كراهية الذات: أعراضها، وأسبابها، وطرق التعامل معها

يخبرك الجميع بأنَّك شخص جيد، وتستحق الحب، ولكن هناك صوت ما في داخلك يقول العكس تماماً، يصرُّ على أنَّك أقل قيمةً من غيرك، وأنَّك فاشل لا تستحق الاحترام. يردِّد دائماً أنت قبيح، أنت شرير، أنت مقزز… أطلق علماء النفس على هذه الحالة اسم كراهية الذات.



وتُعدُّ من أصعب الحالات التي يواجهها الإنسان في حياته؛ ذلك لأنَّه يدمِّر نفسه بيده من دون تدخُّل الآخرين. الأفكار التي تراود الشخص الذي يعاني من كراهية الذات تجعله يعيش في كابوس يوميٍّ وصراع دائم مع نفسه؛ لذا، كان من الضروري شرح الأسباب التي تؤدي بشخص ما إلى هذه الحالة، والإضاءة على الطرائق الصحيحة للتخلص منها.

أعراض كراهية الذات:

قد يخطر في بالنا سؤال وهو: كيف لنا أن عرف فيما إذا كنَّا نحن أو أحد المقربين منَّا مصابين بهذه الحالة؟ لذلك سنعرض فيما يلي أهم المؤشرات والدلالات التي تؤكد الإصابة بكراهية الذات:

  • الشعور الدائم بالدونية: يشعر أولئك الأشخاص بأنَّهم أقلُّ قيمة من غيرهم، وهذا ما ستلاحظه من خلال تصرفاتهم، ثم إنَّهم يميلون دائماً إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، وغالباً ما تكون هذه المقارنة غير عادلة، وقاسية عليهم.
  • عدم المبادرة بأي عمل: يرافق هذا الشخص شعور دائم بالفشل؛ لذا تراه متردِّداً دائماً، لا يمتلك أي شغف أو رغبة أو أمل في مستقبل أفضل.
  • الإيذاء الجسدي: قد تلاحظ على أجسادهم آثار حروق أو جروح يفتعلونها بأنفسهم؛ إذ إنَّهم يلجؤون إلى مثل هذه الأفعال للتخفيف من الألم النفسي الذي يعانون منه.
  • الإيذاء النفسي: يكررون دائماً الدخول في علاقات تعرِّضهم للأذى سواءً الجسدي أم النفسي، وبدلاً من الابتعاد عن هذا النوع من العلاقات تراهم يتعمدون الدخول فيها.
  • خلق شخصية مزيفة والاختباء خلفها: يحاولون الحصول على عطف ومحبة الناس بإظهار أنفسهم على أنَّهم شخصيات لطيفة ودودة ومبتسمة دائماً رغم كل الألم الذي يعانون منه؛ حيث إنَّهم يرون بذلك وسيلة لكسب تقبُّل الناس لهم، وفي الحقيقة هذا ليس إلا هروباً من حقيقتهم وواقعهم الذي يكرهون.
  • نظام الأكل غير الطبيعي: فهم إمِّا يأكلون بشراهة، لأنَّهم يرون في ذلك سبباً يعرِّضهم للإذلال الذي يبحثون عنه، وإمَّا لا يأكلون بما يكفي، فهم بنظر أنفسهم لا يستحقون حتى تناول الطعام.
  • التضحية بالنفس في سبيل الآخرين: يحاولون كسب تعاطف الناس معهم، وجعلهم يشعرون بالأسف تجاههم، فتجدهم يندفعون عند حدوث الكوارث الطبيعية كالحرائق والزلازل وما شابه ذلك.
  • الإسراف في الإنفاق: يحاولون الوصول إلى الشعور بالرضا عن النفس، فيشترون كثيراً من الملابس والحليِّ والمواد، أو ينفقون على غيرهم كوسيلة لكسب محبتهم ورضاهم، ممَّا يُشعِرهم بقليل من السلام ولو كان سلاماً مؤقتاً وآنياً مرتبطاً باللحظة.
  • الاكتئاب الحادُّ: تراهم يرفضون القيام بأي عمل، ويتوقفون عن ممارسة نشاطاتهم اليومية، منعزلين متقوقعين على ذواتهم، وقد يصلون في هذه المرحلة إلى قرارات خطيرة كالانتحار.
  • من الملاحظ أيضاً على الأشخاص الذين يكرهون ذواتهم، أنَّهم يقللون جداً من أجورهم عند القيام بأي عمل، ثم إنَّهم مستعدون للقيام بأعمال مرهقة ومتعبة من دون الحصول على أي أجر، وكل هذا ناتج عن عدم الرضا الذي يشعرون به تجاه ما يقومون به من أعمال، فهم يعتقدون أنَّهم لا يستحقون هذا الأجر. ومن الجدير بالذكر أنَّهم غالباً ما يقومون بأعمالهم على أكمل وجه وبشكل متقن.
  • الانتقاد الدائم للنفس: حيث إنَّهم لا يفوِّتون فرصةً لتذكير أنفسهم بنقاط ضعفهم، فيركزون على الأخطاء التي ارتكبوها، ويتكلمون دائماً عنها، وينعتون أنفسهم بصفات قاسية طوال الوقت، وهذا كلُّه يعزز كرههم لذواتهم، ويجعل من هذه الأمور واقعهم الذي يرضخون له، ويفقدون الإيمان بتغييره.
  • أحداثٌ سيِّئةٌ تحتفظ بها الذاكرة: كالحوادث التي تُرسِّخ الشعور بالدونية مثل الاغتصاب أو الطرد من الوظيفة، أو التعرض للتنمر في مرحلة ما من مراحل الحياة، قد تكون في المدرسة أو العمل أو حتى داخل الأسرة، وهذا كلُّه سيترك آثاره السلبية الشديدة، ويُحدِث ثقباً في داخل الإنسان يتسع ويتسع مع الوقت.
  • الندم: فقد يكون كره الذات وسيلة لمعاقبة النفس على فِعل حدث في الماضي، أو ألم كانوا سبباً فيه للآخرين، كالخداع أو الخذلان، فيلجؤون إلى كره أنفسهم كوسيلة للتكفير عن أخطائهم.
  • توقعاتهم عن أنفسهم وتوقعات الآخرين عنهم: نتوقع دائماً من أنفسنا أن نؤدي واجباتنا على أكمل وجه، ولكنَّنا أحياناً لا ننجح في ذلك، وقد تكون الأعمال من الأساس أكبر من قدراتنا. ومن هنا، يغرق البعض نتيجة فشلهم بالعار، والذي يصيبهم بسبب النقد الذي يوجهونه من دون رحمة إلى أنفسهم.

شاهد بالفيديو: 12 حقيقة عن حب الذات يجب على الجميع أن يتذكرها

أسباب كراهية الذات:

1. توقعات الناس:

قد تكون توقعات الناس عنهم أكبر من قدراتهم. عندها قد يُشعِرهم الفشل بأنَّهم لا يستحقون الحب، وأنَّهم ليسوا عند حسن ظن الآخرين بهم، وأنَّهم خيبوا أملهم.

2. المقارنة:

مقارنة النفس بالآخرين أمر صحيٌّ بشرط أن يدفعنا إلى أن نطوِّر ونحسِّن من أنفسنا. ولكن عندما تتحول المقارنة إلى هاجس يجعل البعض ينظر دوماً إلى عمل الآخرين على أنَّه عمل مبهر، وأنَّهم عاجزون عن القيام به، ستصبح المقارنة هنا سبباً لتحقير أنفسهم. فعلى سبيل المثال، من غير المنطقي لشاب عادي أن يقارن دخله بدخل لاعب كرة قدم مشهور؛ إذ إنَّ النتيجة محسومة سلفاً، وتُرسِّخ الشعور بالدونية، فالمقارنة غير عادلة بالأساس.

المشكلات التي تسببها كراهية الذات:

بالتأكيد ستؤدي هذه المشاعر السلبية المسيطرة طوال الوقت، نتيجة كره الذات، إلى كثيرٍ من المشاكل النفسية والاجتماعية، ومن هذه المشاكل:

  • فقدان الشعور بالسعادة، وقلة الثقة بالنفس، وغياب أي تقدير للذات وحقِّها في الحصول على الحب.
  • تؤثِّر سلباً في العلاقات، سواءً النفسية أم الاجتماعية أم العائلية؛ ذلك لأنَّ من يكره نفسه سيبتعد عن الآخرين، ويرى في عزلته وانطوائيته الحل لكل مشكلاته، وقد تكون هذه العزلة هروباً من انتقادات وملاحظات وآراء الناس التي تزيد من تحقير الذات وكرهها.
  • الفشل في اتخاذ القرارات، سيكون اتخاذ القرارات واحداً من أصعب الأمور التي تواجه من يكره ذاتك؛ ذلك لأنَّ الصوت الداخلي الذي يملؤه سيكون حاضراً دائماً لتحطيم وسحق أي قرار يتخذه.
إقرأ أيضاً: كيف تقدر قيمة نفسك؟

ما الطرائق الصحيحة للتعامل مع كراهية الذات؟

كراهية الذات تشبه إلى حدٍّ كبير وضع كومة من الحجارة في جيبك، ومن ثمَّ الذهاب إلى السباحة؛ إذ إنَّك مهما حاولت الصعود إلى السطح، فإنَّ شيئاً ما سيجذبك نحو الأسفل دائماً. قد تعاند وتقاوم ولكنَّك في نهاية الأمر ستستسلم، وهذا يعني شيئاً واحداً فقط؛ أنت لا تقوم بالأمر وفق الطريقة الصحيحة. ابدأ إخراج الحجارة من جيبك، تخلَّص منها واحدةً تلو أخرى، عندها ستشعر بالخفة، وستعرف أنَّ الصعود إلى السطح وأخذ نفس عميق ليس أمراً بهذه الصعوبة؛ لذا عليك أن تعرف الطرائق الصحيحة للتعامل مع كراهية الذات:

1. تقبَّل نفسك كما هي:

أنت لست شخصاً خارقاً، ولا تتمتع بقوى خارجة عن الطبيعة. إمكانياتك وقدراتك محدودة، لا لشيء سوى لأنَّك إنسان مُعرَّض للخطأ وللفشل دائماً، وهذا لا يعني أبداً أن تكره نفسك أو تؤنبها، بل على العكس تماماً، تقبَّل نفسك بأخطائها، ولو كانت كثيرة. تقبَّل أيضاً اختلافك عن الآخرين، وبدلاً من أن تحسبه نقطةً عليك اجعله نقطةً في صالحك. أن تمتلك لون بشرة مختلف، أو طبيعة شعر مختلفة، هذا لا يدلُّ أبداً على أنَّك شخص قبيح، بل على العكس، أنت شخص مختلف في عصر بات الجميع فيه متشابهين. حطِّم المقاييس التي فُرضت عليك، واصنع مقاييسك الخاصة. وتذكَّر دائماً أنَّ ما تراه في شاشات التلفاز أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس صادقاً كفاية، وهو على أقلِّ تقدير يعرض جانباً واحداً فقط من الحقيقة.

2. استغل وقتك في أشياء مفيدة بدلاً من إضاعته في جلد الذات:

بدلاً من إمضاء وقتك كله في لوم نفسك ومعاقبتها، وفِّر هذا الوقت لإصلاح هذه الأخطاء، وتحسين صورتك في عين نفسك أولاً. وتذكَّر دائماً، إنَّ أول خطوة لتجنب الخطأ هو أن تقع فيه. تخيَّل نفسك وقد وقعت في حفرة؛ إنَّك لن تستفيد شيئاً إن أنت صرفت كل طاقتك في لوم نفسك على السقوط وعدم الانتباه. أنت في الحفرة الآن وهذه حقيقة؛ لذا عليك أن تأبى العيش كل حياتك في داخلها؛ لا تستسلم واستغل كل ما تملكه لتخرج، لأنَّك إن فعلت هذا ستخرج في نهاية الأمر.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات فعالة تساعدك على تنظيم وقتك

3. ابتعد عن كل ما يؤذيك جسدياً أو نفسياً:

قد تلجأ، إن كنت مصاباً بكراهية الذات، إلى بعض العادات السيئة لاعتقادك بأنَّها ستساعدك على تجاوز ألمك، ولكن في الحقيقة، لن تفيدك هذه العادات إلا في تعميق شعور الحزن والإحباط في داخلك. الإدمان على الكحول أو الجنس، أو على جرح وحرق الجسد، مجرد تغطية لألمك الداخلي، والحل ليس بهذه التغطية والمواربة والاختباء خلف أصابعك، بل الحل أن تكون صادقاً مع نفسك، ومع المحيط الذي يحبك ويحاول تقديم المساعدة إليك. تجنب هذه العادات السيئة، وجرب بدلاً منها التحدث مع أهلك أو أصدقائك بكل شفافية عن مشكلتك، وتقبَّل المساعدة منهم.

4. ابحث عن السبب وراء الشعور باحتقار ذاتك:

يمكنك تدوين ملاحظات عن ماضيك وذكرياتك التي تحتفظ بها، وعن أحداثك اليومية أيضاً وما تقوم به من أعمال، وابحث في داخلها عن كل ما يحفز أفكارك السلبية ومشاعرك الدونية. وبعد أن تعرفها وتفهمها، سيصبح من السهل عليك تجنبها، أو على الأقل إيجاد الحلول المناسبة لها.

5. لا تبقَ وحيداً:

رغم أنَّ كل شيء في داخلك يُشعِرك بأنَّك يجب أن تبقى لوحدك؛ قاوم هذه المشاعر، فأنت تستحق أن تقضي وقتاً ممتعاً مع العائلة والأصدقاء. لا تحرم نفسك من هذه الحقيقة، فالتواصل الاجتماعي مهم جداً لصحتك النفسية، علاوة على أنَّه يقدِّم لك مشاعر الاهتمام والتقدير التي تبحث عنها.

6. تقبَّل المديح:

لا تهرب أو ترفض عبارات الثناء والإعجاب والمديح التي تُقال لك، بل تعلَّم أن تتقبلها، وتُشعِر نفسك بأنَّك فعلاً تستحقها؛ ذلك لأنَّك حين تقوم بعمل جيد فأنت تستحق فعلاً الشكر والتقدير، وهذا أمر طبيعي جداً وليس عيباً.

7. ابحث عن المساعدة:

إذا شعرت بأنَّك تغوص أكثر وأكثر في كره ذاتك، وأنَّ الأمر بدأ يخرج عن سيطرتك، فالأفكار السلبية تراودك دائماً، والرغبة في العزلة تزداد يوماً بعد يوم؛ تذكَّر أنت لست وحدك في هذا العالم، وكثيرون يعانون ما تعانيه، وكثيرون أيضاً جاهزون لتقديم المساعدة؛ لذا تشجع واطلب المساعدة، ولا تتردد أبداً في الذهاب إلى أخصَّائي إن لزم الأمر.

في الختام:

تذكَّر دائماً أنَّ نظرة الآخرين إليك، ليست إلا نتيجةً لنظرتك عن نفسك. الطريقة التي يتعاملون بها معك أيضاً، ما هي إلا امتداد للطريقة التي تُعامِل بها نفسك أمامهم؛ فلا تتوقع من الآخرين ما لا تستطيع أنت القيام به.

تعلَّم جيداً أنَّ الجميع مختلفون، ولكل شخص صفات مميزة تجعل منه كائناً مختلفاً ومميزاً عن غيره، وهذا لايعني أنَّ أحداً أفضل من الآخر. نحن مختلفون فحسب وما من أحد كامل أو يتمتع بصفات خارقة، لكن هناك شخص تعب وعمل على تحسين وتطوير نفسه، وآخر جلس ينتقد ويجلد ذاته كل الوقت.

إرضاء الناس غاية لا تُدرك، ضع هذا في بالك، وتأكد أنَّ من سيحبك إنَّما سيحبك لذاتك. واجه مخاوفك وانتصر عليها، وسترى كيف ستبدأ حب نفسك وتقبُّلها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة