عقدة الذنب: مفهومها وطرق التخلص منها

جميعنا نشعر بالندم وتأنيب الضمير تجاه خطأ اقترفناه يوماً ما، وهو شعور طبيعي ومفيد كونه يجعلنا نُراجع سلوكنا ونُصححه، ونتجنَّب تكرار الخطأ مستقبلاً، ولكنَّ هذا الشعور بالذنب يُصبح أمراً خطيراً عندما يتحول إلى عقدة تُسيطر على حياتنا ولا نستطيع التخلص منها.



أولاً: مفهوم عقدة الذنب وما هي آثارها؟

تنبع عقدة الذنب عن ضمير الإنسان، وهي حالة نفسية غير طبيعية تُسيطر على  وجدانه وأفكاره، وتجعله يعيش في دوامة من تأنيب الضمير وجلد الذات تجاه خطأ أو تقصير معيَّن ارتكبه تجاه نفسه أو تجاه غيره، ويُصبح أسيراً لماضيه؛ مما يُحوِّل الأمر لديه إلى عقدة تتحكم بحياته ولا يستطيع التحرر منها، ويصبح لسان حاله يقول: "الشعور بالذنب يقتلني"، وقد يُصاب بالاكتئاب لعدم قدرته على ممارسة حياته بشكل طبيعي.

آثار عقدة الذنب النفسية والجسدية:

ينتج عن عقدة الذنب العديد من الآثار السلبية على الإنسان مثل:

  1. الشعور بالقلق والتوتر الدائم.
  2. قلة النوم والمعاناة من الأحلام المزعجة "الكوابيس".
  3. لوم الذات بشكل دائم والتفكير في الماضي بدلاً من المستقبل.
  4. التقدير المتدني للنفس وتحقيرها وكراهيتها وربما محاولة عقابها.
  5. الميل إلى العزلة بسبب الشعور بالخجل والخزي والعار من مواجهة الآخرين.
  6. تتأثر حياة الشخص سلباً من كافة النواحي؛ وذلك بسبب تمحور تفكيره حول الذنب وعدم إمكانية التفكير في شيء آخر.
  7. قلة المبادرة والتردد المُبالغ فيه والبقاء في منطقة الراحة؛ وذلك بسبب الخوف من ارتكاب الأخطاء.
  8. فقدان الشهية للطعام.
  9. العصبية والانفعال لأتفه الأسباب.
  10. تراجع أداء الشخص الدراسي والمهني والاجتماعي.
  11. الإصابة بإدمان الكحول أو المواد المخدرة أو الحبوب المهدئة.
  12. الإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب والفصام والوسواس القهري.
  13. الإصابة بمشكلات جسدية كالصداع وآلام المعدة وارتفاع ضغط الدم والسكري ومشكلات القلب.
إقرأ أيضاً: 4 نصائح فعّالة للتخلص من عقدة الذنب

ثانياً: أسباب الشعور بالذنب

تتعدد أسباب الشعور بالذنب، مثل:

1. التنشئة الأسرية الصارمة:

قد يتَّبع الأهل أسلوباً صارماً في التربية؛ وذلك بالتركيز في السلبيات والأخطاء وتهويلها، والإفراط في لوم الطفل وتوبيخه؛ مما يُرسِّخ لديه الشعور بالذنب عند ارتكابه أي خطأ مهما كان صغيراً أو كبيراً.

2. الفهم الخاطئ للدين:

تنشأ عقدة الذنب عن فهم بعض الأشخاص الدين بشكل خاطئ؛ إذ إنَّهم ينظرون إلى الله تعالى على أنَّه شديد العقاب، متناسين أنَّه غفور رحيم ويقبل التوبة.

3. البيئة التي يعيش فيها الإنسان:

تؤدي البيئة التي يعيش فيها الشخص دوراً كبيراً في ترسيخ الشعور بالذنب لديه، وخاصة المجتمعات المحافظة التي تفرض الكثير من القيود على أبنائها، وتُطلق الأحكام المطلقة على من يُخالفها.

4. مخالفة القيم الشخصية:

يمتلك كل شخص مجموعة من القيم والمبادئ الخاصة به كالصدق والأمانة وغيرها، والتي يُحاول الالتزام بها في سلوكاته؛ لذا فإنَّ أي تصرُّف يبدر منه يخالف قيَمه ومبادئه، يجعل الشعور بالذنب يبدأ بالتسلل إليه.

5. قلة الثقة بالنفس:

مَن يعاني من قلة ثقة بنفسه، يكون أكثر عرضة إلى الوقوع في عقدة الذنب، كونه غير قادر على التصالُح مع نفسه وتجاوز الأمر.

6. السعي إلى الكمال:

من يسعى إلى الكمال، لن يستطيع الوصول إليه وسيبقى يُلازمه الشعور بالذنب على طول، والنظر إلى نفسه على أنَّه مُقصر ومهمل.

7. السعي إلى إرضاء الآخرين:

يسعى بعض الأشخاص إلى إرضاء الجميع على حساب أنفسهم، فنجدهم لا يرفضون طلباً لأحد حتى لو كان فوق طاقتهم، وغالباً ما يشعر هؤلاء بالذنب لأنَّهم غير قادرين على إرضاء الجميع.

شاهد بالفيديو: 20 أمراً يندم عليها المرء في حياته

ثالثاً: أنواع الشعور بالذنب

للشعور بالذنب عدة أنواع وهي:

1. الشعور الخاطف بالذنب:

هو الشعور بالذنب لدقائق معدودة، ومن ثم متابعة الحياة وكأنَّ شيئاً لم يكن، كشعورك بالذنب عندما تتأخر عن موعد ما، أو عندما ترمي أوساخاً في الشارع وتلوم نفسك.

2. الشعور الكاذب بالذنب:

هو أن يُحمِّل الإنسان نفسه مسؤولية ليست مسؤوليته، ويشعر بالذنب تجاه أمور لا ذنب له فيها؛ كأن يشعر موظف بالذنب تجاه إفلاس شركته، رغم أنَّ وظيفته لا تؤثر في وضع الشركة المالي على الإطلاق.

3. الشعور المُسبق بالذنب:

يشعر الإنسان في هذه الحالة بالذنب قبل القيام بالفعل؛ مما يجعله كثير التردد والقلق، كالزوج الذي يريد أن يُفاتح زوجته بالطلاق، ولكنَّه يشعر بالذنب قبل أن يقوم بذلك.

4. استقرار الشعور بالذنب:

هي الحالة التي يكون فيها الإنسان دائم الشعور بالذنب تجاه كل ما يفعل أو ما يمتنع عن فعله، وغالباً ما تحتاج هذه الحالة إلى المساعدة الطبية النفسية.

إقرأ أيضاً: كيف توفر على نفسك رحلة ذنب أخرى لا طائل منها؟

5. الشعور المتأخر بالذنب:

هو من أصعب حالات الشعور بالذنب؛ إذ لا يأتي قبل الفعل أو بعده مباشرةً؛ وإنَّما بعد فترة طويلة جداً من ارتكابه؛ وذلك بسبب مستجدات معيَّنة أو تغيير نظرة الشخص إلى الأمور، كالشخص الذي يشعر بالذنب تجاه والديه وسوء معاملته لهم عندما يتزوج ويصبح لديه أولاد ويفهم مشاعر الأبوَّة.

6. الشعور العميق بالذنب:

هو أكثر حالات الشعور بالذنب تعقيداً؛ إذ يصل صاحبه إلى الشعور بالندم والعار، ويُشكِّل عقبة في حياته تؤرِّقه وتُعطله عن المضي قدماً، وغالباً ما ترتبط هذه الحالة بأفعال كبيرة كالجرائم والقتل والاعتداء.

7. الشعور بالذنب تجاه الجماعة:

هي الحالة التي يتخطى فيها شعور الفرد حدوده إلى الجماعة؛ كأن يشعر بالذنب لأنَّه ينام في منزله بينما يوجد مَن ينام مشرداً في الشارع، أو يشعر بالذنب تجاه المتسولين كونه ليس فقيراً مثلهم.

رابعاً: كيف أتخلَّص من عقدة الذنب؟

إليك أهم النصائح للتخلُّص من عقدة الذنب:

1. تجنَّب جلد الذات:

حتى تتخلص من شعورك بالذنب؛ تجنَّب جلد ذاتك ولومها دائماً على الماضي وأخطائه.

2. غيِّر طريقة تفكيرك:

بدلاً من الاستمرار في التفكير في الخطأ والشعور بالذنب غيِّر طريقة تفكيرك، وانظر إلى نفسك على أنَّك إنسان جيد لأنَّك اعترفت بالخطأ، وحوِّل الشعور بالذنب إلى شعور مُثمِر، فكيف ستتعلَّم إن لم تُخطئ، ثم تجاوزه وامضِ قدماً مع الانتباه إلى عدم تكرار الخطأ.

3. تحمَّل المسؤولية:

إن كنت ترى أنَّك أخطأت في حق نفسك أو غيرك؛ فتحمَّل مسؤولية ذلك وبادر إلى تصحيح الخطأ، فمثلاً إن كنتَ تلوم نفسك وتشعر بالذنب لأنَّك فشلت في الدراسة أو العمل، فلا تهدر طاقتك في اللوم والندم؛ بل فكِّر في الحلول وفي كيفية إصلاح الأمر، فلا تقُل: "ماذا لو؟" بل قل: "ماذا الآن؟".

4. كُن صريحاً:

إذا كنت ممَّن يشعرون بالذنب تجاه شخص ما؛ فلا تترك الأمر بينك وبين نفسك؛ بل بادر إلى مصارحته بشعورك، وما ينتابك من تأنيب ضمير وشعور بالتقصير والخطأ بحقه، واطلب العفو والسماح منه، فهذه المصارحة من شأنها أن تُصفِّي القلوب وتُزيح عن كاهلك ثقل الشعور بالذنب.

5. ابتعد عن السلبيين:

حاول أن تبتعد عن الأشخاص السلبيين كثيري اللوم، الذين يُركزون في أخطائك وينتقدونها بشكل دائم.

6. لا تلم نفسك على ما ليس لديك عليه سيطرة:

توجد أحداث تحصل في الحياة بمشيئة القدر، وهي خارجة عن إرادتنا كالموت والمرض وحوادث السير، فلا يجوز أن تلوم نفسك أو تشعر بالذنب تجاه موت شخص مقرَّب منك مثلاً، أو حدوث حادث وأنت تقود السيارة وتؤذي من معك.

7. تعاطَف مع نفسك:

تعاطَف مع نفسك واحرص على مخاطبتها بخطاب إيجابي وتحفيزي، وطمئنها بعبارات من قبيل: "أنا إنسان جيد رغم أخطائي في الماضي"، "أنا لست إنساناً مثالياً وقد أُخطئ، ولكنَّني أتعلم من أخطائي"، "ليس العيب أن أُخطئ؛ وإنَّما العيب أن أكرر الخطأ".

8. تحرَّر من الماضي:

لا أحد يمكنه تغيير الماضي؛ لذا تحرَّر من ماضيك ولا تكُن أسيراً له، وانظر إليه بما فيه من أخطاء على أنَّه دروس مُستفادة، وتجارب زادتك خبرة ونضجاً.

9. تحدَّث إلى شخص مُقرَّب:

تحدَّث إلى شخص مقرَّب منك، وشاركه ما يعتريك من شعور بالذنب، وفضفِض له وأَفرِغ كل ما بداخلك؛ إذ تفيد هذه الفضفضة بمنحك بعضاً من الراحة والأمان.

10. اعلم أنَّ المثالية أمر مستحيل:

لا تسعَ إلى المثالية والكمال، فالمثالية أمر مستحيل وغير واقعي، والخطأ جزء من الحياة ومفيد للتعلُّم والخبرة.

شاهد بالفيديو: 10 أمور بسيطة تحقق لك الرضا الذاتي عن نفسك

11. تعلَّم ثقافة الاعتذار:

الاعتذار لغة راقية ودليل قوة ونضج وليس ضعفاً كما يعتقد بعض الأشخاص، وهو يغسل القلوب من الضغائن؛ لذا تعلَّم ثقافة الاعتذار عندما تُخطئ مع أحدهم، فهي تحميك من الوقوع في مصيدة الشعور بالذنب ولوم النفس.

12. تحرَّر من نظرة الآخرين:

لا تهتم بما يقوله الآخرون عنك، أو ما هي نظرتهم إلى خطأ ارتكبته فيما مضى، أو مدى رضاهم عنك؛ بل استمد قيمتك من ذاتك واهتم برضاك أنت وحدك عن نفسك.

13. اكتب ما بداخلك:

لا تتردد في كتابة ما تشعر به من مشاعر ذنب أو ندم، فهي وسيلة مفيدة للتفريغ عما بداخلك والتخلُّص منه.

14. اشغل وقتك:

عندما تجد نفسك أسيراً لفكرة الذنب، حاول أن تشغل نفسك وتملأ وقتك، على سبيل المثال، شارك في أعمال تطوعية، أو تعلَّم الموسيقى، أو مارس الرياضة.

15. قُل "لا":

تعلَّم أن تقول كلمة "لا" وأن ترفض أي طلب أو اقتراح لا يُناسبك أو لا يُرضيك دون أن تشعر بالذنب لأنَّك قلت "لا"، فمن حقك أن تختار ما يُناسبك وترفض ما لا يُناسبك، فأنت تعيش من أجلك وليس من أجل إرضاء الآخرين.

16. ركِّز في إيجابياتك:

حتى تتخلص الشعور بالذنب؛ ذكِّر نفسك دائماً بما لديك من إيجابيات وصفات حميدة ومواقف وأفعال قدَّمت فيها المساعدة للآخرين.

إقرأ أيضاً: أدونيس وأوديب وجوكاستا: تعرف إلى أشهر العقد النفسية

17. اعلم أنَّك تستحق الأفضل:

فكِّر دائماً في أنَّك تستحق الأفضل، وأنَّك تستحق السعادة، ولا ترضَ أن تُصبح حياتك عبارة عن اجترار لأحداث الماضي ولوم وحسرة وندم؛ بل كن شخصاً إيجابياً، وفكِّر في المستقبل وكيف تُغيِّر حياتك نحو الأفضل.

18. استعن بمعالج نفسي:

إن لم تتمكن من تجاوز عقدة الذنب وحدك، فلا مانع من أن تستعين بمعالج نفسي يدرس حالتك وأسبابها، ويساعدك ويدربك على التخلُّص منها.

في الختام: سامح نفسك وامضِ قدماً

تذكَّر دائماً أنَّه لا يوجد شخص في هذه الدنيا لا يُخطئ، فكلُّنا خطَّاؤون؛ لذا سامح نفسك عند ارتكاب خطأ ما وعُدَّه فرصة للتعلُّم وركِّز في تحسين سلوكك؛ إذ لا ترجع إلى نفس الخطأ مجدداً، والنصيحة الذهبية التي يجب ألَّا تغيب عن ذهنك هي: "لا تسمح لخطأ ينتمي إلى الماضي أن يُدمر حاضرك ومستقبلك".

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة