طرق لإطلاع طفلك على ثقافات جديدة

إنَّ بناء إنسان مثقف وذي وعي عالٍ يبدأ بمرحلة الطفولة؛ وذلك لأنَّ الطفولة هي اللبنة الأساسية في تكوين شخصية الإنسان؛ إذ يُعَدُّ الطفل كائناً اجتماعياً شديد التأثر في كل ما يدور حوله ضمن العائلة أو في المدرسة أو في الشارع، كما أنَّ تثقيف الطفل له دور كبير في نجاحه لاحقاً على المستوى العلمي والعملي والشخصي أيضاً؛ لذلك من الضروري تعريف الطفل بالمجتمع الذي يكون موجوداً فيه أولاً ومن ثم إطلاعه على ثقافات أخرى جديدة ومتنوعة؛ إذ يُعَدُّ تعريفه بالثقافات المختلفة من الأمور الهامة؛ وذلك كي يستطيع لاحقاً التعامُل مع الآخرين باختلاف ثقافاتهم والتأقلُم مع أي مكان يذهب إليه.



أهمية اطِّلاع الطفل على ثقافات جديدة:

لا تقل أهمية اطِّلاع الطفل على ثقافات جديدة عن أهمية اطِّلاعه على ثقافة مجتمعه؛ وذلك للأسباب الآتية:

  1. إنَّ تعريف الطفل إلى المجتمعات والثقافات الأخرى يساعد بشكل كبير على تحفيز عقله ويزيد من إدراكه وقدرته على التفكير بطرائق متنوعة ويكون أكثر وعياً مقارنةً بغيره من الأطفال في نفس مرحلته العمرية، كما أنَّ إغناء عقل الطفل بمعلومات متنوعة يساعد على تطوير أفكاره وتوسيع خبراته مع مرور الوقت.
  2. يساعد الطفل على فهم العالم المحيط به بشكل أكبر، فكثيراً ما نصادف في حياتنا أشخاصاً بعمر ليس صغيراً لكن ليست لديهم أدنى المعلومات عن مجتمعات غير مجتمعهم الموجودين فيه، وهذا أمر سيِّئ ينعكس سلباً على نجاحهم العملي وعلى علاقاتهم الاجتماعية، وبالطبع لا يوجد وقت محدد للتعلُّم، لكن يُفضَّل تعريف الطفل منذ الصغر إلى الثقافات الأخرى.
  3. زيادة إمكانية تواصل الطفل مع أطفال من ثقافات أخرى، فأحياناً قد يبتعد الطفل عن طفل آخر يختلف عنه في لون البشرة مثلاً خوفاً منه، فمن خلال توعية الطفل لوجود ثقافات مختلفة يمكن تلافي حدوث هذه الأمور؛ وذلك لأنَّه يزيد من تقبُّل الطفل للمتناقضات الموجودة في الحياة، والتي لا بدَّ من مواجهتها.
  4. عندما يعرِّف الأهل طفلهم إلى الثقافات الأخرى وبشكل صحيح يتعلَّم تلقائياً احترامهم؛ مما يقلل من احتمال تصنيف الآخرين وفقاً للصور النمطية ويزيد من اقتناعه بفكرة أنَّ البشر سواسية ولا يجب أن يُحتَرم شخص وفقاً لمعايير معيَّنة يفرضها المجتمع أو الدين؛ وإنَّما يجب احترام جميع الناس؛ ولهذه النقطة أهمية كبيرة في بناء مجتمع بعيد عن الانقسامات العرقية التي تدمِّر المجتمعات عادةً.
  5. تعريف الطفل إلى ثقافات جديدة يرفع من مستوى الطفل العلمي؛ وذلك لأنَّه يشارك المعارف والعلوم والآداب التي تخص الشعوب الأخرى.
  6. رفع المستوى المهني والوظيفي لاحقاً؛ وذلك لأنَّ تثقيف الطفل جيداً وتعريفه إلى المجتمعات المختلفة سيمكِّنه من اختيار المهنة المناسبة له مستقبلاً ويمكِّنه من السفر إلى بلد يرغب في العمل فيه والعيش فيه؛ وذلك لأنَّه سوف يتمكَّن من معرفة المكان المناسب لتفكيره وطموحاته في الحياة.
  7. التنوُّع في نمط حياة الطفل مستقبلاً؛ إذ نلاحظ أنَّ التعرُّف إلى ثقافات متنوعة ومختلفة تساعد على بناء شخص حياته مختلفة نوعاً ما؛ فيوجد تنوع في قائمة الأطعمة التي يتناولها، والتي تكون ذات طوابع ثقافية مختلفة من أنحاء العالم، بالإضافة إلى طريقة ارتدائه للملابس أيضاً مختلفة، ولديه الكثير من العلاقات الاجتماعية والدينية المتنوِّعة والناجحة.
إقرأ أيضاً: 8 قواعد لآداب تعامل الطفل مع الآخرين

طرائق إطلاع الطفل على ثقافات جديدة:

قد يعتقد بعضنا أنَّ تعريف الطفل إلى مجتمعات وثقافات جديدة أمر في غاية الصعوبة، ولكنَّ الأمر بسيط فقط يحتاج إلى القليل من الاهتمام والجهد، والأسرة تتحمل مسؤولية تثقيف الطفل بالمرتبة الأولى وليس المدرسة كما يعتقد الكثيرون من الناس؛ وذلك لأنَّ الثقافة تختلف عن التعليم فهي ليست علماً جاهزاً يُقدَّم للطفل؛ وإنَّما مجموعة من المهارات والفنون والآداب والمعلومات التراكمية التي يحصل عليها الإنسان خلال مراحل عمره، ويمكن أن يُعرِّف الأهل طفلهم إلى ثقافات جديدة من خلال اتِّباع ما يأتي:

  • السفر إلى بلدان أخرى، والذي يُعَدُّ الطريقة الأسهل بالنسبة إلى الطفل ليتم تعريفه إلى الثقافات الأخرى في هذا العالم من خلال رؤية ناس مختلفين عنه والتجوُّل في بلد جديد والتعرُّف إلى معالمه الحضارية، وتُعَدُّ أفضل طريقة؛ وذلك لأنَّ كل ما يراه سيبقى موجوداً في ذاكرته ومن ثم الفائدة من التثقيف تكون أكبر، ولكنَّ فئة قليلة من الناس يمكنهم السفر والتجوُّل في البلدان الأخرى؛ لأنَّ الأمر مكلف مادياً ومن ثم يُعَدُّ تحقيق هذه الطريقة صعباً نوعاً ما بالنسبة إلى الأهل، لكن من حسن الحظ أنَّ السفر ليس هو الطريقة الوحيدة لتعريف الطفل إلى الثقافات الجديدة المختلفة؛ وإنَّما توجد عدة طرائق أخرى.
  • استكشاف العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال شبكة الإنترنت؛ إذ يمكن لأي شخص في أي مكان في العالم أن يجعل طفله يشاهد صوراً ومقاطع فيديو تعليمية مصوَّرة لبلد معيَّن ويأخذ معلومات كافية عن سكان هذا البلد وعاداتهم وتقاليدهم وأعمالهم، بالإضافة إلى تعريفه إلى الأماكن التاريخية لهذا البلد مثلاً. يمكن عدُّ هذه الطريقة سهلة جداً بالنسبة إلى الأهل ولها عدة فوائد، فمثلاً عند مشاهدة أفلام وثائقية مُترجمة بلغة الطفل الأساسية فضلاً عن دورها الكبير في تعريف الطفل إلى ثقافة جديدة فهي أيضاً تجعله يسمع لغة جديدة؛ فمن الممكن أن يلتقط الكثير من المفردات بهذه الطريقة؛ لذلك ركِّز جيداً في هذه الطريقة في تعريف طفلك إلى الثقافات الجديدة، ولا تتفاجأ إن سمعتَ طفلك يتفوَّه بكلمات أجنبية جديدة.
  • استكشاف العالم من خلال الكتب والروايات؛ إذ يمكن للأهل اقتناء كتب تخص ثقافات مختلفة وعندما يصبح الطفل في سن يُسمح له بالقراءة، يجب تعويده على قراءة هذا النوع من الكتب بإشراف الأهل أو قيام الأهل بقراءتها لأبنائهم بطريقة تعزز الفضول لديهم، ومن الهام التنويع في الكتب؛ فيمكن أن يُقرأ للطفل كتاب يخص الإنجازات العلمية والفنية لبلد معيَّن وفي المرة القادمة يُقرأ لهم كتاب يخص شخصية معيَّنة من ثقافة أخرى لها دور وتأثير في المجتمع.
  • القيام برحلات تعليمية إلى أماكن أثرية مثلاً والحرص على أن يُشرح تاريخ هذا المعلم الأثري بالتفصيل، ومن الممكن أيضاً مشاركة الطفل بنشاطات ثقافية وترفيهية تنتمي إلى بلدان وثقافات أخرى، لكن تُقام في بلدك مثل المعارض التي تعرض أعمالاً فنية تعود إلى فنانين ينتمون إلى ثقافة مختلفة، ومن الأفضل أن يبحث الأهل عن نشاطات تسمح للطفل بالاندماج مع أشخاص من ثقافات أخرى.
  • في كثير من الأحيان تُخصِّص أماكن العبادة أياماً للقيام بطقوس تُعرِّف الآخرين إلى دينهم وتعاليمه وعاداتهم في الأحزان والأفراح، فيمكن أن يصطحب الأهل طفلهم إليها لتشرح له أنَّه يوجد تنوُّع ديني في الحياة؛ لذا من الطبيعي احترام الآخرين باختلاف دينهم واحترام طرائقهم في العبادة، وتعريفه إلى أعيادهم ومناسباتهم الدينية كي لا يُصدَم مستقبلاً.
  • يمكن تعريف الطفل إلى ثقافة جديدة من خلال الطعام، فعند اصطحاب الطفل إلى مطاعم تقدِّم طعاماً مختلفاً عن نوعية الطعام المُتعارف عليه في مجتمعه مثل المطاعم المتخصصة بتقديم الطعام الهندي أو الصيني؛ يتحفَّز لديه الفضول للسؤال عن هذا البلد، وطبعاً سيكون الأهل على استعداد للإجابة عن جميع الأسئلة المطروحة من قِبَل طفلهم، ومن الممكن أيضاً تعليمه بعض الكلمات البسيطة باللُّغة الخاصة بهذا البلد مثل كلمة مرحباً أو شكراً أو إلى اللقاء.

شاهد بالفيديو: 8 وسائل يمكن تطبيقها لتعزيز الفضول عند طفلك

المزيد من الطرق لتعريف الطفل إلى مجتمعات وثقافات جديدة:

