كيف تتعافى من حلم مُحطَّم؟

المباراة الوحيدة التي شاركتُ فيها في دوري كرة القدم الأمريكية هي لعبة "سوبر بول" (Super Bowl)؛ حيث أتذكر ذلك المساء في أغسطس 2010 في ملعب "كوالكوم" (Qualcomm Stadium) في ولاية "كاليفورنيا" (California)، كنتُ ضمن فريق "سان دييغو تشارجرز" (San Diego Chargers) أذكُرُها كما لو كانت بالأمس: "الرائحة المنعشة للعشب الرطب الطويل، طعم الحديد والملح في فمي، ومن بعيد، صوت مشجعينا وهم يصرخون ويهتفون لنا".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن اللاعب المعتزل والمتحدث والرئيس التنفيذي "مات مايبيري" (Matt Mayberry)، والذي يُحدِّثُنا فيه عن تجربته في كيفية إعادة حياته إلى مسارها الصحيح بعد تحطُّم حلمه.

شعرتُ أنَّ هذا هو المكان الذي أنتمي إليه؛ أي أن أكون لاعباً في دوري كرة القدم الأمريكية، ألعب مع فريق "شيكاغو بيرز" (Chicago Bears). لقد كنت ألعب جيداً، ولقد فاتتني فرصة إعاقة تقدم لاعب الوسط، لكنَّني استطعتُ الاستحواذ على الكرة ثلاث مرات.

شعرتُ بالبهجة والسرور؛ لأنَّني أفعل ما كنت أحلم به دائماً، وكل ما عملتُ لأجله خلال السنوات الأربع من التدريب على كرة القدم في جامعة "إنديانا" (Indiana University) والتدريبات التي لا نهاية لها.

لكنَّني شعرتُ بشيء خاطئ، ففي وقت متأخر من الربع الثاني؛ حيث تبقَّى أربع دقائق قبل نهاية الشوط الأول، تصدى أحد زملائي في الفريق لمدافع من الفريق الثاني وارتدَّ وسقط على كاحلي الأيسر، سقط بكامل جسده بقوة على ساقي، وأصبح كاحلي متورماً بشدة تحت وزن هذا اللاعب، فحاولتُ الوقوف، وأدركتُ أنَّ ما بدا وكأنَّه أمر عادي لم يكن عادياً على الإطلاق؛ ألم حاد طعن في ساقي بأكملها، وشعرتُ بالغثيان؛ لأنَّ الألم يزداد سوءاً كل ثانية، وكان الألم شديداً لدرجة أنَّني اعتقدتُ أنَّه قد أُغمي عليَّ.

ومع ذلك، فقد أتممتُ مهمتي وأنهيتُ المباراة بالاستحواذ على الكرة 6 مرات وتصدي لتفادي الخسارة، لكن في ذلك اليوم لم يكن أدائي هو الأهم في ذهني، فكل ما كنتُ أفكر فيه هو ذلك الألم الرهيب، والاحتمال الحقيقي بأنَّ مسيرتي الكروية الواعدة قد انتهت للتو قبل أن تبدأ، وأنَّ هذه ستكون لعبتي الأولى وهي الأخيرة.

الأحلام المحطمة:

في أثناء انتظاري لرؤية الاختصاصي في "شيكاغو"، واجهتُ صعوبةً بالغة في النوم والتركيز في اجتماعات الفريق؛ حيث كنتُ منغمساً في القلق والخوف وانزلقتُ في أعمق أعماق الظلام، وكانت حياتي محطمة؛ إذ كانت أحلامي وأهدافي تتبدد، ولم يكن لديَّ خطة بديلة.

لقد كشفت تجربتي أنَّ معظم الرياضيين غير مُهيَّئِين وجاهلين تماماً بشأن التأثير العاطفي والنفسي للإصابة، ثم محاولة التعافي منها، ولقد كنتُ أحد هؤلاء الرياضيين، وفي الواقع كانت إصابتي المؤلمة بمنزلة إشارة إلى نهاية مسيرتي وأحلامي وأهدافي؛ حيث مُزِّقَت عظمة من كاحلي الأيسر تماماً، وكنتُ سأحتاج استراحةً لفترة طويلة من الزمن للتعافي، وتوصَّل فريقي وأنا إلى تسوية لمعالجة الإصابة، وبهذه الطريقة تحطَّم عالمي بالكامل، وتحطمَت أحلامي.

إقرأ أيضاً: 7 أمور عليك تذكرها عندما تشعر أنَّك محطم داخلياً

ماذا تفعل عندما يحدث هذا لك؟

لا شكَّ أنَّ أي شخص ناجح قد واجه المحن في مرحلة ما من حياته، فالأشخاص في القمة، الذين غيروا قواعد اللعبة، مروا بالكثير من السنوات الصعبة قبل أن يُصبح أي من نجاحاتهم الكبرى معروفاً للجمهور؛ حيث إنَّ المشاعر الناتجة عن الأحلام المحطمة لا تحدث فقط للرياضيين الذين أُجبِروا على ترك رياضة احترافية عملوا من أجلها طوال حياتهم؛ بل إنَّها تحدث للرجال والنساء من جميع مناحي الحياة المختلفة: الأعمال والسياسة والتعليم وحتى الأبوة والأمومة.

ماذا تعلَّمتُ من حلمي المحطم؟ الكثير، وفيما يلي 4 إجراءات لمساعدتك على التعافي في حالة حدوث ذلك لك:

1. مواجهة الحقائق:

إذا سحقَ شيء ما حلمك، فهل تجد نفسك في حالة إنكار؟ كانت تجربتي الخاصة هي أنَّني لم أكن أعتقد حتى بوجود حياة بعد الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية؛ لذلك لم أكن قد وصلتُ إلى الإنكار بعد، وما كنتُ فيه كان الاعتقاد بأنَّها النهاية.

كنتُ أؤمن أنَّه إذا لم أتمكَّن من لعب كرة القدم، فسوف تنتهي الحياة التي كنتُ أعرفها، فإذا كنتَ أنت نفسك في حالة إنكار لحلم محطم، أو كنتَ تستسلم لشعور "الموت"؛ حيث تملأ الأفكار السيئة رأسك ولا يوجد شيء هام في الحياة بعد الآن، فأنت بحاجة إلى مواجهة الحقائق، وعلينا جميعاً أن ننظُر إلى تلك الحقائق بموضوعية ونُحلِّل خطوتنا التالية، بغض النظر عن مدى إيلامها.

ما ساعدني على مواجهة الحقائق هو البحث عن منتورز أثق بهم تماماً وكذلك نظام دعم مثل أصدقائي المقربين وأفراد عائلتي؛ فمن خلال التحدث إليهم تمكنتُ من الخروج من فخ الإنكار وتحرير نفسي أخيراً من الألم الداخلي الذي سلبني سلامي؛ حيث إنَّ مواجهة الحقائق يمكن أن تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين، ولكنَّ المكان الجيد للبدء هو المنتورز والأحباء الذين تثق بهم تماماً، فإنَّ كلماتهم ودعمهم في الأوقات الصعبة للغاية يمكن أن يُحدِث فارقاً كبيراً في العالم.

إقرأ أيضاً: هل تجد صعوبة في مواجهة الحياة؟ إليك 4 طرق لتجنب هذا الشعور

2. عدم المبالغة في التحليل:

عندما يحدث شيء ما يسحق حلمك، فمن المرجَّح أن تبدأ الإفراط في التحليل، وقد تقلق بشدة وتتساءل عما يجب عليك فعله بعد ذلك، أو قد تُشكِّك في قيمتك الذاتية، وقد تخبر نفسك بأنَّك في كابوس، وغداً ستستيقظ وستكون الأمور على ما يرام، وأسوأ شيء يمكنك القيام به عندما تواجه المحن هو الإفراط في التفكير في الأمور، فامنح نفسك الوقت لاستيعاب حقيقة الموقف، ولا تتسرَّع في "إصلاح" الأشياء؛ حيث إنَّ أول ما كان عليَّ فعله هو إدراك أنَّني كنتُ أفكر في سيناريوهات خاطئة في ذهني، ووصلتُ في النهاية إلى المرحلة التي كنتُ أقول فيها لنفسي: نعم، لقد تعرَّضتُ للإصابة في إحدى مباريات دوري كرة القدم الأمريكي، لكنَّ هذه لم تكن نهاية العالم، فمهما شعرتُ بالسوء حيال فقدان حلمي، لن أموت.

3. الاستسلام:

لا يمكنك تغيير ما حدث، ولكن يمكنك تغيير طريقة تفاعلك معه، كما في أغنية فرقة "البيتلز" (Beatles)، "لا تعلم ما قد يحصل في الغد" (Tomorrow Never Knows)، هناك سطر فيها يقول:

"توقَّف عن التفكير واسترخِ واسبح مع التيار، فقد ترى المعنى بداخلك"، وهذه نصيحة مثالية؛ نظراً لأنَّه لا يمكنك تغيير الموقف، ولكن يمكنك أن تتوقف عن التفكير والاستسلام للموقف، وعندها فقط ستظهر الحلول، فمثلما يمكن أن يمنحك المشي لمسافات طويلة والتأمل راحةَ البال والإجابات عن الأسئلة التي تزعجك، كذلك يمكن أن يتقبل عقلك الألم، وبالطبع القول أسهل من الفعل، وقد ناضلتُ بالتأكيد في البداية، لكنَّ الفوائد تفوق بكثير أي شيء آخر.

فقد كان الاستسلام بالنسبة إليَّ هو الشعور بالخوف والطاقة السلبية في أثناء المضي قدماً، فقبل هذا كنتُ أرفضُ كل خوف ومشاعر سلبية؛ مما جعل الأمور في الواقع أصعب بكثير، فعندما تُرحِّب بالخوف والطاقة السلبية ولكنَّك تستمر في المضي قدماً، تشعر بإحساس هائل بالرضا والعبء الثقيل الذي يُرفَع عن كتفيك.

إقرأ أيضاً: نصائح فعّالة لتسير إلى الأمام وتُحارب الاستسلام واليأس

4. الرضا:

الاستسلام للوضع يعني قبوله، وتذكَّر أنَّ هذا كان من أصعب الأشياء بالنسبة إليَّ للقيام به على الفور؛ حيث استغرق الأمر مني بضعة أسابيع لقبول نفسي وكذلك الموقف، وظللتُ أسأل نفسي مراراً وتكراراً، ماذا لو تعاملتُ بشكل مختلف مع الموقف؟ وماذا لو كنتُ قد لعبتُ للتو لفريق مختلف؟ أُدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أنَّ القبول أمر حاسم لتسامح نفسك وتمضي قدماً.

لذا؛ انسَ الحسرة والندم على ما قد فات؛ حيث كان عليَّ التخلص من الندم قبل أن أتمكن من المضي قدماً، وكان هذا يعني اتخاذ إجراء وعدم السماح لإصابتي بمنعي من القيام بإنجاز رائع في حياتي؛ حيث إنَّ هذه الإصابة، التي كانت واحدة من أصعب الأحداث في حياتي، أدَّت إلى ولادة حياتي المهنية ككاتب ومُتحدِّث رئيس، ومن أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها عندما تتعرض للشدائد هي المضي قدماً.

وبينما يمكن أن يكون ألم الحلم المحطم مؤلماً لفترة طويلة، فقد ساعدَتني هذه الخطوات الأربع شيئاً فشيئاً على العودة إلى المسار الصحيح والبدء بعملية إعادة بناء حياتي، وآمل أن تتمكن هذه الخطوات من مساعدتك أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة