كيف تتعامل مع الحياة عندما تبدو غير واقعية؟

في معظم الأحيان، يتعامل معظم الناس مع الواقع من دون إمعان، ويمضون حياتهم بسلاسة وبشعور بالاندماج؛ إذ عادةً ما تُترك الأسئلة الفلسفية والوجودية الكبيرة للحظات التأمل، بعيداً عن المشتتات اليومية للحياة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون ومخرج الأفلام "شون أو كونور" (Shaun O’Connor)، والذي يُخبرنا فيه عن تجربته في التعامل مع الحياة عندما تبدو غير واقعية.

لكن ماذا لو انقلب ذلك رأساً على عقب، وكانت الحياة عبارة عن شعور دائم بعدم الاندماج، والانفصال عن الواقع، والتشكيك في وجودك؟ تمثل هذه الحالة، التجربة اليومية لما يصل إلى 2% من السكان الذين يعيشون مع شعور مستمر وغير مرغوب فيه بعدم الواقعية، والمعروف أيضاً باسم اضطراب تبدد الشخصية.

تُعرَّف التجربة اللحظية لتبدد الشخصية (Depersonalisation) على أنَّها شعور بعدم الواقعية، وشعور بالانفصال عن الذات. وثمَّة مصطلح وثيق الصلة غير أنَّه أقل استعمالاً، وهو "الغربة عن الواقع"؛ أي الشعور بأنَّ العالم ليس حقيقياً.

غالباً ما يوصف تبدد الشخصية بأنَّه الشعور بأنَّك "في حلم" أو "لست موجوداً بحق". في الواقع، ليس غريباً اختبار مثل هذه المشاعر؛ إذ إنَّ ما يصل إلى 75% من الناس سيختبرون ذلك مرة واحدة على الأقل في حياتهم، ولكن بالنسبة إلى معظمهم ستكون الأحاسيس عابرة. إذا كنت تعاني من إرهاق السفر الشديد أو الحرمان من النوم، فهناك احتمال كبير بأنَّك ستعاني من تبدد الشخصية العابر.

اقترح علماء النفس أنَّ المشاعر غير الواقعية يستعملها الدماغ أيضاً كآلية وقائية ضد الصدمات النفسية؛ وهو ما يفسر سبب ظهور مشاعر الانفصال الشبيه بالحلم في كثير من الأحيان في أعقاب الأحداث الصادمة، مثل العنف أو الكوارث؛ فكِّر في الأمر مثل وسادة هوائية للعقل. في الغالب، تتلاشى هذه المشاعر مع القلق أو الصدمة المتصورة التي تسببت فيها.

في حالاتٍ نادرة، وفقاً لنظرية طورها "أنتوني ديفيد" (Anthony David) الطبيب النفسي العصبي في "جامعة كوليدج لندن" (University College London) وزملاؤه، عندما تعمل هذه المشاعر الوقائية على تفسير الواقعية بشكل غير صحيح على أنَّها خطيرة (على سبيل المثال، إثارة مخاوف بشأن الجنون)، يمكن أن تولد حلقة تغذية راجعة مع القلق الذي تسبب بها.

ويمكن أن يستمر تبدد الشخصية بعد ذلك فترةً أطول بكثير من الحادثة التي سببته، فيتحول إلى اضطراب تبدد الشخصية (DPD)، الذي صنفه الطب النفسي حالياً كواحدة من العديد من "الحالات الانفصالية''، إلى جانب اضطراب الهوية الانفصالي وفقدان الذاكرة الانفصالي.

ومن الجدير بالملاحظة، أنَّ هذين الاضطرابين يختلفان كثيراً عن اضطراب تبدد الشخصية (DPD)، وهما أكثر حدة منه. وعلى الرغم من أنَّهما ينطويان أيضاً على مشاعر الانفصال، إلا أنَّهما من نواحٍ أخرى مختلفان من الناحية التجريبية والأعراض اختلافاً كبيراً.

يقول "ديفيد": "سيقول ما بين 70 إلى 80% من الناس إنَّهم شعروا بتبدد الشخصية، عندما نظروا إلى ماضيهم؛ إذ يكون السبب في ذلك عادةً نوبة توتر أو إرهاق؛ لذا فهي استجابة طبيعية، ولكن إن بدأتَ تعبِّر عن الأمر بقولك "فقدت صوابي" أو "سأظل هكذا إلى الأبد"، فإنَّ ذلك يغذي دائرة القلق التي تديم الموقف".

لا تُعَدُّ الأسباب والارتباطات الفسيولوجية لتبدد الشخصية، مفهومةً تماماً، ومع ذلك، فقد وجدت فحوصات الدماغ للأشخاص الذين شُخِّصوا باضطراب تبدد الشخصية، أنَّهم يظهرون نشاطاً منخفضاً في أجزاء الدماغ المشاركة في معالجة المشاعر (بما في ذلك اللوزة والحصين) استجابةً للصور العاطفية أو عند حفظ الكلمات العاطفية، مقارنةً بعناصر التحكم.

قد يكون هذا التخميد العاطفي (صعوبة شعور المرء بالعواطف) - من الناحية التطورية - مفيداً في مواقف الحياة أو الموت؛ لأنَّه يقمع الخوف الشديد المرتبط بالخطر المميت، ومع ذلك، عندما يصبح هذا التخميد مزمناً، يمكن أن يساهم في مشكلات الانفصال والواقعية المرتبطة باضطراب تبدد الشخصية.

لقد عانيت بشكل مباشر من مشاعر مزمنة لتبدد الشخصية؛ إذ بدأ الأمر في عام 2005 بعد أن عانيت من نوبة هلع شديدة أصابتني فجأة. كان لديَّ إحساس بأنَّني انفصلت فجأة عن العالم من حولي، مثل لوح زجاج انزلق بيني وبين الواقع، لقد كان مرعباً! وعلى الرغم من هدوء نوبة الهلع، إلا أنَّني شعرت بالقلق المستمر، وشُخِّصتُ لاحقاً باضطراب تبدد الشخصية الذي استمر عامين.

يُنظَر إلى نوبات الهلع والضغط المتراكم على أنَّها مسببات الشائعة لاضطراب تبدد الشخصية، إلى جانب الصدمات. في الواقع، سيُبلغ نحو 30% من الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع المتكررة، والتي غالباً ما تتسبب فيها مواقف عادية نسبياً (مثل الوجود في حافلة أو متجر مزدحم)، عن شعورهم بضياع الشخصية في أثناء نوبات الهلع. بالنسبة إليهم، فإنَّ مشاعر تبدد الشخصية تأتي وتذهب مع الذعر، ونادراً ما يستمر الشعور بعدم الواقعية بعد أن يهدأ الذعر.

في حالة الإجهاد، يمكن أن يكون الشعور الغامر بالانفصال الذي يمكن أن يحدث في أعقاب حادث سير خطير، سببه الإضافي هو الإجهاد المصاحب لأحداث الحياة الصعبة، مثل الحزن أو الطلاق أو فقدان الوظيفة.

بالنظر إلى تجربتي الخاصة في تبدد الشخصية، أدركت لاحقاً أنَّ نوبة الهلع ربما لم تأتِ من فراغ؛ إذ كنت عرضة للتفكير القلق، وكنت شديد النقد الذاتي. والأهم من ذلك، لقد مررت بتجربة مخيفة للغاية مع نبات القُنَّب شديد التأثير (الحشيش) قبل بضعة أسابيع من إصابتي، التي صدمتني صدمة كبيرة.

في الواقع، يمكن أن يحدث اضطراب تبدد الشخصية غالباً عن طريق تجربة نوعية سيئة من المخدرات؛ إذ تقول "آنا سيونيكا" (Anna Ciaunica)، الفيلسوفة والعالمة المعرفية التي تدرس الحالة: "قد يكون نبات القُنَّب مرتبطاً بظهور تبدد الشخصية"؛ وهذا يمثل مشكلة بين الشباب على وجه الخصوص؛ إذ إنَّك "عندما تكون صغيراً، تعاني كثيراً من التوتر؛ لديك امتحاناتك، وتريد الخروج من منزلك.

شاهد: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

من المحتمل أن تكون لديك الكثير من المحفزات التي هي في حد ذاتها من الصعب تحمُّلها. ونحن نعلم أنَّه في هذا العمر ما يزال الدماغ يتطور؛ لذا عندما يواجه الدماغ النامي مواد مخدرة قوية عالية "التتراهيدروكانابينول" (tetrahydrocannabinol) - المادة الكيميائية المسؤولة عن معظم التأثيرات النفسية للماريجوانا - (تحتوي على مستويات عالية من رباعي هيدروكانابينول، المركب النفسي الرئيس)، يمكن أن تكون التجربة قاسية؛ وهذا يؤدي إلى نوبات الهلع وتبدد الشخصية".

يقول "ديفيد": "ربما يقول 20% من الناس إنَّ تبدد الشخصية بدأ من تعاطي المخدرات، وتحديداً نبات القُنَّب (cannabis) الأكثر شيوعاً؛ إذ غالباً ما تسمع من يقول: لقد استعملتُ الحشيش لفترات طويلة، كان دائماً جيداً. ثم كانت هناك هذه المرة، واعتقدت أنَّها ستختفي؛ لكنَّ الصدمة كانت قوية جداً".

مهما كان سبب تبدد الشخصية اللحظي، فإنَّه عندما يصبح شعورك بغرابة الواقع حاضراً طوال حياتك اليومية، قد يتم تشخيصك باضطراب تبدد الشخصية، كما كنت أنا. فقد وجدت هذه الفترة من حياتي مؤلمة بشكل لا يصدق، وقد أخبرني بذلك آخرون كان تشخيص حالتهم يشبه حالتي؛ إذ شعرت وكأنَّها أزمة وجودية حقيقية.

كان خوفي من الجنون شبه دائم، وكذلك الأفكار المتطفلة حول الوعي، وطبيعة الواقع، والغرور. اعتقدت في أوقات مختلفة أنَّني مت، وأنَّني كنت في غيبوبة، وأنَّني كنت أحلم ولا أستطيع الاستيقاظ.

يقول "ديفيد": "الخوف من فقدان عقلك أمر شائع جداً، ويمكن أن يؤدي إلى حلقة مفرغة، تجعل الشخص أكثر قلقاً وخوفاً؛ إذ تتفقد حالتك طوال الوقت، فتنظر في المرآة وتسأل نفسك: "هل أنا مجنون؟"، وتسأل الناس: "هل تعتقد أنَّني بخير؟"، في حين أنَّك تبدو بخير بالنسبة إلى المراقب الخارجي".

بالنسبة إلى هذا الدليل، قمت باستشارة الخبراء والاعتماد على أحدث نصائح الصحة العقلية، فضلاً عن خبراتي الخاصة، لتزويدك ببعض الخطوات العملية الأساسية حول كيفية التعامل مع مشاعر عدم الواقعية أو تبدد الشخصية، وتحديداً تلك التي تنشأ بسبب القلق وتجارب تعاطي المخدرات السيئة.

يمكن أيضاً أن تنجم المشاعر غير الواقعية عن المرض الجسدي والإصابة، مثل الارتجاج وإصابات الرأس، وفي شكل عابر من حالات مثل مرض "منيير" (Ménière) "اضطراب الأذن الداخلية" وصرع الفص الصدغي، علماً أنَّني لا أتعامل مع هذه الحالات هنا. وبينما آمل أن يكون هذا الدليل مفيداً، إلا أنَّه لا يُعَدُّ بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة. إليك ما عليك فعله:

1. تمييز المشاعر:

أحد الأسباب الرئيسة لاستمرار المشاعر غير الواقعية هو بسهولة سوء فهم ما هي عليه بالفعل؛ إذ كما يُفسَّر بها خفقان القلب بشكل خاطئ على أنَّه نوبات قلبية، يمكن تفسير مشاعر عدم الواقعية التي تحدث مع القلق على أنَّها "جنون"؛ وهذا يولِّد حلقة تغذية مرتدة بين تبدد الشخصية والقلق الذي يسببه.

لذا، فإنَّ تعرُّفك المشاعر على أنَّها جزء طبيعي وغير ضار من استجابة الكر أو الفر، يمكن له أن يساعدك على إيقاف حلقة التغذية الراجعة هذه والسماح للمشاعر بالتلاشي بشكل طبيعي. لحسن الحظ، إنَّ تبدد الشخصية في شكله العابر، هو إحساس غريب؛ لكنَّه مجرد إحساس مؤقت.

تقول "سيونيكا": "حتى لو شعرت أنَّك فقدت الاتصال بنفسك وفقدت السيطرة، فمن الهام أن تتذكر أنَّك ما زلت تشعر بفقدان السيطرة. وهذا الأمر جيد كونه يعني أنَّه ما تزال لديك الحرية والفاعلية للقيام بذلك؛ إذ إنَّك لا تعتمد على آلية رد الفعل فحسب؛ بل أنت حر".

يُعَدُّ تبدد الشخصية، في شكله المزمن، تجربةً غريبةً ومخيفةً للغاية؛ إذ وصفها الأشخاص المصابون بهذه الحالة بالشعور كما لو أنَّهم:

  • يرون العالم من خلف لوح زجاجي.
  • رؤوسهم مليئة بالقطن.
  • عالقون في حلم.
  • هم أو الأشخاص من حولهم ليسوا حقيقيين، أو يشبهون "الروبوتات".
  • تم تغيير تصورهم للوقت.
  • نظرتهم "متوقفة" أو "متغيرة"، أو تم تغيير أو تسريع الوقت.

ومن الشائع أيضاً أن يعانوا ممَّا يأتي:

  • تطفُّلية الأفكار الوجودية والفلسفية.
  • الخدر العاطفي.
  • "عقل فارغ"، أو الشعور بعدم وجود أفكار.
  • مشكلات الذاكرة.

إذا كنت تشعر بمثل هذه المشاعر على مدار أسابيع أو شهور متواصلة، فإنَّني أنصحك بالتماس الدعم المهني.

2. معرفة أنَّ اختبار الواقع علامة إيجابية، لكن مع محاولة تجنب التحقق المستمر:

عندما يعاني الشخص من الذهان، فعادةً ما يفتقر إلى نظرة ثاقبة إلى أعراضه؛ أي إنَّهم يعتقدون أنَّ الهلوسة أو الأوهام بجنون العظمة حقيقية بالفعل. على النقيض من ذلك، في حالة تبدد الشخصية، عادةً ما يكون لدى الأشخاص المزيد من البصيرة والوعي بما يحدث بالفعل، على سبيل المثال: إذا كنت تعاني من تبدد الشخصية، فيمكنك وصف أعراضك بعبارة "كما لو"، مثل:

  • يبدو الأمر وكأنَّك عالق في حلم.
  • يبدو الأمر كما لو أنَّ الوقت يتسارع.
  • يبدو الأمر وكأنَّ الناس من حولك روبوتات.

على الرغم من أنَّ هذه الأفكار والمشاعر قد تكون مخيفة، فمن الهام أن تتذكر أنَّ طبيعة أفكارك التي تصف الحالة بعبارة "يبدو أنَّ…"، تشير إلى أنَّ "اختبار الواقع" سليم، وهذه علامة جيدة؛ فما يزال لدى الشخص تلك الموضوعية ليعرف أنَّ "هذه هي الطريقة التي أشعر بها تماماً".

يقول "ديفيد": "ليس الأمر كذلك حقاً، ولكن هذا هو الشعور، ثم إنَّ الإدراك العقلاني لغرابة التجربة يمكن أن يزيد الخوف منها، ولكن في الواقع، هذا الوعي هو شيء إيجابي، وعلامة على أنَّ ما تمرُّ به ليس قاسياً مثل الحالات الأخرى".

تصبح المشكلة أكثر خطورة إذا وجدت صعوبة في التوقف عن التحقق من الواقع؛ إذ قد ينتهي الأمر بالشخص المصاب باضطراب تبدد الشخصية إلى استنتاج أنَّ لديه "عقلاً فارغاً"، وغالباً ما سيبلغ عن الأعراض المرئية مثل الثلج المرئي وعوامات العين. وعلى الرغم من أنَّ هذه الأعراض يمكن أن تُعزى إلى تأثيرات استجابة الكر أو الفر (اتساع حدقة العين وحساسية الضوء)، فإنَّ المصاب غالباً ما يبالغ ويعتقد أنَّ هذا جزء من "الجنون".

يكمن الخطر في أن ينتهي بك الأمر إلى الشعور بالإرهاق من الأعراض، وعدم القدرة على المشاركة أو الاستمتاع بالنشاطات اليومية أو التواصل الاجتماعي.

يقول "ديفيد": "يصبح الفحص المستمر مشكلة؛ إذ إنَّ أفكاراً مثل: "هل أشعر بهذا حقاً؟ وهل هذه حقاً يدي أمامي؟" يمكن أن تصبح مصدراً للتأمل والانشغال الذي يجعل الأمور أسوأ. وما يحدث غالباً هو أنَّ الناس يشعرون بالخجل الشديد ويتجنبون المواقف الاجتماعية؛ وهذا يجعلك بالطبع تشعر بمزيد من العزلة". مرة أخرى، إذا تصاعدت مشكلاتك إلى هذا المستوى، فأنا أشجعك على استشارة طبيب مختص.

3. عدم محاربة المشاعر، والتركيز على النشاطات الأخرى:

كما هو الحال مع جميع الأفكار المتطفلة، قد تواجه إغراءً قوياً لمحاولة التخلص من مشاعرك غير الواقعية. لسوء الحظ، إذا فعلت ذلك، فمن المحتمل أن تواجه ظاهرة أطلق عليها عالم النفس "دانييل فيجنر" (Daniel Wegner) في عام 1994 اسم "المفارقة"؛ إذ تؤدي محاولات قمع أفكار معيَّنة إلى زيادة احتمالية حدوثها.

وأقتبس هنا من مقال بعنوان "ملاحظات الشتاء على انطباعات الصيف" (Winter Notes on Summer Impressions) نُشِرَ في العام 1863 للكاتب "فيودور دوستويفسكي" (Fyodor Dostoevsky)؛ إذ يقول: "حاول أن تعطي نفسك هذه المهمة: ألَّا تفكر بشكل متعمد في أشياء غريبة. سترى أنَّ الشيء الخطير سيتبادر إلى الذهن كل دقيقة".

عند محاولة دفع الأفكار والمشاعر بعيداً، فأنت تُقرُّ بها وتُمكِّنها عن غير قصد. إنَّ الأمر أشبه ما يكون بوجود أغنية مزعجة عالقة في رأسك؛ إذ إنَّ التفكير في الأغنية من الناحية الإيجابية أو السلبية هو أمر لا طائل من ورائه، وبدلاً من ذلك، يجب أن تركز بعيداً عنها تماماً، والحل الكلاسيكي هو بسهولة، الاستماع لموسيقى أخرى.

ما ستدركه قريباً هو أنَّ السبب الوحيد الذي جعل الأغنية عالقة في رأسك في المقام الأول، هو أنَّك كنت قلقاً من أن تكون الأغنية عالقة في رأسك.

