قانون الجهد المعكوس وتطبيقاته العملية في الحياة اليومية

يُمتِعنا علم النفس كل يوم باكتشافاته الجديدة التي تغوص في أعماق النفس الإنسانية، محاولةً طوال الوقت اكتشاف القوانين التي تحكم العقل البشري، ولعل أحد أكثر القوانين إثارة للاهتمام هو قانون الجهد المعكوس، الذي سنقدم لكم أبرز النقاط حوله؛ إذ نستطيع الاستفادة من تطبيقاته العملية في الحياة اليومية.



ما هو قانون الجهد المعكوس؟

إنَّ قانون الجهد المعكوس هو عملية تتضارب فيها رغباتنا مع خيالنا، أو بعبارة أدق عندما نحاول التغلُّب على أمر ما ونُصرُّ على أن نجتازه ونتخطاه، ومن ثم نجد أنفسنا قد وقعنا به بدلاً من تخطيه، وكلَّما زادت محاولاتنا وإصرارنا على تجاوزه، وقعنا به أكثر.

مثال عن قانون الجهد المعكوس:

على سبيل المثال، في حال طلب منك أحدهم أن تمشي على حبل مرمي على الأرض، فإنَّك ستفعل ذلك بكل سهولة ودون تردد؛ وذلك لأنَّك تخيَّلتَ المشهد على درجة عالية من السهولة ولم يحصل أي تعارض بين خيالك ورغباتك.

ولكن في حال طُلِب منك الطلب نفسه ولكن بشرط أن يكون هذا الحبل مشدوداً بين عمودين وعلى ارتفاع أربعين متراً، فإنَّك وبكل تأكيد سوف ترفض هذا الأمر رفضاً مطلقاً وسريعاً؛ وذلك لأنَّك تخيَّلت الموقف مسبقاً؛ أي تخيَّلت نفسك تمشي على هذا الحبل ثم يختل توازنك ومن بعدها تسقط أرضاً، وعلى الرغم من رغبتك في إنجاز هذا التحدي، إلَّا أنَّ خوفك قد سيطر عليك، وحصل هذا التضارب بين رغبتك وخيالاتك.

وكلَّما حاولتَ أن تبعد تفكيرك عن هذه الخيالات من أجل تجنُّب القلق الناجم عنها، وقعتَ بشكل أعمق في حفرة القلق، وهنا نرى أنَّ جهدك الذي بذلته من أجل تجنُّب القلق، عمل بشكل معكوس على زيادة قلقك، وهذا مثال عن قانون الجهد المعكوس.

إقرأ أيضاً: 7 صفات تشير إلى أنَّك تتمتع بالقوة العقلية

كيف يمكن أن يتخلَّص الإنسان من فكرة ما وفق قانون الجهد المعكوس؟

عندما يفكر الشخص في استعمال قوة الإرادة لديه من أجل أن يتغلَّب على الإحباط والفشل، سيجد نفسه - وباللاشعور طبعاً - يقوي فكرة الفشل في ذهنه، وهنا يلاحظ الشخص أنَّ كل ما يبذله من مجهود ذهني انتهى بالحصول على نتائج عكسية مخالفة بشكل كبير للهدف الذي كان يود تحقيقه؛ أي تركيز الشخص في التحلي بالإرادة الصلبة والقوية أصبح عملية استدعاء للضعف والعجز.

وعندما يريد الإنسان أن يتخلَّص من فكرة ما ويفعل كل ما بوسعه من أجل التخلُّص منها، فإنَّه يحصل على نتائج عكسية بشكل كامل وتصبح الفكرة التي يريد الإنسان أن يتخلص منها مسيطرةً سيطرة كاملة على عقله وتفكيره، وهنا يأتي دور العقل الباطن في التقاط هذه الفكرة المسيطرة والتعامل معها بشكل جدي.

لذا، يجب على الشخص ألَّا يحاول إجبار عقله الباطن على تقبُّل فكرة ما أو النفور من فكرة أخرى؛ بل عليه أن يحاول تخيُّل النتيجة التي يصبو إليها في دماغه، وتخيُّل كمية الارتياح الذي سيجنيه وحالة الحرية التي سيشعر بها، وهنا سيجد أنَّ عقله الواعي سيحل المشكلة ويفرض أسلوبه ومبادئه على العقل الباطن.

إقرأ أيضاً: الطاقة السلبية: مصادرها وكيفية التغلب عليها

ما هي القاعدة الذهبية التي يمكن أن نستنتجها من قانون الجهد المعكوس؟

يجب على الإنسان أن يتخيَّل ما يريد أن يتحقق وليس ما لا يريد أن يتحقق، وعليه تدريب عقله الباطن على صور النجاح ولو كانت في الخيال؛ وذلك لأنَّ العقل الباطن يأخذها على أنَّها حقائق وليست خيالات، وينطلق إلى تحقيقها في الواقع بشكل لا إرادي، كما يجب عليه تغذية الإرادة وتقوية شعور النجاح.

كيف أستعمل قانون الجهد المعكوس من أجل النجاح في الامتحان؟

بداية، لا بدَّ أن تدرس بجد واجتهاد وتكون دراستك مستمرة على مدار السنة الدراسية وليست مقتصرة على أيام قليلة قبل الامتحان، وما نحاول إيصاله من خلال قانون الجهد المعكوس هو تدريب العقل الباطن على الهدوء والتحكم بالأفكار خلال وقت الامتحان؛ إذ إنَّه عبارة عن شدة نفسية ووقت عصيب نمر به سريعاً؛ وذلك من خلال اتباع النصائح الآتية:

  1. أنتَ الآن في منزلك، إنَّه مجرد امتحان وليس نهاية الكون بكل تأكيد، وستخرج من هذا الامتحان غداً ثم تقدم بعده عشرات الامتحانات، الأمر سهل إذا أردت أن تفكر بهدوء.
  2. تخيل نفسك موجوداً في قاعة الامتحان واستحضر كل تفاصيل الامتحان؛ من مراقبين ومقاعد وطلاب يبدو عليهم الإعياء والتعب وقلة النوم، وعِش الحالة كما لو أنَّك في داخلها.
  3. أنت الآن تشعر بالقلق بكل تأكيد وهذا أمر طبيعي، فدرِّب نفسك على أن تقلل من هذا القلق إلى نسب مقبولة.
  4. تخيَّل نفسك وأنت موجود في قاعة الامتحان، والأسئلة موجودة أمامك وأنت تتذكرها واحداً تلوَ الآخر وتحلها بكل سهولة ويسر.
  5. حاول أن تغوص في تفاصيل سهولة الأسئلة وقدرتك على تذكُّر ما قرأته بكل أريحية.
  6. تخيَّل علامتك التي تريد أن تحصل عليها موجودة أمام عينيك، ولا تفكر سوى في هذه الأمور الإيجابية.

كيف يمكنك الاستفادة من قانون الجهد المعكوس في التخلص من القلق الاجتماعي؟

  1. أقنع نفسك بدايةً أنَّ جميع الناس هم أشخاص من لحمٍ ودم، ولا يوجد لديهم ما يمكن أن يربك أحداً أو يخيفه، وكل واحد منهم عانى من القلق الاجتماعي في مرحلة ما من مراحل حياته.
  2. تخيَّل نفسك دوماً بمظهر الشخص الواثق والهادئ الذي يتقدم وسط الجموع بخطوات سريعة ولكن متَّزنة وثابتة، ويمكن أن تكون بطيئة قليلاً، ومن ثم تُلقي التحية بكل ثقة على من تود.
  3. تخيَّل الأمر سهلاً جداً؛ إذ إنَّه مجرد إلقاء تحية وليس محاكمة في جريمة، أليس كذلك؟
  4. على هامش هذه النصائح يمكننا تقديم نصيحة ذهبية لك؛ وهي أن تلقي نفسك في الهاوية التي تخاف الوقوع بها من أجل القضاء على الخوف منها؛ وذلك من خلال الانخراط مع الجموع والمناسبات الاجتماعية وعدم الهرب منها أو تجنُّبها.
  5. في حال تخيَّلت نفسك عكس ذلك، فإنَّك سنقع فيما تخشاه وسترتبك عندما تلاقي أحداً ما؛ لأنَّ الصورة التي تخيلتها ستسيطر عليك وتمنعك من أن تكون ما تريد؛ وذلك عكس ما يحصل في حال سيطرت عليك الصورة الإيجابية التي تخيلتها مراراً وتكراراً.

ما هي علاقة قانون الجهد المعكوس مع الوساوس؟

إنَّ كل ما نقوم به من أجل التخلُّص من فكرة معينة أو إسكاتها لا يكون مجدياً، فلو طلبنا منك الآن أن تكفَّ عن التفكير في الزرافات الزرقاء، فإنَّ الزرافات الزرقاء سوف تقفز إلى دماغك دون أن تشعر بذلك، حتى ولو لم تكن قد فكرت فيها طيلة اليوم، ويزيد تفكيرك فيها في حال كان لديك ميل إلى الوسواس؛ إذ إنَّ الدماغ المعتاد على طريقة التفكير الوسواسية يُذكِّر نفسه بالفكرة عندما يُذكِّر نفسه بعدم التفكير فيها، وهذا يخلق حلقة مفرغة من الأفكار المزعجة؛ لأنَّ هذا المنع للفكرة ليس سوى عملية تنشيط للدارات العصبية المسؤولة عن هذه الفكرة.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لإحداث تغيير مذهل في حياتك بشكلٍ فوري

ما هي الطريقة الأصح لكسر قانون الجهد المعكوس؟

من الممكن أن ننجح في بتر الفكرة التي تستحوذ علينا؛ وذلك من خلال أن ننهرَ أنفسنا بكلمة "توقف!"، وتُسمى هذه العملية بـ "تجميد الفكرة"، وهي خطوة هامة، ولكنَّ الأهم منها هي الخطوة التالية، التي تُعَدُّ الخطوة الحاسمة، وهي ما سنوضحه من خلال المثال الآتي:

على سبيل المثال، يراودك بعض القلق بينما تُنظِّف حديقة منزلك من بعض الحشائش الضارة، فأنت تخاف بحكم غريزتك وثقافتك من أن تكون بعض الثعابين مختبئة بشكل مخادع بين هذه الحشائش، ماذا يمكن أن تفعل من أجل أن تُخلِّص نفسك من هذا القلق؟

  1. في البداية، قل في نفسك جملة سهلة وهي: "توقف".
  2. استبدل هذه الفكرة المقلقة بفكرة أخرى تحبها.
  3. قد تكون الفكرة البديلة أسماء الزهور التي تحبها، فتخيَّل شكلها وتفاصيل بتلاتها وألوانها الزاهية ورائحتها العطرة، أو يمكنك ترديد الأغنية التي تحبها والتفكير في معانيها وموسيقاها الساحرة ومؤلف كلماتها وما إلى ذلك من الأمور التي تستحوذ على انتباهك.
  4. بدلاً من أن تقول: "لا يمكنني إنجاز هذا الأمر"، يمكنك أن تقول: "ليس هذا بالأمر السهل ولكنَّني قادر على تجاوزه".
  5. إنَّ تكرار هذه الجمل باستمرار يدرب العقل على أن يفكر بطرائق مرنة مرونة أكبر، وينشِّط الآليات العصبية التي تحميه من القلق والتوتر في المستقبل.
  6. إنَّ أيَّة فكرة جديدة تحتاج إلى الممارسة والتكرار لبعض الوقت، إلى أن تصبح فيما بعد اعتيادية وتلقائية مع مرور الوقت.

شاهد بالفيديو: 6 طرائق فعالة لتحمي نفسك من الطاقة السلبية

ما هي الخلاصة التي نستطيع أن نتعلمها من قانون الجهد المعكوس؟

  1. إنَّ مفتاح النجاح في أي مجال هو العمل على إيجاد انسجام أو تماهٍ بين ما تتمناه أنت وما تتخيله في دماغك؛ وذلك يُمكِّنك من أن تعمل بانسجام مع نفسك، وهو أهم شيء في العمل.
  2. إنَّ أكثر ما يحتاج إليه العقل لكي يعمل بكفاءة عالية هو الهدوء؛ لذا، حاول في الأوقات الهامة أن تحافظ على هدوئك وبرودة أعصابك.
  3. درِّب عقلك دوماً على أن يتعاون معك ويعمل لصالحك وليس ضدك.

في الختام:

في نهاية هذا المقال نرجو أن نكون قد وُفِّقنا في إيصال المعلومة بطريقة سهلة وسلسة، ولا بد لنا أن ننوِّه إلى أنَّ الدماغ البشري هو لغز كبير، وكل الاكتشافات الكثيرة التي وصل إليها العلم لا تشكل سوى قطرة صغرى من بحر لم يُكتشَف بعد.

المصادر: 1، 2، 3.




مقالات مرتبطة