  1. تعليم الطفل لغات مختلفة عن لغته الأساسية؛ وذلك لأنَّ اللغة هي المفتاح لتثقيفه بثقافات جديدة متنوِّعة؛ إذ سيتمكَّن لاحقاً من التحدُّث إلى أشخاص جدد يتكلمون باللغة التي تعلَّمها، ويمكن أن يسألهم بنفسه عن كل ما يتعلَّق بثقافتهم، وتُعَدُّ اللغة سلاحاً للطفل يبقى معه طوال حياته، وتخوِّله إلى دخول دول أخرى ومجتمعات مختلفة، وتساعده على تكوين شبكة من المعارف الواسعة.
  2. الإجابة عن أسئلة الطفل عندما يلاحظ شيئاً مختلفاً بالنسبة إليه، فمثلاً عندما يسأل لماذا يجلس هذا الشخص على كرسي متحرك أو لماذا يضع هذا الشخص نظارة دائماً أو لماذا هذا الطفل أسود اللون أو لماذا شكل عيني هذا الشخص هكذا، يجب ألَّا يُغيَّر الموضوع أو يُمنَع عن السؤال؛ وذلك لأنَّ إسكات الطفل في هذه الحالات أمر سيِّئ جداً؛ بل يجب على الأهل إيجاد الجواب المناسب لمرحلته العمرية. بالإضافة إلى ذلك على الأهل تشجيع أطفالهم على السؤال دائماً وعدم الانزعاج مهما كان السؤال صعباً؛ كي لا يُشغل تفكيرهم إن لم يجد الجواب ويلجؤوا إلى مصادر أخرى ليحصلوا منها على جواب عن سؤالهم، فقد يكون هذا المصدر غير موثوق وغير آمن فيحصل الطفل على إجابة غير صحيحة مما يُسيء له لاحقاً؛ لذلك من الأفضل سماع الإجابة من أهله بطريقة بسيطة تناسب تفكيره وعمره.
  3. تعليم طفلك تبادُل الأدوار مع الآخرين، فمثلاً عندما يحدِّثك طفلك عن موقف تنمُّر تعرَّض إليه أحد الأطفال بسبب اختلافه عن الآخرين، اطلب منه أن يضع نفسه في مكان الطفل الذي تعرَّض إلى التنمر ويفكر جيداً ثم يخبرك بماذا شعر وماذا خطر في باله من أفكار، فبهذه الطريقة تعلِّم طفلك التنوع الثقافي ومن جهة أخرى تنمي شعوره بالتعاطف مع الآخرين؛ مما يجعله يفكر ملياً قبل أن يسيء إلى أي شخص.
  4. السماح للطفل بالاندماج مع جميع الأطفال دون النظر والتقيُّد بدين معيَّن أو لون معيَّن أو انتماء الأهل إلى مكان معيَّن؛ بل يجب أن تشرح له بنفسك عن وجود ثقافات أخرى ومجتمعات مختلفة عن مجتمعه كي لا ينصدم بالواقع لاحقاً.
  5. إن رأيت أي شكل من أشكال العنصرية أو أي تصرف مسيء لشخص أمام طفلك، يجب أن تدافع وتتكلم ولا تصمت عن قول الحق؛ وذلك لأنَّ طفلك سوف يتعلَّم منك ويكرر ما فعلته؛ ومن ثم بتصرفك السليم هذا سيفهم طفلك احترامك للتنوع الثقافي، فأنت تساعد على تكوين شخص منفتح أكثر تقبُّلاً للاختلاف في المجتمع.
  6. السماح للطفل بالاستماع للأحاديث والحوارات عن الثقافات الأخرى التي تجري بين أفراد العائلة أو مع الآخرين والسماح له بالمشاركة والتعبير عن رأيه؛ إذ يمكن من خلال ذلك معرفة ما هي معلوماته عن الثقافات الأخرى ليتمكَّن الأهل من تصحيحها في حال كانت خاطئة وإضافة معلومات جديدة إلى معلوماته.
  7. دور وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة هام جداً في التوعية والتعريف إلى الثقافات الأخرى؛ وذلك من خلال بث البرامج التعليمية التي تساعد على تثقيف الطفل وتعريفه إلى الثقافات الأخرى بطريقة بسيطة تناسب تفكيره وقدرته على استيعاب المعلومات، لكن لا يمكنك الاعتماد كثيراً على هذه الطريقة في تثقيف طفلك؛ وذلك لأنَّ وسائل الإعلام تبث برامج ترفيهية للأطفال عادةً بشكل أكبر من البرامج التعليمة.
إقرأ أيضاً: 8 نصائح مساعدة لتعليم الطفل اللغات الأجنبية

في الختام:

الطفل هو الكنز الكامن في كل أسرة؛ لذا يجب إعطاؤه الكثير من الاهتمام من أجل تنشئة شخص يؤدي دوراً إيجابياً وفعَّالاً في المجتمع مستقبلاً، ويحمل عقليةً متفتحةً وقابلةً للتغير نحو الأفضل ومواكبةً للتغيرات في العالم ومتقبِّلةً للاختلاف بين البشر.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة