كيف أكون فكاهياً من أجل حياة صحية واجتماعية ومهنية أفضل؟

ينظر الجميع إلى أصحاب الحس الفكاهي بعين الغِيرة أو الحسد، فهي مهارة اجتماعية ذات مستوى متقدِّم ومعقَّد؛ وذلك بسبب هالة الفرح التي تضفيها النكتة على حياتهم وعملهم وشخصيتهم. ويعود ذلك أيضاً لامتلاكهم مهارات الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي، وتوظيفها فيما يخدم مسارات حياتهم.



ومن جهة أخرى ينظر الناس إلى مَن يفتقر لحسِّ النكتة أو الفكاهة، على أنَّه شخص غير اجتماعي أو غير ودود، وينعكس هذا سلباً على تقبُّله من قِبل مجتمعه، وقد يضرُّ مصالحه المهنية أو التجارية أو الاجتماعية، وقد يتعدى ذلك لأمور أخطر بكثير؛ وهي التأثير في صحته النفسية والجسدية أيضاً.

وبذلك فنحن ننظر إلى الأشخاص الذين لديهم حسٌّ عالٍ ومتطور من الدُّعابة أو الفكاهة، على أنَّهم أشخاص محظوظون، لامتلاكهم هذه الموهبة أو الفطرة، ومن جهة أخرى، يمكن أن يصبح حس الفكاهة أمراً مكتسباً يمكن للفرد تعلُّم مهاراته، وتطويرها مع الوقت؛ حيث يستطيع رؤية تأثيراتها المباشرة في حياته الاجتماعية.

ما هو تعريف الدُّعابة؟

لو حاولنا تعريف الدُّعابة، فنستطيع أن نقول: إنَّها القدرة على إيجاد السعادة في المواقف الحياتية اليومية، بصرف النظر عن الصعوبات أو المشكلات أو العقبات التي تعترض طريق الإنتاج لدينا، ويمكن تعريفها أيضاً بأنَّها امتلاك مهارات التلاعب بالكلمات والألفاظ، والمرونة في استعمال المجازات في التعاطي مع الأحداث اليومية، وعرَّفها أحد كبار الفلاسفة الفرنسيين، بأنَّها التغلب على القهر؛ حيث ربطها بالواقع الذي يحيا الإنسان بين مواقفه وصعوباته.

الدُّعابة وعلم النفس التطوري:

يعتقد خبراء علم النفس التطوري، أنَّ حس الدُّعابة كان يُستخدَم في التعاطي بإيجابية مع النزاعات والشجارات والخلافات، بما تمنحه الدُّعابة من طاقات شعورية مشبعة بالسعادة تساهم في تقريب القلوب إلى بعضها وشحنها بالمودة والرحمة؛ مما يمكِّنها من المساهمة في تكوين العلاقات والتحالفات بين مختلف الأفراد أو المجموعات على حد سواء؛ حيث بقي حس الدُّعابة لدى البشر كغيره من الغرائز الأخرى التي تساهم في الحفاظ على استمرارية النوع، وزيادة العدد.

يرى خبراء علم النفس التطوري، أنَّ حس الدُّعابة مثل أيَّة موهبة أو قدرة إبداعية أخرى شأنه في ذلك شأن الرسم والنحت والعزف والغناء وكتابة الشعر والأدب، وغيرها من المواهب التي تطوَّرت بتطوُّر الإنسان بصفتها ميزة تدل على الذكاء والنوعية الجينية الفريدة والمفيدة.

وأصبحَت مع مرور الزمن مكوِّناً أساسياً من الطبيعة البشرية من خلال الانتقاء الجنسي؛ حيث إنَّ الأشخاص أصحاب هذا الحس كانوا ينجحون دوماً في جذب الشريك والحفاظ عليه بعد تلاشي الإعجاب الأولي بالطرف الآخر؛ لذا تشكِّل النكتة وسيلة جذب متجددة ومرنة؛ حيث إنَّه مع كل يوم جديد يوجد حدث جديد ومن ثمَّ نكتة مختلفة الأحداث والحبكة.

حس الدُّعابة هو المنقذ الأهم لصحتنا النفسية:

يعمل حس الدُّعابة، كدرع مناعي للصحة الذهنية والنفسية؛ حيث يزيد من مرونتها في مواجهة المصاعب المختلفة.

حين يتعرض الإنسان لصعوبات حياتية معينة أو حدث مؤسف أو موقف سيئ ومزعج، فإنَّه إما يستسلم لهذا الموقف ويصيبه الإحباط واليأس وتسيطر عليه المشاعر السلبية، ومن ثمَّ يقترب من الوقوع في هاوية الاكتئاب البشعة، أو يأخذ هذه المواقف على محمل الدُّعابة، ويرويها كنكتة مضحكة بعد إعادة صياغتها بطريقته الفكاهية.

تستند هذه الطريقة إلى قانون نفسي بسيط ولكنَّه غاية في الأهمية، وهو أنَّنا عندما نقوم بالضحك على أخطائنا، يحمينا هذا من أن ندخل في حلقة مفرغة من الاكتئاب، ويزيد من نضجنا العقلي والروحي.

لقد بيَّنت أحدث الدراسات، أنَّ الضحك وإلقاء النكات، يحسِّن من صحة الأوعية الدموية، ويخفض من نسبة حدوث التصلب العَصيدي الذي يُعَدُّ سبباً أساسياً لحصول الاحتشاء القلبي وتشكُّل الجلطات التي من الممكن أن تصيب الدماغ أو الكلى أو أي عضو آخر، ويدعم عمل القلب ويحسِّن الضغط الدموي الشرياني.

حس الدُّعابة وإنتاجية العمل:

إنَّ جو الفرح والمزاح، في أيَّة شركة أو مؤسسة، الذي تخلقه روح الدُّعابة، يخلق محيطاً متفائلاً وفرحاً، ومناسباً للتفكير خارج الصندوق؛ مما يؤدي إلى تعزيز التفكير الإبداعي، بالإضافة إلى بث روح الحماسة في نفوس العاملين، وبالطبع فإنَّ الحماسة مُعدية، وتجعل العمل أكثر مرحاً وشغفاً.

ويرى خبراء علم النفس أنَّ خلق مثل هذا الجو، يزيد من التزام الموظفين بأخلاقيات العمل، ومن ثمَّ الحصول على نتائج أكثر إتقاناً ومهنية؛ نستنتج من كل ما ذُكِر آنفاً أنَّ حس الدُّعابة يرفع بشكل واضح وصريح من كفاءة وإنتاجية العمل.

شاهد بالفديو: 9 فوائد للمرح في العمل

الدُّعابة وسيلة فعالة للتخلص من القلق والتوتر:

مهما كتبنا من كلام، فإنَّنا نقف عاجزين أمام فاعلية وأهمية روح الدُّعابة والنكتة في إبقائنا صامدين في أوقات التوتر والقلق، وفي المواقف الصعبة والمهدِّدة التي تتطلب منَّا تشتيت ذهننا قليلاً عن عوامل التهديد، من أجل إيجاد فسحة ذهنية للتفكير في حل للمشكلة.

يُعَدُّ التفكير الزائد حيال موضوع معين أو مشكلة ما من أهم أسباب القلق أو التوتر، وهنا يكمن الدور الفعال الذي تقوم به الدُّعابة؛ وهي أنَّها تقضي على هذا الفراغ الذي ينمو فيه الخوف والقلق، وكذلك فإنَّ الدُّعابة تُعَدُّ وسيلة هامة لتخفيف ضغوطات العمل بشكل كبير.

روح الدُّعابة تؤدي إلى حياة اجتماعية ناجحة ومثالية:

يميل الإنسان عموماً إلى الأشخاص الذين يخففون عنه همومه وينسونه تعبه، وبالطبع، فإنَّ أكثر الأشخاص مقدرة على ذلك هم الفكاهيون، ومن ثمَّ يكون الفرد الذي يتمتع بحس الدُّعابة هو الأكثر جاذبيةً وقبولاً وترحيباً من قِبل الآخرين، وقدرة على التأثير الإيجابي وقلب المزاج المتعب؛ فلا يوجد ما يخفف الهم والتعب أكثر من الضحك والمرح، الذي يخلق جواً جميلاً ومريحاً لتكوين العلاقات الجديدة وتبادُل الأفكار بكل سلاسة ومرونة.

وبذلك نستنتج الدور الهام والكبير الذي تقوم به الدُّعابة في زيادة تشعُّب علاقاتك الاجتماعية، وتقويتها، في زمن تُعَدُّ فيه العلاقات والمعارف أمراً هاماً وضرورياً في الحياة المهنية والعملية.

إقرأ أيضاً: كيف يطور حس الدعابة حياتك المهنية؟

إن لم أكن شخصاً فكاهياً، فهل أستطيع أن أصبح كذلك؟

شكَّل هذا السؤال، موضع جدل كبير بين خبراء علم النفس، فمنهم من أصرَّ على أنَّ روح الدُّعابة هي مَلَكَة فطرية غريزية تُولَد مع الإنسان، وبين علماء آخرين اعترفوا بإمكانية أن تكون روح الفكاهة مهارة قابلة للتعلم؛ حيث عَدُّوا روح الدُّعابة جزءاً من الفطرة أو الطبيعة الإنسانية، فلا يوجد شيء اسمه فرد بلا حس دعابة.

في الماضي، كان هنالك اعتقاد بأنَّ بعض الحضارات أو الثقافات هي التي استخدمَت وحسَّنت حس الدُّعابة، ولكن تبيَّن فيما بعد أنَّه ما من حضارة إلا وتضمَّنت بين جنباتها ثقافة النكتة أو الدُّعابة؛ لذا إن أردتَ أن يكون لديك حس فكاهي، فعليك أن تنظر نحو الوجه الكوميدي للحياة.

كيف أستطيع تنمية حس الدُّعابة لديَّ وتطويره؟

إذا أردتَ تنمية حس الدُّعابة لديك، فعليك باتباع الخطوات الآتية:

  • قبل أن تفكر في إلقاء أيَّة نكتة، عليك أن تكون حذراً وأن تسأل نفسك سؤالاً هاماً، هل هذه الدُّعابة لئيمة؟ أي بمعنى آخر، هل تنتقص من احترام أو كرامة شخص أو معتقد أو غيره، فعليك أن تكون إيجابياً وتضحك أكثر على النكات التي تلقيها أنت ويلقيها رفاقك لكن ضمن حد معين لا تكون من خلاله سخيفاً.
  • تستطيع كبداية أن تحفظ بعض الدعابات أو القصص المضحكة التي يمكن أن تحصل عليها من شبكة الإنترنت أو الكتب أو المجلات، وأيضاً يوجد أمر هام جداً ألا وهو مراقبة الأشخاص الفكاهيين وتقليد روح الفكاهة لديهم، مع تعديل وإضافة بعض اللمسات الخاصة بك، فالتقليد ليس عيباً ولا حراماً؛ بل هو استفادة من تجارب وخبرات الآخرين. وتذكَّر أنَّ كل ما وصلَت إليه البشرية من تقدُّم كان بفضل استفادة كل إنسان من تجارب مَن سبقوه، وإضافته عليها وتطويرها. وتشكِّل أيضاً مشاهدة الكوميديا، حصة تدريبية وتعليمية؛ حيث يمكن أن تأخذ منها الكثير من النكت والأساليب، كما أنَّ جو البهجة الذي تضفيه هذه المسلسلات، يجعلك أكثر إبداعاً في تأليف الدعابات.
  • من الهام أيضاً اختيار الوقت المناسب لإلقاء النكتة؛ حيث من الممكن أن يكون أحد الموجودين يمرُّ بأزمة معينة أو صدمة أو حادث مؤسف، هنا يجب عليك أن تعلم أنَّ هذا الوقت غير مناسب لمثل هذه الأمور، فقد يرى ذلك الشخص أنَّك غير مبالٍ بمصيبته.
  • تجنُّب الإفراط في إلقاء النكات، على الرغم من كل الفوائد العظيمة التي تعطينا إياها النكات، إلا أنَّه يجب علينا ألَّا نمضي كل الوقت في إلقاء النكات أو الدُّعابة؛ فذلك يعطي فكرة أنَّنا غير جديين في أي شيء، أو لسنا أهلاً للمسؤولية، أو أنَّنا أشخاص فارغون من الداخل.
  • من المفيد جداً، أن تجلس في غرفتك أمام المرآة، وتقوم بتقليد أحد نجوم الكوميديا أو أحد الأشخاص المضحكين الذين تعرفهم، ويمكنك أن تَعُدَّ هذه النصيحة، أهم النصائح على الإطلاق؛ وذلك لأنَّها ستنقلك من مرحلة المُشاهِد إلى مرحلة اللاعب الأساسي، وستستطيع عبر هذه التمرينات أن تتقمَّص هذا الدور وتصبح بارعاً فيه.
إقرأ أيضاً: 4 طرق تساعدنا فيها الفكاهة على مواجهة تحديات الحياة

في الختام:

يؤكد خبراء علم النفس أهمية الدُّعابة في إدخال السعادة إلى قلوب الناس، والشعور بالرضا عن النفس والحياة، كما يزيد اندماج الأفراد مع بعضهم، ويساعد كذلك على التقليل من الضغوطات النفسية والتعب الجسدي، ويمتد مفهوم الدُّعابة عند خبراء علم النفس، ليشمل الحكمة ومهارات الإبداع والابتكار وحب التعلم، كما يؤدي إلى زيادة إحساس الإنسان بالتفاؤل والرفاهية النفسية والجسدية أيضاً.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة