طرق مبتكرة في العلاج المعرفي السلوكي للرهاب

يُعَدُّ علم النفس من العلوم الممتعة التي تفسر وتوضِّح لنا كثيراً من الظواهر والحالات التي تحدث أمام أعيننا في كل مكان حولنا، سواء في الشارع أم المدرسة أم الجامعة أم العمل، وكذلك يفسر علم النفس لنا ما نشعر به من عواطف الحزن أو الخوف أو الغضب أو القلق التي قد تنتابنا فجأة دون أي مسبب ظاهر، فنحن نسمع الكثير من الناس يقولون: "أنا أشعر بالحزن لكن لا أعرف لماذا"، "عندما أدخل في المصعد أتعرق بشدة ويكاد قلبي يقفز من جسدي".



سنتطرق في هذا المقال إلى واحد من أهم هذه المشاعر وهو الخوف أو القلق الذي لا يتناسب مع الموقف، والذي يُعرف في علم النفس باسم الرهاب أو الفوبيا، وما سنركز عليه أكثر هو استراتيجيات العلاج المعرفي السلوكي لمختلف حالات الرهاب.

أمثلة عن أنواع الرهاب:

تختلف أنواع الرهاب وتتنوع؛ فهناك الخوف من الأفاعي والعناكب والمناطق المرتفعة والأماكن الضيقة والرعد والظلام والأماكن العامة والمفتوحة والمياه العميقة؛ أي إنَّه خوف لا يتناسب مع خطورة الموقف، وما يميز الرهاب هو أنَّه حقيقي بدرجة كبيرة بالنسبة إلى المصاب به.

متى يجب علاج الرهاب؟

يُجمِع الكثير من الأطباء حول العالم بعدم ضرورة معالجة الرهاب إلا في الحالات التي تجعل الشخص في ضائقة كبيرة من الناحية السريرية، أو في حال كان الرهاب يحول بينه وبين العمل أو يعوقه عن أداء مهامه الضرورية اليومية أو يمنعه من إقامة علاقات اجتماعية صحية. 

ما هي الحالات التي لا يفيد فيها علاج الرهاب؟

على سبيل المثال، يوجد لدى بعض الأشخاص خوف شديد من النمور، ولكنَّ هذا الخوف أو الفوبيا ليست مبرراً لإنفاق الوقت والمال على علاجه بالأدوية أو غير الأدوية، فالأفضل أن تتجنب الأماكن التي توجد فيها النمور مثل حديقة الحيوانات، أما في حال كان لديك فوبيا من ركوب الطائرة، وعملك يتطلب السفر من منطقة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر، هنا لا يمكنك الاستغناء الكامل عن الطائرة؛ بل أنت مضطر إلى علاج هذا الرهاب في أقرب وقت لدى طبيب نفسي متخصص أو معالج نفسي.

كيف يحدث الرهاب؟

يعتقد الشخص المصاب بالفوبيا أو الرهاب أنَّ هذا الموقف المخيف هو موقف خطير بطبيعته، وهذا الاعتقاد يولِّد أفكاراً تلقائية تخرج إلى الوعي وتتظاهر على شكل مشاعر وعواطف حادة لا يمكن السيطرة عليها بمجرد مواجهة الموقف المخيف.

لماذا تكون أكثر الرهابات هي من الحيوانات وليست من السيارات؟

من ناحية الإحصاءات الحديثة، فمن النادر أن يموت أحد من لدغة الأفعى، وأكثر أسباب الوفاة هي حوادث السير، ولكنَّنا لا نخاف أبداً من ركوب السيارة، مع أنَّ نسبة الوفاة عند ركوبنا في الحافلة أو السيارة أكبر بأضعاف مضاعفة من نسبة الوفاة جراء الأفاعي أو العناكب أو الحيوانات الأخرى.

يقول أحد الباحثين في علم النفس إنَّ أخطر شيء فعله في حياته هو قيادة السيارة، وعندما يقف خلف عجلة القيادة يحاول أن يُشعر نفسه بخطورة الموقف، ولكنَّه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً؛ لا بل شعر بموجة من الطاقة والحماسة عندما أقلعت السيارة، بدلاً من شعور الخوف والقلق الذي يجب أن يكون موجوداً تجاه أكثر المخاطرات التي قد يقوم بها أي إنسان عادي في الحياة اليومية، ولكنَّ الإنسان مبرمج على الخوف من الأفعى والثعبان والعقرب منذ عدد لا محدود من السنين، من أجل الحفاظ على حياته، وساهم هذا الخوف في تشكيل غرائزه ومشاعره وسلوكاته، فيما تُعَدُّ السيارة اختراعاً حديثاً مقارنة بالحيوانات الضارة الموجودة منذ الأزل.

شاهد: 12 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف

ما هو المبدأ الذي يرتكز عليه العلاج المعرفي السلوكي للرهاب؟

يساعدك العلاج المعرفي السلوكي أو (CBT) على إدارة مخاوفك من خلال تحفيزك على تغيير أنماط التفكير، مع التأكيد على أنَّ هذه العملية تدريجية وبطيئة ولا يمكن أن تتم بين يوم وليلة أو حتى أسابيع وأشهر، فهي تنطلق من معالجة الأفكار والمعتقدات بوصفها طريقة للوصول إلى تعديل المشاعر ومن ثم تعديل السلوك وضبطه ولو بشكل جزئي.

إنَّ هذا النمط من العلاج يحتاج إلى صبر المريض وتفهمه؛ وذلك لأنَّه يحتاج إلى جلسات عدة لتعديل أنماط التفكير الخاطئة التي تكونت بشكل خاطئ على مدى سنوات طويلة.

العلاج المعرفي السلوكي للرهاب من خلال التعرض:

يوجد نمط شائع من العلاج المعرفي السلوكي لمواجهة الرهاب، يسمى العلاج بالتعرض؛ إذ يساعد المعالج النفسي مريضه على مواجهة مخاوفه ومن ثم التغلب عليها من خلال اتباع خطوات متدرجة من حيث التعرض.

مثال عملي يشرح العلاج المعرفي السلوكي للرهاب من خلال التعرض:

على سبيل المثال، يأتي إلى عيادة المعالج النفسي رجل يعاني من فوبيا الكلاب؛ إذ يشعر بالتعرق والخفقان وانقطاع النفس عندما يرى كلباً، ويزداد هذا الخوف عندما يركض الكلب أو ينبح أو يلعب، فيطلب المعالج من المريض أن يقرأ بعض الكتب أو المجلات أو المقالات التي تخص الكلاب، ومن ثم مشاهدة أي فيلم يتحدث عن الكلاب، وكخطوة أخيرة للتخلص من هذا الخوف، يتم تحديد حصص يومية يقوم فيها المريض باللعب مع جرو صغير وأليف، ليس لديه أي نزعة عدوانية.

العلاج المعرفي السلوكي للرهاب من خلال العلاج الجماعي:

يُعَدُّ العلاج الجماعي عنصراً فعالاً ضمن استراتيجية العلاج المعرفي السلوكي في علاج الرهاب، وقد تستدعي الجلسة إقامة ندوة جماعية لمدة ساعة واحدة ولأيام عدة.

مثال عملي يشرح العلاج المعرفي السلوكي للرهاب من خلال العلاج الجماعي:

على سبيل المثال، قد يجتمع مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من رهاب الطيران أو رهاب الطائرات، في منطقة قريبة من المطار كخطوة أولى، ومن ثم يتم قضاء عطلة جماعية في أحد الفنادق التابعة للمطار، يجري فيها فصول تعليمية نفسية، وقد تُجرى جلسات التعرض داخل المطار بشكل جزئي، تمهيداً لإجراء اختبار تعرض نهائي داخل طائرة ساكنة، ومن بعدها طائرة ساكنة مع تشغيل صوت الإقلاع وصوت المحرك الطبيعي، قبل إجراء انخراط في رحلة حقيقية، وقد لا يحتاج الجميع إلى كل هذه الخطوات.

العلاج المعرفي السلوكي للرهاب من خلال العلاج الفردي:

يسمح العلاج الفردي للمعالج النفسي أن يركز على حالة المريض بشكل أساسي، وبناء علاقة علاجية ناجحة بينهما تحقق الفائدة المرجوة للمريض، وتعمل بعض أنواع العلاج الفردي على استكشاف الصراعات الأساسية داخل وجدان المريض وتحليلها من الناحية النفسية، ومن ثم إسقاطها على ما يعاني منه المريض من أعراض، وقد تستمر مدة أشهر أو حتى سنوات.

شاهد أيضاً: 6 خطوات بسيطة تقهر بها رُهاب الحديث أمام الجمهور

العلاج المعرفي السلوكي للرهاب من خلال العلاج الأسري:

يُعَدُّ العلاج الأسري أحد أهم أنواع العلاج المعرفي السلوكي، وخاصةً عندما تكون المشكلة النفسية تخص الأطفال، فالطفل هو مرآة لوالديه، وأغلب حالات الاضطرابات النفسية عند الأطفال تكون بسبب الأهل؛ لذلك يُعَدُّ العلاج الأسري جزءاً لا يتجزأ من خطط علاج الأطفال الذين يعانون من الرهاب، ولا يقتصر العلاج الأسري على الأطفال، فإذا شعر المعالج النفسي بأنَّ حالة الرهاب التي تعاني منها قد تتحسن عبر إشراك أفراد من العائلة، فقد يطلب منك ذلك.

إقرأ أيضاً: الرهاب الاجتماعي: أعراضه، مضاعفاته، طرق التخلص منه

ما هي الأدوية التي قد تُستخدم في علاج الرهاب؟

أغلب حالات الرهاب من أماكن أو حالات معينة لا تحتاج إلى أدوية، على النقيض من الرهاب الاجتماعي الذي غالباً ما يتطلب علاجاً دوائياً من خلال أحد الأدوية الآتية:

  1. الأدوية الحاصرة لمستقبلات بيتا، التي تمنع تأثيرات الأدرينالين.
  2. مضادات الاكتئاب، مثل الأدوية الحاصرة لعود التقاط السيروتونين.
  3. المهدئات من أجل الاسترخاء، وتقليل أعراض القلق في عدم القدرة على السيطرة عليها.

لا شكَّ في أنَّ العلاج المعرفي السلوكي هو أحد العلاجات الأساسية للرهاب، ولكنَّه ليس العلاج الوحيد؛ لذا يجب عليك التنسيق مع الطبيب المتخصص لتحديد طريقة العلاج التي تتناسب مع حالتك.

إقرأ أيضاً: رهاب الأماكن المغلقة: تعريفه، وأسبابه، وأهم طرائق علاجه

في الختام:

يُعَدُّ المرض النفسي مشكلة حقيقية مهما كان بسيطاً، ليس لأنَّ علاجه صعب أو أنَّ الأمراض النفسية خطيرة أو معنِّدة على العلاج؛ بل لأنَّ المريض في كثير من الحالات يرفض مراجعة الطبيب النفسي حتى يصل به المرض إلى مرحلة متأخرة لا تنفع معها الأدوية، وقد يصل إلى هذه المرحلة ولا يطلب المساعدة من طبيب نفسي؛ لذلك إنَّ الأهم من نشر الوعي حول الأمراض النفسية، هو نشر ثقافة مراجعة الطبيب النفسي في حال مواجهة أيَّة مشكلة معندة على العلاج لأكثر من ثلاثة أسابيع، فقد نحتاج هنا إلى بعض النصائح لتحقيق الشفاء الكامل، بينما قد يكون المجيء بعد ثلاث سنوات بلا فائدة على الرغم من جميع العلاجات والأدوية.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة