كيف تتخلصين من عادة الكذب عند طفلك؟

يتَّخذ الأطفال من الانحراف في أحيان كثيرة وسيلةً للتكيف مع متطلبات الواقع وتلبية رغباتهم وما يريدون الوصول إليه، هذا في حالة وجود عوائق وحواجز تمنعهم من تحقيق رغباتهم بالطريقة السليمة، ومع مرور الأيام يتعود الطفل على حل مشكلاته بهذه الطرائق المنحرفة، فلا بدَّ أن تصبح هذه الطريقة راسخة في سلوكه وشخصيته، ومستمرة معه خلال مراحل حياته المختلفة؛ ومن ثَمَّ سوف يصبح من الصعب تغييرها أو تعديلها أو علاجها ووضع حد لها.



يُعدُّ الكذب من المشكلات أو الانحرافات التي يكون الطفل عرضة لها، والتي تكون محط قلق وخوف لأولياء الطفل والمحيطين به؛ فهي من أخطر السلوكات التي توجد في شخصية الطفل لا سيما إذا أصبحت عادة يستخدمها الطفل باستمرار؛ فينتج عنها مشكلات شخصية واجتماعية عدة.

إضافة إلى فقدان الأهل والمحيطين بالطفل الثقة به وعدم احترامهم له، كما يقود سلوك الكذب الطفل إلى عدم احترام القيم والعادات في المجتمع كالصدق والأمانة والإخلاص والانتماء، مما يؤدي إلى انحرافات أكبر في المستقبل إذا لم تُتخذ خطوات جريئة ويُعالَج هذا السلوك لديه منذ الطفولة.

مشكلة الكذب عند الأطفال:

لا يوجد اختلاف على أنَّ قول الحقيقة هو فعل مكتسب من البيئة التي يعيش فيها الطفل ويتفاعل ضمنها، والمواقف التي يمر بها ويفهم من خلالها أهمية الصدق وإظهار الحقيقة، وتجنب ما يخالف ذلك من كذب أو إخفاء للحقيقة.

الطفل يفهم ويمتص سلوك الصدق من الكبار المحيطين به، فإذا سلك المحيطون بالطفل اتجاه الحقيقة والتزموا الصدق في أقوالهم وأفعالهم، فسوف ينتهج الطفل هذا النهج، بينما إن وُجِدَ الطفل في بيئة مخالفة لذلك؛ أي في بيئة تقوم على الخداع والشك وعدم قول الحقيقة والغش والكذب بأشكاله، فسوف يدرك أنَّ هذا هو السبيل الذي يجب أن يتخذه إذا ما أراد أن يحقق ما يريده من أهداف.

الكذب عند الطفل هو الانحراف عن الصدق في القول والسلوك؛ في محاولة منه لنكران ما اقترف من ذنوب وتغطية ما فعل من أخطاء وهفوات، وفي الحقيقة إنَّ الكذب عند الطفل هو سلوك قصدي يهدف إلى تثبيت اعتقاد خاطئ لدى الأشخاص الآخرين المحيطين به.

من وجهة علم النفس فإنَّ الكذب هو حالة انفعالية دفاعية تهدف إلى التكيف وإعادة التوازن من خلال التبرير أو وسيلة لتفعيل الخيال الخصب.

أنواع الكذب عند الأطفال:

1. الكذب الخيالي:

يمثل هذا النوع من الكذب عند الطفل نوعاً من اللعب وشكلاً من أشكال التسلية؛ إذ تتكون في ذهن الطفل قصصاً كثيرة وحكايات ومشاهد خيالية غير موجودة في الواقع، وهذا النوع من الكذب في الحقيقة يبدو أقرب إلى السلوك الطبيعي عند الأطفال الذين يحبون القصص الخيالية ويجدون المتعة والتحدي في الحكايات، وغالباً ما يقع الكذب الخيالي بين سن الرابعة والخامسة من عمر الطفولة.

في الواقع لا يُعدُّ الكثيرون هذا النوع من أنواع الكذب الحقيقية؛ فالطفل هنا لا يميز بين الحقيقة والخيال، ولا تكون غايته إخفاء الحقيقة؛ بل فقط يقول الأشياء التي يحب أن توجد في الواقع، وفي هذه المرحلة يجب على الأهل والمعلمين في الروضات التي يوجد فيها الأطفال استغلال هذه القدرات الإبداعية الموجودة لديه، ومحاولة توظيفها في الجوانب العملية والتعليمية، واستثمارها بالشكل الأفضل الذي يحسِّن من شخصية الطفل ويكسبه الصفات الجيدة.

2. الكذب الدفاعي:

هذا النوع من الكذب هو الأكثر شيوعاً بين الأطفال، ويلجأ إليه الطفل تجنباً لعقوبة جراء فعل اقترفه، ويعرف أنَّه أخطأ به؛ إذ يدفعه الخوف الناجم عن العقوبة المتوقعة والقسوة التي يمكن أن يمر بها إلى ممارسة هذا النوع من الكذب.

3. الكذب الانتقامي:

ينشأ هذا النوع من الكذب نتيجة للغيرة، سواء من الإخوة أم الزملاء؛ إذ يقصد الطفل من جراء استخدامه للكذب هنا إلى إيذاء الشخص الآخر والتقليل من شأنه.

4. الكذب بالعدوى أو التقليد:

هذا النوع يقوم به الطفل نتيجة لتقليد سلوك المحيطين به، سواء من الأهل أم الأخوة أم الأقران وغيرهم من المحيطين به، وهو نوع خطير من الكذب، فإذا اتخذ الطفل منه أسلوب حياة كما يفعل الكبار، فقد يصبح سلوكاً أساسياً في شخصيته ومنهجاً دائماً في حياته؛ لذا يجب عدم تجاهله أبداً؛ بل ينبغي إيجاد حل سريع له.

5. الكذب الادعائي:

الذي يكون سببه شعور الطفل بالنقص أو الضعف في ناحية محددة أو يريد المفاخرة، ويكون الكذب هنا بادعاء الطفل لشيء غير موجود فيه مثل ادعاء المرض تهرباً من أداء فعل أو وظيفة معينة أو الادعاء بقدرته على فعل شيء استثنائي لا يستطيع من هم في عمره أداءه.

6. الكذب المفاجئ:

هذا النوع من الكذب ناجم عن عقدة نفسية قد تكون موجودة لدى الطفل وكبَتها، فمثلاً الطفل الذي يخاف من والديه أو يكرههم قد يلجأ إلى الكذب على معلميه؛ إذ يُعمِّم شعوره على معلميه وعلى أي سلطة تستطيع أن تتحكم به مثل والديه.

شاهد بالفيديو: 6 طرق تساعد في التعامل مع الطفل الكاذب

أسباب الكذب عند الأطفال:

  • الخوف من العقوبات لا سيما الشديدة منها.
  • وجود الطفل ضمن بيئة يلجأ فيها الكبار إلى الكذب ونكث العهود في تعاملهم اليومي.
  • خلط الطفل بين الحقيقة والخيال وعدم التمييز بينهما.
  • سعة خيال الطفل وحبه لنسج القصص والحكايات.
  • الغيرة التي تنشأ لدى الطفل بسبب قيام الأهل بالتمييز بين الأخوة، أو بسبب تمييز المعلم بين التلاميذ في الفصل الدراسي والرغبة في إيذاء الشخص الآخر.
  • وجود حالة من الشعور بالنقص لدى الطفل ومحاولة تعويض ذلك من خلال الكذب وتحقيق رغباته المكبوتة.
  • عدم شعور الطفل بالأمان والراحة ضمن الأسرة التي يعيش فيها.
  • التهرب من تحمل المسؤولية وتجنب القيام بالواجبات المطلوبة منه.
  • الاعتقاد الساذج للطفل بأنَّ الكذب أمر مضحك ويبعث على التسلية.
  • محاولة جذب انتباه المحيطين به ونيل تعاطفهم والحصول على مكافآت منهم.
  • محاولة تخليص نفسه من مشكلة معينة.
  • محاولة لكسب ود الأصدقاء وصداقتهم.
  • حرمان الطفل من اللعب والاستمتاع بوقته.
  • إهمال الأسرة لأطفالها.
إقرأ أيضاً: أسباب الكذب عند الطفل

كيف تتخلصين من عادة الكذب عند الطفل؟

يُعدُّ الكذب شيئاً شريراً لا أخلاقي وغير مرغوب فيه؛ لذا يجب اتخاذ خطوات حقيقية لتجنيب الطفل الوقوع فيه، ومن الأشياء التي يجب فعلها:

  • تحديد مشكلة الكذب لدى الطفل ومحاولة معرفة سببها الحقيقي؛ إذ تتمثل الخطوة الأولى بالاعتراف بوجود مشكلة لدى الطفل وتحديد حجمها ومدى خطورتها ومدى تكرارها؛ ومن ثَمَّ تحديد طريقة العلاج والالتزام بها.
  • تحديد نوع الكذب الموجود لدى الطفل لتحديد طريقة العلاج المناسبة، فإذا كان الكذب من النوع الخيالي يجب على الوالدين إيضاح الفرق للطفل بين الواقع والخيال، بينما إن كان من النوع الانتقامي فيجب التأكد من عدم التمييز بينه وبين الأخوة أو الأطفال الآخرين.
  • يجب مراقبة سلوك الطفل وعدم السماح بوجود فرصة لنيله منافع شخصية من خلال الكذب.
  • القدوة الحسنة: يجب أن يكون كل من الوالدين قدوة حسنة للطفل بأن يبتعدا عن سلوك الكذب أمام الطفل، فالوالدان هما مرآة لطفلهما، فإذا رأى الطفل أنَّ الكبار في البيت ينتهجون الصدق في مختلف مواقف حياتهم ومهما كانت النتيجة من ذلك، سوف يفعل مثلهم.
  • عرض القصص والحكايات التي توضح أهمية الصدق والأضرار التي تنتج عن الكذب وعن وضاعة مكانة من يقوم بالكذب، فغالباً ما تقوم القصص بإيصال العِبرة والحكمة المطلوبة.
  • عدم ممارسة أساليب العقاب والإهانة وتحقير الطفل عند اكتشاف كذبه، واستبدال ذلك بأسلوب التعزيز والمدح عند اتباعه لقول الصدق؛ فالتعزيز الإيجابي أفضل من العقاب.
  • تعويد الطفل على الاستقلالية من خلال خوضه للتجارب بنفسه واستخلاص العِبَر منها.
  • دفع الطفل إلى فهم أنَّ الصدق يخفف العقوبة، وأنَّ الكذب سيجلب معه مزيداً من العقوبة.
  • مساعدة الطفل على التمييز بين ما هو خيال وبين ما هو واقع، فعند قراءة قصة للطفل يجب توضيح ما فيها من خيال حتى لا يقوم بنسج قصص مشابهة لها.
  • مساعدة طفلك على أن يحبه الآخرون كي تجنبه مسألة الكذب لنيل رضى الآخرين.
  • تعليم طفلك الطريقة الصحيحة لطلب ما يريد وأي الأشياء التي يستطيع الحصول عليها، وأي الأشياء التي لا يستطيع الحصول عليها مع توضيح أسباب ذلك والوقت المناسب للحصول عليها.
  • تعزيز ثقة طفلك بنفسه، وتعليمه كل ما يمكن أن يجعل منه شخصاً قوياً.
  • عدم إجبار طفلك على القيام بأعمال لا يحبها تجنباً للكذب أو أشياء تفوق قدراته.
  • الرعاية الجيدة للطفل ومراقبته باستمرار وإبعاده عن رفاق السوء.
  • الحرص على التواصل الدائم مع المدرسة أو الروضة التي يوجد فيها الطفل ومتابعة سلوكاته داخلها.
  • توجيه الطفل لممارسة هوايات جديدة يعبِّر بها عن ذاته وعن رغباته ويشغل من خلالها أوقات فراغه.
إقرأ أيضاً: الكذب عند الأطفال: أنواعه وأسبابه

في الختام:

إنَّ الطفل يكذب لأسباب متعددة منها الشخصية ومنها الاجتماعية، ومهما يكن فإنَّ العلاج يمثل خطوة ضرورية في سبيل تكوين شخصية الطفل السوية، ومساعدته على النمو السليم وتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي؛ لذا من أجل النجاح في ذلك يجب علاج مشكلة الكذب منذ بداية الشعور بوجودها لدى الطفل تجنباً لتفاقمها وتحولها إلى صفة وعادة أساسية في سلوكه، ويكون ذلك من خلال تحديد سبب المشكلة الأساسي الذي أدى إلى قيام الطفل بهذا السلوك؛ ومن ثَمَّ رسم طريقة العلاج المناسبة، ومهما كانت الطريقة التي اختُيرت يوجد شيء ثابت دائماً وهو أن يكون الوالدان القدوة الحسنة لطفلهما في كل وقت.




مقالات مرتبطة