كيف تؤثِّر المواد المخدرة في رؤيتنا للحياة؟

المخدرات هي مواد كيميائية أو طبيعية تؤثِّر في وظائف الجهاز العصبي المركزي للإنسان وتُعدِّل النشاط العقلي والجسدي، وتتنوع المخدرات في أنواعها وتأثيراتها، ويمكن أن تكون قانونية أو غير قانونية حسب البلد والتشريعات المحلية.



كيف تؤثر المخدرات في الدماغ؟

يمكن أن يكون للأدوية تأثيرات مختلفة في الدماغ، ويمكن أن تختلف الآليات التي تعمل بها بناءً على العقار المُحدَّد وخصائصه الدوائية، وفيما يأتي بعض الطرائق الشائعة التي يمكن أن تؤثِّر فيها الأدوية في الدماغ:

1. التفاعل مع الناقلات العصبية:

تتفاعل أدوية عديدة مع أنظمة الناقل العصبي في الدماغ؛ إذ تُعرَّف الناقلات العصبية على أنَّها مواد كيميائية تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ، ويمكن أن تحاكي الأدوية النواقل العصبية أو تتداخل مع وظيفتها الطبيعية.

2. ناهضات:

تعمل بعض الأدوية بصفتها مواداً ناهضة، وهذا يعني أنَّها ترتبط بمستقبلات الناقل العصبي وتنشطها، فينتج عنها تأثيرات مشابهة للناقل العصبي نفسه، على سبيل المثال تعمل العقاقير الأفيونية مثل المورفين بصفتها مُحفِّزات لمستقبلات الأفيون في الدماغ، وهذا يؤدي إلى تخفيف الآلام والشعور بالنشوة.

3. مُضادات:

تعمل الأدوية الأخرى بصفتها مُضادات، وترتبط بمستقبلات الناقل العصبي دون تنشيطها؛ فهي بذلك تمنع عمل نواقل عصبية معينة عندما تقوم بذلك، على سبيل المثال تعمل الأدوية المضادة للذهان بصفتها مضادات للدوبامين، وهذا يُقلِّل نشاط الدوبامين في مناطق معينة من الدماغ للمساعدة على إدارة الأعراض الذهانية.

4. تعديل مستويات الناقل العصبي:

يمكن لبعض الأدوية تغيير مستويات الناقلات العصبية في الدماغ، وقد تمنع إعادة امتصاص النواقل العصبية، وهذا يؤدي إلى زيادة مستويات المشابك، أو قد تمنع الإنزيمات التي تفكك الناقلات العصبية، فتؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد.

شاهد بالفديو: كيف تتعامل مع مدمن المخدرات؟

ما هو دور المواد المُخدِّرة في آلية عمل دماغ الإنسان؟

1. التأثير في مسارات المكافأة:

يمكن لبعض الأدوية وخاصة تلك التي لها خصائص إدمانية، أن تستهدف نظام المكافأة في الدماغ؛ إذ يتضمن هذا النظام إفراز الدوبامين استجابةً للمنبهات الممتعة، وهذا يُعزِّز السلوكات التي تُساهم في البقاء والرفاهية، ويمكن للأدوية مثل الكوكايين والميثامفيتامين أن تزيد زيادة كبيرة من مستويات الدوبامين، وهذا يثير شعوراً شديداً بالسعادة ويُعزِّز الرغبة في استخدام الدواء مرة أخرى.

2. تغيير كيمياء الدماغ:

يمكن لبعض الأدوية أن تُسبِّب تغيرات واسعة النطاق في كيمياء الدماغ، وهذا يؤدي إلى تغيرات مؤقتة أو طويلة الأمد في وظائف المخ، ويمكن أن يؤدي تعاطي المخدرات المزمن إلى تكيفات في الدوائر العصبية، فيؤدي ذلك إلى تحمُّل المخدرات والاعتماد عليها والإدمان.

3. التأثير في مناطق الدماغ:

يمكن أن تؤثِّر الأدوية في مناطق معينة من الدماغ، وهذا يؤدي إلى تأثيرات مختلفة في السلوك والإدراك، على سبيل المثال يؤثِّر الكحول في القشرة الدماغية، وهذا يُضعِف القدرة على الحكم والمهارات الحركية؛ إذ يتفاعل THC المركَّب النشط في الماريجوانا مع مستقبلات القنب في الدماغ، فيؤثِّر بالذاكرة والتنسيق والإدراك.

كيف يُعزِّز الدوبامين تعاطي المخدرات؟

الدوبامين هو ناقل عصبي يؤدي دوراً حاسماً في نظام المكافأة في الدماغ، وهذا النظام مسؤول عن تعزيز السلوكات الضرورية للبقاء، مثل الأكل والشرب والإنجاب، وعندما ننخرط في نشاطات تُعزِّز البقاء على قيد الحياة أو المتعة، يُفرز الدماغ الدوبامين، وهذا يثير إحساساً بالمكافأة ويُعزِّز السلوك، فيجعلنا أكثر عرضة لتكراره في المستقبل.

يمكن للعقاقير المخدرة، وخاصة تلك التي لها خصائص إدمانية، اختطاف نظام المكافأة الطبيعي هذا، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة في مستويات الدوبامين تتجاوز بكثير ما يمكن إطلاقه عادةً من المكافآت الطبيعية، ويثير هذا الفيضان من الدوبامين إحساساً قوياً وفورياً بالمتعة أو النشوة، ثم يربط المخ تعاطي المخدرات بهذه المكافأة القوية، وهذا يجعلها تُعزِّز وتُحفِّز الفرد بشدة على البحث عن الدواء مرة أخرى.

تحدث تأثيرات الدوبامين المُعزِّزة على تعاطي المخدرات من خلال آليات عدة:

1. التعزيز الإيجابي:

المتعة الشديدة أو النشوة التي تشعر بها عند تناول الدواء تُعزِّز السلوك، وهذا يجعل الفرد أكثر عرضة لتكراره؛ إذ يقوي التعزيز الإيجابي العلاقة بين تعاطي المخدرات والمكافأة التي يوفِّرها.

2. التعلُّم والذاكرة:

يؤدي الدوبامين أيضاً دوراً في التعلم والذاكرة، ويشكِّل الدماغ روابط بين تعاطي المخدرات والبيئة والمكافأة التي تُجرَّب، ويؤدي هذا التعلُّم الترابطي إلى استجابات مشروطة؛ إذ يمكن للإشارات المرتبطة بتعاطي المخدرات، على سبيل المثال الأماكن والأشخاص والعواطف أن تثير الرغبة الشديدة وسلوك البحث عن المخدرات، حتى في حالة عدم وجود الدواء نفسه.

3. بروز الحافز:

لا يُعزِّز الدوبامين السلوك فحسب؛ بل يزيد أيضاً من "الأهمية المُحفِّزة" للدواء، ويشير بروز الحافز إلى إسناد القيمة أو الرغبة إلى الحافز، ومع ارتباط تعاطي المخدرات بإفراز الدوبامين المتزايد، يرى الدماغ أنَّ العقار مرغوب فيه جداً، وهذا يؤدي إلى زيادة الحافز للحصول عليه واستخدامه.

4. التسامح والانسحاب:

يتكيف الدماغ بمرور الوقت مع الاستخدام المتكرر للمخدرات، مع مستويات الدوبامين المتزايدة عن طريق تقليل حساسية مستقبلات الدوبامين؛ أي تقليل التنظيم، وهذا يمكن أن يؤدي إلى التسامح؛ إذ يحتاج الفرد إلى جرعات أعلى من الدواء لتحقيق التأثيرات نفسها، إضافة إلى ذلك عندما يتلاشى الدواء تنخفض مستويات الدوبامين عن المعدل الطبيعي، وهذا يؤدي إلى أعراض الانسحاب ويدفع الشخص إلى البحث عن الدواء لتخفيف الانزعاج.

يمكن أن تؤدي هذه الدورة من التعزيز الإيجابي والتعلم النقابي وزيادة بروز الحافز والتسامح والانسحاب إلى دورة قوية من الإدمان، ومع استمرار تعاطي المخدرات يرتبط الدماغ ارتباطاً متزايداً بإعطاء الأولوية للعقار على المكافآت الطبيعية الأخرى، وهذا يُضعف عمليات صنع القرار ويجعل من الصعب على الفرد التوقف عن استخدام الدواء على الرَّغم من العواقب السلبية.

يُعدُّ فهم دور الدوبامين في تعزيز تعاطي المخدرات أمراً هاماً جداً في تطوير استراتيجيات علاج الإدمان والوقاية منه، ويُعدُّ استهداف نظام المكافأة في الدماغ وإيجاد طرائق لإعادة التوازن إلى إشارات الدوبامين جوانب هامة في علاج الإدمان، ويمكن أن تؤدي العلاجات السلوكية والأدوية وأنظمة الدعم أدواراً حيوية في مساعدة الأفراد على التغلب على إدمان المخدرات واستعادة السيطرة على حياتهم.

إقرأ أيضاً: مراحل الإدمان على المخدّرات وطرق العلاج

كيف  تؤثِّر المخدرات في جسمك؟

يمكن أن يكون للأدوية تأثيرات مختلفة في الجسم، ويعتمد التأثير المحدد على نوع الدواء والجرعة وطريقة الاستخدام والعوامل الفردية مثل الصحة العامة والتسامح، وفيما يأتي بعض الطرائق العامة التي يمكن أن تؤثِّر فيها الأدوية في الجسم:

1. تأثيرات الجهاز العصبي المركزي (CNS):

تؤثِّر أدوية عدة تأثيراً مباشراً في الجهاز العصبي المركزي، وهذا يؤدي إلى تغيرات في وظائف المخ والمزاج والإدراك والسلوك، على سبيل المثال:

  • المنشطات مثل الأمفيتامينات والكوكايين يمكن أن تزيد من اليقظة والطاقة ومعدل ضربات القلب.
  • يمكن أن تؤدي المسكنات مثل الكحول والبنزوديازيبينات إلى إبطاء نشاط الدماغ، وهذا يؤدي إلى الاسترخاء والتخدير وضعف التنسيق.
  • يمكن أن تُسبِّب المهلوسات مثل LSD و psilocybin تشوهات حسية وهلوسة وتغيير في إدراك الوقت.

2. تأثيرات القلب والأوعية الدموية:

يمكن لبعض الأدوية أن تؤثِّر في نظام القلب والأوعية الدموية، وهذا يؤدي إلى تغيرات في معدل ضربات القلب وضغط الدم والدورة الدموية، ويمكن أن تُسبِّب المنشطات زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم، وهذا قد يشكِّل خطورة على الأفراد الذين يعانون مشكلات في القلب والأوعية الدموية، ومن ناحية أخرى يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى إبطاء معدل ضربات القلب والتنفس، وهذا قد يُهدِّد الحياة بجرعات عالية.

شاهد بالفديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة

3. تأثيرات الجهاز التنفسي:

يمكن للأدوية التي تثبط الجهاز العصبي المركزي، مثل المواد الأفيونية والبنزوديازيبينات أن تبطئ التنفس، وفي الجرعات العالية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى اكتئاب الجهاز التنفسي، وهي حالة قاتلة؛ إذ يصبح التنفس ضحلاً بطريقة خطيرة أو يتوقف تماماً.

4. تأثيرات الجهاز الهضمي:

يمكن لبعض الأدوية أن تهيج الجهاز الهضمي، وهذا يؤدي إلى الغثيان والقيء والإسهال، ومن المعروف أنَّ المواد الأفيونية على وجه الخصوص تُسبِّب الإمساك.

5. تلف الكبد والكلى:

يمكن أن يؤدي تعاطي المخدرات على الأمد الطويل إلى الضغط على الكبد والكلى؛ إذ إنَّ هذه الأعضاء مسؤولة عن استقلاب الأدوية وإفرازها ومنتجاتها الثانوية؛ فالكحول على سبيل المثال يمكن أن يتسبَّب في تلف الكبد، في حين أنَّ بعض الأدوية يمكن أن تؤدي إلى ضعف الكلى.

إقرأ أيضاً: 6 أضرار يحدثها الإدمان على الجسم

ما هي مساوئ المخدرات على جسم الإنسان؟

1. كبت المناعة:

يمكن أن يؤدي تعاطي المخدرات لفترات طويلة إلى إضعاف جهاز المناعة، وهذا يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى والأمراض.

2. آثار الصحة العقلية:

يمكن أن يكون لتعاطي المخدرات آثار كبيرة في الصحة العقلية، وهذا يؤدي إلى حالات مثل القلق والاكتئاب والبارانويا وحتى الذهان في بعض الحالات.

3. الإدمان والاعتماد:

يمكن أن تؤدي العقاقير ذات الخصائص الإدمانية إلى التسامح والاعتماد والإدمان، ويحدث التحمل عندما توجد حاجة إلى جرعات أعلى لتحقيق التأثير نفسه، بينما يؤدي الاعتماد إلى أعراض الانسحاب عندما ينخفض ​​استخدام المخدرات أو يتوقف فجأة؛ فالإدمان هو اضطراب مُعقَّد يتميز بالسلوك القهري في البحث عن المخدرات على الرَّغم من العواقب السلبية.

4. الجرعة الزائدة:

يمكن أن يؤدي تناول كميات كبيرة من بعض الأدوية إلى إرباك أجهزة الجسم، وهذا يؤدي إلى تناول جرعة زائدة، ويمكن أن تكون الجرعة الزائدة مُهدِّدة للحياة، وقد تُسبِّب نوبات أو غيبوبة أو وفاة.

في الختام:

من الضروري أن نفهم أنَّ لبعض الأدوية فوائد علاجية عند استخدامها على النحو الذي يصفه المتخصصون في الرعاية الصحية، وأنَّ لبعضها الآخر آثار ضارة على وظائف المخ وإدمان كبير إن استُخدمت استخداماً خاطئاً، ويمكن أن يؤدي سوء استخدام العقاقير إلى مشكلات صحية مختلفة، ومن ذلك الإدمان ومشكلات الصحة العقلية والضعف الإدراكي؛ لذلك من الضروري استخدام الأدوية استخداماً مسؤولاً وتحت إشراف طبي، وإذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يعاني من تعاطي المخدرات، فمن الضروري طلب المساعدة والدعم المتخصِّصَين.




مقالات مرتبطة