كيف تجعل الامتنان عادة يومية؟

نحن نميل إلى الحديث عن الامتنان كطريقة للتعبير عن الشكر، فمثلاً نشكر شخصاً لتقديم شيء لنا أو لموقفه معنا أو لأي فعل يعبِّر عن اللطف.



وفقاً للباحثين في مجال علم النفس الإيجابي، فإنَّ تعريف الامتنان أوسع بقليل؛ فهو التقدير الواعي لأي جانب من جوانب حياتنا؛ ومن ناحية أخرى، تقدم المؤلفة سونيا ليوبوميرسكي (Sonja Lyubomirsky) وصفاً أجمل، تقول: "إنَّّ الامتنان أمر مدهش، إنَّه تقدير يدفعنا إلى النظر إلى الجانب المشرق من أي إخفاق يواجهنا، وشكر توجهه إلى شخص ما في حياتك؛ كما أنَّه يعني حساب النعم في حياتك، ولا يجعلك تأخذ الأشياء كأمر مسلم به؛ إنَّه التكيف على أمر ما، كما أنَّه يدفعنا إلى التركيز على الحاضر".

يعد الامتنان أحد أسهل الطرائق لتغيير أفكارنا المدفوعة بأمور معينة. عندما تقضي خمس عشرة ثانيةً وأنت تتذوق شيئاً أنت ممتن له، يمكن لذلك أن يُحدِث تغييراً؛ بحيث يمكن أن يوسع منظورك للحياة، ويحوِّل المشكلات إلى احتمالات والغضب إلى فضول وحب الاستطلاع. ويأتي التحدي والفائدة الفعلية من خلال التدريب على هذه المهارة لتصبح عادة، بحيث تستمتع بالامتنان بصورة طبيعية على مدار اليوم.

يصف أحد الأشخاص، وهو صاحب شركة سابق ومدرب تنفيذي، نمطاً سلبياً دائماً تغيَّر في حياته عندما طوَّر عادة الامتنان اليومية:

"كنت أركز على الأمور التي لم أكن أملكها في حياتي، مثل عمل رائع أو منزل كبير أو المزيد من المال، ولم أكن أقدِّرُ حقاً ما أملكه، مثل عائلتي وعلاقاتي الوثيقة بالأصدقاء ووظيفة تُلائم أهدافي. ثم بدأت ألاحظ عدد المرات التي أركز فيها على الأمور السلبية، وطورت عادةً يوميةً للامتنان وبدأت في الاحتفاظ بدفتر يوميات للتعبير عنه. الآن، عندما أبدأ بالتفكير في الأمور التي لا أملكها، أفكر مباشرةً في الامتنان، وهذا يغير يومي تماماً.

ومع ذلك، فإنَّ أفضل خطوة لدي هي التعبير عن مشاعر الامتنان والاستمتاع بهذه اللحظات، من خلال إغلاق عيني وأخذ نفس عميق. لقد غيَّر هذا الأمر حياتي تماماً".

نحن جميعاً نفكر في الأمور التي لا نملكها، ونركز على عيوب الحياة من دون الامتنان لما نملكه؛ حيث تصبح هذه الأمور هي ما تشغل تفكيرنا فحسب. في حين يمنحنا الامتنان منظوراً أوسع للحياة، بالتأكيد سنلاحظ تلك العيوب، ولكنَّنا سندرك أيضاً النعم التي تحيط بنا.

يستخدم رام داس (Ram Dass)، وهو عالم نفس سابق في جامعة هارفارد (Harvard)، تشبيه صورة السماء لتوضيح هذا التغيُّر في المنظور؛ حيث يقول: "إذا كان لديك صورةً للسماء تحتوي سحابةً رماديةً صغيرةً، وكبَّرت هذه الصورة، فإنَّ كل ما ستراه هو السحابة؛ حيث سيبدو كل شيء مظلماً وبلا لون. ولكن إذا صغَّرت الصورة ورأيت السماء من منظور أوسع، فستبدأ برؤية السحابة الرمادية محاطة بالسماء الزرقاء.

هذا هو التغيير في المنظور الذي يمكنك الوصول إليه من خلال الامتنان.

الامتنان والدماغ:

بفضل التقدم في علم الأعصاب وعلم النفس الإيجابي، يوجد الآن دليل علمي يؤكد أنَّ ممارسة الامتنان لها مجموعة كبيرة من الفوائد فيما يتعلق بصحتك النفسية والجسدية، فهو يقلل من القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى علامات أخرى لعدم الارتياح النفسي، ويسبب شعوراً بالتقدير والرضا.

كيف يعمل الامتنان؟ يقول ريك هانسون (Rick Hanson)، الخبير في مجال المرونة العصبية الإيجابية: "إنَّ الدماغ شديد التفكير بالتجارب السلبية وشديد التجاهل للتجارب الإيجابية". إنَّ التجارب المؤلمة، مثل حوادث السيارات والأزمات العاطفية والخوف الشديد تبقى ثابتةً في البنية العصبية للدماغ.

يعزز ارتباط الدماغ بالتجارب السيئة التحيز السلبي للدماغ، فهو يضمن أنَّنا نستخدم الجزء الأكبر من طاقتنا الذهنية في التفكير بالندم والاستياء والمخاوف، بدلاً من التفكير في لحظات البهجة والسعادة. ومع ذلك، فقد أكدت الأبحاث الحديثة حقيقة أنَّ الامتنان يمكنه مساعدتنا على التخلص من هذه الأفكار السلبية. وعلى الرغم من أنَّ أدمغتنا تنجذب طبيعياً إلى الذكريات السلبية؛ فإنَّ الامتنان يسمح بمضاعفة الشعور بالإيجابية لخلق ذكريات أكثر فاعلية وحيوية، وبالتالي إحداث تغيير دائم في الدماغ.

في الواقع، أظهر البحث الذي أجرته البروفيسورة باربرا فريدريكسون (Barbara Fredrickson)، الطبيبة النفسية في جامعة نورث كارولينا (University of North Carolina): "إنَّ الامتنان يوسع ويبني قدرة الدماغ على التغلب على الحالات العاطفية السلبية، وفي غياب الامتنان، يتوقف العقل عند نطاق معين من الاحتمالات. يوسع الامتنان المجال من خلال توسيع الأفكار والأفعال التي تتبادر إلى الذهن". على سبيل المثال، إذا شعرت بالإحباط أثناء وجودك في زحمة مرور، يمكن أن يساعدك الامتنان في زيادة خبراتك. يمكنك ملاحظة الطبيعة من حولك، والاسترخاء مع مراقبة أنفاسك، أو الاستفادة من التأخير كفرصة للاستماع إلى موسيقاك المفضلة أو كتابك الصوتي.

لا يعد هذا التغيير حالةً نفسيةً فحسب؛ وإنَّما تشير الدلائل المستمدة من علم الأعصاب إلى أنَّ تأثيرات هذه الممارسة تمتد إلى عمق المسارات العصبية للدماغ. يقول الدكتور ريتشارد ديفيدسون (Richard Davidson)، الباحث في علم الأعصاب: "من بين كل ما نعرفه عن دورات الدماغ المرتبطة بهذه المكونات؛ فإنَّ العلاج الصحي الذي يعتمد على التعبير عن الامتنان للذات وللآخرين يعد واعداً، فهو يقوي قشرة الفص الجبهي".

إقرأ أيضاً: 4 ممارسات للامتنان تساعدك على التغلب على الخوف والشعور بالسعادة

أربع طرائق يساهم فيها الامتنان في الصحة:

بينما يواصل علماء النفس استكشاف الآليات المتعلقة بالامتنان، يوجد أمر واحد واضح، وهو أنَّ الامتنان يقدم فوائداً كبيرةً للصحة، وتتضمن ما يلي:

1. زيادة التفاؤل:

يوضح البحث بأنَّ ممارسة الامتنان ترتبط بزيادة تجربة المشاعر الإيجابية وتقليل المشاعر السلبية.

2. تقليل التوتر والقلق خلال الأزمات:

في الدراسات التي تلت هجمات الحادي عشر من أيلول على مركز التجارة العالمي وأماكن أخرى، وجدت فريدريكسون أنَّ ممارسة الامتنان قلَّلت من حدة ووتيرة الذكريات المؤلمة.

3. تحسين الصحة الجسدية:

يساعد الامتنان على خفض ضغط الدم وتحسين جودة نومنا؛ حيث وجد الباحثون أنَّه من خلال ممارسة الامتنان، نحصل على قسط كافٍ من النوم، وننام بسهولة أكبر، ونشعر بتحسن عندما نستيقظ.

4. تحسين العلاقات:

تقول نظرية عالِمَي النفس روبرت إيمونز (Robert Emmons) ومايكل ماكولو (Michael McCullough): "إنَّ الامتنان ضمن العلاقات يمكنه خلق نوع من الاستمرارية. فعندما نصبح أكثر امتناناً لأصدقائنا وعائلاتنا، نتعامل معهم بمزيد من اللطف والاحترام".

ممارسات يومية تساعدك على جعل الامتنان عادة لديك:

لكي تجعل الامتنان عادةً، يجب تخصيص بعض الوقت - مثلاً مرةً واحدةً في اليوم - للتركيز على تجربة الامتنان. يمكنك القيام بذلك عن طريق كتابة ثلاثة أمور أنت ممتنٌ لها، أو من خلال التعبير عن الامتنان عندما تبدأ بتناول طعامك.

بغض النظر عن الأسلوب الذي تستخدمه في الامتنان، نقدم لك فيما يلي بعض النصائح لمساعدتك في تحقيق أقصى استفادة من هذه الممارسة:

1. أشرِك أصدقاءك وعائلتك في هذه الممارسة:

اطلب من كل شخص أن يذكر أمراً ممتناً له في بداية كل وجبة؛ حيث سيعزز هذا الأمر تجربة الامتنان ويساعد الجميع على الشعور به.

إقرأ أيضاً: 13 طريقة سهلة للتعبير عن الامتنان يومياً - الجزء (1)

2. تذكَّر ممارسة الامتنان:

مثل كل العادات المتعلقة بالصحة؛ فإنَّ أصعب جزء في ممارسة الامتنان هو تذكر القيام به. لذلك يجب اتِّباع استراتيجيتين للقيام بذلك. أولاً كما ذُكِرَ أعلاه، مشاركة عائلتك وأصدقائك عندما تجلس لتناول الطعام، بحيث سيساعد كل منكما الآخر على تذكر الأمور الممتن لها. ثانياً يمكنك استخدام بعض الملصقات. ضع أمامك ملصقاً صغيراً - واكتب عليه كلمة "امتنان" - في المكان الذي تأكل فيه؛ بحيث يساعدك على تذكر أمر أنت ممتن له في كل مرة تأكل فيها في المنزل.

3. لا تنسَ العودة إلى نشاطك الذي تقوم به:

من الطبيعي الشُّعور بالامتنان للحظة، ثم تنشغل بتناول الطعام أو أي أمر آخر تفعله في اللحظة التالية. تذكر العودة إلى ما تفعله بعد الامتنان؛ حيث يمكنك تخصيص مدة خمس عشرة ثانيةً فقط لتستمتع بالتجربة.

4. اكتشف كيف يعمل الامتنان:

خلال بضعة أسابيع أو شهر، عندما تجلس لتناول الطعام، سوف تعبر عن امتنانك لليوم وتستمتع به تلقائياً، وستلاحظ أيضاً أنَّ تجربة الامتنان ستتكرر في كل أمور حياتك.

5. ابحث عن حدث يناسبك لممارسة الامتنان:

نوصي بشدة بوجبات الطعام، لأنَّها غالباً ما تتضمن مواقفاً اجتماعيةً يمكنك فيها مشاركة الامتنان مع الآخرين، ولكن إذا لم يناسبك ذلك، فاختر حدثاً يومياً آخر يتكرر معك بانتظام، مثل الاستيقاظ، أو الذهاب إلى النوم، أو عند تشغيل الكمبيوتر في بداية اليوم، فكل ما عليك القيام به هو الحفاظ على الامتنان بصورة دائمة.

إقرأ أيضاً: 13 طريقة سهلة للتعبير عن الامتنان يومياً - الجزء (2)

6. تعمَّق أكثر:

إذا أتقنت ممارسة التعبير عن الامتنان عند كل وجبة، فلا تتردد في البدء بتطبيق ذلك في حياتك اليومية. على سبيل المثال، كلَّما تلقيت مكالمةً هاتفيةً، بدلاً من الرد عليها مباشرةً، استمع إلى رنين الهاتف على الأقل أثناء التفكير في أمر أنت ممتن له، ثم أجب على المكالمة وأنت تستمتع بتجربة الامتنان. ستجد هذه الممارسة أكثر صعوبةً ممَّا تبدو، ولكن عندما تتقنها، سوف تساعدك على الشعور بالامتنان العميق عند كل مكالمة تَرِدُك.

المصدر




مقالات مرتبطة