كيف تؤثر العواطف في اتخاذ القرار؟

إذا لم تتقد حماسةً في مكان العمل، فربما تكون قد فقدت التواصل مع حواسك، وستعصف بك زوبعتان عاطفيتان متماثلتان في الشدة خوفاً من الركود الاقتصادي وأملاً في مستقبل زاهر.



لا تستخف أبداً بالعواطف، فقد قيَّم بحث ضم عينةً مِن 716 قائداً يديرون معظم أنواع الأعمال التجارية -من مستشفيات ومصارف ومطاعم وغيرها- أداءهم باستخدام تقييم الأداء المعروف بـ "تقييم 360 درجة"، والذي لا يتضمن تقييم مشرف الشخص فحسب، بل هو أيضاً تطبيق يتضمن تقييمات العديد من الأشخاص، مثل العملاء والموردين؛ وبالتالي، يمكن إجراء تقييم أكثر دقة وكفاءة؛ وقد تبيَّن أنَّ نحو 70٪ من هؤلاء القادة الذين صنَّفهم أقرانهم والتقارير المباشرة وأعضاء مجلس الإدارة على أنَّ لديهم درجةً عاليةً من الذكاء العاطفي (EQ) هم ضمن صانعي القرار الأكثر مهارة.

في المقابل، لم يحتل الذين لديهم إدراك ضعيف لعواطفهم أي مرتبة تُذكَر من بين أعلى مراتب صانعي القرار، وصُنِّف 69٪ من القادة ذوي الذكاء العاطفي المنخفض أيضاً ضمن 15٪ من أضعف صانعي القرار.

كيف تؤثر العواطف في صنع القرار

بناءً على بحثنا المذكور آنفاً، قد تتوقع إيجاد بعض الاختلاف في جودة اتخاذ القرار بين القادة ذوي الذكاء العاطفي المرتفع ونظرائهم أصحاب الذكاء العاطفي المنخفض؛ لكنَّ الفرق الشاسع سيصعقك، مما يؤكد على سوء فهم دائم لدى العديد من القادة حول عملية صنع القرار.

يناقش معظم القادة في يومنا هذا الدور الذي تلعبه المشاعر في علاقاتهم بالموظفين أو الشركاء أو العملاء؛ لكن لا يفكر معظمهم في تأثير العواطف في مئات القرارات التي يتخذونها باستمرار؛ فلطالما ظننا أنَّه يجب اتخاذ قرارات عقلانية بتأنٍ، وسرنا على هذا النهج دون أن نعي مغبة هذا الاعتقاد الخاطئ الذي يكلفنا كثيراً.

لتوضيح هذه النقطة، أحيا فريق من الباحثين في جامعة برينستون بقيادة عالم النفس المعرفي آلان سانفي (Alan Sanfey) تجربة كلاسيكية معروفة باسم (لعبة الإنذار)، حيث جمع الباحثون جميع المشاركين أزواجاً وطلبوا من كل زوج تقسيم مبلغ من المال.

يتعيَّن على أحد اللاعبين تحديد طريقه تقسيمه، وعلى اللاعب الثاني تحديد ما إذا كان يريد قبول القسمة أم رفضها؛ فإن رفض اللاعب الثاني القسمة، فلن يحصل أيٌّ منهما على المال.

في عالم لا يسوده إلا المنطق، من المفترض أن يدرك اللاعب الأول مصلحته، ويعرض قسمةً غير عادلة لصالحه؛ فيكون من المتوقع أن يقبل اللاعب الثاني القسمة بغضِّ النظر عن إجحافها بحقه، لأنَّ أيَّ مبلغ من المال أفضل من لا شيء.

لكن منطقياً، يشترط الأغلبية إجراء قسمةً عادلةً، وهذا هو السبب في أن ينتهي الأمر بمعظم الناس بعرض نصف المبلغ للطرف الثاني. وعليه يحاول بعض اللاعبين الذين لا يتمتعون بالوعي الاجتماعي الاستفادة من ميزتهم المتصوَّرة، فيعرضون قسمةً غير متكافئةً؛ وبناءً على ذلك، يرفض اللاعب الثاني هذه القسمة، مع أنَّه يعي جيداً أنَّ كليهما سيرحلان خاليي الوفاض.

باستخدام جهاز تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي، اكتشف فريق سانفي (Sanfey) أنَّه عندما يُعرَض على الأشخاص قسمة غير عادلة، يضيء الجزء الأساسي من أدمغتهم المعروف باسم (القشرة الحزامية الأمامية)، والتي تُرسل للاعب الثاني إشارة امتعاض وغضب يبني على أساسها قراره برفض القسمة؛ ولا يكترث بأنَّ رفض القسمة مهما كانت غير عادلة قرار مالي غير عقلاني، بل يراه الاختيار الصحيح.

يوصلنا كلٌّ من اكتشاف موقع "تالنت سمارت" (TalentSmart) وتجربة جامعة "برينستون" إلى نقطة حيوية واحدة هي: يصعِّب الفهم السيئ للعواطف كالخوف أو الاستياء أو حتى الحماسة التعامل بلطف مع الآخرين؛ إذ أنَّه يمنعنا من مضاعفة استثماراتنا والتفاوض بشأن الصفقات الجيدة وتنمية أعمالنا في نهاية المطاف.

هذا هو السبب في أنَّ لدى القادة الأذكياء عاطفياً الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق أقصى استفادة من المواقف كأن يقبلوا صفقةً جيدةً حتى لو لم تكن عادلةً، ويتحملون المسؤولية عن دورهم في المواقف الصعبة كأن يدركوا مسؤوليتهم عن عرض القسمة غير العادلة؛ لديهم قابلية دائمة لاتخاذ قرارات صائبة في الوقت المناسب.

إقرأ أيضاً: الاستفادة من الذكاء العاطفي في القيادة

تطبيق البحث على أرض الواقع:

أقم ورشةً تدريبيةً أو شارك فيها بهدف تعليم المديرين الجدد أو القادة المتمرسين كيفية اتخاذ قرارات أفضل، فلهذا أثر كبير في تحليل الخيارات، ومقارنة نسب المجازفة/ المكافأة، وربما حتى ممارسة بعض الألعاب الممتعة لحل المشكلات.

هذا النهج المرتبط بالدماغ الأيسر فعال فقط إلى الحد الذي تحاكي فيه متطلبات وظائفنا اختبار الرياضيات، وهو يؤكد بوضوح على أهمية المنطق؛ لكنَّه سيكون بلا معنى إذا تجاهلت المشاعر.

تتضمن الدورة التدريبية الجيدة لصنع القرار ثلاثة مكونات رئيسة:

1. فهم النهج الذي يسلكه القائد عند اتخاذ القرارات:

يكشف البحث عن نوعين من صناع القرار، حيث يولي 75٪ من الأشخاص اهتماماً أكبر لإدارة المخاطر أكثر من السعي وراء المكافأة، ويركز 25٪ على الحصول على المكافأة أكثر من الابتعاد عن المخاطر؛ وعندما يشعر النوع الأول بالخوف، تعتري الحماسة الآخر، وسيغير هذا الاختلاف البيولوجي كيفية تأثير العواطف في قراراتنا.

2. قياس جودة قرارات ذلك القائد:

يؤثر قياس مدى الذكاء العاطفي لكل قائد أو قصوره في جودة صنع القرار لدى ذلك القائد؛ فإذا كان القائد نادراً ما يفكر في البدائل، أو يرفض المساهمات، أو يتسرع في اتخاذ قرارات سيئة، أو يخشى دائماً اتخاذ قرار خاطئ؛ فمن المحتمل جداً أن تكون لديه مشكلة في الذكاء العاطفي.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب الذكاء العاطفي لترافيس برادبيري وجين جريفزر - الجزء (1)

3. تحديد وإدارة المكون العاطفي:

عليك هنا أن تكون دقيقاً؛ فبمجرد معالجة العناصر الأساسية لجميع تصورات اتخاذ القرار، حدد ما هي التصورات التي يواجهها الأشخاص في الوظيفة.

تختلف هذه التصورات من وظيفة إلى أخرى، ولكنَّها تتضمن عنصراً عاطفياً؛ لذا اطلب من المشاركين مناقشة قرار نموذجي اتخذوه مؤخراً، ثم سجِّل مشاعرهم ومشاعر اللاعبين الآخرين في الموقف.

 

المصدر




مقالات مرتبطة