وبالمعنى نفسه، فإنَّ تحويل انتباهك بلطف بعيداً عن أفكار تبدد الشخصية يمكن أن يساعدك في وضع سياق لها على أنَّها غير ضارة، ويسمح لها بالتلاشي بشكل طبيعي. تذكَّر أنَّه بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يعانون من تبدد الشخصية، فإنَّ المشاعر تكون عابرة وتتلاشى بشكل طبيعي، وقد يتذكرون فيما بعد التجربة على أنَّها "شعور بالحلم" ولكن أكثر من ذلك بقليل.

4. ممارسة تقنيات الترسيخ:

تُعَدُّ عملية إعادة توجيه انتباهك نحو نشاطات أخرى عمليةً فعَّالةً بغضِّ النظر عن المدة التي استمر فيها تبدد الشخصية. قد تبدو الأفكار مُلحَّة ومزعجة؛ لكنَّ الفعل اليسير المتمثل في التركيز بعيداً عنها تجاه العالم الخارجي (المعروف باسم "الترسيخ")، مثل المحادثة والقراءة والعمل والراديو والطبيعة والتعلم، يمكن أن يكون فعَّالاً للغاية. فيما يأتي بعض تقنيات الترسيخ التي وجدتها أكثر فاعلية للحد من تبدد شخصيتي:

  • الصوت والصورة

ركِّز على إشراك المحفزات من حولك؛ شاهد برنامجك التلفزيوني المفضل، وحلَّ الألغاز مثل الكلمات المتقاطعة والسودوكو، وإذا كنت تقرأ كتاباً فاقرأه بصوت عالٍ. قد تكون لديك صور أو مقاطع فيديو محددة تجدها مريحة أو مسلية أو مُلهِمة. بالنسبة إليَّ، تأكدت من وجود جهاز ألعاب محمول في متناول اليد، والكثير من المقاطع الصوتية والموسيقى المُحمَّلة في هاتفي.

  • التنفس

يمكن أن يكون مجرد إدراك تنفسك أداة رائعة في تقليل مستويات القلق وأعراضه، بما في ذلك تبدد الشخصية. في الواقع، توجد العديد من تقنيات التنفس لترسيخ نفسك في أثناء القلق، وإحدى الطرائق السهلة للتذكُّر هي بسهولة، الشهيق مدة 6 ثوانٍ، ثم الزفير بالطريقة نفسها. لا تتعجل، واستمر في ذلك مدةً تصل إلى 10 دقائق إن استطعت، ونأمل أن تجد الأمر مفيداً.

  • التعلُّم

إحدى التقنيات التي وجدتها مفيدة للغاية كانت التركيز على تعلُّم مهارة جديدة. قد تكون هذه المهارة تعلُّم لغة جديدة، أو أغنية على الجيتار، أو أيِّ شيء تجده ممتعاً ومسلياً. عندما تتعلم بنشاط، فأنت تشارك أكثر ممَّا لو كنت تشاهد شيئاً ما بشكل سلبي. تُعَدُّ الدقة والتركيز اللذان ينطوي عليهما تعلُّم مهارة جديدة طريقةً ممتازةً للارتباط بالواقع.

شاهد أيضاً: 15 نصيحة لتحافظ على نفسيتك وتتلّخص من التوتر والإجهاد

 

5. ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام:

بالنسبة إليَّ، كان روتين التمرين الجيد جزءاً حيوياً من التعافي من تبدد الشخصية. في البداية، كان الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية يشعرني بالتوتر؛ إذ إنَّه في خضم القلق الشديد والمشاعر غير الواقعية، كان الذهاب إلى نادٍ رياضي مزدحم ومضاءٍ بإضاءة زاهية هو آخر شيء أردت القيام به، غير أنَّ الروتين والقوة الجسدية والعقلية التي اكتسبتها منه كانت مفيدة للغاية.

تساعد التمرينات الرياضية على إطلاق هرمون "الإندورفين" (endorphins) وتولِّد إحساساً قوياً بالإنجاز، كما أنَّها تعزز العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن أنَّ التغيير في البيئة وحده يمكن أن يساعد على كسر أنماط التفكير السلبية.

إذا كان باستطاعتك ذلك، فابدأ بممارسة ما لا يقل عن 15-30 دقيقة من التمرينات يومياً. ومن الناحية المثالية، مارس بعضاً من التمرينات المفيدة للقلب والأوعية الدموية (cardiovascular exercise) في الهواء الطلق، مثل الجري أو ركوب الدراجات؛ إذ سيساعد هذا أيضاً على إرهاقك والحفاظ على أنماط نوم صحية، ثم ابدأ قدر الإمكان ببناء نظام تمرينات أكثر كثافة، واشترك في عضوية صالة الألعاب الرياضية إن أمكن.

6. تجنُّب محفزات تبدد الشخصية المحتملة:

نأمل أن تساعدك الخطوات التي ذكرتها بالفعل في التعامل مع مشاعر عدم الواقعية عند ظهورها، ولكن من المنطقي أيضاً معالجة نمط حياتك لتقليل احتمالية ظهور مثل هذه المشاعر في المقام الأول؛ لهذا السبب، أوصي بتجنب ما يأتي، على الأقل حتى تتعافى تماماً:

  • تناول المنبهات

يسيء كثيرٌ من الناس تفسير مشاعر تبدد الشخصية على أنَّها علامة على التعب، وقد يشعر الشخص أيضاً أنَّه "يعيش في حلم" (في الوقت نفسه، قد يعاني من الأرق أو النوم المتقطع)؛ لذا فهم يشربون القهوة أو المشروبات الغازية الغنية بالكافيين من أجل "الاستيقاظ"، ومع ذلك، فهذه فكرة سيئة؛ لأنَّ الكافيين يميل إلى زيادة مستويات القلق، والتي بدورها يمكن أن تزيد من الشعور بتبدد الشخصية.

  • العقاقير الترويحية، بما في ذلك نبات القُنَّب أو الحشيش

كما هو الحال مع جميع الحالات التي يتسبب بها القلق، من الجيد تجنب جميع أنواع الأدوية، على الأقل حتى تتعافى تماماً، وهذا صحيح بشكل خاص مع تبدد الشخصية الناجم عن المخدرات؛ إذ يمكن أن يكون هناك ارتباط قلق قوي بالعقار؛ وهذا قد يؤدي إلى مزيد من القلق. يُنظر إلى القُنَّب عموماً (وبشكل صحيح) على أنَّه مرخٍّ، ولكن من الأفضل تجنبه في سياق التعافي من تبدد الشخصية.

  • البحث المستمر

يمكن أن يوفر لك البحث عن تبدد الشخصية والأعراض المرتبطة به عبر الإنترنت، باستعمال أدلة مثل هذه، بعض الوضوح والمشورة الأولية التي تشتد الحاجة إليها. ومع ذلك، ضع في حسبانك أنَّ هذا يمكن أن يتحول إلى مشكلة خاصة به، إذا تطوَّرت إلى البحث المهووس من خلال المنتديات والمجموعات.

كما هو الحال مع جميع الحالات القائمة على القلق، يحتاج تبدد الشخصية إلى مساحة يتبدد فيها؛ لذا فإنَّ تسجيل الدخول إلى المنتديات والمجموعات كل يوم، ومقارنة الأعراض ومناقشة الحالة بشكل شامل، يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية لهذا الهدف.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع التوقعات غير الواقعية؟

نصيحة محددة بعد تجربة سيئة مع عقار ترويحي

مع استمرار تشريع نبات القُنَّب أو (الحشيش) في جميع أنحاء العالم، أصبح اضطراب تبدد الشخصية الناجم عن المخدرات أكثر شيوعاً، وبات معروفاً على نطاق واسع في المجتمع الطبي؛ إذ عادةً ما تبدو التجربة شيئاً كالآتي: لقد مررت بتجربة سيئة مع المخدرات (الحشيش)، وربما أصبت بنوبة هلع نتيجة تأثير المخدر، والآن تشعر بمشاعر تبدد الشخصية بعد ساعات أو أيام من هذه التجربة.

فيما يأتي بعض النصائح حول هذا السيناريو المحدد:

  • لا تقلق

يمكن أن يكون هناك دافع قوي للتوصل إلى استنتاجات مخيفة مثل "أنا ما زلت تحت تأثير المخدر ولن أستعيد وعي أبداً" أو "سأصاب بالجنون." هذه الأفكار الكارثية هي نتيجة القلق؛ لذا كن مطمئناً أنَّ هذه الأشياء لا تحدث في الواقع. أنت لست تحت تأثير المخدر، ولن تصاب بالجنون، ولست في خطر.

  • تذكَّر: الدواء خارج جسدك

تذكَّر أنَّ الإحساس المستمر بالانفصال لا ينتج عن الدواء؛ ذلك لأنَّ الدواء لم يؤثر دائماً في إدراكك، وعلى المستوى الفسيولوجي، بمجرد خروجه من جسدك، فقد أصبح خارج جسدك بالفعل، أمَّا المشاعر غير الواقعية التي تواجهها، فما هي إلا جزء من استجابة جسدك ودماغك الطبيعية والمتطورة للتوتر والقلق.

  • لا تسرف في تناول العقاقير

يفترض الناس أحياناً أنَّه نظراً إلى أنَّ هذه الآثار حدثت في أثناء تناول عقار معيَّن، فإنَّ تناول المزيد من العقار نفسه قد يكون وسيلة لإيقاف المشاعر. لسوء الحظ، يمكن أن يؤدي هذا غالباً إلى زيادة مستويات القلق وجعل الأمور أسوأ؛ لذا تجنب هذا الإجراء.

نقاط رئيسة للتعامل مع الحياة غير الواقعية:

  • تُعَدُّ المشاعر المؤقتة بعدم الواقعية (يطلق عليها علماء النفس "تبدد الشخصية") جزءاً طبيعياً وشائعاً من التجربة الإنسانية. ويُعَدُّ تبدد الشخصية أيضاً جزءاً من آلية حماية الدماغ في أوقات القلق الشديد.
  • الإجهاد ونوبات الهلع والصدمات النفسية والحشيش، وخاصة المتغيرات القوية منها؛ كلها عوامل شائعة لتبدد الشخصية.
  • إنَّ التركيز المفرط في مشاعر عدم الواقعية وتضخيمها، يمكن أن يؤدي إلى استمرارها عن غير قصد فترةً أطول من الحادثة التي سببتها، ناهيك عن تدخُّلها في الحياة اليومية، والتي يمكن تشخيصها في الحالات الشديدة على أنَّها اضطراب تبدد الشخصية.
  • يمكن أن يساعد تعرُّف تبدد الشخصية وفهم أسبابه في منعه من التصعيد؛ إذ إنَّ التركيز برفق بعيداً عنه باستعمال تقنيات الترسيخ سيسمح للمشاعر بالتلاشي بشكل طبيعي.
  • تساعد ممارسة الرياضة وتجنب الكافيين والحفاظ على نمط نوم صحي في تقليل القلق وتقليل احتمالية استمرار تبدد الشخصية.
  • إذا كنت تعاني من تبدد الشخصية بعد تجربة تعاطي مخدرات سيئة، فلا داعي للذعر، ولا تلجأ إلى تعاطي المزيد من المخدرات. كن مطمئناً لمعرفة أنَّ المشاعر جزء طبيعي من استجابة القلق لديك وسوف تهدأ.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة