ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "عزيز غازيبورة" (Aziz Gazipura) والذي يُحدِّثنا فيه عن الشعور بالذنب.
تتخيل والدتك جالسة وحيدة في منزلها، حزينة بسبب عدم تواصل ابنها معها في يومها الخاص. تسيطر عليك الأفكار التي تنقد الذات ببطء في البداية، ولكن بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى العمل، تنهال على نفسك بالأحكام القاسية؛ فأنت أناني للغاية ودائم الانشغال، ولستَ ابناً بارَّاً.
هذا هو الذنب، كلنا نعرف هذا الشعور، وهي تجربة قوية؛ حيث يضخِّم شعور الذنب أخطاءنا، ليبدو ارتكاب الأخطاء والهفوات الصغيرة وكأنَّه اعتداء صارخ على الأشخاص الذين تهتم لأمرهم.
يعيش العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم شعوراً متكرراً بالذنب المفرط الذي ينطلق بسهولة، ويدوم لفترة أطول مما ينبغي، ويخلف في أعقابه حطاماً من احترام الذات والثقة. ولحسن الحظ، الإفراط في الشعور بالذنب ليس بالضرورة أن يحكم حياتك، وتحرير نفسك من قبضته هو أمر ممكن تماماً.
دعونا نبدأ بتعريف سهل للذنب؛ فخلال ساعات لا تحصى من المراقبة السريرية، وجدتُ أنَّ مشاعر الذنب تنبع من إدراك أنَّك قمت بشيءٍ خاطئ؛ وهذا يؤدي إلى الشعور بمزيج من القلق والضغط، ويستند القلق إلى التنبؤ بأنَّ شيئاً سيئاً سوف يحدث؛ على سبيل المثال: قد يشعر الآخرون بالانزعاج، أو قد ينتقدك الآخرون ويمكن أن تشعر أنَّك مكروه، أو حتى قد تشعر بالخجل من نفسك؛ وهذا يؤدي إلى فقدان الحب أو التواصل أو الفرص أو مكانتك كشخص صالح، ثم تشعر بالضغط للاعتذار وإصلاح الوضع.
القلق والضغوط الناجمة عن الشعور بالذنب يمكن أن تكون مفيدة، ويمكن أن يكون لها تأثير إيجابي في علاقاتنا. عندما يأخذ ابني لعبة من أخيه الأصغر ويراه يبكي، قد يشعر ببعض الندم ليعيدها ويصلح الأمور، فعندما تنزعج من شريك حياتك أو أخوتك أو والدَيك أو حتى طفلك، قد تشعر بعدم ارتياح إلى أن تصلح المشكلة وتعتذر أو تتصرف بصبر ولطف أكبر.
هذا ما أسميه الشعور بالذنب غير المضر بالصحة، فهو يساعدنا على العمل بالسلوكات التي تتماشى مع قيمنا، ويضمن أنَّنا نستجيب لاحتياجات القريبين منا، ويسمح لنا بالحصول على علاقات إيجابية.
ولكن ماذا يحدث عندما يسوء الشعور بالذنب؟ في بعض الأحيان، يكون دافعنا إلى الشعور بالذنب حساساً للغاية وينطلق على نحو غير لائق، أو إلى درجة قصوى عند ارتكاب أخطاء صغيرة؛ وهذا ما يُعرَف باسم الذنب المفرط، أو الذنب المضر بالصحة، وهو بالضبط ما يمكن لهذا الدليل أن يساعدك على تجاوزه.
لتفهم ما إذا كان الذنب الذي تشعر به مضر بصحتك، من المفيد أن تفكر في قواعدك الأساسية. كل مشاعر الذنب تحدث عندما تخرق إحدى قواعدك، فبعض القواعد ذات قيمة وتدعمك أنت والآخرون عموماً، مثل عدم السرقة أو تجنب مهاجمة من تحب بالكلمات الجارحة، وهذه القواعد تجعلك تشعر بالذنب غير المضر لصحتك.
وهناك قواعد أخرى، مثل يتعين عليك أن تقول نعم دوماً أو عدم تخييب أمل الآخرين أو عدم الغضب أبداً، قد تكون مثل أقفاص سامة تبقيك محاصراً في معاناة دائمة، وقد تؤدي إلى شعور غير صحي بالذنب.
إنَّ تحديد متى يكون الذنب الذي تشعر به مضراً أو مفرطاً سيساعدك على الابتعاد عنه. في العملية التي تتكون من خمس خطوات أدناه، ستتعلم بالضبط كيف تفعل ذلك. في الوقت الحالي، إليك بعض الإرشادات السهلة للتمييز بين الشعور بالذنب المضر بالصحة وغير المضر بالصحة:
الذنب المضر بالصحة |
الذنب غير المضر بالصحة |
ينشط عندما تخالف أيَّة قاعدة حتى ولو كانت تلك غير واقعية أو غير سديدة. |
ينشط عندما تخالف قاعدة سديدة تتفق معها. |
تشعر به عندما يشعر شخص ما بالانزعاج، بغض النظر عن سلوكك الذي كان مصدراً لهذا الانزعاج. |
تشعر به عندما تجرح شخصاً ما بأفعالك. |
طويل الأمد من دون طريقة واضحة لمعالجة الأمر. ستصاب بمشاعر الخجل لاحقاً. |
قصير الأمد مع مسار واضح لمعالجة الأمر (الاعتذار أو تغيير السلوك)؛ وهذا يؤدي إلى الشعور بالراحة. |
الهدف هو معاقبة نفسك، فالذنب له جانب يسيء لك. |
الهدف هو إرشادك لتصرفاتك المستقبلية؛ فله جانب بنَّاء. |
"لقد نسيتُ عيد ميلاد والدتي؛ هذا أمر سيئ للغاية، وأشعر بإحساس فظيع، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل الآن لأصحح الأمر؟ أولاً، يمكنني أن أتصل بها مباشرةً وأترك لها رسالة صوتية إذا لم ترد، وسأرسل لها فيديو للأطفال وهم يغنون لها عيد ميلاد سعيد عندما أصل إلى المنزل اليوم، فهذا سوف يسعدها، وسأقوم بوضع تذكير في تقويمي للعام القادم حتى لا أرتكب هذا الخطأ مرة أخرى".لتلخيص هذه الفروق بطريقة أخرى، دعونا نفكر مرة أخرى في مثال نسيان عيد ميلاد والدتك. إليك ما قد يبدو عليه صوت الذنب الداخلي غير المضر بالصحة:
لاحظ كيف يعترف هذا الصوت بالخطأ دون أن يحاول إنكاره أو التقليل من شأنه، كما أنَّه يركز تركيزاً رئيساً على ما يمكن فعله الآن لتصليح الأمور، كل ذلك دون جلد ذاتك أو الإساءة اللفظية إلى نفسك. قارنوا صوت الذنب غير المضر بالصحة مع صوت الذنب المضر بالصحة:
"لقد نسيتُ عيد ميلاد والدتي، وهذا أمر فظيع. يا لها من امرأة مسكينة، كيف يمكنني أن أفعل هذا بها؟ لا بد أنَّها تشعر بإحساس فظيع. إنَّ هذا التصرف سيئٌّ جداً مني. ماذا كنت أفعل بالأمس على أي حال؟ لماذا لم أتذكرها؟ لا بد أنَّها حزينة ومنزعجة وهذا خطئي، صحتها ليست جيدة الآن على أي حال، وها أنا أتخلى عنها في عيد ميلادها، هذا الأمر سيجعلها فقط تشعر بشعور أسوأ. أنا دائماً أفعل هذا النوع من الأشياء. كم أنا ابن سيئ!".
هل شعرتَ بالفرق بين هذين الحديثين الداخليين؟ وهل يمكنكم أن تشعروا كيف أنَّ الثاني يمثِّل عبئاً يصعِّب عليكم اتخاذ إجراء فعال لمعالجة الأمر.
في مراقبتي السريرية، رأيت كيف أنَّ صوت الذنب المضر بالصحة يمكن أن يستمر لساعات أو أيام؛ وهذا يؤدي إلى فترات طويلة من التسويف أو التجنب أو تدني المزاج.
وقبل أن نمضي قدماً، يجدر بنا أن نوضح أنَّ هذا الدليل لا يستهدف الأشخاص الذين يقومون بجرائم أو تجاوزات خطيرة؛ وفي هذه الحالات، قد يطول الشعور بالذنب أحياناً لسنوات عديدة، ويسبب قدراً كبيراً من الصعوبة والضيق. إذا كنت تواجه هذا النوع من الذنب الخطير والمنتشر، فقد يكون من المفيد رؤية طبيب نفسي لفهم والتأقلم مع ما يحدث.
ولكن إذا كان هذا الشعور بالذنب المفرط ناتجاً أكثر عن تجاوزات صغيرة، مثل الحديث الداخلي الذي جرى في عيد الميلاد الثاني المذكور آنفاً، فلنتحدث عما يجب فعله بالضبط لتحرر نفسك مما يحدث.
شاهد: 10 أسباب وراء شعورك بالندم
ما العمل؟
في معظم الأحيان، يبذل الناس قصارى جهدهم لإرضاء الجميع من حولهم وتجنب إزعاج الآخرين مهما كان الثمن. إن بدت هذه استراتيجية سيئة بالنسبة إليك فأنت محق تماماً، يمكننا أن نفعل ما هو أفضل بكثير.
في الواقع، من الممكن استعمال كل حالة من حالات الذنب لتوضيح قيمك، وتحديد القواعد التي ترغب في العيش بموجبها، وتحرير نفسك من تصورات ومطالب الآخرين، وللقيام بذلك، سوف أشارك عملية من خمس خطوات استعملتها مع مئات العملاء لمساعدتهم على تحرير أنفسهم من الذنب المفرط:
1. الاعتراف والسماح بالشعور بالذنب:
الخطوة الأولى لتحرير أنفسنا من أي شيء هي الاعتراف به والسماح به. في البداية، قد لا تلاحظ أنَّك تشعر بالذنب؛ لأنَّ مشاعر الذنب قد تكون مؤذية، فقد يكون دافعك أن تلهي نفسك أو تلتزم بالاعتذار، لكن بدلاً من إظهار ردة فعل للشعور بالذنب، يجب عليك أن تتحقق منه.
اهدأ، وخصِّص دقائق قليلة لتتعاطف مع عواطفك ومشاعرك الجسدية. ما الذي لاحظتَه؟ وهل أنت منزعج؟ وهل لديك أفكار متسارعة ومضطربة؟ وهل أنت قلق أو مشوَّش؟ وهل تشعر بضيق في صدرك؟ وهل تشعر بتوعُّك في معدتك؟ هذه كلها دلائل محتملة على الشعور بالذنب.
الآن، راجع أفكارك، أُسمِّي هذا الصوت "صوت الذنب"، ومن الهام جداً ملاحظة كيف يتحدث إليك. تذكَّر المثال الوارد آنفاً والجدول الذي يميِّز بين الذنب المضر بالصحة وغير المضر بالصحة. هل الصوت يبدو هادئاً ومحباً بينما تعترف بأنَّك ارتكبتَ خطئاً؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا على الأرجح ذنب غير مضر بالصحة، أو أنَّ الصوت يبدو غاضباً وانتقادياً، أو صوتاً يؤنِّبك ويملي عليك ما ينبغي أو ما لا ينبغي فعله. إذا كانت أفكارك تخبرك أنَّ أفعالك تجعلك أنانياً، أو لئيماً أو حتى متهوراً؛ إذن، فهذا على الأرجح ذنب مضر بالصحة.
مهما كان الذنب الذي تشعر به، عندما تلاحظ ظهوره، يمكنك في الواقع الاعتراف به بصوتٍ عالٍ؛ هذه هي القوة، حتى لو كنت وحدك فقل بسهولة: "إنَّ ما يراودني هو الشعور بالذنب"؛ إذ يوفر الاعتراف بذلك لك حافزاً قوياً للتغيير. اسمح لنفسك بالجلوس مع المشاعر والأفكار، واختبرها للحظة، وخلال هذه الخطوة، من الهام أيضاً أن نضع في حسباننا التفكير العاطفي الخاطئ، فلمجرد أنَّك تشعر بالذنب، هذا لا يعني تلقائياً أنَّك قمت بشيء خاطئ فظيع؛ وهذا يقودنا إلى خطوتنا التالية.
2. تحديد القاعدة أو القواعد التي خالفتَها:
هذه هي الخطوة التالية في القضاء على الذنب المضر بالصحة لأنَّها ستعطيك معلومات ذات قيمة حول ما يحدث وكيفية التعامل معه. إنَّ معرفة القاعدة التي خالفتها سوف تساعدك على تحديد ما إذا كان هذا ذنباً مضراً بالصحة أم لا.
لتحديد القاعدة التي كسرتها، بسهولة، أصغِ إلى صوت الذنب في رأسك، سيخبرك بوضوح ما كان يجب أو لا يجب عليك فعله.
ستلاحظ أنَّ بعض القواعد تتضمن أشخاصاً آخرين، على سبيل المثال: إذا طلب صديقٌ لك أن يلتقي بك ورفضت لأنَّك متعب، فقد تشعر بالذنب لأنَّ قواعدك تشمل "عندما يطلب صديقي قضاء الوقت معه يجب أن أقول نعم دائماً" أو "لا يجب أن أفعل أي شيء يخيِّب أمل الآخرين".
القواعد الأخرى ستتعلق فقط بك وبسلوكك الشخصي، على سبيل المثال: إذا أكلت شطيرة كبيرة وبطاطا مقلية ومخفوق الحليب، وشعرتَ بالذنب بعد ذلك، فقد تجد أنَّ قواعدك تشمل "لا ينبغي أن أتناول الوجبات السريعة" أو "ينبغي أن يكون لدي المزيد من ضبط النفس".
هل بدأتَ تفهم كيفية سير هذه التجربة؟ جربها عندما تشعر بالذنب، أو مع شيء كان يجعلك تشعر بالذنب في الماضي، وتذكَّر ما يقوله لك صوت الذنب، وحدد القواعد الأساسية، ثم ابدأ بتجربتها عندما يأتي الشعور بالذنب في حياتك اليومية، وبمجرد أن تتمكن من فعل ذلك، ستكون في طريقك للحد من الشعور بالذنب المفرط والشعور بالسعادة والحرية والمزيد من المحبة لنفسك وللآخرين.
3. تحديد ما إذا كان الذنب مضراً بالصحة أم لا:
تذكَّر أنَّ الشعور بالذنب غير المضر بالصحة هو شعور ينشأ عندما تخالف قاعدة واقعية تطمح إلى العيش بموجبها، فهذا الذنب يقودك للسير على الطريق الصحيح وعلى أن تكون الشخص الذي تريده في حياتك، فهو يذكرك بما هو أكثر أهمية، ويلهمك للعيش في انسجام مع قيمك. إنَّها قوة إيجابية للتغيير وهي متجذرة في حب نفسك وحب الآخرين.
أما الذنب المضر بالصحة هو شكل من أشكال العقاب والهجوم الذاتي، يمكن أن ينشأ عندما تكسر قاعدة غير متوافقة مع قيمك الحقيقية. ويمكن أن ينشأ أيضاً عندما تخالف قاعدة تقدر قيمتها، ولكن بدلاً من أن تتحفز لتتغير إيجابياً، يصبح الشعور بالذنب مفرطاً وساماً.
فعندما نشعر بالذنب المضر بالصحة، غالباً ما نبالغ في تقدير مدى انزعاج الآخرين من تصرفاتنا؛ وهذا يضخِّم تجاوزاتنا بشكل غير طبيعي، ثم نستعمل هذه المعلومات الخاطئة لكي نستنتج أنَّنا اقترفنا خطايا ويجب أن نعاقَب عليها. نظن أنَّنا لو عاقبنا أنفسنا وعانينا بما فيه الكفاية بسبب أفعالنا السيئة، عندها سنكفِّر عن ذنوبنا؛ ولكنَّ هذا النهج لتحسين علاقاتنا أو أفعالنا الشخصية لا يؤثر إيجاباً في سلوكنا، وهو متجذر في الخوف.
لتحديد ما إذا كنت تشعر بذنب مضر بالصحة أم غير مضر بالصحة، فمن المفيد النظر إلى القواعد الأساسية التي اخترقتَها. انظر إلى قائمتك من القواعد المخالفة واسأل نفسك: "هل تريد العيش وفقاً لهذه القواعد؟ وهل تعكس القواعد هذه قيمك؟ وهل هي فعلاً واقعية؟".
إذا أجبت "نعم" عن هذه الأسئلة، فهناك رسالة مفيدة في شعورك بهذا الذنب تحاول خدمتك، ومن ثمَّ هذا ذنب غير مضر بالصحة، ولكن إذا أجبت "لا" عن أيٍّ من هذه الأسئلة، فقد تشعر بذنب مضر بالصحة. ما زال هناك درس لتتعلمه؛ لكنَّه درس مختلف قليلاً وهذا أمر هام جداً يجب عليك أن تفهمه، إذا لم تصلك الرسالة بالطريقة الصحيحة، فسوف تعلق في ذنب مضر بالصحة.
4. فهم الرسالة جيداً:
تتيح لك هذه الخطوة بأن تحوِّل مشاعر الذنب المزعجة إلى تجربة إيجابية تفيدك أنت والآخرون على حد سواء. دعني أوضح ذلك بمثال.
قبل بضع ليالٍ، كان قد حان موعد النوم في منزلنا، وكان الجميع متعبين، وعندما يتعب الكبار، فإنَّهم يريدون الاستلقاء والاسترخاء والتجهيز للنوم المريح، أما عندما يتعب الأطفال الصغار، يطلقون كل طاقتهم، ويفقدون السيطرة على أنفسهم ويصابون بالجنون. وفي تلك الليلة بالذات، كان ابني الأكبر يدفع أخاه الأصغر، فقد كان يرفض بأن أنظف أسنان أخيه. لم أكن أتعامل مع الأمر تعاملاً جيداً، وكان صبري قد نفد، فأصبحَت لهجتي غاضبة ومزاجي حاداً.
وأخيراً وضعت الجميع في السرير وبدأت بقراءة قصة لابني الأكبر لكنَّه كان مشتتاً وأراد كتاباً آخر موجوداً خارج غرفة نومه، ثم أراد حليب اللوز، لم يرد أن يهدأ، وأراد أن يُبقي أخيه مستيقظاً، ثم أصبح صوتي أكثر حدة كلما استجبتُ لهذه المطالب. لم أصرخ عليه؛ لكنَّني لم أستطع إخفاء استيائي منه في تلك اللحظة، وعلى الرغم من أنَّني لم أقل له بصوتٍ عالٍ: "أنت سيئ لأنَّك ما زلت مستيقظاً ولأنَّك لا تفعل ما أقوله"، كانت لغة جسدي ونبرة صوتي ترسلان هذه الرسالة بصوت عالٍ وواضح.
في النهاية، لقد نام، الحمد لله. شعرت براحة، ومن شدة النعاس نمت إلى جانبه على سريره الصغير، وأنا أصغي إلى صوت نفسه المهدئ للأعصاب؛ لكنَّني استيقظت في الصباح التالي مع غصة في قلبي؛ إذ انتابني الشعور بالذنب، لقد رأيت كيف كنت انتقادياً وغير محب لابني، فغضبت من نفسي وحزنت بسبب انفصالي عنه وشعرت بألمٍ في قلبي.
هل هذا ذنب مضر بالصحة أم لا؟ الأمر كله يعتمد على الرسالة التي يرسلها الذنب إليك أولاً. تحققتُ من القواعد ألا وهي (الخطوة الثانية)، وكانت تلك التي خالفتُها واضحة للغاية؛ يتعين عليَّ أن أكون صبوراً مع أبنائي، ويجب ألا أبدي أيَّة ردة فعل لسلوكهم البريء، وأتواصل معهم بحب عندما أحاول التأثير فيهم. لا يجب أن أنقل لهم رسالة أنَّهم سيئون لكونهم مستيقظين أو لأنَّهم يفعلون شيئاً آخر ليس لهم سيطرة عليه.
نعم، هذه هي كل القيم التي أطمح إليها؛ لذا يمكنك أن تفترض أنَّ هذا ذنبٌ غير مضر بالصحة، ولكن أيضاً كيفية معاملة نفسك تحدد ما إذا كان الذنب مضراً بالصحة أم لا. وعندما أصغيتُ إلى صوت الذنب عن كثب، سمعتُ الرسالة التالية: "هذا أمر غير مقبول البتة، كيف أمكنك فعل هذا بأطفالك؟ يا لك من أب سيئ!". لقد كان ذلك قاسياً؛ لذا، وعلى الرغم من أنَّني خالفت القاعدة التي أتفق معها، إلا أنَّ صوت الذنب هذا كان قاسياً للغاية ولم يكن بنَّاءً في خلق نمط جديد مع أطفالي، وهو ما يشير إلى أنَّني انتقلت إلى الذنب المضر بالصحة.
5. اتخاذ إجراءات جديدة:
الحقيقة هي، لا يمكنك أن تجبر نفسك لأن تصبح شخصاً أفضل، فمهاجمة أو توجيه الانتقاد، أو معاقبة نفسك لن يؤدي إلى التحسن، وهذا نمط قديم وغير مدروس يقع فيه الكثيرون منا، على الرغم من أنَّه من الواضح أنَّ هذا النمط لا يجدي نفعاً، فبدلاً من ذلك، ركِّز على ما يمكنك فعله الآن.
إذا استمر عقلك في إعادتك إلى تجاوزاتك المفترضة، وإلى أنَّها كم كانت سيئة، وكم كنت أنت شخصاً سيئاً، فقم بسهولة بتسمية هذا الذنب بأنَّه ذنب مضر بالصحة وذكِّر نفسك بأنَّه لن يخدمك. لمساعدة نفسك على التخلص من هذا الشعور بالذنب المفرط، يمكنك أن تقف، وتأخذ بعض الأنفاس وتتحرك في أرجاء الغرفة. قل بصوتٍ عالٍ: "إنَّ هذا النوع من الهجوم لن يفيدني، يمكنني أن أفعل ما هو أفضل بكثير".
وفي الصباح التالي بعد أن فقدتُ صبري مع ابني، بدلاً من الانغماس في الهجوم الذاتي والانحدار إلى حالة من العار، حولت انتباهي بعيداً عن أفكاري ونحو تلك اللحظة. شعرتُ بأنفاسي تتحرك في صدري، وراقبت الأحاسيس الجسدية للمشاعر التي اختبرتُها، وشعرتُ بالألم بسبب غضبي على ابني ولانفصالي عنه، وشعرتُ بألمه وبحرقة في قلبي، وأرسلت إلى نفسي وإلى ابني الحب.
فبهذه الطريقة يمكنك أن تتحكم في الشعور بالذنب المضر بالصحة، وتدعه يغيرك بطريقة إيجابية، فاخرج من رأسك وتوجَّه إلى قلبك، واشعر بالمشاعر الموجودة فيه، وقابلها بالحب والمغفرة، حتى لو قال لك عقلك إنَّه أمرٌ لا يُغتَفَر، ففي الواقع هو ليس كذلك. فإنَّ المغفرة لا نهائية ويمكن الوصول إليها على الدوام.
وقد تفكر أيضاً في نوع القواعد التي ترغب في العيش بموجبها على الأمد الطويل. إذا كان الذنب الذي تشعر به يعود إلى قاعدة متطرفة أو غير واقعية أو طويلة الأمد ولا تريد العيش بموجبها، فأعلن ذلك. قرر هنا والآن بأنَّك ستختار شيئاً مختلفاً، ويمكنك القيام بذلك عن طريق الإعلان عنه، بدءاً من هذه العبارة القوية: "في واقعي …" على سبيل المثال:
- في واقعي، لا بأس أن أقول "لا" عندما أريد أو أحتاج إلى ذلك.
- في واقعي، لا بأس للآخرين بأن يشعروا بخيبة الأمل لفترة مؤقتة.
- في واقعي، لا بأس بأن أدافع عن نفسي وأن أعبِّر عن وجهة نظري.
وهذه طريقة رئيسة لتأكيد القواعد الجديدة التي تريد العيش بموجبها، القواعد التي تتناقض تناقضاً تاماً مع القواعد القديمة غير الواقعية المتعلقة بالذنب المفرط.
من ناحية أخرى، إذا أدركت خلال الخطوات السابقة أنَّ هذا ذنب غير مضر بالصحة، وأنَّك قد كسرت قاعدة تعكس قيمة أساسية، فقد يكون هناك بعض الإجراءات العملية التي يمكنك اتخاذها.
هل تحتاج إلى أن تعتذر لشخص ما؟ وهل تحتاج إلى تغيير سلوكك أو عاداتك أو طرائقك في التواصل مع أشخاص معينين؟ وهل تحتاج إلى طقوس أو ممارسة منتظمة تساعدك على أن تكون أكثر صبراً، ولطفاً، واهتماماً، وحاضراً أو مسترخياً؟ خذ لحظة لتقرر السلوك الصحيح وتعهَّد بفعله الآن، ودع عدم الراحة والقلق وضغط الذنب غير المضر بالصحة أن يكون قوة إيجابية لتوجيه سلوكك من الآن فصاعداً.
المصدر: 1
أضف تعليقاً