كيف تؤثر مشاكل التنقل اليومي إلى مكان العمل في الاحتفاظ بالموظفين؟

نظراً لتكيُّف مزيدٍ من الشركات مع الاعتماد على البيانات لاتخاذ القرارات في قسم الموارد البشرية، تكشف البيانات الجديدة أنَّ المشكلات التي تتعلق بالتنقل إلى أماكن العمل يمكن أن تحمل تأثيراً كبيراً في نجاح التوظيف والاحتفاظ بالموظفين.



ربما تكون قد افترضت أنَّ مشكلات التنقل تلك كانت عاملاً غامضاً وذات تأثيرٍ طفيفٍ فحسب؛ لكنَّك مخطئ؛ فقد تكون على علم بأنَّ أوقات التنقل الطويلة تزيد من معدلات تأخير الموظفين الجدد وتغيُّبهم عن العمل، لكنَّ البيانات تكشف الآن أنَّه يمكن أن يكون لأوقات التنقل الطويلة تأثيرٌ سلبيٌّ كبيرٌ في الاحتفاظ بالموظفين الجدد أيضاً.

إنَّ شركات مثل "زيروكس" (Xerox) و"كيبانك" (KeyBank) و"غيت غورميت" (Gate Gourmet)، فضلاً عن شركات استشارية منها "كينيكسا" (Kenexa) و"وركداي" (Workday) و"إيفولف" (Evolv)، وجدت صلةً في العديد من الوظائف بين وقت التنقل وبين الاحتفاظ بالموظفين الجدد ونجاح توظيفهم الجديد.

ووجدت الأبحاث التي أجراها المستشار "جيف باركس" (Jeff Parks) أنَّه في إحدى الشركات المصنِّعة: "عند التنقل مسافة 13 ميلاً؛ أي نحو 30-45 دقيقة، يزيد احتمال الاستقالة إلى أكثر من 92%".

التنقل القصير يحمل فوائد إضافية:

وجد البحث الذي أجرته شركة "إيفولف" (Evolv) - التي اندمجت الآن مع شركة "كورنرستون" (Cornerstone) - أنَّ قطع مسافةٍ قصيرةٍ إلى العمل تتراوح بين 0 إلى 5 أميال يقود الموظفين إلى البقاء في وظائفهم فترة أطول بنسبة 20%.

واعترافاً بالقيمة التي يحملها العيش بالقرب من مكان العمل، قدمت شركة "فيسبوك" (Facebook) في الماضي مكافأةً سنويةً قدرها 7000 دولار للموظفين الذين يعيشون على بعد ميلٍ من مقرها الرئيس؛ الأمر الذي يشجِّع العمال ذوي الأفكار الجديدة على زيارة مكان عملهم في أيِّ وقت.

لقد عرضت شركة المراسلة "إيمو" (Imo) مكافأةً سنويةً قدرها 6000 دولار لمن يعيش على بعد خمسة أميالٍ من مكتبها، وقد استفاد منها معظم الموظفين.

شاهد بالفيديو: 10 خطوات لتتحلّى بالإيجابية في مكان عملك

دراسة حالةٍ عن تأثيرات وقت التنقل في الموظفين الجدد:

بلغ معدل دوران الموظفين الجدد لدى شركة "غيت غورميت" (Gate Gourmet)، التي تُعَدُّ أكبر مزودٍ مستقلٍّ لخدمات تموين شركات الطيران في العالم، نحو 50%، وقد دفعها هذا الأمر إلى استخدام البيانات الخارجية والداخلية لتحديد العوامل الحقيقية التي أدت إلى ضعف أداء الموظفين الجدد ودوران العمالة.

بدلاً من اكتشاف أنَّ عوامل الاختيار التقليدية كانت العوامل الرئيسة للتنبؤ بنجاح الموظفين الجدد، فقد وجدت أنَّ أوقات التنقل، التي بلغت وسطياً ما يقارب 35 دقيقة، كانت السبب الرئيس لمشكلات أداء الموظفين الجدد ودورانهم؛ ونتيجةً لذلك، غيَّرت الشركة معايير التوظيف الخاصة بها، ومنحت اهتماماً أكبر لسهولة توافر وسائل النقل العام بالنسبة إلى مقدم الطلب، ومدى بعد المسافة بين مكان عيش الموظف وموقع العمل.

ونتيجةً لهذا التركيز الجديد على وقت التنقل، بلغت الشركة مرحلة "عدم وجود مزيدٍ من الشواغر" لأول مرة، وتمكَّنت من خفض معدل دوران القوى العاملة غير المرغوب فيه إلى 27%.

إقرأ أيضاً: 7 تقنيات لدمج الموظفين الجدُد في بيئة العمل

الآثار السلبية التي تُحدِثها قضايا التنقل في الأعمال:

قبل أن تتجاهل الحاجة إلى النظر في مشكلات التنقل، ضع في حسبانك هذه القائمة الطويلة التي تضم كثيراً من التأثيرات السلبية المحتمَلة في الأعمال، التي قد تنجم عن القضايا المتعلقة بالتنقل ممَّا لم يُتناوَل.

تشمل مشكلات الإنتاجية المنخفضة كلاً من الآتي:

  • زيادة التغيب عن العمل: تكلِّف أيام العمل الضائعة كثيراً من الأموال، لا سيَّما إذا أضفت تكلفة تعيين البدائل لملء الشواغر، ومعدلات الخطأ الكبيرة التي يمكن أن يُحدِثها ذلك.
  • التأخير المتكرر: تزيد التنقلات السيئة من التأخير، وتتطلب كثيراً من وقت الإدارة للتعامل مع كلٍّ منها.
  • معدلات دورانٍ أعلى في القوى العاملة: مع مرور الوقت، تكشف البيانات أنَّ التنقلات الطويلة التي تُتجاهل ستؤدي إلى مزيدٍ من الاستقالات.
  • انخفاض إدماج الموظفين: قد يضر زمن أو مسافة التنقل أيضاً بإدماج الموظف؛ إذ وجدت شركة "زيروكس للخدمات" (Xerox Services) أنَّ مسافة التنقل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإدماج الموظفين والاحتفاظ بهم.
  • زيادة معدلات الخطأ: من المُرجَّح أن يتشتت انتباه الموظفين المرهَقين من السفر في الصباح بعد تنقلاتهم الطويلة، وفي فترة ما بعد الظهر كذلك، نتيجةً للتفكير في تنقلاتهم الطويلة القادمة عند عودتهم إلى المنزل، ومن المرجَّح أن يؤدي هذا الإلهاء والتوتر إلى زيادة معدلات الخطأ ومشكلات السلامة.
  • تناقص إنتاجية الموظف بسبب الإجهاد: ستؤثر المستويات المتزايدة من الضغوطات المرتبطة بالتنقل سلباً في إنتاجية الموظفين، وقد يكون لدى الموظف أيضاً ضغطٌ متزايدٌ نتيجة مشكلات عائليةٍ تتعلق بكونه بعيداً عن عائلته ساعاتٍ أطول؛ إذ كشفت إحدى الدراسات أنَّ الأزواج الذين يتنقل أحدهما لأكثر من 45 دقيقة، يكونون معرَّضِين للطلاق باحتمالٍ أعلى بنسبة 40%.
  • انخفاض أداء الفريق والمدير: قد تؤثر زيادة معدل دوران القوى العاملة والتأخير والتغيب معاً تأثيراً سلبياً في الأداء العام للفريق، وسيستغرق ذلك قدراً كبيراً من وقت المدير.

ومن ضمن التأثيرات الأخرى المرتبطة بالتوظيف:

  • انخفاض عدد المتقدمين: يشتكي الموظفون الحاليون والسابقون من التنقل، وإنَّ جهود مؤسستك ودعمها لتسهيل الأمر سيثبط من عزيمة المتقدمين مستقبلاً.
  • رفض عروض العمل: ستُرفَض معظم عروض العمل إذا رأى المتقدمون المتأثرون بالأمر أنَّ الشركة لا تخفِّف من مشكلات التنقل الرئيسة.
  • تراجع صحة الموظف: أظهرت الأبحاث أنَّ الجلوس لفتراتٍ طويلةٍ وقضاء وقتٍ أقل لممارسة الرياضة بسبب التنقلات الطويلة، يمكن أن يؤدي إلى "نشاطٍ بدنيٍّ أقل، وزيادة دهون البطن، وارتفاع ضغط الدم"، كما يمكن أن تؤدي هذه المشكلات أيضاً إلى زيادة التكاليف الطبية للشركة، وفي المقابل، يسهِّل العيش بالقرب من مكان العمل إمكانية المشي أو ركوب الدراجة إلى العمل، فضلاً عن زيارة العائلة وتربية الحيوانات الأليفة.
  • الحصول على دخلٍ أقل يمكن إنفاقه: ستؤدي التكاليف المرتفعة للتنقل إلى تقليل الدخل التقديري للموظف؛ وهذا ما يجعل وظائفك تبدو كأنَّها ذات مدخولٍ قليل.

الإجراءات المحتمَلة والواجب مراعاتها من قِبل المدير والموارد البشرية:

يمكن التخفيف من مشكلات التنقل؛ لذا إليك قائمةً بالإجراءات المحتمَلة التي قد تقلل من تلك المشكلات، موزعةً في فئتين: التوظيف والاحتفاظ.

الإجراءات المحتمَلة والواجب مراعاتها من قِبل المدير والموارد البشرية

إجراءات التوظيف: يشمل التخفيف من مشكلات وقت التنقل المتعلقة بالتوظيف كلاً من الأمور الآتية:

  • تحديد ما إذا كان من المفيد توقُّع النجاح في الوظيفة: أجرِ تحليلاً إحصائياً لتحديد ما إذا كان وقت التنقل يقلل من النجاح في العمل بالنسبة إلى الموظفين الجدد ضمن كل مجموعةٍ وظيفية، وحتى عندما تضمِّن مشكلات التنقل بوصفها واحدةً من معايير التقييم الخاصة بك، تذكَّر أيضاً أن تُقيِّم تقييماً عادلاً العوامل الأخرى التي تتنبأ أيضاً بالنجاح في العمل.
  • وضع التنقل ضمن معايير القبول المعتادة لوظيفة المرشح: سوف ينظر المتقدمون إلى التنقل بوصفه جزءاً من معايير قبولهم الوظيفية، بصرف النظر عمَّا إذا كنت تفكِّر في ذلك أم لا؛ لذا يجب على المتقدمين إلى الوظيفة أن يدركوا أيضاً أنَّ وضع رمزٍ بريديٍّ في سيرتهم الذاتية قد يكون له تأثيرٌ في اختيار الشركة لهم.

وإذا كان يجب على الموظف الجديد أن يعمل خلال ساعات الراحة أو أن يأخذ مناوباتٍ طويلة، فقد تشكِّل مسألة التنقل مشكلةً أكبر؛ وذلك لأنَّ وسائل النقل العام قد لا تكون متاحةً بسهولةٍ سوى في أوقاتٍ معيَّنةٍ كأوقات الذروة.

  • اختلاف التأثير باختلاف الوظيفة: قد يكون لوقت التنقل تأثيرٌ أكبر في الوظائف ذات الأجور المنخفضة، والوظائف التي يوجد مثلها العديد من فرص العمل المشابهة، التي تكون أقرب إلى المكان الذي يعيش فيه معظم العمال.
  • وقت التنقل أكثر أهميةً من المسافة: كن حذراً باستخدام الرمز البريدي في السيرة الذاتية للمرشح عند تحديد مشكلات التنقل المحتملة؛ وذلك لأنَّ وقت التنقل بدلاً من المسافة، والتوافر المعقول لوسائل النقل العام قد يشكلان عاملين جيدين للتنبؤ بمشكلات التنقل القادمة؛ لذا عند الاستفسار عن وقت التنقل في أثناء المقابلة، اسأل عمَّا إذا كان التنقل يستغرق أقل من 15 دقيقة، أو يتراوح من 15 إلى 30 دقيقة، أو أنَّه يتجاوز 30 دقيقة.

وإذا كان لدى الشركة خطةٌ فعَّالة لدعم نقل موظفيها؛ أي المساعدة على تقاسم الركوب مع آخرين ضمن سياراتٍ أو عربات نقل، فقد تقلُّ الآثار السلبية في قبول الوظيفة وفي أداء عمل الموظف الجديد.

  • فهم أيِّ تأثيرٍ ضارٍّ محتمل: نظراً لوجود تنوع في الأفراد المتقدمين، وأنَّ منهم مَن ينتمون إلى مجموعاتٍ محدَّدة قد يتركزون في مناطق جغرافية معيَّنة؛ تتبَّع أيَّ آثارٍ سلبيةٍ محتمَلة ناجمةٍ عن استخدام أوقات التنقل وسهولة الوصول إلى وسائل النقل العام بوصفها معايير للتوظيف.

إجراءات الاحتفاظ بالموظفين: تشمل خطوات تقليل مشكلات التنقل في ظل جهود الاحتفاظ بالموظفين كلاً من الأمور الآتية:

  • تحديد الحالات التي يزيد فيها احتمال دوران الموظفين: أجرِ تحليلاً إحصائياً لتحديد ما إذا كان وقت التنقل يؤثر في الاحتفاظ بالموظفين ضمن كل مجموعة عمل، وما حجم هذا التأثير، ثم أجرِ أيضاً "تحليل احتمال الاستقالة"، لتحديد الموظفين الذين قد تؤدي مشكلات التنقل قريباً إلى زيادة احتمالات مغادرتهم العمل.
  • يمكن لخيارات العمل المرنة أن تقلل من مشكلات دوران القوى العاملة المتعلقة بالتنقل: أثبتت إتاحة خيارات عملٍ مرنةٍ استباقيةٍ للموظفين الذين من المحتمل أن يستقيلوا والموظفين الجدد، أنَّها تملك تأثيراً كبيراً في معدل دوران القوى العاملة الناجم عن التنقل.

لذا ضع في حسبانك تقديم وظيفةٍ يعمل بها الموظف أربعة أيامٍ في الأسبوع، وأوقات بدء عملٍ مرنة - إذ إنَّ تحديد أوقات تنخفض فيها حركة المرور، يمكن أن يؤدي إلى التقليل من وقت التنقل - وتقديم الدعم في تكاليف النقل العام، وبالطبع، يكون الحل النهائي بتوفير خيار العمل عن بُعد.

  • قد يكون هناك تأخيرٌ بتأثير التنقل في دوران القوى العاملة: قد تحدث مشكلات دورانٍ في القوى العاملة تتعلق بالتنقل على الفور، لكنَّها في معظم الحالات تتفاقم مع مرور الوقت، فقد تخفِّف الطرق السريعة المحلية المُحسَّنة ووسائل النقل من حدة المشكلات، ومع ذلك، قد تزداد مشكلات التنقل ودوران القوى العاملة سوءاً عندما يغيِّر الموظف مكان إقامته، وعندما تكون هناك زيادةٌ في التمدد العمراني، أو زيادةٌ في فرص العمل، وعندما يؤمِّن أحد المنافسين منشأةً تقدِّم وظائف مماثلةً وأقرب أكثر إلى المكان الذي يعيش فيه العمال.
إقرأ أيضاً: 20 طريقة للاحتفاظ بالموظفين

في الختام:

غالباً ما تكون أوقات ومشكلات التنقل بعيدةً عن تفكير معظم المديرين وموظفي الموارد البشرية، ومع أنَّ متوسط وقت التنقل في الولايات المتحدة يزيد عن 25 دقيقة، إلا أنَّ وقت التنقل البالغ تقريباً 90 دقيقة أمرٌ شائعٌ أيضاً.

ويُعَدُّ عدم إيلاء الاهتمام الكافي لمشكلات التنقل خطأً؛ ذلك لأنَّ مشكلات التنقل تحمل كثيراً من التأثيرات السلبية المحتمَلة في الأعمال، التي قد تصل في شركةٍ كبيرة إلى عشرات الملايين من الدولارات كل عام.

كما يُعَدُّ التركيز على مشكلات التنقل أمراً بالغ الأهمية أيضاً؛ وذلك لأنَّه يمكن تحديد العديد من مشكلات الاحتفاظ بالموظفين المحتمَلة في وقتٍ مبكر؛ لذلك يمكن للإدارة اتخاذ إجراءاتٍ استباقيةٍ للتخفيف من معظم مشكلات وقت التنقل.

إذا كنت تحتاج إلى مزيدٍ من الأدلة عن الآثار السلبية للتنقل، فأجرِ استطلاعاً لعيِّنةٍ من المتقدمين والموظفين الجدد والموظفين الحاليين والسابقين لتقييم مقدار تأثير مشكلات التنقل في التوظيف والإنتاجية وصحة الموظفين والاحتفاظ بهم، وإذا كنت مُتقدِّماً محتمَلاً إلى وظيفةٍ ما، فإنَّ إدراك وقت التنقل أو المسافة التي تقطعها قد يؤثر سلباً في فرص قبولك في العمل.

المصدر




مقالات مرتبطة