كيف تتعامل مع نوبات الهلع؟

لقد تعلَّمَت أجسامُنا كيف تستجيب عندما نواجه خطراً شديداً؛ إذ يندفع الدم الزائد إلى عضلاتنا وتضيق الرؤية وتزداد سرعة التنفس وتتوقف عملية الهضم، فالجسد مُهيأ إمَّا لمقاومة الخطر أو البقاء تحت سيطرته. يمكن أن تكون هذه التغييرات منقذة للحياة، ولكن عندما يكون هناك إنذار خاطئ وتُنشَّط الاستجابة الطبيعية للجسم دون ضرورة أو بشكل غير متناسب مع التهديد، فيمكن أن نشهد "نوبة هلع".



يُشبِّه المؤلف والمخرج السينمائي المولود في المملكة المتحدة "جون رونسون" (Jon Ronson) هذه التجربة بالتعلق على منحدر بأصابعك.

ما بين 15 إلى 30% منَّا سيخوضون هذا مرة واحدة على الأقل في حياتنا. وكما تعلم إذا مررت بواحدة من قبل، فيمكن أن تكون مثل هذه المواقف مرعبة؛ إذ يمكن أن تقودك شدة الأحاسيس إلى الاعتقاد بأنَّك تحتضر أو ​​تصاب بالجنون أو تفقد السيطرة. فالقلب يخفق وقد ترتجف يداك أو جسمك بالكامل. يمكنك أن تعاني من جفاف الفم أو التعرُّق أو الغثيان أو اختلال التوازن. في كثير من الأحيان، تشعر برغبة عارمة في الهروب.

بالنسبة إلى بعض الناس، يكون الدافع واضحاً، مثل الخوف من تصادم قطارَين مكتظَّين بالركاب، أو تلقي رسالة بريد إلكتروني تحمل أخباراً سيئة. بالنسبة إلى الآخرين، يرتفع الذعر كما لو كان من العدم، ربما بسبب ضيق في التنفس أو ارتفاعاً في حرارة الجسم أو بعض الإحساس الجسدي.

عندما يسيء العقل تفسير هذه المشاعر، يمكن أن تنشط ردود أفعال الدماغ للبقاء على قيد الحياة، ثم يتحول الوضع إلى دوامة؛ بحيث تغذِّي الأحاسيس الفيزيولوجية غير المريحة مزيداً من القلق والخوف. يمكن أن تستمر النوبة بأكملها من بضع دقائق إلى أكثر من ساعة، مع أنَّ هذا نادر. عادة، يصل الذعر إلى ذروته في غضون 10 دقائق قبل أن يهدأ.

كلما كانت النوبة الأولية أكثر حدة وغير سارة، زادت احتمالية إصابتك لاحقاً باضطراب الهلع؛ أي الهجمات المتكررة والخوف منها؛ لذا فإنَّ معرفة ما يجب القيام به في حالة حدوث نوبة هلع ليس مفيداً فقط لمنع الضيق في الوقت الحالي، ولكن أيضاً للحفاظ على صحتك على الأمد الطويل.

ماذا أفعل؟

1. فهم دورة الذعر:

في قبضة نوبة الهلع، ينتج الجسم ثلاثة ردود فعل مترابطة: أفكار كارثية، على سبيل المثال: لا أستطيع التنفس، سأموت، والأعراض الجسدية، مثل زيادة معدَّل ضربات القلب، ورغبة قوية في الهروب. عادة ما تتصاعد ردود الفعل هذه في دورة دائمة. تزيد الأفكار التي تبعث على الخوف من الأعراض الجسدية، وهذا يغذي الخوف؛ الأمر الذي يدفع للرغبة في الهروب.

إنَّ التغيرات الفيزيولوجية المرتبطة بالذعر، مثل تسارُع ضربات القلب وتعرُّق راحة اليد، مدفوعة بمركز الكر أو الفر في جذع الدماغ، والمعروف باسم "الجهاز العصبي اللاإرادي" (Autonomic nervous system).

يحتوي الجهاز العصبي اللاإرادي على عنصرين في حالة تنافر مستمر: الجهاز العصبي الودي، الذي يجهزك للكر أو الفر من خلال إفراز الأدرينالين والهرمونات الأخرى، والجهاز السمبتاوي اللاودِّي، الذي يهدئ الجسم ويُنشَّط بقوة كبرى عندما تشعر بالارتياح.

إنَّ الطريقة الأولى لكسر حلقة الذعر هي تغيير كيفية تفسير الأعراض الجسدية المرتبطة بالتوتر، مثل تسارُع ضربات القلب وارتجاف اليدين، بحيث تعيد التوازن إلى الجهاز العصبي اللاودي لديك وتسمح للجهاز اللاودي المهدئ بزيادة تأثيره. بالنسبة إلى بعض الأشخاص، فإنَّ تعلُّم القليل عن الفيزيولوجيا الأساسية لاستجابة الكر أو الفر كافٍ للمساعدة على جعل رد فعلهم يبدو أقل ترويعاً، ومن ثم منع تصاعد نوبة الهلع.

يقول "آسل هوفارت" (Asle Hoffart)، معالِج تخطيطي ومعرفي يعمل في مركز "مودم باد سايكاتريك" (Modum Bad Psychiatric) في "فيكرسند النرويج" (Vikersund, Norway): "عادةً ما تتطور نوبات الهلع وتتفاقم لأنَّك تظن أنَّ أعراض القلق العادية وغير الخطيرة ستنتهي بكارثة، مثل النوبة القلبية أو السكتة الدماغية أو الجنون، ومع ذلك، فإنَّ أعراض القلق ليست خطيرة؛ بل على العكس من ذلك، فهي جزء من رد فعل الإنذار الذي يهدف إلى مساعدتك".

أو كما يلاحظ "كيفن جورناي" (Kevin Gournay)، الأستاذ الفخري في معهد الطب النفسي في لندن، في مقالةٍ نشرتها مؤسسة "بلا ذعر" (No Panic) الخيرية، الذي يشغل منصب الرئيس والراعي المؤسِّس: "لقد رأيت عدداً كبيراً جداً من المرضى الذين يعانون من نوبات الذعر منذ 33 عاماً. لقد عانى كل واحد منهم من عدد كبير من النوبات. لا أتذكر وفاة أي مريض في أثناء نوبة هلع".

شاهد: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

2. راقب وتحدَّ الأفكار الكارثية:

إذا لم تكن الطمأنينة كافية، فقد تحاول تحدي أفكارك عندما تشعر بأنَّ الذعر يزداد. يوصي "ديفيد بارلو" (David Barlow)، المؤسس والمدير الفخري لمركز "القلق والاضطرابات ذات الصلة" (Anxiety and Related Disorders) في "جامعة بوسطن" (Boston University)، وزميله "بيثاني هاريس" (Bethany Harris) بمراقبة واستبدال أفكارك المخيفة - مثل: اخرج من هنا على الفور وإلا ستموت أو تُصاب بالجنون - بأفكار أكثر عقلانية، على سبيل المثال، ربما تكون متوتراً قليلاً في الوقت الحالي، لكنَّ هذه استجابة عاطفية طبيعية للتوتر ستنتهي في غضون بضع دقائق.

3. تناغم مع جسمك وبيئتك:

يمكنك استعمال تقنيات تهدِّئ جسمك، ومن ذلك التحكم بتنفُّسك؛ وبمعنى ما، إعطاء يد المساعدة للجهاز العصبي اللاودي. يمكن أن يؤدي التنفس السريع و/ أو العميق الشائع في أثناء نوبة الهلع إلى فرط التنفس - نقص ثاني أكسيد الكربون في الدم، الذي بدوره يمكن أن يسبب الدوار وفقدان التوازن والوخز في اليدين والقدمين - وكل ذلك يمكن أن يزيد من حدة النوبة.

يقول "بارلو وهاريس": "من خلال تعلُّم إبطاء عملية التنفس إلى أقل من 10 أنفاس في الدقيقة - تنفس من خلال أنفك لمدة ثلاث ثوان وازفر ببطء من فمك لمدة ثلاث ثوان - يمكن التقليل من هذه الأعراض".

إنَّ الأمر يستحق التدرب على ممارسة تقنيات التنفس مسبقاً، بدلاً من الانتظار لتجربتها في منتصف النوبة. تضمَّنت دراسة أُجريت عام 2010 تعليم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهلع آثار فرط التنفس وأهمية التحكم بتنفسهم: كل يوم لمدة أربعة أسابيع، يقضي المتطوعون أكثر من 15 دقيقة في التنفس ببطء وتنفساً سطحياً. أظهر لهم جهاز طبي أساسي كيف يحدث ذلك؛ بينما حافظوا على مستويات منخفضة من ثاني أوكسيد الكربون في دمائهم؛ وهذا يقلل من خطر الإصابة بفرط التنفس.

طوال فترة الدراسة وبعد أسبوع، انخفضت الأعراض المرتبطة بالذعر، وزادت مشاعرهم بالسيطرة على عواطفهم وأحداثهم المكروهة.

هناك طريقة أخرى لتهدئة جسدك والمساعدة على زيادة شعورك بالسيطرة تُعرف باسم "المجاراة" (grounding). هناك إصدارات عدة مختلفة، لكنَّ الأسلوب الشائع هو أسلوب 5-4-3-2-1 القائم على اليقظة؛ إذ تلاحظ وتهتم بخمسة أشياء يمكنك رؤيتها؛ أربعة أشياء يمكنك الشعور بها، وثلاثة أشياء يمكنك سماعها، وشيئين يمكنك شم رائحتهما وشيء واحد يمكنك تذوقه. تتمثل فكرة التمرين في الاسترخاء، وتثبيتك في الحاضر، وكبح أي سباق للأفكار السلبية.

4. ابقَ في مكانك واستمر فيما كنت تفعله:

إنَّ الخطوة الأخيرة وربما الأكثر أهمية هي مقاومة الفرار من موقع الهجوم، وحتى الاستعداد للعودة. كما تقول "جوانا آرتش" (Joanna Arch)، اختصاصية علم النفس السريري في "جامعة كولورادو بولدر" (University of Colorado Boulder): "إذا كنت تهرب جسدياً أو عقلياً أو تتجنَّب الأماكن أو النشاطات أو الأشخاص المرتبطين بنوبات الذعر، فمن المرجح أن تصبح مشكلة".

يؤدي الاستسلام إلى الرغبة في الهروب والابتعاد عن الموقف نفسه إلى زيادة خطر الإصابة بالخوف على الأمد الطويل وتجنُّب الهجمات المستقبلية.

ومع ذلك، إذا استمررت في التعامل مع نوبة الذعر، بدلاً من الهروب منها، فستتعلم أنَّ الأحاسيس الفيزيولوجية المرتبطة بها ليست مهددة للحياة أو خطرة في حد ذاتها؛ وهذا يقلل بدوره من احتمالية الكر أو الفر.

سيتم تنشيط الاستجابة تنشيطاً غير مناسب وستخرج عن نطاق السيطرة. يقول "آرتش": "من غير المرجح أن تتحول نوبات الهلع إلى مشكلة إذا استمررت في التعامل مع كل ما كنت تفعله - طالما كان آمناً - في أثناء حالة الذعر أو بعد انحسارها". أضاف "بارلو وهاريس": "تذكَّر أنَّ نوبة الهلع هي رد فعل طبيعي لن يمر أكثر من بضع دقائق".

النصائح الأربع للتخفيف من نوبة الهلع:

  1. تعرَّف استجابة الجسم الطارئة للإجهاد "الكر أو الفر".
  2. استبدِل أفكارك الكارثية بأفكار منطقية.
  3. هدِّئ نفسك بتمرينات التنفس أو التأريض.
  4. قاوم الرغبة في الهروب من الموقف، وواصل ما كنت تفعله.

قد ترغب أيضاً في إجراء تغييرات في نمط الحياة لتقليل خطر الإصابة بنوبة الهلع في المقام الأول:

  • الاعتدال في تناول الكافيين

بالنسبة إلى الأشخاص المعرضين للقلق، يمكن أن يسبب الكثير من الكافيين مشكلات لهم؛ يمكن أن تؤدي الكميات الزائدة من الكافيين أيضاً إلى ظهور أعراض تشبه الذعر.

  • ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام

هناك أدلة على أنَّ الأشخاص القلقين الذين يمارسون تمرينات رياضية متكررة أقل حساسية للأعراض الجسدية للذعر. يُعتقد أنَّ التمرينات يمكن أن تزيد من الاعتياد على نوع الأحاسيس، مثل زيادة معدَّل ضربات القلب، التي تساهم في الذعر.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة