قانون الانعكاس: "عندما توجه إصبع الاتهام نحوك!"

نحن نخبَر الكثير من المواقف اليومية في حيواتنا، ونُسعَد في عيش المواقف الإيجابية منها، بينما نتعامل بالكثير من الرفض والحزن مع شقيقتها السلبية، مُحفِّزين بذلك سيناريو الإسقاطات لكي يظهر على السطح، فنبدأ بإلقاء اللوم على أبوينا، أو على حظنا العاثر.



هل سألتَ أو سألتِ نفسك ذات مرة: ما هو سبب ظهور الأشخاص الخائنين في حياتك دوماً؟ ولماذا تزوجتِ ببخيل مع العلم أنَّها أكثر صفة تكرهينها في الحياة؟ ولماذا تحظى بمدير مستبد في كل مرة؟ ولماذا يستفزِّكِ شريك الحياة إلى هذه الدرجة؟ وهل ظهرت كل الأشياء السابقة في حياتك من باب الصدفة؟ أم أنَّ هناك أسباباً كامنة وراءها عليك البحث عنها بعمق؟

أتريد أن تعرف كيف هذا، دعنا إذاً نغوص سوياً في فقرات هذا المقال.

ما هو قانون الانعكاس؟

يقوم قانون الانعكاس على فكرة أنَّ كل ما هو في العالم المادي، ما هو إلا تجسيد لما هو موجود داخل الإنسان، والمقصود هنا بداخل الإنسان أي مشاعره ومعتقداته وأفكاره. يجيب قانون الانعكاس عن الكثير من التساؤلات المحيرة في عقولنا، كتساؤلك عن سبب فقرك، ومرضك، وعلاقاتك السيئة.

ومن جهة أخرى، يُقرِّب مَن يعشق التحسين والارتقاء إلى حقيقته؛ فإنَّه دعوة حقيقية لكي تكون شفافاً، صادقاً، واعياً، ولكي تدير حياتك بالشكل الأمثل.

إقرأ أيضاً: 5 انحيازات معرفية تمنعك من تحقيق كامل إمكاناتك

الانعكاس في العلاقات:

نحن نمضي حياتنا ونحن نتمنى الغنى، والشهرة، والنجاح، والزواج، والحب، دون أن نعلم أنَّ الأمنية تبقى أمنية، وأنَّها تجسيد حقيقي لوعي العجز، فعندما أقول: أنا أتمنى أن أكون مُحاضِرة عالمية تحفيزية في مجال الوعي وتطوير الذات؛ ستعطي هذه الجملة انطباعاً إلى اللاوعي بأنَّ هذا الهدف أكبر مني، ولن أصل إليه.

بينما في حال قلت: "أنا أنوي أن أكون مُحاضِرة عالمية تحفيزية في مجال الوعي وتطوير الذات"؛ ستعطي هذه الجملة انطباعاً بأنَّني قوية جداً، وقادرة على تحقيق هذا الهدف. إذاً للنية قوة حقيقية، فعندما تنوي نية فكأنَّك تضع بذرة في العالم الطاقي، ولكي تنمو هذه البذرة، يجب عليك أن تقوم بخطوات إضافية، وهي أن تأخذ بالأسباب وتثق بالله.

ومعنى أن تأخذ بالأسباب هو أن تفعل كل ما أنت قادر على فعله وفقاً للمعطيات المتوافرة أمامك، أي أن تتحرك فحسب، ولا يهم هنا حجم هدفك، بل كل ما يهم هو أن تنهض وتتحرك بخطوات لو مهما بدت صغيرة أمام هدفك الكبير، ويجب عليك أن تتحلى بثقة عالية بمناصرة الله لك في رحلتك لتحقيق هدفك.

إذاً في حال كان هدفك الغنى، فكل ما عليك فعله أن تنوي نية حقيقية وقوية بأن تكون غنياً، ومن ثم تبدأ بالسعي ضمن الإمكانيات المتاحة لديك، كأن تحسِّن هواية لديك؛ لكي تعمل بها بشغف، وأثناء طريقك يجب عليك أن تكون واثقاً بتحقق نيتك بإذن الله؛ إذ تجعلك الثقة بالله هادئاً، ومتوازناً، فأنت متأكد من تحقق الأمر، أما تفاصيل رحلتك والطريقة التي ستصبح بها غنياً فهذه الأشياء ليست من اختصاصك، بل من اختصاص الله، إذاً كل ما عليك هو النية، العمل ضمن المتوفر والثقة بالله، فالتوكُّل كما يقول د. محمد راتب النابلسي هو: "أن تأخذ بالأسباب وكأنَّها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنَّها ليست بشيء".

كل شخص سيء العلاقات؛ هو شخص لم ينوِ تكوين العلاقات الجيدة ولم يسعَ إلى ذلك.

يمضي الكثير من الأشخاص بدون نوايا محددة في الحياة، وبدون تركيز على أهداف محددة، مما يجعلهم عرضة للكثير من الأمور السلبية، فأن تكون بلا نية محددة فهذا يعني أنَّك فريسة لدى الآخرين وطاقتك مخترقة ومضطربة.

إذاً فهذا يعني أنَّنا مَن نحدد شكل حيواتنا من خلال نوايانا وسعينا، وقدرنا هو من اختيارنا، فعلى سبيل المثال: فإن اخترتِ البقاء في علاقة مؤذية؛ فهذا يعني أنَّك تأخذين بالقدر السلبي، وإن اخترتِ الانفصال عن علاقة مؤذية ومحاولة تحسين ذاتك وتنميتها؛ فأنتِ إذاً تأخذين بالقدر الإيجابي.

يغوص أغلب البشر في الحياة المادية والمظاهر، ويهتمون بشدة في صورهم الاجتماعية على حساب مشاعرهم الخاصة، فلا يجلسون مع أنفسهم ليسألونها هل هم فعلاً سعداء؟ هل يتصرفون فعلاً التصرفات الأقرب لهم ولروحهم، أم أنَّهم أسرى المجتمع والتقاليد؟

قانون الانعكاس في علم النفس:

ينخر الإيجو في عقول البشر من جهة، وينخر وعي الضحية من جهة أخرى، فبينما تجد عبيداً للصورة، تجد أيضاً عبيداً للظروف، إذ يعيش قسمٌ كبيرٌ من الناس في وهم الصورة المثالية، فيهتمون جداً بالوضع الاجتماعي، والمنصب العملي، والتفاصيل الشكلية وطريقة الكلام و...الخ، وينكرون ذواتهم الحقيقية الشفافة، ويستكبرون على التعبير عن مشاعرهم، ويتكلمون بالأنا، فعلى سبيل المثال: إن غضبوا نتيجة تصرف ما، فسيقولون للشخص: هل أنتَ واعٍ إلى تصرفك معي، ألا تعرف مَن أنا؟".

بينما يسيطر وعي الضحية على القسم الثاني من البشر، فيستسلمون للظروف استسلاماً مطلقاً، ويجدون أنَّهم بلا حول ولا قوة، وأنَّ كل شيء في يد الأحداث الخارجية، وهم دمى في يد الظروف.

ما ننشده هو حالة التوازن بعيداً عن حالات التطرف المنتشرة؛ إذ يبدأ التوازن النفسي بالاعتراف بأنَّك المسؤول عن ما تخبَره في حياتك، ومن ثم سيتحفز عقلك للبحث عن الأسباب الكامنة لما يحدث لك، وهنا بداية رحلتك نحو داخلك.

تبدأ في رؤية النور؛ في اللحظة التي يتحرر بها عقلك من الإيجو ووعي الضحية، وتوجه إصبع الاتهام إلى ذاتك.

تبدأ رحلتك نحو الداخل بالاعتراف بكلا جانبيك، المشرق والمظلم، أي أن تحتضن جانبك المظلم؛ فالهدف هو تكامل جانبيك، للوصول إلى التوازن النفسي.

الهدف هو أن تكون حيادياً، ومتقبلاً كل شيء؛ لذلك فكل أمر ترفضه، وكل أمر يستفزك؛ هو نسخة من جانبك المظلم الذي لا تريد الاعتراف به، على سبيل المثال: صفة البخل الـتي ترفضينها رفضاً قاطعاً، هي رسالة لك على وجود حدث ما في أعماقك ترفضينه بشدة وعليكِ أن تتصالحي معه، فقد تكونين قد نشأتِ مع أب بخيل، أو لديك تجربة مع صديقة بخيلة، فشكَّلتِ مخاوفَ كبيرة من أمر البخل.

يحدث الانعكاس على مستوى المشاعر أو المعتقدات، فعندما تُستفزين بشدة من دخول الرجال الخائنين إلى حياتك، ولا تفهمين السبب وراء ذلك، فهذه دعوة لكي تنظري إلى داخلك، وتتصالحي مع جانبك المظلم، فقد يكون لديكِ معتقدٌ سلبيٌ بخصوص الرجال؛ مثل: "كل الرجال خائنون، ولا يوجد أحد منهم موضع ثقة"، مما يجعل واقعك متشابهاً مع معتقداتك العميقة التي لا تريدين الاعتراف بها.

إقرأ أيضاً: 9 مبادئ لاستعادة التوازن

فالحل هنا أن تسألي ذاتك بمنتهى الصدق ما هو السبب الحقيقي الموجود في داخلي والذي يُسبب ظهور الرجال الخائنين في حياتي؟

كيف أطبق قانون الانعكاس في حياتي؟

اسأل ذاتك لماذا ترفض أن ينعتك أحد ما بـ"الأناني"، ولماذا استفزك صديقك بشدة عندما قال لك هذه الكلمة؟ هل جربتَ عوضاً عن الوضع الهجومي الذي اتخذته إزاء صديقك، أن تقول لذاتك: "هل من الممكن أن تكون كلمته صحيحة، ماذا لو أن تصرفاتي قد أوحت له بالأنانية؟ وعندها ستعود إلى داخلك، وتنظر إلى أعماقك وتكتشف السبب الكامن وراء أنانيتك، فقد يكون لأنَّك نشأت في أسرة تعزز هذه الصفة، أو لأنَّك كنت الطفل الوحيد المدلل.

إن تحدث لكِ أحداثٌ غير آمنة، كأن تتعرضي لعمليات سرقة واحتيال، أو إلى وجود أشخاص استغلاليين، فهذه دعوة لكِ لكي تبحثي في داخلك عن مشاعرك ومعتقداتك المظلمة، فقد يكون لديك معتقداً "أنَّ الحياة مكان غير آمن"، لذلك يُترجَم هذا المعتقد بأحداث تحدث لكِ في الواقع المادي.

لكي تتصالح مع جانبك المظلم، يجب عليك بداية أن تسترخي وتعترف بأنَّك إنسان وفيك الجانب الإيجابي والآخر السلبي، فيك الخير والشر، ومن ثم تستحضر الأمر الرافض له، وتشعر به، وبعد ذلك تتقبل وجوده وتطمئنه، فهذا الجانب بحاجة إلى الحب فقط لا غير، كالطفل الصغير، فتقول له: أنا معك، وبجانبك، وأحبك، وأتقبلك، وأتقبل الجزء الذي يرفضك مني.

وفي النهاية تشكره على وجوده في حياتك؛ لأنَّه السبب في تطورك وارتقائك، وعندها تحصل عملية التكامل النفسي ما بين جانبيك الملائكي والشيطاني، فعلى سبيل المثال: إن كنت في حالة رفض قاطع للضعف، فهذا يعني أنَّك في حالة نكران للضعف الموجود في جانبك المظلم. لذا استرخ بداية، ومن ثم ابحث في داخلك عن مصدر هذا الشعور في أعماقك، وعش حالة الضعف واشعر بها، فعندها قد تعود إليك صورتك وأنت طفلٌ صغير وتشعر بالضعف بسبب فقدانك لأحد الوالدين، أو بسبب نشأتك في بيئة غير متزنة نفسياً، وأنَّك تفتقر إلى الحب والحنان والأمان، أو بسبب قسوة أبيك عليك، وبعد ذلك تتقبل تلك الصورة، وذلك الطفل الصغير، وتحضنه، وتقول له أنَّك معه وبجانبه، وتشكره على صبره وعلى قوته؛ فهو السبب في أن تكون ما أنت عليه الآن.

أما في حالة الأب القاسي، فتتقبل صورة الأب، وتسامحه لأنَّك تعلم أنَّه فعل ما فعل بسبب وعيه المنخفض، ومن ثم تقول له إنَّك تتقبله وتتقبل جزءك الرافض له، وتشكره على أنَّه السبب في وعيك وقوتك.

عندما تبدأ التصالحَ مع جانبك المظلم والاعتراف فيه واحتوائه؛ ستصبح أكثر وعياً لما يحدث في حياتك، فأنتَ الآن مدرك فحوى التعابير التي ترتسم في كل مفاصل حياتك، وتعلم الرسالة الحقيقية منها، وحينها ستبدأ عملية التنظيف الداخلي، واحتواء جانبك المظلم.

الخلاصة:

كل ما يحدث في حيواتنا يحدث لسبب، ونحن وحدنا مَن نملك الإجابة عن سؤال: "لماذا يحدث معنا هذا؟"، وأنصحكَ باستبدال هذا السؤال بـ "ماذا لو كان بداخلي الإجابة عن كل أسئلتي واستفساراتي؟" عندها ستبلغ مستوىً آخر من الوعي، وستشعر بمشاعر السلام والطمأنينة؛ لأنَّك ستُدرِك أخيراً أنَّك مَن تملك مفاتيح حياتك لا أحد سواك.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة