كيف تتعلم باستمرار عن نفسك وعن العالم من حولك؟

قد يكون الأمر مطمئناً عندما نشعر بأنَّنا وصلنا إلى الحياة التي نحلم بها، أو عندما نعتقد أنَّنا حصلنا على كل ما يمكن الحصول عليه، فكل شيء يبدو أكثر راحة عندما ندخل في فقاعتنا الخاصة ونبرمج دماغنا على الروتين المعتاد، لكن بعد كل شيء، كم لديك لتتعلمه عن نفسك والعالم من حولك؟ الجواب: كل شيء.



لكي نزدهر في عصر التغيير في القرن الواحد والعشرين، من مصلحتنا أن نحاول تبنِّي عقلية النمو؛ أي "الإيمان بأنَّ ذكاءنا ليس فطرياً أو ثابتاً"؛ إنَّما هو شيء نتحكم به إذا مارسنا القليل من المثابرة، وسنقدم لك في هذا المقال أهم الطرائق التي يمكنك من خلالها التعرف إلى نفسك باستمرار وتطوير عقلية النمو لديك.

عندما تضيع وسط هذه الحياة تعلَّم من الأطفال:

ما هي الكلمات الأولى التي تتبادر إلى ذهنك عندما ترى طفلاً صغيراً يلعب؟ فضولي أو متحمس أو سعيد أو مثابر أو واثق، فإنَّهم لا يقلقون كثيراً حيال الفشل أو ما يعتقده الآخرون؛ بل إنَّهم يركزون على محاولة اكتشاف الأشياء، ويبقون في حالة مراقبة مستمرة للطبيعة والفراشات والزهور من حولهم.

فعندما يتضايقون أو يتأذون يعبِّرون ويبكون، ولكنَّ ذلك لا يستمر إلى الأبد، فعاجلاً أم آجلاً ينتقلون إلى الشيء التالي، وقد يقعون أرضاً ويبدأ مسلسل النواح والدموع، لكن بعد وقت معينٍ يعودون إلى الركض واللعب والضحك، فإنَّهم ينسون الأذيات الطفيفة، ولا يدعونها تمنعهم من التعلم والاستكشاف مرة أخرى.

عندما تذهب ابنتي البالغة من العمر أربع سنوات إلى المدرسة في الصباح، نحاول أن نتأكد من أنَّها نظيفة وترتدي ملابس أنيقة، ومع ذلك نادراً ما تبقى على هذا النحو؛ إذ تعود من المدرسة وشعرها مبعثراً، وقد تلطخت ملابسها بالأتربة أو تراكمت الأوساخ تحت أظافرها، وقد تصاب بجروح في الركبتين، لكنَّ هذا لا يمنعها من الذهاب إلى المدرسة كل يوم والابتسامة تعلو وجهها.

كن فضولياً تجاه ما تراه في طريق الحياة:

عندما تشعر بالفضول لمعرفة المزيد عن نفسك فيما يتعلق بنقاط قوَّتك وضعفك وما الذي ستفعله وما الذي لن تفعله عبر الانخراط في مواقف الحياة اليومية، فصحيح أنَّ الأمر قد يكون فوضوياً، ولكنَّ هذا ما يمكنه بناء ثقتك بنفسك.

نحن عندما نشعر بالقلق أو الخوف من المواقف الجديدة، فإنَّ حواسنا تركز على ما يحصل في الداخل وتبدأ بالإنصات إلى دقات قلوبنا، وبدلاً من ذلك حاول الانفتاح وخذ نفساً عميقاً وركز على كل التفاصيل من حولك، وكن واثقاً من أنَّ فضولك لمعرفة حقائق الأشياء وتفاصيلها ومسبباتها يساعدك على النمو بطريقة غير محسوسة.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

كيف يرتبط الخوف بعملية التعلم؟

عندما كنا أصغر سناً ربما كانت مدارسنا مملة لأنَّها كانت مرتبطة ببعض أشكال الاختبار أو التقييم القديمة والكلاسيكية، فهذا ما كان يجهدنا ويخيفنا لأنَّ نظام التقييم هذا له دور كبير في تحديد مستقبلنا الأكاديمي، والآن بعد أن أصبحنا ناضجين ومستقلين ونعيش مستقبلنا ونصنعه بأيدينا، أصبحنا أكثر حرية في التعلم لأنَّنا نريد أن نتعلم حباً في التعلُّم وليس حباً بشيء آخر.

يقول أحد مدرِّسي اللغة الإنجليزية في المدرسة الثانوية: "في أحد الأيام كان عليَّ إجراء امتحان في غرفة مدرس آخر يدرِّس مادة الفيزياء، فلطالما كانت كلمة فيزياء مخيفة بالنسبة إليَّ، ولطالما وصفت نفسي بأنَّني لست جيداً في الرياضيات والفيزياء والعلوم.

لكن نظراً لأنَّني كنت في غرفة دراسية أخرى أخطط للدروس التي سوف ألقيها، لم يكن لدي ما أفعله أفضل من فتح كتاب الفيزياء ببطء والبدء بالبحث في الصفحات فقط لمعرفة ما يدور حوله.

إنَّ مجرد استعراض هذا الكتاب المدرسي دون خوف من أي أداء أو درجة أو تقييم مرتبط به أعطاني شعوراً بالحرية، والشيء الوحيد الذي دفعني لتصفحه هو الفضول، فلم يكن هناك شيء مخيف حيال ذلك على الإطلاق".

هل الخوف المرتبط بعملية التعلم أمر طبيعي؟

من الطبيعي أن تشعر بالخوف من تعلُّم أشياء جديدة، فغالباً ما ينطوي التعلم على الخوف، وفي أي وقت تسعى فيه إلى معرفة المزيد عن نفسك أو العالم من حولك، ستكون هناك مخاطر وستشعر بالخوف والتهديد، وربما يكون ما تتعلمه صعباً للغاية سواء فكرياً أم عاطفياً أم روحياً، وربما يعني التعلم والتغيير والنمو أن تصبح أكثر بعداً عن الأصدقاء أو العائلة؛ فهذه المخاوف صحيحة وتستحق الاستكشاف والتقبل؛ وذلك لأنَّها قد تكون طبيعية ولا داعي للخوف بشأنها؛ لذا تقبَّل قلقك بشأن محاولة تعلُّم شيء جديد، لكن لا تبقَ في هذا القلق.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر تعلّمك لشيء جديد كل يوم في تحقيق النجاح؟

دائماً ركز على المردود، فالعبرة في الخواتيم:

فكر في العائد عندما تغامر بدخول منطقة تعلُّم جديدة، على سبيل المثال، إذا كنت تسعى إلى الحصول على ملاحظات من أحد المشرفين للتعرف إلى كيفية تحسين أدائك الوظيفي، فقد تشعر بالقليل من القلق، ولكنَّ المردود سيكون أنَّك ستصبح أقوى بصفتك موظفاً محترفاً.

أو عندما تواجه الحقيقة المتعلقة بكيفية تصرفك عندما تنتابك مشاعر معينة مثل الغضب، فقد يستغرق الأمر وقتاً لتعلُّم استراتيجيات جديدة للتعامل مع تلك المشاعر، لكنَّ المردود سيؤدي إلى علاقات أقوى وأكثر جدوى، فإذا تعلَّمتَ المزيد عن الإدارة المالية فستكون المكافأة توفر المال.

قد تكون خائفاً من استثمار الوقت والمال في الحصول على درجة علمية متقدمة، ولكنَّ المردود سيكون المزيد من الفرص المهنية أو زيادة الدخل أو أي شيء آخر يحفزك، كما يمكنك الحصول على الصورة، فعندما تشعر بالخوف من تعلُّم أشياء جديدة عن نفسك أو عن العالم من حولك، اكتشف المكافأة أو الفائدة التي ستحصل عليها، ثم ركز على ذلك أكثر من خوفك أو قلقك.

اكتب ما تشعر به باستمرار وكأنَّك تكتب حياتك:

استخدم الكلمات للتعرف إلى نفسك وإلى العالم من حولك، فيمكن القيام بذلك مع فنجانٍ من القهوة في الصباح الباكر على مقعدك المفضل، أو في أثناء الجلوس في المقهى، وسواء كنت تستخدم دفتر ملاحظات إلكترونياً أم مجلة خاصة عبر الإنترنت مثل (Penzu) أم مدونة بها آلاف القراء، ضع الكلمات الموجودة في رأسك على الصفحة.

إذ يقول أحد الأطباء النفسيين على لسان أحد مرضاه: "عندما يتدفق قلمي على الورق أو حتى عندما تكتب أصابعي من خلال لوحة المفاتيح الرقمية، ينخفض ​​معدل نبضات قلبي على الفور، ولا أقلق بشأن القواعد النحوية أو علامات الترقيم أو ما يعتقده أي شخص حيال كتابتي، إنَّها فقط من أجلي، فأنا أتعلم المزيد عن نفسي وكيف أتغير وما أشعر به وما أريده من الحياة".

لذا سجِّل ما تشعر به في يوم تشرب فيه كمية كافية من الماء أو تأكل بشكل صحيح أو تنام ليلاً لوقتٍ كافٍ، وإذا كنت لا تعرف ماذا تكتب، فاشترِك في كتاب من التأملات اليومية، ويمكنك أيضاً الاشتراك في موقع ويب يرسل لك اقتباسات مجانية ملهمة، وكل ما عليك فعله هو الكتابة دون قلق بشأن الأحكام والانتقادات، سواء الداخلية منها أم الخارجية أم غير ذلك.

إقرأ أيضاً: 6 طرق بسيطة لتدوين اليوميات لتطوير الذات

غادر منطقة الراحة واكسر الروتين دائماً:

اخرج من منطقة الراحة لديك بأيَّة طريقة ممكنة وخطط لقضاء إجازة في بلد لم تزره من قبل، أو اسلك طريقاً مختلفاً للعمل، فليس عليك إنفاق الكثير من المال للسفر، ويمكنك استكشاف الفناء الخلفي لمنزلك، كما تستطيع أن تقوم بزيارة بلدتك كما لو كنتَ سائحاً.

إذا لم تكن لديك حالياً الأموال اللازمة للسفر، فخصص وقتاً للقراءة بقدر ما تستطيع، واستمع للمدونات الصوتية التي تقدم وجهات نظر من أماكن أو بلدان مختلفة حول العالم، وتواصل مع أشخاص آخرين في مجال عملك على منصات التواصل الاجتماعي.

ضع خريطة ليومك كما لو كنت في رحلة، وتجنَّب الوقت الميت واستخدم بعضاً من الوقت، على سبيل المثال، المساء بعد العشاء للتعرف إلى نفسك، أو اقرأ عن موضوع جديد، أو تعلَّم لغة جديدة، وضع أهدافاً لما تريد اكتشافه وقسِّمها إلى أهداف أصغر يمكن تحقيقها.

شاهد بالفديو: كيف تتجاوز منطقة الراحة؟

مهما بلغتَ من العلم والسن لا تتوقف عن التعلم:

عندما كنت صغيراً كنت أذهب إلى المكتبة مع والدي في نهاية كل أسبوع، وفي كل مرة كان يلتقط كتاباً جديداً، وفي ذلك الوقت كنت أسأل دائماً عن سبب ذهابه الدائم إلى المكتبة في عطلة نهاية الأسبوع، والآن فهمت؛ لأنَّني الآن أقضي عطلة نهاية الأسبوع بالطريقة نفسها.

إذ يتطلب العمل في هذا العصر المجنون في سرعته تعلُّم مهارات جديدة باستمرار؛ إذ تتحرك الصناعة والتجارة والعلوم بسرعة كبيرة لدرجة أنَّ أولئك الذين لا يستمرون في التعلم يتخلفون عن الركب، ويعتمد الاستمرار في النجاح في وظيفتك على قدرتك على التعلم.

في الختام:

لا تبدأ عملية التعلم في اليوم الأول من روضة الأطفال، كما أنَّها لا تنتهي على الفور بمجرد أن نرفع قبعات التخرج، وفي الحقيقة لن ننتهي أبداً من التعلم عن أنفسنا والعالم من حولنا؛ إذ يوجد في هذا الكون عدد لا نهائي من الروائع التي تستحق الاكتشاف، فنريد أن نسمع منك ماذا ستتعلم عن نفسك اليوم؟

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة