قصيدة النثر: ميزاتها وخصائصها وسبب الإقبال عليها

يُعَدُّ الشعر وسيلة راقية للتعبير عما يختلج في النفس من أحاسيس ومشاعر مُكثَّفة يجسدها الإنسان بالكلام المكتوب، ومع تغيير العالم ودخوله العصر الرقمي تطوَّر الشعر وواكب المتغيرات، فظهرت قصيدة النثر كردِّ فعل على المجريات والأحداث؛ إذ جاءت القصيدة النثرية كحركة أدبية ترفد الشعر لما تميزت به من بساطة وسلاسة ورقَّة وموسيقى جذابة لطيفة تجذب الأذن والإنصات الكلي.



تعريف قصيدة النثر:

حسب ما قالت الناقدة الفرنسية سوزان برنار في وصف قصيدة النثر على أنَّها قطعة نثرية واحدة مختصرة، ومضغوطة إلى حدٍّ يجعلها كأنَّها حجر بلور متحررة من معظم القوافي والأوزان والشعر.

يمكن صياغة تعريف آخر لقصيدة النثر بأنَّها شكل من أشكال الشعر الغنائي الفصيح، وبخصائصها وتركيبها تضيف إلى الشعر المُغنَّى نوعاً من الألق والزهو، كما تحتوي على أجراس موسيقية تتصاعد من كثرة الصور البيانية والتشبيهات؛ مما يمنحها بعداً جمالياً مكثفاً وقريباً من القلب والعاطفة، وخصوصاً أنَّها خالية من بحور الشعر وتفعيلاته وقوافيه وأوزانه.

إنَّ قصيدة النثر هي كيان مستقل بحد ذاته مبني على مادة نثرية بعيداً عن الإسهاب والشرح والسرد والإطالة، غايتها الشعر وإظهار جمالية الكلمة وإيقاعها المضبوط المتوازن الذي يرافق النص من أول القصيدة إلى آخرها.

خصائص قصيدة النثر:

1. دون أوزان:

إنَّ قصيدة النثر المعاصرة مبتعدة ابتعاداً كلياً عن الوزن والبحور؛ أي يصح القول إنَّها فكت قيودها من الأوزان وكرَّست إيقاع الكلمة ولحنها.

 2. دون قوافٍ:

لعلَّ أهم أوجه الاختلاف بين الشعر التقليدي والشعر الحديث هو أنَّ الشعر الحديث تحرر من القافية بشكل كلي تقريباً وحلَّق في بحر الكلمات ورموزها، واستطاعت قصيدة النثر أن تحفر مكاناً ثابتاً لها في عالم الشعر، وخصوصاً أنَّها تسير على منهج الشعر غير المُقفَّى وغير الموزون.

3. وحدة موضوع القصيدة وعضويتها:

أهم ما يميز قصيدة النثر هو عنصر الوحدة؛ إذ إنَّ كل القصيدة تخدم هدفاً واحداً وتصف موضوعاً واحداً وتوجِّه رسالة واحدة، أمَّا العضوية، فإنَّها أهم ما يميز هذا النوع من الشعر؛ أي بمعنى آخر التكامل والانسجام والترابُط في القصيدة الواحدة من حيث المعنى والمضمون والشكل والأسلوب. مَن يقرأ قصيدة النثر، يلاحظ هذه النقطة بوضوح؛ فكل معنى يؤدي إلى الآخر؛ أي يوجد تلاحم وتوافق بين المعاني التي تدور وتصب في خدمة نفس المعنى والهدف والغاية، وهذا ما لا نجده في القصيدة التقليدية التي تستند بشكل أساسي إلى القافية والبحر والوزن.

4. قصيدة النثر قصيدة حرة:

تتمتع قصيدة النثر بالحرية والخروج عن النمط السائد والمألوف، وترك منهج التفكير الموروث والتقليدي، وعدم التقيُّد بأحكام المجتمع وأفكاره البالية المحدودة؛ وإنَّما تطلق قصيدة النثر العنان للشاعر ليسبغ على  النص الأدبي طريقة تفكيره ورؤيته وتوجهاته وأفكاره الجريئة وقناعاته التي يؤمن بها ويرجوها.

5. قصيدة النثر قصيدة بسيطة:

تتمتع قصيدة النثر بالبساطة والسهولة والمرونة؛ إذ إنَّها لا تستخدم تراكيب معقدة ومحسنات بديعية؛ بل تلجأ إلى كلمات بسيطة شعبية مفهومة سهلة القراءة والحفظ؛ ولذلك هي مرغوبة بشكل كبير لأنَّها بعيدة كل البعد عن التكلُّف في الأسلوب والسرد، كما أنَّها بعيدة عن النَّظم، وغنية بالسلاسة والبساطة اللغوية.

6. قصيدة النثر خالية من الخطابات:

إنَّ قصائد الشعر الحديث لا تعتمد على الخطابات المباشرة الموجهة إلى فئة معيَّنة من الناس؛ لذا هي سهلة ولطيفة بأسلوبها وطريقة صياغتها لأنَّها تهرب من تعقيدات البلاغة وبهلوانيتها وتلجأ إلى أسلوب لطيف مُحبَّب قريب من العقل والقلب.

 7. قصيدة النثر قصيدة موجزة:

تتَّصف القصيدة الحديثة بأنَّها تميل إلى الإيجاز والاختصار ولا تحب الإطناب والإطالة؛ إذ إنَّ الإطالة في الكلام والسرد تقلص من قيمة المادة الأدبية ومحتواها العميق؛ فهي تسير على مقولة "خير الكلام ما قلَّ ودل".

8. قصيدة النثر غنية بعنصر التكثيف:

مَن يقرأ قصيدة نثر، يلاحظ نقطة هامة وهي الكثافة؛ إذ إنَّ قصيدة النثر تعتمد حالة التكثيف في الصور البيانية وفي العاطفة والنغمة الموسيقية، وفي كل عناصر القصيدة يوجد تكثيف للمعنى اللغوي والحالة الشعورية والإيقاع النغمي والموسيقي.

ما هي أوجه التباين بين القصيدة الشعرية الحرة والقصيدة النثرية؟

إنَّ قصيدة النثر لا تعتمد على الوزن والقافية في نهاية كل بيت أو فقرة، ولا تعتمد على شعر التفعيلة والبحور، وهذا ما نراه في الشعر العمودي أو التقليدي أو الشعر الحر الذي اجتزأ صفة من صفات الشعر العمودي؛ ألا وهي القوافي والأوزان؛ بل تلجأ إلى تقسيم الفقرات وإغناء النص بجمالية الكلمة والمعنى والتركيب، فهي لا ترى في القوافي والأوزان والتفعيلات ضرورة لبناء هيكل القصيدة وصياغة أسلوبها.

ما هي الصفات التي تشترك فيها القصيدة النثرية مع قصيدة الشعر الحر؟

في الحقيقة تتقاطع القصيدة النثرية مع قصيدة الشعر الحر بمجموعة صفات وخصائص تتميز بها القصيدتان عن الشعر العمودي، ومن هذه الخصائص:

  1. وحدة موضوع النص.
  2. عضوية النص.
  3. عنصر التكثيف.
  4. الإيجاز والابتعاد عن الإطالة والإسهاب والشرح.
  5. عنصر الحرية.

مَن أول من كتبَ قصيدة النثر في العالم العربي عموماً؟

1. من سوريا الشاعر علي أحمد سعيد الذي أطلق على نفسه لقبَ أدونيس، وهو أول من لجأ إلى كتابة قصيدة نثرية في العالم العربي، بينما كان باقي الشعراء غارقين في الأوزان والقوافي والسَّجع والمحسنات البديعية.

  • علي أحمد سعيد شاعر سوري وُلِد سنة 1930 ميلادية، ولُقِّب بأدونيس تمثلاً بالأسطورة الشهيرة، ويُعَدُّ من أوائل الشعراء الذين بادروا إلى كتابة القصيدة النثرية ودعموا حركة التجديد في الشعر العربي، وسافر أدونيس الكبير إلى لبنان وتعرَّف إلى الشاعر المبدع الراحل يوسف الخال وقامت بينهما شراكة أدبية؛ إذ أصدرا معاً مجلة شعر عام 1975 ميلادية.

2. كما دعم الشاعر اللبناني أنسي الحاج ما قام به أدونيس وعبَّر عن رأيه بضرورة تجديد الشعر الحديث والتخلُّص من قيود القوافي والأوزان والتحليق في الإبداع والتمتُّع بجمالية الكلمة واللحن المنساب مع الشعر.

ظهور مصطلح قصيدة النثر وانتشاره في الأدب العربي:

لقد ظهر مصطلح قصيدة الشعر لأوَّل مرة سنة 1960 ميلادية في مجلة شعر على ثلاثة أشكال منها: الشعر المنثور والشعر الحر والنثر الشعري.

ما هو سبب ظهور مصطلح القصيدة النثرية ونجاحها في الشعر الحديث؟

  1. الرغبة القوية والجامعة في التخلُّص من نظام العروض وتقريب المسافات بين الخطاب القائم على النثر والخطاب القائم على الشعر.
  2. التوجُّه نحو كسر النمطيَّة في بناء القصيدة والابتعاد عن القوالب الجاهزة والأشكال المتوارثة، والرغبة الجامحة في التجديد والابتكار وتحديث روح الشعر.

متى نشأت أول قصيدة نثر في أنحاء العالم؟

أولاً في فرنسا؛ إذ شهدت فرنسا أول ظهور للقصيدة النثرية في أواخر القرن الفائت، وقد كان الشاعر بودلير هو المؤسِّس لها ورائدها الأول؛ إذ تبوأت مكانة مميزة في الشعر الفرنسي وأحدثَت ضجة في الحركة الأدبية.

كان الفضل في إدخالها إلى العالم العربي إلى الشاعر العبقري أدونيس، هو أول من سماها بالقصيدة النثرية؛ مستوحياً العنوان من الأدب الفرنسي، وقبل ظهور قصيدة النثر في الوطن العربي كانت توجد محاولات ولو بسيطة للخروج عن القوالب البدائية المتوارثة من الأجداد.

أقدم هذه المحاولات انطوت تحت مسمى الشعر المنثور، وكان الشاعر أمين الريحاوي من أقدم المؤسسين والداعمين لها، كما أنَّ القصيدة المنثورة ظهرت على يد الأديب والفيلسوف اللبناني الكبير جبران خليل جبران، فقد طوَّرها وحدَّثها واعتنى بتكوينها.

ما هي ميزات قصيدة النثر؟

  1. ظهرت قصيدة النثر كردِّ فعل مباشرة على معايير ومقاييس الجمال المطلق السائد في حقبة القرن التاسع عشر.
  2. الوحدة المستقلة.
  3. الانتظام والموضوعية.
  4. التكامل بين أجزاء القصيدة.

من ميزات قصيدة النثر أيضاً:

  1. خالية من أي ديكور أو إطار نُظِّمت على أساسه القصيدة التقليدية.
  2. خالية من أي تكلُّف أو مغالاة بالأسلوب.
  3. عدم وجود حشو بالمحسنات البديعية والسَّجع وتضاد الجمل.
  4. خالية من كل تعقيدات البلاغة.
  5. متحررة من أي قالب قديم مُتوارث أو أحكام سائدة تعكس أفكار بالية تقليدية تمسَّك بها المجتمع لعقود وورَّثها من جيل إلى جيل.
  6. هي مساحة يمكن بواسطتها أن يُعبِّر الشاعر عن منهجية تفكيره ورؤيته الشعرية وآرائه الشخصية دون قيود أو ضابط أو الاصطدام بالمنطق أو العقلية أو التقاليد.
  7. من أكثر ما يميزها أنَّ كل مقطع في القصيدة أو جملة أو فقرة تنتهي بحرف ساكن أو تنتهي بسكون أو وقف، وهذه الخاصية شاملة لكل قصائد النثر دون استثناءات.
  8. سهولة قراءة مفردات القصيدة وتراكيبها حتى لو لم تكُن مضبوطة؛ أي حتى لو كانت دون حركات؛ وذلك لأنَّ الشاعر يستخدم في هذا النوع من القصائد مفردات سهلة معروفة يفهمها الصغير قبل الكبير والفلَّاح قبل المعلِّم.
  9. هي القصيدة الوحيدة التي يسودها سكون كامل وشامل وهادئ، ويمكن أن تُقرَأ كاملة دون حركات أو تنوين أو ضبط نهاية الكلمات.

ما هي أبرز ميزات شعر التفعيلة؟

  1. التفعيلة واحد في كل القصيدة.
  2. توجد مساحة من الحرية في توزيع عدد التفعيلات في نهاية كل شطر من القصيدة.
  3. الحرية في عنصر الروي.
  4. التعامل مع موضوع القافية على أنَّها عنصر يدخل إلى القصيدة بشكل عفوي وغير مقصود؛ أي بمعنى آخر لا يُدخِله الشاعر عمداً إلى شعر التفعيلة.

ما هي أبرز عيوب شعر التفعيلة؟

  1. يفتقد شعر التفعيلة إلى الإيقاع الموسيقي اللطيف المتوازن الذي ينساب مع القصيدة من أولها إلى آخرها.
  2. يُعاب على شعر التفعيلة بأنَّه مُتخَم بالأخطاء العروضية الشائعة أو غير الشائعة.
  3. في معظم الأحيان يبدو شعر التفعيلة طويلاً مملَّاً يُشعِر القارئ بأنَّ الشاعر لا يريد أن يختم ما يقوله.
  4. وجود الأغاني الشعبية وكلمات باللغة العامية الدارجة؛ مما يسبب خللاً في بنيان القصيدة وغرابة في المفردات عند لفظها وقراءتها.
  5. إهمال علامات الترقيم وعدم وضعها في المكان الملائِم أو حيث يجب أن تكون.
  6. إدخال كلمات أو مصطلحات أعجمية أو أجنبية بعضها المُعرب والآخر غير المُعرب؛ مما يسبب تخلخلاً في انسياب الكلمات وثقلها على السمع.
  7. استخدام الأرقام بكثرة ودون داعٍ أحياناً.
  8. تزاحم الضرورات الشعرية.
إقرأ أيضاً: النهضة الأدبية في الوطن العربي وأبرز أدباء عصر النهضة

سبب إقبال الشباب على كتابة قصيدة النثر:

  1. ظهور الثورة الصناعية بكل مفرزاتها وتغيُّراتها.
  2. ظهور عصر الميغا والتكنولوجيا والهواتف المحمولة.
  3. إحداث ثورة المعلوماتية التي حوَّلت العالم بأسره بكل تعقيداته إلى قرية صغيرة.
  4. تعدُّد وتنوُّع وسائل التواصل الاجتماعي.
  5. انتشار الكتُب الإلكترونية التي يجري تحميلها وتنزيلها من مواقع الإنترنت.
  6. إهمال الكتاب الورقي.
  7. القراءة والكتابة من شاشة مسطحة مربعة.
  8. استسهال هذا النوع من الشعر؛ لأنَّه لا يتطلب قوافي وأوزاناً وخبرةً في التقطيع العروضي وبحور الشعر.
إقرأ أيضاً: قصة نجاح الشاعر نزار قباني

في الختام:

إنَّ القصيدة النثرية أجمل ما أنتجه الشعر؛ لأنَّها فسحت المجال لحرية التعبير وترصيع النص الشعري بأجراس موسيقية تزيده ألقاً وجمالاً، كما أنَّها استقطبت المبدعين من الشباب الموهوبين الذين يقدرون نعمة الكتابة والشعر ويرون في الأدب طريقاً إلى خلاص الإنسان وعلاج النفس من كل الشوائب والأمراض والأفكار البالية.

المصادر: 1،2،3،4،5،6،7،8




مقالات مرتبطة