعنا فعل شيء حيال ذلك.
  • سيكون الأمر أفضل عندما تنتهي الجائحة؛ لذا علينا فقط أن نتحملَّها ريثما تمضي.

إذا كنت تقول لنفسك هذه العبارات، فهذه علامات تدل على أنَّه ينبغي عليك تحدي ما تؤمن به؛ وذلك لأنَّ هذا الكلام يسلب منك السيطرة دون أن تنتبه؛ فاحذر من ذلك.

إقرأ أيضاً: كيف تستعيد زمام الأمور حينما تفقد السيطرة على حياتك؟

5. ذكِّر نفسك بأنَّ هناك دائماً طريقة أخرى للتعامل مع الأمور:

لتغيير ما يحدث، عليك تغيير ما تعتقد؛ لذا قبل أن تتوصَّل إلى الاستراتيجية التالية، فكِّر فيما تحتاج إليه لتكون صادقاً مع نفسك، وما تحتاج إلى الإيمان به، يسمَّى هذا إعادة صياغة الأفكار السلبية، أي القدرة على إيجاد الإيجابيات في أقسى المواقف، ويتطلب الأمر ممارسة ومثابرة لتتمكَّن من رؤية الجانب المشرق من أي موقف؛ ممَّا يساعدك على السيطرة على أفكارك بصورة أكبر؛ إذ يؤدي المزيد من التحكم في أفكارك إلى إثارة أفكار وإجراءات أكثر إيجابية ونتائج أفضل.

على سبيل المثال:

  • بدلاً من أن تقول: "أفتقد الخروج من المنزل"، قُل: "لقد وفَّرتُ الكثير من المال".
  • بدلاً من أن تقول: "أفتقد العمل في المكتب"، قُل: "لا أفتقد قضاء الوقت في الذهاب إلى العمل، وأصبحت مولعاً باحتضان أطفالي، أو حيواني الأليف، أو قضاء الوقت مع زوجتي بين الاجتماعات".
  • بدلاً من أن تقول: "أشعر بالعزلة"، قُل: "أتعلَّم أن أقدِّر شركتي، وأن أجلس أكثر مع نفسي لأكتشف أفكاري وأحلامي".

في هذه المرحلة، لا يتعيَّن عليك بالضرورة تصديق أنَّ هذه الأفكار صحيحة، ولكن كل ما عليك فعله هو أن تكون قادراً على إعادة صياغة أفكارك.

6. اعتز بذاتك:

تُعدُّ هذه الاستراتيجية وسيلة فعالة لتقدير ذاتك دون محاولة إجراء تغييرات في الحياة من خلال تقليد الآخرين؛ لأنَّك إنسان فريد، وتختلف ظروفك عن ظروف أي شخص آخر؛ على سبيل المثال: تخيَّل لو قال لك أحدهم إنَّه سيأخذك في عطلة بعد 5 ساعات إلى أي مكان ترغبه في العالم، قد تقول: "لا يمكنني الاستعداد في غضون 5 ساعات"، بينما قد يرحِّب شخص آخر بالفكرة ويقول: "هيا بنا"؛ حيث يعتمد هذا على وضعك وظروفك التي ينبغي عليك أن تحترمها.

إذا كانت هناك قائمة لأهدافك، فلا تقلق بشأنها الآن، أو استشِر أشخاصاً آخرين ينجحون في وضع الخطط لتساعدك هذه المعلومات على فهم ما عليك القيام به كي تستطيع إحداث فارق في شعورك.

وعندما تشعر أنَّك منغمس في المشكلات، حاول إيجاد شيء تتفوَّق في القيام به لتحويل الأفكار السلبية إلى مهارات؛ وذلك لأنَّه كلما زاد فهمك لطريقتك الطبيعية التي تتعامل بها مع الحياة، كانت النتائج التي يمكنك تحقيقها أفضل.

7. اعكس أفكارك:

عندما تحاول إيجاد حلول للطريقة التي تفكر فيها، والإجراءات التي ستتخذها، يحاول عقلك أن يثبت لك أنَّك على صواب، فإذا فكَّرت مثلاً في ناتج مجموع 1 + 1، سيجيب عقلك بدون تفكير "2"، ولكن المشكلة في هذه الطريقة أنَّها تمنعك من إيجاد طرائق جديدة أفضل للعمل؛ إذ يريد عقلك أن يبقيك سالماً على اعتقاد أنَّك فعلت كل ما في وسعك ولا يوجد شيء آخر يمكنك القيام به.

شاهد بالفديو: 5 أفكار بسيطة تجعل حياتك أسهل بعشرة أضعاف

تخيل أنَّك تمتلك عصا سحرية تمكِّنك من إصلاح كل ما لا يمكنك السيطرة عليه دون قيود على التكلفة والوقت والمهارة، ماذا ستفعل؟

يجب أن تسأل نفسك أسئلة مثل:

  • ماذا سيمنحك ذلك؟
  • لماذا تستفيد من ذلك؟
  • إلام سيؤدي ذلك؟

وخير مثال على ذلك هو شخص كان يعاني من العمل عن بُعد؛ إذ صار يعمل عدد ساعات أطول، ويشعر بالإرهاق، ويرغب في الاستقالة، ولا يأكل جيداً، وأصبح مشغولاً بمساعدة أطفاله في إنجاز واجباتهم المدرسية؛ يشعر هذا الشخص أنَّه لا يتحكَّم في حياته ولا يمكنه تغييرها؛ لذا صار يعتقد أنَّ في إمكانه استعادة أسلوب حياته القديم فقط بعد انتهاء الجائحة؛ ممَّا يشعره بعدم السيطرة أكثر وأكثر، وبعد ذلك، اكتشف أنَّه يقدِّم الكثير من التضحيات دون إحداث تغيير في حياته أو حياة أي شخص آخر.

لقد بدأ بعدها في طلب المساعدة وإشراك الأسرة، وأصبح يعمل لساعات أقل بكثير من ذي قبل، حتى أنَّه تمكَّن من الترفيه عن نفسه والاستيقاظ في المساء لمشاهدة فيلم أو قراءة كتاب؛ ممَّا يقودنا إلى النقطة التالية.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على عقليّة لا أقوى على فِعل ذلك

8. شارِك أهدافك:

إذا كنت تمرُّ بمواقف عسيرة بما فيه الكفاية، ستكون محاولة إصلاحها بنفسك مَهمَّةً صعبة؛ فالتحدُّث عن المشكلة هو نصف الحل؛ إذ يساعد التحدُّث على رؤية المشكلة من جميع زواياها لمحاولة حلها؛ لذا أخبِر الناس عمَّا تحتاجه واطلب منهم المساعدة.

يمكنك أن تشعر بأنَّك تسيطر على حياتك حتى لو لم تفعل ذلك من خلال إدراك هذه الخطوة؛ وذلك لأنَّك عندما تجمع الجميع معاً لتحقيق هدف مشترك، يشعرون أنَّهم مساهمون فيه؛ ممَّا يجعلهم يثابرون ويستمرون في إيجاد الحلول من أجل بعضهم بعضاً؛ لذا لا تخجل من قول:

  • أريد قضاء بعض الوقت مع نفسي لممارسة اليوجا أو أعمال البستنة أو التفكر.
  • أريد أن يختار كل فرد من العائلة يوماً ليطهو فيه الطعام.
  • أحتاج المساعدة من كل فرد مرَّة أسبوعياً كي لا أشعر بالكثير من الإرهاق وعدم القدرة على استعادة طاقتي قبل بدء العمل.

قد لا تكون هذه المحادثات مريحة دائماً، ولكن يساعد فرض حدودك واحترام الآخرين لها على استعادة الشعور بالسيطرة، وربما تبدو كلمة "فرض الحدود" قاسية، ولكن لاستعادة الشعور بالسيطرة، ينبغي على الجميع إنشاء القواعد والعيش وفقاً لها.

لقد درس فريق من الباحثين من "جامعة إلينوي" (University of Illinois) العلاقة بين الضغط المهني والسلامة النفسية، وتبيَّن أنَّ أولئك الذين يسيطرون على حياتهم المهنية وحياتهم الشخصية بصورة أفضل يتمكَّنون من إنشاء عازل للضغط يحميهم من الوقوع في فخ اجترار الأفكار السلبية؛ لذا عليك أن تضع حدوداً جيدة، وأن تستمر في متابعة الأمر لمعرفة ما هي الحدود الجيدة وتلك التي يجب تغييرها.

في الختام:

أخيراً، تذكَّر أنَّ دوام الحال من المُحال، وأنَّ هذا ما يجب أن نعرفه جميعاً عندما نشعر بفقدان السيطرة؛ فكل شيء يتغيَّر؛ جيداً كان أم سيئاً.

المصدر




مقالات مرتبطة