كيف تبدأ حياتك من جديد بعد فقدان شخص عزيز؟ (الجزء الأول)

لقد فقدت والدي فجأةً في منتصف الليل منذ عدة سنوات، وقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمكنت من تجاوز حزني. إليك قصة رحلتي مع الألم والشفاء منه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن أرفيند ديفاليا (Arvind Devalia)، يحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في فقدان شخص عزيز.

رنَّ هاتفي في منتصف ليلة باردة من شهر ديسمبر، لأستيقظ مرتعشاً وأنا منزعج لأنَّني نسيت إغلاق هاتفي، لكن بمجرد أن نظرت في الهاتف ورأيت أنَّ والدتي تتصل بي، عرفت أنَّ لديها أخباراً مأساويةً؛ كانت والدتي في حالة هستيرية، فقد مات أبي للتو، ولن يكون معنا بعد الآن، وحينها ما عادت حياتي كما كانت من قبل.

مضى الآن أكثر من 14 عاماً منذ أن مررت بأكثر الأوقات إيلاماً في حياتي، عندما توفي والدي فجأةً في منتصف تلك الليلة المشؤومة من شهر ديسمبر؛ إذ أُصيب بنوبة قلبية شديدة وتوفي بحضور والدتي، بعد أن عاشا معاً مدة 54 عاماً.

كانت فترة مؤلمة جداً في حياتي؛ إذ قبل 6 أشهر فقط من وفاة والدي، توفي أعز أصدقائي منتحراً؛ لذا شعرت أنَّ العالم كله كان يقف ضدي، وأنَّني لن أتجاوز هذا العذاب والألم، وبقيت أفكر، لماذا أنا؟

هل الموت والحزن موجودان في كل مكان حولنا؟

يتقدم بنا السن، ومن المحتم أن نشهد مزيداً من الوفيات في عائلتنا وأصدقائنا ومجتمعنا عموماً، والآن، أصبحنا نشهد موت بعض الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، أو فقدان بعض الأحبة.

ففي الشهر الماضي، فقد اثنان من أصدقائي على فيسبوك (Facebook) والديهما أيضاً، وكنت متعاطفاً تماماً مع ما كانا يمران به، وشعرت بالحزن معهما مرةً أخرى على فقدان والدي، يبدو أنَّ الموت بات يحيط بنا فجأةً في كل مكان؛ إذ إنَّ كثيراً من الناس فقدوا شخصاً عزيزاً عليهم مؤخراً.

إذاً، من أين تبدأ باستيعاب هذه الخسائر المتغيرة في الحياة وتتجاوزها؟

يمكنك بالتأكيد أن تبكي من أعماق قلبك وتصرخ، ويمكنك أن تسمح لليأس والاستسلام أن يسيطرا عليك، ويمكنك أن تغضب من الظلم الذي تمر به، ويمكن أن تخاف أن يكون ذلك هو نهاية العالم بالنسبة إليك، لكن بعد ذلك، كيف تبدأ عيش حياتك مرةً أخرى؟

يقولون إنَّك إذا فقدت شخصاً ما، فعندها وحسب يمكنك أن تفهم وتشعر بما يمر به الأشخاص الذين فقدوا عزيزاً لهم أيضاً.

هل سبق وتغير عالمك للأبد خلال ثوانٍ فقط؟

تغير عالمي إلى الأبد بثوانٍ قليلة، عندما أخبرتني والدتي أنَّ والدي لن يكون معنا بعد الآن؛ إذ شعرت فجأةً بالوحدة في العالم، وأنَّ حياتي وصلت إلى نهايتها، لقد كانت الساعات والأيام القليلة التالية بعد تلك المكالمة الهاتفية المصيرية، تتصف بالضبابية، ولقد حاولت تجنُّب التفكير فيها معظم ذلك الوقت كنوع من الحماية الذاتية.

أكاد لا أتذكَّر إلا جزءاً يسيراً جداً من الأشهر الثلاثة التالية لوفاته، عندما دخلت في حالة من عدم الإدراك، وأصبحت أتصرف من دون وعي؛ إذ كان تركيزي على الأمور العملية، مثل تنظيم الجنازة، وأمور الميراث، وأيِّ أمر آخر يجنبني الشعور بالألم، وكنت السند لأمي وإخوتي وأبناء إخوتي.

تُعَد الجنازات تذكيراً مؤثراً بقداسة وهشاشة حياتنا، وقد كانت جنازة والدي عبارة عن كل هذه الأمور وأكثر من ذلك بكثير، لقد كان خطابي التأبيني قصيراً؛ إذ حملت نعش والدي والتقيت بالمئات من الأقارب والأصدقاء في الجنازة، ومع ذلك، كنت في حالة تشويش وسط الأمطار الغزيرة في ذلك الصباح الشتوي البارد والمظلم.

لقد كان هذا التأبين من أصعب الأمور وأكثرها إثارةً للأعصاب التي مررت بها على الإطلاق، لكنَّني تمكنت من القول إنَّ أعظم ما كان يُعرف به والدي هو تعاطفه وحبه للناس، لقد تجاوزت إلى حدٍّ ما تلك الأشهر القليلة الأولى، لكن حتى الآن ما زلت أشعر بالفقد والحزن الشديدين.

شاهد: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

هل يتجاوز المرء فقدان شخص يحبه؟

لا أعرف كيف تجاوزت السنة الأولى من وفاته حينها، والآن بطريقة لا تُصدَّق، مضت عدة سنوات على فراق والدي، لقد بدت السنوات التي مرت منذ ذلك الوقت فارغةً جداً من دونه، فأنا أفتقد بشدة التحدث إليه عبر الهاتف، وأتوق إلى زيارته ومشاهدة التلفاز معه.

كانت مشاعر الخسارة مليئة بالألم والوجع، لا سيَّما في المناسبات الخاصة خلال العام الأول بعد وفاته، مثل عيد ميلاده وعيد ميلادي وذكرى زواج والديَّ والأعياد وغير ذلك، فقد كان غيابه هو الأكثر إيلاماً.

هل فقدت شخصاً ما بظروف مأساوية؟

سبق فقدان والدي ببضعة أشهر فقط، وفاة صديقي "رودني" (Rodney) في الولايات المتحدة (USA)، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من قضائه بضعة أيام معي في لندن (London)، حيث أقطن.

كنت قبل ذلك بعام واحد فقط في حفل زفافه، وكانت وفاته قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى لزواجه. وعندما غادر "رودني" المملكة المتحدة، لم أكن أعلم أنَّ هذه هي المرة الأخيرة التي سأراه فيها.

لقد أرسل لي برسالة نصية مؤثرة وصادقة من المطار، يشكرني فيها على صداقتي على مر السنين، ويخبرني كم كنت صديقاً لطيفاً معه، وبعد وفاته فقط أدركت أنَّ "رودني" كان يودعني، فقد كانت هذه آخر رسالة أرسلها إليَّ على الإطلاق.

تركت خسارتي المأساوية لصديقي العزيز فراغاً كبيراً في حياتي؛ إذ كنَّا قد مررنا بعديد من الأوقات الجيدة والسيئة والتحديات، وشاركنا في عديد من المغامرات معاً.

تزعجني الآن معرفة ما مر به في أيامه الأخيرة، ومعرفة مدى اليأس وحالة القلق التي كان عليها، لم أتمكن من الحديث عن وفاة "رودني" لفترة طويلة، وحتى الآن أشعر بالحزن وأنا أكتب هذه الكلمات.

إذاً، كيف يمكن للمرء أن يتجاوز فقدان أحد أفراد أسرته؟

فيما يلي الأمور التي ساعدتني على تجاوز أحلك أوقات حياتي:

1. الحزن بقدر ما تحتاج إليه ومعرفة أنَّه لا مشكلة في البكاء:

اشعر بألمك وابكِ، فذلك أفضل ما يمكنك فعله؛ إذ لا حاجة إلى إظهار الشجاعة والقوة عند مواجهة مواقف صعبة.

يعاني بعض الأشخاص الذين يخفون مشاعرهم مثلي، أكثر ولفترة أطول؛ إذ لعدة مرات خلال جنازة والدي والأيام التي تلت وفاته، تمنيت لو كان بإمكاني الصراخ لأعبر عمَّا في داخلي مثل أيِّ شخص آخر من حولي، لكنَّني لم أستطع، لقد بكيت مرةً واحدةً في الحمام مدة دقيقتين على انفراد، وكان ذلك كل شيء تقريباً، في حين أنَّني أبكي بصمت في قلبي منذ ذلك الحين.

أصبحت خلال الأسابيع التالية - كما ذكرت سابقاً - أتصرف من دون تفكير، ولم تكن ثمة دموع، وإنَّما كنت في حالة تخدير رهيبة بحيث لا يمكنني النوم ولا حتى الشعور بالراحة.

كان يُوجد كثيرٌ من الحزن الذي يجب عليَّ الشعور به، وكان عليَّ السماح له بالظهور بصورة طبيعية في الوقت المناسب؛ لهذا السبب، كُن منفتحاً وضعيفاً، وابكِ بقدر ما تريد، وابكِ أمام الآخرين، أو ابكِ مع نفسك؛ إذ يكفي أن تبكي فحسب؛ إذ إنَّه لأمر رائع مدى قوة الروح البشرية في مثل هذه الظروف الصعبة.

2. عدم الخوف من التحدث عن حزنك مع العائلة والأصدقاء والمجتمع:

كُن منفتحاً وتحدَّث عن حزنك ومشاعرك مع الأشخاص المقربين منك؛ إذ يمكن للعائلات أن تكون شيئاً رائعاً، لكنَّها تمثِّل تحدِّياً كبيراً، ففي بعض الأحيان لا يمكننا العيش مع بعضنا بعضاً لفترة طويلة، ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بالحاجة الحقيقية إليهم، تجد الجميع حولك.

كنت عند فقدان والدي مغموراً بحالة من التعاطف التي أظهرها لنا أصدقائنا وأفراد عائلاتنا خلال الأسابيع التالية، وقد اتصل بي كثيرٌ من الأشخاص الذين أعرفهم، وأرسل العديد من الأصدقاء الرسائل والبطاقات المؤثرة.

وسط مشاعر الحزن والأسى، كان ثمة إحساس بالحنان والقرب بين أشقائي وأفراد عائلتي الآخرين، لم أشعر به من قبل؛ إذ شعرنا جميعاً بقربنا من بعضنا بعضاً بصورة لا تُصدَّق، بسبب حزننا على خسارتنا، وربما لأنَّها كانت المرة الأولى التي شعرنا فيها بثقل قصر الحياة.

كان من المؤلم معرفة أنَّ الأمر تطلَّب وفاة والدي حتى يظهر كل هذا الحب الكامن، وعلى الرغم من أنَّ هذا القرب والاهتمام كان قصير الأمد على ما يبدو، إلا أنَّه كان وسيبقى موجوداً دائماً؛ فشعرت بأنَّني قريب من أعمامي وعماتي وبقية أفراد عائلتي، وأدركت أنَّهم أيضاً فقدوا أحد أفراد أسرتهم بفقدانهم والدي.

إذا استطاع مزيدٌ من الناس أن يشهدوا عن كثب حزن عائلة فقدت شخصاً عزيزاً عليها، فأنا متأكد من أنَّه سيكون ثمة قدر أقل بكثير من العنف والحرب في العالم.

عندما تحدثت في حفل تأبين صديقي "رودني"، بدأت القراءة من خطابي المجهَّز، لكنَّ المشاعر الجياشة اجتاحتني، ولم أستطع الاستمرار بعد الثواني القليلة الأولى؛ إذ نظرت إلى الجمهور بعينين اغرورقتا بالدموع، وشعرت بمشاعر الحب والدفء تنبع من 60 شخصاً كانوا موجودين، وأكملت بقية حديثي مباشرةً من قلبي، من دون الرجوع إلى ملاحظاتي المكتوبة.

تذكَّر أنَّ الناس طيبون ويشاركونك أحزانك، وأنَّهم موجودون من أجلك؛ إذ يتمتع الناس بقدرة مذهلة على أن يكونوا عطوفين؛ لذا اسمح لهم أن يظهِروا لك تعاطفهم ولطفهم خلال وقت الحاجة.

حين تتحدث إلى أحد أفراد الأسرة المقربين، ستساعدان بعضكما على التعافي؛ لذا ابحث عن أيِّ شخص تشعر بالراحة معه وتحدث إليه، وتأكد أنَّه لا بأس في التحدث عمَّا تشعر به.

ربما تحتاج فحسب إلى صديق جيد يكون على استعداد للإصغاء والحضور إلى جانبك؛ لذا تواصل مع مجتمعك وابحث عن الدعم إذا كان ذلك مناسباً لك، ثم فكِّر في التواصل مع أصدقائك على منصة فيسبوك (Facebook) أو أيِّ وسيلة للتواصل عبر الإنترنت أنت جزء منها.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح فعّالة لنسيان الذكريات الحزينة

3. عدم الخوف من قضاء الوقت وحدك وتذكُّر من تحب:

أضف إلى قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، قضاء بعض الوقت وحدك أيضاً.

افعل ما يجب عليك فعله، لأنَّ رحلة كل شخص ستكون مختلفة، وستتعامل مع خسارتك بطريقتك الخاصة؛ لذا اطلب من الناس منحك بعض المساحة الخاصة بك إذا كان هذا ما تحتاج إليه، وسيتفهمون ذلك.

كان أفضل أمر فعله لي أحد الأصدقاء عندما فقدت والدي، هو دعوتي إلى قضاء اليوم في منزله؛ إذ أعدَّ لي كثيراً من الطعام، وتركني وحدي أمام التلفاز طوال اليوم.

شاهدت جميع أنواع المسلسلات وأفلام الحركة والإثارة، وأيَّ شيء يبعد تفكيري عن الأمور المحزنة، لقد كان هذا ما أحتاج إليه تماماً، لأنَّني بكيت معظم اليوم على أريكته، لعلمي أنَّه ما من أحد سيحكم عليَّ بالضعف أو الجبن.

امشِ مسافات طويلة في الطبيعة، سواء وحدك أم مع الأصدقاء؛ إذ إنَّ وجودك في الهواء الطلق وممارسة الرياضة سيبعدان عقلك عن التفكير في الأمور الحزينة، ويجعلانك تفكر في عظمة الكون وكيف نتأقلم جميعاً مع ما يحدث من حولنا، ربما ستدرك مدى ضآلة حجمنا في المخطط العظيم للأمور، وربما وسط هذه الكآبة، سترى حياتك واتجاهك المستقبلي من وجهة نظر جديدة.

فكِّر خلال هذا الوقت من العزلة فيما حدث، وتذكَّر الأوقات الخاصة العديدة التي مررت بها مع من تحب، ثم اضحك على الأمور السخيفة التي اعتدت أن تضحك عليها، وابتسم على الاختلافات الدقيقة وكل الصفات المميزة التي جعلت من تحب فريداً ورائعاً في نظرك.

فكِّر ملياً في الأوقات السعيدة، وفي الأوقات الحزينة، وفي الأوقات الممتعة، وفي الأوقات الصعبة، فكِّر ملياً في كل شيء وتذكَّر مَن تحب، وعندما تتذكَّر ابكِ بقدر ما تريد.

إقرأ أيضاً: 5 طرق بسيطة للوصول إلى السعادة النفسية

الخلاصة:

تحدَّثتُ في هذا الجزء من المقال عن قصة فقداني لوالدي وكيف أثَّر هذا الأمر في حياتي، ثم ذكرت 3 أمور ساعدتني على التغلب على حزني، ومحاولة التأقلم مع الوضع الجديد.

تابع قراءة قصتي في الجزء الثاني لتعرف بقية الخطوات التي ساعدتني على تجاوز الحزن.

المصدر




مقالات مرتبطة