علاقات الحب الإلكترونية: ما هي؟ وكيف نعالج هذه الظاهرة؟

"كم عدد الساعات التي تقضيها يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي؟"، "هل تفضِّل التواصل مع أصدقائك الافتراضيين على الجلوس مع عائلتك والنقاش معهم؟"، "هل تميل إلى مشاركة مشاعرك وتجاربك وآلامك مع شخص غريب وتبتعد عن مشاركتها مع الأشخاص المقربين منك؟".



نحن نعيش اليوم في عصر السرعة والتكنولوجيا، حتَّى المشاعر لم تسلم من موجة الحضارة هذه، فبدلاً من الاحتفاظ بالشكل الطبيعي والحقيقي للمشاعر؛ بات التعبير عنها منحصراً بالضغظ على شاشة هاتفك الجوال لتسجيل الإعجاب بمنشور ما أو صورة ما لأحد زملائك، والغريب في الموضوع أنَّ وجهك لا يقدِّم أية ردة فعل في أثناء تعبيرك عن مشاعرك، ممَّا يخلق ذلك الانفصال ما بين المشاعر ولغة جسدنا، وصولاً إلى إدمان سياسة المجاملات والمشاعر الزائفة.

في وسط كل هذا الزيف وقلة النضج؛ تفرض علاقات الحب ظهورها الصارخ في مواقع التواصل الاجتماعي، معلنة عن ذاتها بكامل القوة والشموخ، ويكمن السؤال الأكثر أهمية هنا: "هل يوجد حب حقيقي على الإنترنت، وهل وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة مجدية لصناعة زواج صحي وبناء عائلة واعية وراقية؟ هذا ما سَنتناوله من خلال هذا المقال.

ما هو الحب؟

الحب هو العاطفة الأكثر أهمية في حياة الإنسان، والاحتياج الذي يسعى كل شخص إلى إشباعه بالطرائق السليمة والراقية، ويقوم الحب الحقيقي على ثلاثة أركان وهي الإحساس بالمسؤولية، والتعلق، والحميمية؛ أمَّا المسؤولية فهي عماد الحب، فكيف للحب أن يستمر إن لم يلتزم كلا الطرفين بمسؤولياته تجاه العلاقة، وأمَّا التعلق فهو المشاعر الجميلة التي يشعر بها الإنسان تجاه الطرف الآخر، من لهفة وشوق وحنان، وأمَّا الحميمية فهي العلاقة الخاصة التي تجمع بين الطرفين وضمن إطار الزواج.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تأمّل لإدخال مزيد من الحب إلى حياتك

ما هي مراحل الحب؟

يعد التعلق المرحلة الأولى من مراحل الحب، وهنا يندفع الإنسان بمشاعره نحو الآخر، ويغلب لديه التفكير العاطفي على العقلاني، وتأتي مرحلة الاستكشاف بعد مرحلة التعلق، وهنا يبدأ كل من الطرفين بتحليل تصرفات الآخر وقيمه وسلوكاته وإيجابياته وسلبياته، وصولاً إلى صيغة تفاهم وتكامل بينهما؛ وهي ما نطلق عليه مرحلة التكيف.

الحب والإنترنت:

لن أهاجم علاقات الحب على الإنترنت ولعلَّ هناك أشخاصاً قد عقدوا قرانهم وأسسوا عائلات ناجحة على الرغم من أنَّ بداية تعارفهم كانت عبر الإنترنت، ولكنَّني سأقدم ملاحظات عديدة منطقية حول موضوع الحب عبر الإنترنت:

1. المسؤولية:

لا تحقق علاقات الحب عبر الإنترنت الركن الأساسي من أركان الحب، وهو المسؤولية، فهل تستطيعين أن تقولي لي: "كيف لك أن تكتشفي مدى التزام الطرف الآخر معك ومدى رجولة مواقفه؛ إن كان كل ما يجمعك فيه هو مجرد محادثات وكلمات؟"

2. الصدق:

تعدُّ علاقات الحب على الإنترنت بيئة خصبة لانتشار الكذب والخداع؛ حيث يحرف الكثير من الأشخاص معلوماتهم، بدءاً من الاسم، وصولاً إلى مكان العمل والشهادة العلمية ومكان الإقامة؛ فكيف لكَ أن تبني علاقة حب ناجحة إن كانت المعلومات الأساسية للشخص المقابل موضع شك وريبة؟ وكيف لكِ أن تصدقي كلمة "أحبك" من شخص لم تقابليه، ولم تنظري إلى عينيه، ولم تختبري رجولته وأخلاقه على أرض الواقع؟

إقرأ أيضاً: الصدق و آثاره على الفرد والمجتمع

3. القيم:

يؤثر الإنترنت في منظومة قيمنا دون أن نشعر بذلك، فكم عدد الرجال المتزوجين الذين يملكون صديقات غريبات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ تحت شعار التطور والانفتاح، وكم عدد المتزوجات اللواتي يتواصلن مع أصدقاء ذكور تحت شعار الصداقة والتواصل!

لقد تمَّ العبث في المصطلحات، وارتدت الخيانة ثوب الصداقة والتحرر، وبات الإنترنت منصة شائعة للخيانات الزوجية بكافة أشكالها، بدءاً من المحادثة الرومنسية ووصولاً إلى العلاقات الإلكترونية المشبوهة.

4. الاستهلاك:

يعلِّمنا الإنترنت لغة المشاعر الرخيصة، بحيث يعتاد الشخص على إعطاء المجاملات والكلام المعسول على مدار الساعة، إلى أن يفقد الإحساس به.

لماذا نحب عبر الإنترنت؟ و كيف نداوي أنفسنا؟

يلجأ الكثيرون إلى علاقات الحب الإلكترونية للعديد من الأسباب منها:

1. الهروب من الوحدة:

يعتقد الكثير من الأشخاص أنَّ وجود حبيب وهمي في حياتهم أفضل من حالة الوحدة التي يشعرونها في حال عدم وجود حبيب في حياتهم، ولا يعي أولئك الأشخاص حجم الخسائر الناجمة عن علاقات الحب الإلكترونية؛ حيث يدمن الشخص مشاعر الحب الوهمية التي يُصدِّرها له الطرف الآخر ويغرق في مرحلة التعلق ويديم المكوث فيها، مسببة له الكثير من مشاعر الصراع الداخلي والتردد والتشتت والضياع، فهو لا يستطيع الوثوق بهذه العلاقة ولا يستطيع الخلاص منها في الوقت ذاته.

وفي هذه الحالة على الشخص أن يطلب من الطرف الآخر؛ نقل العلاقة من الواقع الافتراضي إلى الواقع الحقيقي لكي يتمكن من اكتشاف الشخص المقابل ودراسة مدى القبول الفعلي بينهما وصولاً إلى اتخاذ القرار بالاستمرار بالعلاقة أو إنهائها.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الشعور بالوحدة؟ هذا المقال يقدّم لك الحلول

2. ضعف الرقابة الذاتية:

يعتقد الكثير من الأشخاص أنَّ الإنترنت بمثابة مكسب كبير لهم فيما يخص موضع العلاقات الغرامية، فهم لا يمتلكون ضميراً حياً، وتحرِّكهم الشهوة في كل حركة من حركات حياتهم، وهنا على كل إنسان أن يقوِّي ضميره وأخلاقه، بحيث يكون شخصاً صادقاً وواضحاً في السر والعلن.

3. الحرمان والحماية الزائدة:

قد يعيش شخص ما مشاعر من الحرمان العاطفي الشديد، مما يجعله يلجأ إلى الإنترنت من أجل تعويض النقص العاطفي الذي يعيشه، ومن جهة أخرى، قد يمارَس على شخص ما حالة من التحكم والسيطرة والحماية الزائدة، مما يجعله يطلب الحب من جهات أخرى، فعلى الإنسان في هذه الحالة أن يعمِّق علاقته مع رب العالمين، فعندما يشحن الإنسان من المصدر الأساسي للطاقة؛ لن يعود يلهث وراء الناس طلباً للحب؛ بل يصبح مكتفياً بذاته.

4. التعميم السلبي:

يمتلك بعض الأشخاص فكرة سلبية عن الحب، من جراء ما تعرَّضوا له من تجارب سلبية ماضية، كأن يتبنُّون مقولة: "الحب مجرد كذبة ووهم"؛ الأمر الذي يدفعهم إلى إدمان علاقات الحب الإلكترونية بدافع التلاعب بمشاعر الآخر والتسلية وتمضية الوقت.

على هؤلاء الأشخاص التركيز على حالات الحب الناجحة، بدلاً من التركيز على الحالات الفاشلة، كما عليهم ألَّا يستسلموا لنبع أفكارهم السلبية؛ بل يستفيدوا من تجاربهم السابقة بهدف بناء علاقة ناجحة.

في الختام:

يعطي الحب معنىً أجمل وأكثر بهجة ومتعة للحياة، ولكن شريطة أن يكون حقيقياً وصادقاً وواعياً؛ لذلك كن قوياً وعزِّز رقيبك الذاتي أمام مغريات العصر الحالي، واعلم أنَّ لا حبيب، أفضل من حبيب افتراضي.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة