كيف تزيد الإنتاجية من خلال ممارسة أعمال هادفة؟

ما أهم شيء تطمح إليه من عملك؟ هل هو كسب المال، أم البحث عن فرص لترتقي في سلَّم مناصب الشركة؟ أم أنَّك تريد الأمن الوظيفي؟ أم تريد المرونة؟



إن كنت مثل معظم الناس الذين طُرح عليهم هذا السؤال، فإنَّ المعنى غالباً هو الإجابة الصحيحة؛ ذلك أنَّنا نريد أن نعرف أنَّ ما نفعله يتعدى حدود الترقية والمال والأمن الوظيفي بل وحتى المرونة.

والحقيقة أنَّ هذا ليس بالأمر المفاجئ؛ حيث تشير دراسات عدة إلى أنَّ أولئك الذين يشعرون أنَّ عملهم ذا معنى، يزداد عندهم الحافز والتفاعل مع العمل والتمكين، بل ويزداد تطورهم الوظيفي ورضاهم عن عملهم وأدائهم الفردي؛ ذلك لأنَّ العمل المجدي يُعدُّ أقوى الطرائق وأكثرها فاعلية في تعزيز الإنتاجية.

لقد أظهرت الدراسات أنَّ تسعة من بين عشرة موظفين على استعداد للتخلي عن جزءٍ من عائداتهم في مقابل وجود معنى لعملهم، ولكن ما الذي يعطي معنى للوظيفة؟ والأهم من ذلك، كيف تجد ذلك المعنى؟

وجود معنى للعمل يفتح أبواب الحافز:

تقول الكاتبتان ميلينا نيكولوفا (Milena Nikolova)  وفيمك كنوسين (Femke Cnossen) في بحث لصالح معهد بروكينغ (Brooking Institution)، إنَّه عند استكشاف ما يجعل العمل ذا معنى، فإنَّنا غالباً ما نعتمد على نظرية التحديد الذاتي؛ ووفقاً لهذه النظرية، فإنَّ تلبية الحاجات النفسية الفطرية الثلاث، من الكفاءة والاستقلال الذاتي والترابط، يُعدُّ أمراً أساسياً لتحفيز الموظفين وتمكينهم من تجربة وجود معنى لعملهم.

إنَّ أُولى الحاجات النفسية هي الكفاءة؛ وهذا يعني أنَّ الأفراد بحاجة إلى الشعور بالكفاءة من حيث امتلاك المهارات والقدرات للتغلب على المهام الصعبة، أمَّا الحاجة الثانية، فهي الرغبة في الاستقلال الذاتي والحرية لتقرير ما يريدون فعله.

ثم إنَّ ميلينا وكونسين تضيفان، أنَّ شعور الموظفين بالارتباط في العمل يزداد عندما يلمسون اهتمام رؤسائهم أو زملائهم، حيث يُظهرون لهم اهتمامهم في بالمقابل، أمَّا فيما يتعلق بالعمل، فهناك عوامل هامة أخرى، مثل الراتب والاستحقاقات وفرص التقدم الوظيفي والأمن الوظيفي وعدد ساعات العمل.

كما وتردفان القول بأنَّ التحليلات العامة تبيِّن أنَّ التقارب المتعلق بعلاقة العمل، هو أهم عامل يحدد معناه، وأولئك الذين يعملون عن بعد ولا يستطيعون الاجتماع مع زملائهم، سواءً قبل الوباء أم بعده، لن ينصدموا بهذه النتيجة.

وعموماً، نكتشف أنَّ الاستقلال الذاتي والترابط والكفاءة، أكثر أهمية بخمس مرات لبناء تصورات عن وجود عمل ذي معنى، مقارنة بالتعويض والفوائد والتقدم الوظيفي وانعدام الأمن الوظيفي وساعات العمل.

وفي الوقت نفسه، فإنَّ مسألة أن يكون للعمل معنىً، هي مسألة شخصية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكل فرد وحده، ولا توجد لها صيغة موحدة، ولكنَّها قد تحقق الآتي:

  • أن يسمح لك العمل باستخدام مهاراتك ومواهبك.
  • أن يجعلك تشعر بأنَّك جزء من شيء أكبر.
  • أن يعلمك بأنَّ مساهماتك ذات معنى.
  • أن يُشعرك بالتوازن بين العمل والحياة.
إقرأ أيضاً: 8 تقنيات لزيادة الحافز في مكان العمل

خطوات لإيجاد عمل ذي معنى:

من الواضح أنَّ إيجاد عمل ذي معنى ينبغي أن يكون أولوية؛ ولكن كيف يمكنك جعل هذا ممكناً؟

1. كل ما تحتاج إليه هو الحب:

يكمن الجواب الأكثر وضوحاً، في أن تفعل ما تحب، أي أن تفعل ما يثير الشغف في نفسك.

قد يختلف الشغف من شخص إلى آخر؛ لذلك لا وجود هنا لما هو صواب أو خطأ، على سبيل المثال، قد تستمتع بعمل البرمجيات أو الهندسة، ومن ناحية أخرى، قد تشعر بالحماسة عند مساعدة الحيوانات أو المحتاجين أو الطبخ أو حتى مشاركة خبراتك.

حدد الأشياء التي تستمتع بفعلها وما أنت شغوف به، ثم اعرِف ما إذا كان في إمكانك كسب العيش عن طريق القيام بذلك، ولكن، ماذا لو لم يكن هذا ممكناً؟

على الرغم من أنَّك قد تعمل في وظيفة تقدم إليك إجازات سخية تمكنك من متابعة شغفك، وعلى الرغم من أنَّها ليست المهنة التي تحلم بها، إلا أنَّك قد تؤمن حقاً بالمنظمة وأهدافها.

2. استخدم مثلث الانسجام:

تضيف المدربة كارولين كاستريلون (Caroline Castrillon) في مقالة مجلة فوربس (Forbs): "إنَّ إيجاد عمل ذي معنى، يشمل السعي إلى تحقيق الانسجام بين ثلاثة مجالات: العاطفة والقيم والمواهب أو ما قد يسميه بعض الأشخاص المهارات".

هل لديك هواية أو شيء استمتعت بفعله عندما كنت طفلاً، ولكنَّك تَعدُّ العمل فيه غير ممكن؟ هل تجد نفسك تفعل شيئاً تحبه، ويبدو أنَّ الوقت يمضي فيه بسرعة؟ تضيف كارولين، أنَّ الإجابة عن هذه الأسئلة يمكن أن تساعد على الكشف عن شغفك الحقيقي.

كما تنصح بأن تكتب قائمة بأولوياتك؛ فكما قال أرسطو ذات مرة: "تكمن مهنتك حيث تتقاطع مواهبك مع احتياجات العالم".

وفي النهاية، تذكَّر أيَّ شيءٍ تَعدُّ نفسك متفوقاً فيه، فإذا توافق الشغف مع القيم فقد تصل إلى العمل الذي ينير داخلك بحق.

3. صياغة العمل:

إن لم تشعر بالسعادة في عملك الحالي، فيمكنك تغييره أو البحث عن عمل جديد.

يُعرف هذا النهج باسم "صياغة الوظيفة"، والذي ابتكرته الطبيبتان النفسيتان إيمي ورزيسنيسكي (Amy Wrzesniewski) وجين إي دوتون (Jane E. Dutton) في عام 2001.

تتضمن هذه الاستراتيجية تحويل وظيفتك الحالية إلى وظيفة تستمتع بها بصدق، وذلك بتعديل وصف عملك بحيث يكون ذا معنى، ونتيجة لذلك، سوف تكون أكثر سعادة وأكثر مشاركة في العمل.

ووفقاً للطبيبتين، هناك ثلاثة أجزاء في صياغة الوظائف، وكل جزء منها يعزز متعتك وإحساسك بمعنى العمل:

الجزء الأول، صياغة المهمة:

يتألف هذا الجزء من مهمة أو أكثر تُستبعَد أو تُضاف لتغيير عملك اليومي، وهذا ليس ممكناً للجميع، إلا أنَّ العديد من الوظائف تتيح لك القيام بذلك، في اللحظة التي تُظهر فيها قدراتك وتكسب الثقة.

شاهد بالفديو: 9 تقنيات لزيادة الإنتاجية الشخصية

الجزء الثاني، صياغة العلاقات:

أي إنشاء وتعزيز العلاقات في مكان العمل؛ كأن تتناول الغداء مع زملاء مختلفين في كل نهاية أسبوع عمل، بدلاً من تناوله مع الموظفين نفسهم.

الجزء الثالث، صياغة المعرفة:

أي تغيير كامل تصورك عن وظيفتك؛ إذ إنَّ أي تغيير بسيط في المنظور يمكن أن يجعل دورك الحالي يبدو أكثر معنى، مثل تغيير مُسمَّاك الوظيفي بحيث يعكس الأجزاء المهمة في منصبك الحالي.

ونتيجةً لصياغة الوظائف، يميل الناس إلى الشعور بقدر أكبر من الاستقلالية في العمل، وهذا مرتبط بمستويات أعلى من الرضا الوظيفي.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة لتحقيق الرضا الوظيفي

4. البحث عن الاستقلالية:

في التاريخ الحديث؛ هل امتلكنا قَطُّ الحرية التي نمتلكها في العمل اليوم؟

في الواقع، يتزايد عدد الشركات التي تبتعد عن التسلسل الهرمي التقليدي نحو هيكل أكثر استقلالية، وهناك أسباب عدة لذلك، مثل التكنولوجيا التي تسمح بالعمل عن بعد، كما أدركت المنظمات أنَّ ذلك يزيد من الابتكار والإنتاجية.

إن كنت صاحب شركة، فأنت تُعَدُّ مستقلاً إلى حد ما، أمَّا إن كنت تعمل لحساب شخص آخر، فهناك طرائق لتتولى زمام عملك، مثل:

  • طلب مزيد من المرونة من رب عملك: كأن تطلب أن تعمل من البيت يوماً أو يومين في الأسبوع، واقترح فترة تجريبية لبناء الثقة وتوضيح الحقائق؛ حيث تستطيع أن تضع جدولاً خاصاً وتختار طريقة العمل كميزة إضافية عندما تعمل من المنزل، ومن ثمَّ قد تكون قادراً على العمل عن بعد عدة أيام في الأسبوع.
  • التطوع لتحمُّل مسؤوليات جديدة: لا تضغط على نفسك، لكن حاول أن تطلب تحمُّل بعض المسؤوليات التي تسمح لك بعرض مواهبك الفريدة.
  • البحث عن الاستقلال الذاتي خارج وظيفتك: إن لم تكن هناك فرصٌ لإظهار مهاراتك، فينبغي أن تعثر عليها في مكان آخر، قد تنمِّي موهبتك وتستثمرها خلال وقت فراغك، ومن ثم يمكن أن تصبح عملاً بدوام كامل.
  • محاسبة نفسك: ومن شأن القيام بذلك أن يبني الثقة مع صاحب العمل؛ الأمر الذي سيولد بدوره مزيداً من الفرص للاستقلال الذاتي.
  • سؤال الأشخاص: قد يكون من الغريب طرح أسئلة وجودية مثل: فيمَ أبرع؟ أو ما الهدف من عملي؟  إلا أنَّ هناك بعض أساليب العمل الذكية، كأن تطلب من الآخرين زميلك في العمل أو مشرفك، أن يعطوك تغذية راجعة، أو أن تشارك أفكارك وآراءك خلال الاجتماعات أو الدراسات الاستقصائية على شبكة الإنترنت، فضلاً عن قراءة المراجعات على الإنترنت حول المنتج أو الخدمة الخاصة بك، إضافة إلى مشاركة خبراتك من خلال المدونات أو تدريب الآخرين والاستماع لردود فعل الجمهور.

قد يكون الاستماع لتقييمات الآخرين صعباً، ولكن لا تأخذها على محملٍ شخصي، بل استخدمها للتعلم والتطور والأهم من ذلك؛ استخدمها لمعرفة معنى عملك.

المصدر




مقالات مرتبطة