كيف تستعيد هدوءك وتركيزك عندما تشعر بالتوتر؟

هل تشعر أنَّ ضغوطات الحياة تحكم سطوتها عليك بشدة أحياناً بحيث يصعب عليك التنفس واستعادة الهدوء أو التركيز؟



تبرز المشكلات في الحياة بصورة أسرع مما نتوقع، ولا تكاد تنتهي من قائمة مهامك حتى تتكدس من جديد. يمكن لكل هذا أن يؤدي إلى موجات عارمة من التوتر، حتى يغدو الحفاظ على تركيزك وهدوئك والانخراط في العمل صراعاً لا بد من التعامل معه.

يستكين الكثير من الناس لهذا ويحاولون تجاهله تماماً وإقناع أنفسهم أنَّ الحياة هكذا، ولا توجد طريقة للتعامل مع الأمور عندما يصيبك التوتر. ولكن يوجد العديد من الحلول والأساليب الفعالة للتعامل مع التوتر؛ لكن يتطلب الأمر منك تعلم بعض المهارات الأساسية ثم ممارستها بانتظام.

هذه المهارات هي نفسها التي استخدمتها فرق الإنقاذ الجوية الأميركية (Air Force PJs)، وبما أنَّها كانت فعالة لمساعدة هؤلاء الرجال على البقاء هادئين في أصعب المواقف، فهي ستكون مفيدة لنا بالتأكيد.

فرق الإنقاذ الجوية الأميركية (Air Force PJs) هي جزء من قوات العمليات الخاصة، فهم يشكلون نخبة النخبة من المحاربين؛ حيث تتضمن مهمتهم إنقاذ العسكريين الآخرين المحاصرين خلف خطوط العدو، والمقطوعين تماماً عن الإمداد والمعرضين لخطر الوقوع في الأسر أو القتل.

يتمكن أفراد القوات الخاصة هؤلاء من التعامل مع التوتر النفسي والذهني لإنجاز المهمة بهدوء من خلال اتباع أحد أنماط العلاج السلوكي المعرفي الذي يسمى تدريب التلقيح بالتوتر (Stress Inoculation Training) أو ما يعرف اختصاراً بالـ "SIT".

دعونا نلقي نظرة على ماهية هذا النهج وكيف يمكنك استخدامه أيضاً:

كيف تبقى هادئاً تحت الضغط؟

مثل اللقاحات التي تستخدم للوقاية من الأمراض الخطيرة (مثل الملاريا والأنفلونزا والتهاب الكبد B وغيرها)، يهدف "التلقيح بالتوتر" إلى الحماية من تأثير الضغوطات النفسية الشديدة أو المديدة.

يقوم هذا النهج على الخطوات التالية:

  1. تحديد الظروف المتوقعة التي قد تشعر بالضيق في ظلها وتحديد رد فعلك النموذجي قياساً على تلك المواقف الباعثة على التوتر.
  2. تعلُّم تقنيات استرخاء محددة تعمل على تهدئة ذهنك وعواطفك على حد سواء.
  3. وضع قائمة بالعبارات التي تحرِّض استجابة مهدئة.
  4. تعريض نفسك للمواقف التي تثير مزيداً من التوتر، بينما تمارس هذه التقنية.

شاهد بالفيديو: كيف تحدد أهدافك وتنجزها دون توتر؟

تدرب على هذه العملية ذات الخطوات الأربعة، ومن المؤكد أنَّك ستتغلب على التوتر في أي موقف مهما كان عصيباً:

1. معرفة نفسك:

يعرف أفضل ميكانيكيي السيارات كل صغيرةٍ وكبيرةٍ تتعلق بأنظمة السيارات التي يصلحونها؛ وتمكِّنهم هذه الثروة المعرفية من تشخيص وإصلاح أعطال أي سيارة بمهارة منقطعة النظير. كما يمتلك جرَّاحو القلب أيضاً فهماً عميقاً ومحكماً للقلب ونظام الدوران عامةً، مما يسمح لهم بإجراء عمليات جراحية معقدة لاسترجاع صحة المريض المنهكة.

وبالمثل، إذا كنت ترغب في تعلم كيفية الحفاظ على الهدوء الذهني عندما ترزح تحت ضغوطات الحياة، فمن الهام أن تتعمَّق في التعرف إلى كل ما يثير توترك.

تتمثل طريقة ذلك في تتبع المواقف الأكثر إرهاقاً بالنسبة لك وما الذي يجعلها تمثل تحدياً صعباً؛ فربما تبدأ على الفور في افتراض الأسوأ في كل موقف يواجهك، فتتخيل نهايات كارثية أو تعتقد أنَّك ستتعرض للإهانة؛ أو ربما تتخيل أنَّ الانتكاسات التي تتعرض لها ستؤدي إلى فشل يلازمك ما حييت.

لذا اكتب المصادر الخمسة الأكثر شيوعاً للتوتر التي تعيقك؛ واكتب أيضاً أفكارك أو ردود أفعالك المُعتادة تجاه هذه المواقف. وإذا أردت أن تخطو خطوة إضافية، فعليك أن تفكر في الطرائق التي أثبتت نجاحها في تجاوز المواقف العصيبة التي حددتها للتو.

لا بد أنَّك قد نجحت في التعامل مع بعض المواقف الباعثة على التوتر في الماضي؛ حدد ما فعلته للنجاح في تلك المواقف؛ فهل تراجعت خطوة إلى الوراء كي تضع الأمور في نصابها الصحيح؟ أم تحدثت مع صديق مقرب لاكتشاف وجهة نظره حول الموضوع؟ ربما كان كل ما يتطلبه الأمر لتهدئة ذهنك واستعادة تركيزك هو أخذ بعض الأنفاس العميقة، أو سواها من الأمور التي تبعث على الاسترخاء.

2. تعلم تقنيات الاسترخاء:

يوجد العديد من تقنيات الاسترخاء المفيدة التي يمكنك الاختيار من بينها؛ لكن سنستعرض فيما يأتي 3 تقنيات يجدها معظم الناس مفيدة وسهلة التطبيق في أي موقف قد تواجهه:

2. 1. التنفس الحجابي:

ينصب التركيز في هذا النمط من التنفس على استخدام الحجاب الحاجز (وهي العضلة الموجودة تحت الرئتين والتي تفصل جوف الصدر عن البطن). يشار إلى التنفس الحجابي أحياناً بـ "التنفس البطني" (والذي يختلف عن التنفس الصدري المُعتمِد على العضلات الوربية)؛ حيث ينتج عن تمديد رئتيك عن طريق تقليص عضلة الحجاب الحاجز تمدد البطن للخارج قليلاً.

ويعود سبب أهمية التنفس الحجابي إلى كونه يحفِّز العصب المبهم الذي يرسل بدوره إشارات مثبطة إلى الدماغ تحفز الشعور بالهدوء؛ فهو يعمل عمل الفرامل بالنسبة للجهاز العصبي، وبالتالي يأمر الدماغ بالتريُّث، مما يخفف حدة القلق والتوتر اللذين كانا يتراكمان بسبب المواقف التي تمر بها.

توجد طرائق أخرى لتحفيز العصب المبهم؛ حيث تتضمن بعض ممارسات التأمل قول عبارات "مانترا" (mantra) بطريقة تشبه الهمهمة، مما يؤدي إلى الاسترخاء.

2. 2. الترسيخ:

يركز هذا النهج على جعل الشخص الذي ضاع في دوامة من التوتر يعود إلى الواقع. فمن خلال تحويل تركيز المرء إلى الحاضر، يبدأ التوتر حول التهديدات المُتخيلة في التلاشي، وتتبدد الضغوطات التي جلبتها الأحداث السابقة.

يستخدم أسلوب الترسيخ على نحو واسع لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من التوتر الناتج عن مجموعة متنوعة من المصادر؛ بما في ذلك نوبات الهلع والصدمات النفسية وضغوطات العمل وغيرها؛ حيث توجد العشرات من تقنيات الترسيخ التي يمكنك الاختيار من بينها لتناسب تفضيلاتك وظروفك الخاصة، لكنَّنا سنستعرض تقنية واحدة يجد معظم الناس أنَّها مفيد وسهلة الإجراء في جميع الأوقات.

كي تكون هذة التقنية فعالة، يجب عليك التركيز مؤقتاً على المدخلات الحسية من محيطك المباشر، مثل: الألوان والأصوات والروائح والملمس. على سبيل المثال، فإذا كنت في اجتماع عمل وبدأت تشعر بالإرهاق، يمكنك توجيه انتباهك عمداً إلى لون المفكرة الموضوعة على الطاولة، أو صوت مكيف الهواء أو رائحة القهوة المنبعثة من الكوب أمامك أو ملمس الكرسي الذي تجلس عليه.

لا يتطلب هذا سوى بضع لحظات؛ لكنَّه يحول انتباهك بعيداً عن مصدر التوتر، ويعيد تركيزك إلى الحاضر كي تستعيد هدوءك وتصفي ذهنك.

2. 3. التصور المُوجَّه:

ربما سرحت بأفكارك في بعض الأحيان، أو وجدت نفسك ترى أحلام يقظة من وقتٍ إلى آخر، هذا بالضبط ما يدور التصور الموجَّه حوله؛ فهو يعني أن تتصور مشهداً يجلب لك الشعور بالهدوء والثقة بالنفس.

ولإتقان هذه المهارة، يحتاج المرء فقط إلى بعض التدريب؛ حيث تتمثل الخطوة الأولى في اختيار مكان أو موقف جربت فيه الشعور بالهدوء والسيطرة، كأن تسترجع ذهنياً وضعك عندما كنت مستلقياً على شاطئ رملي أبيض، أو تتدرب في فصل يوجا، أو تقرأ كتاباً بجوار نار متقدة.

بينما تكون الخطوة التالية هي إغلاق عينيك والبدء في ملء تلك الصورة الذهنية الضبابية بأكبر قدر ممكن من التفاصيل؛ وهنا، يجب أن تُضيف أكبر قدر ممكن من المدخلات الحسية؛ فإذا تخيلت نفسك جالساً على الشرفة الأمامية لمنزل جبلي، يمكنك التفكير في رائحة أشجار الصنوبر، وإحساس النسيم يلفح وجهك، وصوت الرياح تمر عبر الأغصان، والظلال الطويلة التي تتركها أشعة الشمس بينما تغرب خلف الجبال، وغيرها من التفاصيل المبهرة في هذا المكان الرائع.

وكلما تخيلت هذا المكان بشكل أكثر وضوحاً، كان تأثير هذا التصور أقوى في تخفيف التوتر واستعادة الهدوء الذهني.

شاهد بالفيديو: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد

3. اختيار عباراتٍ مُهدِّئة:

أنت في هذه الخطوة، تُذكِّر نفسك بوضع ضغوطاتك الحالية في منظورها الصحيح؛ حيث يعد هذا هاماً للغاية كون التوتر يحمل تأثيراً تراكمياً، فكلما طالت مدة التعرض للتوتر دون معالجته، زاد الزخم الذي يكتسبته، مما يؤدي إلى تعكير صفائك الذهني وهدوئك؛ حيث تبرز المخاوف الصغيرة على نحو أكبر مما كانت عليه في الأحوال العادية.

قبل أن تصل الأمور إلى هذه النقطة، يجب أن تأخذ زمام السيطرة، ويمكنك ذلك عن طريق تكرار بعض العبارات المختارة جيداً والتي تجلب السلام والوضوح إلى ذهنك.

تتضمن أمثلة هذه العبارات قول ما يأتي:

  • لقد تعاملتُ مع مواقف صعبة مثل هذه من قبل، ويمكنني القيام بذلك الآن أيضاً.
  • هل من المحتمل أن تحدث النتيجة الأسوأ حقاً؟ وإذا حدث ذلك، فهل سيكون ذلك بالسوء الذي أتخيله الآن؟
  • أنا متوتر، لكنَّني ما زلت قوياً بما فيه الكفاية، فأنا أمتلك المهارات اللازمة للتعامل مع هذا الموقف، وكل ما أحتاجه هو أخذ استراحة قصيرة، والتمهل قليلاً، ثم العودة والتعامل معه.
  • أنا أشعر بالتوتر ويتوجب علي التوقف لبرهةٍ لأخذ أنفاس عميقة؛ كما سأستخدم التصور الموجَّه الذي تدربت عليه مراراً، وستبدو الأمور أكثر وضوحاً بمجرد أن أستعيد تركيزي.
  • أستطيع أن أشعر بالتشنج في عضلات رقبتي، وأنا أعلم أن هذا التوتر سيزداد سوءاً مع الوقت؛ لذا علي أن أعيش اللحظة الحالية، وآخذ نفساً عميقاً، وأحدد أولوياتي كي أوجِّه طاقتي حيث أريد.

تقدم هذه العبارات عدة فوائد؛ فهي تساعد في وضع الأمور في نصابها الصحيح، وتذكرك باستخدام المهارات التي تعلمتها للتغلب على التوتر، مثل: التنفس العميق، والتصوِّر الموجَّه، وما إلى ذلك. ولتحقيق أقصى استفادة من هذه العبارات، احرص على كتابتها مسبقاً؛ حيث يمكنك إعداد قائمة بها، ثم مراجعتها لتحديد العبارات الأكثر فائدة لك.

حدد عدداً من هذه العبارات وأضفها كملاحظات على هاتفك، أو على قطعة من الورق تحتفظ بها بقربك، بحيث يمكنك العودة إليها فوراً عندما تشعر بالتوتر وتريد استعادة هدوئك وتركيزك.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة لممارسة التحدث الإيجابي إلى الذات من أجل تحقيق النجاح

4. القيام بأشياء صعبة:

كلما واجهت تحديات صعبة في الحياة وتغلبت عليها، زادت قوتك الذهنية أو "عزيمتك" التي تتيح لك مواجهة المواقف العصيبة القادمة بثقة أكبر. فعلى سبيل المثال، عندما يكون لديك موعد نهائي صارم في العمل، قد يكون من المفيد أن تتذكر الماراثون الذي ركضته، وكيف واصلت تحفيز نفسك عندما شعرت أنَّك قد أُنهِكتَ تماماً ولم تعد تمتلك القدرة على الاستمرار؛ ورغم ذلك، فقد أصررت وثابرت حتى تجاوزت خط النهاية.

تذكر كم شعرت بالرضا عند الانتهاء من السباق، وركِّز في الحديث عن ذلك للحظة لأنَّ هذا الشعور هو نفسه ما ستشعر به عندما لا تستسلم للتوتر وتكمل المشروع في الموعد النهائي المحدد.

والآن، استخدم القدر نفسه من العزيمة للتصدي للضغوطات التي تواجهها اليوم؛ واعلم أنَّك ستجتاز لحظة الاختبار هذه، فقد أثبتتَّ مراراً أنَّك تمتلك "المهارات الصحيحة" للتغلب على مثل هذه التحديات.

فمن خلال تحفيز نفسك في مجالات أخرى من الحياة، أنت لا تطور "العزيمة" فحسب، بل تغير من إدراكك لذاتك أيضاً؛ حيث تبدأ في رؤية نفسك كشخص مثابر لا يعيقه أي شيء عن المضي قدماً.

يُشبه هذا ما يفعله رجال القوات الخاصة، فهم لا ينفكون يتدربون مراراً على أصعب الظروف وأقساها، بحيث يتعاملون بأريحية مع المواقف التي تواجههم في المعارك الحقيقية والتي يكونون قد اعتادوا عليها؛ لذا تراهم يتحركون غير جزعين وواثقين من أنَّهم سيؤدون المهمة التي قد أوكِلوا بها على أتم وجه.

يؤدي القيام بأشياء صعبة بانتطام إلى تطوير نفس العقلية لديك؛ حيث تفعل الثقة التي تكتسبها من خلال الممارسة العجائب لتهدئة حواسك عندما تكون تحت الضغط.

إذاً، ما نوع "الأشياء الصعبة" التي يجب عليك خوضها من أجل بناء المزيد من العزيمة والثقة؟ سنقدم لك بعض الأمثلة على ذلك فيما يأتي:

  • اذهب إلى صالة الألعاب الرياضية بانتظام، وحفز نفسك لتحسين لياقتك البدنية كما لو كنت رياضياً محترفاً.
  • مارس رياضة التجديف أو سباقات المغامرات أو غيرها من الرياضات القائمة على المنافسة، وضع الفوز نصب عينيك.
  • سافر إلى أماكن تجدها مثيرة للاهتمام، لكنَّك لطالما حاولت تجنبها بسبب القلق أو الخوف.
  • تولَّ مهام إضافية في العمل كنت قد تجنبتها فيما سبق لأنَّك تخشى وضع نفسك تحت الاختبار.

ما يهم حقاً هنا هو أن تدفع نفسك للقيام بما تراه صعباً؛ فالتفاصيل غير هامة بل الهام هو أن تصبح أقوى لمواجهة التحديات المستقبلية. فإذا نجحت في المهمة التي حددتها لنفسك، ستجد الأمر رائعاً حقاً؛ وإذا فشلت، يمكنك استثمار هذا لصالحك أيضاً؛ حيث ستدرك أنَّك تستطيع أن تلتقط أنفاسك وتمضي قدماً حتى في حالة الفشل، وهذا ما سيمنحك الثقة.

وعندما تكون واثقاً من قدرتك على الاستمرار في مواجهة الشدائد، ستخف حدة التوتر الذي يعتريك، وسيكون من الأسهل عليك الحفاظ على هدوئك الذهني في أحلك المواقف.

أفكار أخيرة:

لا يعد الحفاظ على الهدوء والتركيز في مواجهة التوتر الشديد مهمة مستحيلة؛ فالمهارات اللازمة لتحقيق ذلك بسيطة، لكنَّها تتطلب أن تعمل بجد لبنائها كي تصبح سلاحك للتعامل مع التوتر في المستقبل.

سيؤدي نجاحك في هذا الصدد إلى اكتساب شعور أعمق بالثقة والحرية؛ وبذلك لن تعود الضغوطات مخيفة، بل ستنظر إليها على أنَّها تحديات بسيطة يمكنك التغلب عليها من خلال استثمار هدوئك وتركيزك الذَين طوَّرتهما مع الزمن.

 

المصدر




مقالات مرتبطة